لم تكن قمة سوتشي الثلاثية مفاجأة فقد كان موعدها معلنا وكذلك أقطابها ، مالم يكن معلنا وشكل مفاجأة للجميع ، ربما عدا الرئيسين الروسي صاحب الدعوة والايراني باعتباره الحليف الأقرب لسوريا ، قمة الرئيسين الروسي والسوري قبل يوم من قمة الثلاثة - على الأرجح لم يكن الرئيس التركي على اطلاع - المعتقد أن لا رغبة للرئيس السوري بلقاء أردوغان قبل تصفية الأجواء والتزام تركيا بما اتفق عليه في آستانة وخاصة السادس والتعهد الصريح بسحب القوات التركية حال انتهاء العمليات ضد داعش وعدم حماية جبهة النصرة الارهابية والتنسيق معها كما يجري على الأرض في ادلب .
اللقاء المفاجأة للرئيس السوري بحليفه الروسي يعيدنا بالذاكرة إلى لقاء جرى قبل سنتين حيث تم وضع الخطة الكاملة للمشاركة الروسية ومسار العمليات حيث قام الطيران الروسي بعمليات الدعم والتغطية الجوية لوحدات الجيش السوري والقوات الرديفة التي اتبعت في خططها عمليات التطويق والحصار والقضم البطيء لمواقع عصابات داعش أو النصرة وفي عدة جبهات معا ما أدى لاستعادة مساحات شاسعة وصلت حدود أكثر من 90% من مساحة الكيان حاليا وهي تخطط وتعمل لفرض سلطة الدولة على كامل الأرض السورية وحتى آخر حبة تراب من حدود الوطن .
الرئيس بوتين الذي استقبل الرئيس الأسد قبل يوم واحد من بقائه الرئيسين التركي والايراني ، حرص أن يستمع إلى وجهة نظره ومطالبه لطرحها على اطراف القمة الثلاثية وتبنيها ووضع الخطوط العريضة لمؤتمر سوتشي الموسع لتشكل خارطة طريق لا يخرج عنها الوفد الرسمي السوري والحلفاء حيث يتم مناقشتها مطولا من قبل جميع المشاركين من كافة المنصات السابقة ومن يشارك مجددا حيث هناك توجه لتوسيع المشاركة بما في ذلك الطرف الكردي رغم اعتراض تركيا ولأن هذا الطرف هو مكون سوري ولا رابط بينه وبين النزاع الداخلي التركي – الكردي ، ربما فقط على الصعيد الاعلامي بحكم الرابط العاطفي عرقيا دون المشاركة في النزاع الذي يمكن حله أيضا عن طريق محادثات تركية – كردية برعاية ومساعدة أطراف صديقة كروسيا وايران .
ما صدر عن لقاء سوتشي الثلاثي يبشر شعوب المنطقة في كل من سوريا والعراق وتركيا وايران وجوارهم القريب بوضع نهاية للحرب كونها صراع عبثي لا يخدم سوى العدو الصهيوني الذي يعبر عن خشيته من انتهاء الصراع ، هذه الخشية التي تفضح الرغبة الصهيونية في استمرار عمليات التخريب والصراع في دول الجوار وبما يخدم مصالح الصهيونية ويغطي على ممارساتها بل ، ويسهل عمليات التهويد وقضم المزيد من أراضي الفلسطينيين دون مقاومة تذكر مع وفرة المواقف العربية المتخاذلة - المشاركة في الحرب على سوريا وهي لا تخفي رغبة أنظمتها في إنهاء القضية والتخلي عن حقوق شعبنا في أرضه وثرواته .
في الرياض تزامن انعقاد مؤتمر لبعض أطراف المعارضات مع قمة سوتشي وقد امتنع عدد من الفصائل عن المشاركة ، في حين استقال شخصيات آخرين منهم المنسق العام رياض حجاب ، وبدا أن هذه الجماعات التي لا ظل لها على أرض الوطن ولا تأثير إنما تمثل وجهة نظر الدولة الراعية لها ( السعودية ) والتي تمارس دور الوصاية على الشعب السوري لتقيم حكما تصفه بالديمقراطي على الطريقة السعودية أو حتى الخليجية بشكل عام ، وعندما يعلن الجبير أن بلاده لن تتخلى عن دعم الشعب السوري يتساءل المواطن السوري في الداخل ، كما في الخارج وخصوصا في لبنان وتركيا والدول الأوروبية كيف ستدعم الشعب السوري وهي التي لم تسمح لأحد من هذا الشعب أن يمارس طقوس الحج أو العمرة أو زيارة عائلية لبعض الأهل والأقارب في بلاده ، من هو المكون الذي تستمر السعودية في دعمه وعدم التخلي عنه ، وكم نسبة هؤلاء الذين يعتبرهم الشعب السوري مجرد أذناب وعملاء وخدم للرجعية السعودية التي لا تقف مع جزء كبير من شعبها في الداخل سواء في نجد أو الحجاز أو غيرها من مقاطعات جزيرة العرب .
