إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

الثامن من تمـوز ليلة يخجل التاريخ أن تضمها صفحاته ..!.

محمد ح. الحاج

نسخة للطباعة 2018-07-07

إقرأ ايضاً


الثامن من تموز ليلة قيل أنها يجب أن تخجل من التاريخ ، وأصح القول أن التاريخ هو من يخجل من وجودها بين صفحاته ، يخجل التاريخ أن يذكرها فهي ليلة الجريمة حالكة السواد التي ارتكبها النظام الطائفي المتخلف في لبنان بدفع من النظام الماسوني العالمي لتصفية رجل بات وجوده خطرا على مشاريع المستعمر الطامع بالأمة ، بموقعها ، بكل ما تملك من ثروات وقدرات ، الرجل الذي أراد ايقاظها لتدافع عن مصالحها وتستعيد ذاتها .

يذكر التاريخ القديم والحديث العديد من عمليات التصفية لمعارضين في كثير من دول العالم ، أو لقادة محليين سجلوا مواقف رافضة لمشاريع الاستعمار والتبعية ، لكن أي من تلك العمليات لم تكن بحجم ما تم ارتكابه بحق أنطون سعادة كمفكر وقائد وطني حاول ، بل تصدى لعمليات تفتيت الأمة ورفض الوصاية عليها ، وحذر من مشاريع الغرب الاستعماري وأهداف هذا الغرب من وضع فلسطين تحت الانتداب وهو من كان سباقا في التحذير من وعد بلفور واستنكاره ، ومعترضا على اتفاقية تقسيم الأمة بين فرنسا وبريطانيا بموجب اتفاقية سايكس – بيكو .

أنطون سعادة الذي استشرف مبكرا المخططات المعادية ، ووضع خطة دقيقة ونظامية للتصدي لها ، واصطدم مرارا بأدوات التنفيذ المحلية ، أدركت القوى الكبرى مدى خطره إن استمر وبدأت ترسم للتخلص منه .

لم يكن ما فعله سعادة جريمة في المنظور الوطني ، بل هو عمل سياسي لم يتفق مع سياسة الكيان الواقعة تحت الوصاية الفرنسية ، ومعلوم أن بريطانيا صاحبة مشروع الوطن القومي لليهود شريكة فرنسا صاحبة النفوذ الكبير في المنطقة التي كانت وصية منتدبة عليها ، والتي لم تخرج منها إلا بعد تجنيد الكثير من قيادات الكيانات المستحدثة وربطها بسياستها الدولية ، سعادة كان يدعو الى استعادة وحدة الأمة الجغرافية ورفض كل النتائج المترتبة على الانتداب والوصاية الدولية ، أراد إعادة الوحدة القومية والجغرافية ليكون لأمته التي نذر نفسه لخدمتها مكانا تحت الشمس وليس قبرا في الظلال الاستعمارية .

اللعبة القذرة التي مارستها القيادات المحلية في الشام واستجابتها لمطالب عملاء الغرب ، وتسليم سعادة لحكومة العمالة في لبنان ، التي حاولت تصفيته خلال نقله من دمشق إلى بيروت ولم تفلح ، اضطرت لمحاكمته صوريا ، أصدرت حكما جاهزا ، ونفذته خلال اربع وعشرين ساعة في سابقة لم يسجل التاريخ مثلها بحق خصم سياسي من قبل ولا من بعد .

كان سعادة يدرك النتائج بحسه المرهف وهو قال : أنا لا أعد السنين التي عشتها ، بل الأعمال التي نفذتها ... وهو عمل الكثير لصالح أمته ، والدليل ثقته بصلابة الفكر الذي وضعه وقدرته على البقاء ... أنا أموت أما حزبي فباق .. وفي هذا نفيا قاطعا لصحة اعتقاد من أراد التخلص من فكر سعادة بالقضاء على شخصه فجاء اعتقاده مجرد وهم .

بعد سبع وستين عاما على اغتيال سعادة ، الزعيم الوطني السوري والمفكر والفيلسوف الذي تعتز بأمثاله الأمم الحية ، نجد أن فكره ما زال متألقا ، في مضامينه الحلول الكفيلة بإنهاض الأمة والارتقاء بفكرها وواقعها لتلحق بالأمم المتقدمة ، ولكن ، ما زال الأعداء هم ذاتهم ، بل تكاثروا وبعضهم تجذر في الأرض ، ونجح في خطته النظامية بعد أن تعاون معه حكام الكيانات العربية من مشيخات وممالك وامارات ، وجمهوريات هيكلية ، فكانوا الحراس لمشاريعه ، ولنستمر في محاولتنا الحفاظ على عقيدتنا وفكرنا ونشر الوعي في مجتمع تخدره قوى كبرى بأفيونها الذي اكتشفته قبلا وما زالت تعتبره الدواء الأنسب للشعوب المتخلفة التي تقول أنها عالم ثالث ، هي من ساهم في صنعه والحفاظ على تخلفه وتمنع أي محاولة لنهوضه .

المجد لسعادة الفادي الأول للنهضة في ذكراه ، المجد لأبناء سعادة من النسور المدافعين عن الأمة فمنهم من رد الوديعة ومنهم من يستمر وما بدلوا .. ولن يبدلوا أبدا عاملين لمجد سوريانا ، وخلود فكر سعادة .

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024