إن شرائح واسعة من شعبنا السوري تطالب الدولة السورية بإصدار قوائم اسمية لخونة الوطن ، والادعاء عليهم بجرم الخيانة العظمى ومحاكمتهم غيابيا أو حضوريا وتطبيق القوانين التي تجرم أفعالهم وممارساتهم بحق الوطن والمواطنين وعلى رأس هؤلاء مجالس اسطنبول وباريس والرياض الذين طالبوا بالتدخل الأجنبي وقصف قواعد جيشنا البطل وتخريب قواعد الدفاع الجوي وقتل الطيارين السوريين ونهب ثروات الوطن ومعامله وبيعها في الأسواق المجاورة وكلها جرائم تخريب وسطو بقوة السلاح أدت في مجملها إلى اضعاف الدولة وإفقار المواطن ودفع مئات الآلاف إلى الهجرة بعيدا أو الالتجاء إلى أماكن تحت حماية السلطة حيث الأمان .
سوتشي الثاني – الموسع يمثل الباب المشرع للدخول والمشاركة في الاتفاق على إنهاء المأساة الوطنية ، فمن يدخل نظيفا غير ملوث كمن فعلها ودخل مكة ، إلى الحرم أو إلى بيته فسيكون آمنا ، لا أحد يمكنه أن يفرض على الدولة رؤاه في التبعية لغير الوطن ، الدولة هي المنتصرة وهي التي تعفو أو تحاسب تبعا للإساءة وحجم الجريمة ، وبعضهم لا شك يستحق بجدارة حكم الاعدام ومن هو خارج حدود الوطن يجب تجريده من الجنسية بعد الحكم عليه غيابيا .
الذين يعتبرون أنفسهم قيادات شعبية ، ويتحدثون بوقاحة عن تمثيلهم الشعب السوري مطالبون بتقديم الأدلة لإثبات من يمثلون ومن يدعم تمثيلهم في الداخل وهذا يظهر بعد إجراء انتخابات حرة ونزيهة وسنتأكد حينها أن الأفضل بينهم لن يحوز على ما يكفي ليكون مختار حارة أو قرية ، إنما هم أصوات نشاز خرجوا على وطنيتهم ، ودعموا عمليات القتل والتخريب وتوسلوا أحط الأساليب للوصول إلى السلطة بقوة السلاح ودعم الأجنبي وقد وصل الأمر ببعضهم إلى التعاون مع العدو الأبدي – الصهيوني – وهذا العمل يشكل خروجا على الناموس الوطني والقوانين ، كما أنه يجسد الخيانة العظمى بأوضح وأكمل تجلياتها .
قبول الآخر والمسامحة والمصالحة لا يجب أن يكون على حساب الوطن ، ولا على دماء الشهداء وكرامة الأهل الذين بلغت تضحياتهم عنان السماء ، لا قدرة لشعبنا على قبول المجرمين الخونة ، ولا مشاركتهم العيش تحت سقف الوطن ، هؤلاء نوع من الطفيليات تنمو بسرعة وتتكاثر أن لم تحرق وتباد من جذورها ، من استسهل الخيانة وخدمة العدو لن يستعيد ايمانه بالوطن والإخلاص له .
المنصة السعودية – مؤتمر الرياض - ليس مؤهلا لطرح تجربة جديرة بالنظر للانتقال إلى حال أفضل في الحكم ، فالجذر الذي ينتمي إليه هو ديكتاتورية ملكية مغرقة في الجهالة والعمالة حتى لو امتلكت التقنيات المتقدمة وآلة الحرب المتطورة ، ثقافة الغزو والنهب والسيطرة ما زالت راسخة وتشكل الطريق القدوة الذي سلكته داعش ، ومثلها النصرة وكافة التنظيمات التي تعتمد الفتاوي المأجورة وليس النظريات الثقافية المتحضرة .
قمة سوتشي أكدت على وحدة الأرض ورحبت بنتائجها الدولة السورية فقد تركت للشعب السوري حق اختيار النظام الذي يريده ، وفي المرحلة الانتقالية بعد وقف الحرب وعودة الحياة الطبيعية ، سوف يتكشف لكل المنصات أنها فارغة من الداخل وأن الشعب لن يختار إلا من حافظ على حياته وثرواته ودافع عنها باذلا نهرا من الدماء الزكية ، أن يقولوا أنهم بذلوا الدماء أيضا فالجواب : شتان بين من بذل دمه دفاعا عن الوطن والشرف والكرامة وبين من قتل وهو يعمل في خدمة العدو أو مرتزقا في خدمة المشاريع المشبوهة .
|