قبل أكثر من عشر سنوات ، لا أذكر التاريخ تماما ، أنتجت الدراما السورية مسلسلا بعنوان : الموت القادم من الشرق ، وهو من نوع الفانتازيا ، يحاكي أسلوب التسلل المعادي عبر شخصيات تعمل على الوصول إلى قلب القيادة المحلية عن طريق الأتباع والعملاء الذين يقبلون دخول الغريب باعتبارهم ينقمون على السلطة المحلية أو يريدون الحلول مكانها .
ربما أراد المخرج الكبير نجدت أنزور – في أكثر من مسلسل - الإشارة إلى الغزوات التي جاءتنا من الشرق واجتاحت بلادنا ، المغول والتتار ، وربما أعطى صورة تضيء على القدرات الفردية لشخصيات تتمتع بالفروسية والدهاء ، وقد يكون ممكنا اسقاط الحالة على الحاضر من حيث استمرارية الأطماع المعادية واختلاف الأسلحة وطرق الإغراء والعمالة للارتزاق وهي في كل حال وجه من وجوه الخيانة التي تحافظ على سيرورتها عبر الزمن ، واقعنا قريب الشبه تماما بالماضي وهي دورة تختلف تفاصيلها وألوانها وجوهرها واحد .
ما زال موقعنا في قلب العالم وملتقى طرق تجارته وجذر حضاراته ، وما زلنا هدفا للطامعين وعلى رأسهم اليوم الولايات المتحدة الأمريكية وتحالفاتها وأتباعها والعاملين في خدمتها طمعا بالثروة والحظوة ، وهي اليوم تحيط بنا من كل الجهات ، شمالا في تركيا ، وشرقا في العراق وباكستان وأذربيجان ، وجنوبا من الأردن وبلاد العربان ، وغربا من المتوسط ببوارجها وحاملات طائراتها ، وقاعدتها الأكبر في فلسطين المحتلة ، وإذا كان القادم من الشرق موتا فالمحيط بنا كالسوار متفاقم لدرجة تسميته الطاعون وهو الأشد خطورة على حياة المنطقة لمن يعي ويدرك ويتلمس حدود كرامته وحريته .
لم تكتف الادارة الأمريكية في حربها على الشام بأداء أدواتها وانتظار نتائج هزيمتهم الحتمية بل هي عملت على تهيئة الكثير من الألعاب الاحتياطية ، وحتى تكون على تماس وتواصل مع هؤلاء الأدوات ، تسللت من الجنوب على الشريط الحدودي الفاصل بين الشام والأردن والعراق وأقامت لها قاعدة بدعوى التدريب والامداد وجمعت فيها الكثير من المرتزقة وربما أغلبهم من السوريين ( الخونة ) ، كما تسللت عبر الشمال من العراق ومن تركيا بعد تأمين عملاء وأتباع لتقيم لها قواعد ومعسكرات وفي ذات الوقت تنشئ لها جيشا تمنحه صفة السورية والديمقراطية وهو أمريكي التابعية مجرد من الوطنية ، يرفع علم الأمريكي البشع ويأتمر بأوامره متمردا على شرعية بلاده ، لطالما تجاوز هذا الأمريكي القانون الدولي والعرف العالمي في احترام حدود الدول ذات السيادة والاستقلال متذرعا بمحاربة إرهاب عمل على وجوده ودعمه ، ويقوم بحمايته ونقله من مكان إلى آخر مستثمرا حرائقه ودخانها للتعمية والتضليل على أوسع نطاق ، الأغرب أنه يوجه تحذيراته إلى الشرعية التي تحارب الارهاب على أرضها ألا تقترب من أدواته وهم ذاتهم خليط من عملاء لا ولاء لهم بعيدا عن العمالة والارتزاق سواء كانوا أكرادا أم من مختلف الانتماءات ، وإن اختلفت مسمياتهم داعش أو قسد فانهم .. حثالة البلد .
ليس من حق دولة في العالم منع دولة أخرى من أن تبسط سيادتها على أراضيها وحدودها المعترف بها ، واستطرادا ليس من حق أمريكا التدخل ومنع القوات السورية من قتال الارهاب على أية بقعة من أرضها الوطنية وطرده أو القضاء عليه ، والقول بأن هؤلاء تحت الحماية الأمريكية خروج على القانون الدولي وعودة وقحة إلى شريعة الغاب ومنطق القوة الغاشمة تماما ، أوليس هذا ما تمارسه الإدارة الأمريكية دون اعتبار لقانون أو شرعة دولية أو التزاما بأخلاق وسوية التعامل المتعارف عليه بين الدول . ؟ .
تنتشر القوة العسكرية الأمريكية على مساحة العالم ، وهو انتشار مشابه تماما لانتشار الأمراض المستعصية إنه أقرب إلى مرض الطاعون ، قلما تخلو مجموعة دولية أو مساحة جغرافية أو بحر أو محيط من الوجود العسكري الأمريكي ، و لأن هذا الانتشار مكلف ماليا جدا تلجأ إلى ابتزاز الدول وتضع يدها على ثرواتها بزعم حمايتها وفي الحقيقة هي تحمي الأنظمة التابعة والخاضعة والمعادية لشعوبها كما في السعودية ودول الخليج وفي دول جنوب شرق آسيا وأوروبا الغربية والشرقية وجنوب أمريكا كما أنها تعتبر كندا والمكسيك حديقتها الخلفية ، وبما أن أستراليا تخضع للتاج البريطاني فهي ملحقة دون تحفظ .
الدول التي تخرج على التبعية وترفض الخضوع للإملاءات والسياسة الأمريكية التي تنتهجها هذه الإدارة تعتبر دول خارجة على القانون ( الأمريكي بالطبع ) وليس القانون الدولي ، وهكذا تستهدف إخضاعها بإثارة المشاكل الداخلية والاضطرابات معتمدة أسلوب وطرق الإثارة الموصى بها من مؤسسات الدراسات الكثيرة الموجودة فيها أو الدول الحليفة ، وهناك خبراء مختصين بكل جهة من جهات العالم ، وتقدم هذه المراكز أفضل الطرق مبينة نقاط ضعف الدولة الهدف ، وطبيعة الشعب ، وسويته الثقافية والسلوكية والأمور التي يتأثر بها ، ومن البديهي أن كل شعوب العالم لها نقاط ضعفها وفيها شرائح اجتماعية مختلفة يمكن التلاعب بها ودفعها بالاتجاه المطلوب ، وفي الأيام القليلة الماضية يجري التركيز على الدولة الايرانية رغم مناعتها الداخلية وتطورها صناعيا وعلميا وعسكريا ، ولا يمكن استبعاد أن العقوبات الدولية والحرب الأمريكية الناعمة في خدمة الصهيونية أثرت سلبا على الاقتصاد الايراني وأدت إلى فقدان مواد أو غلائها أو انخفاض مستوى نوع من الخدمات ، ونتائج ذلك تطال بعض شرائح المجتمع الفقيرة ويصبح من السهل إثارتها ودفعها إلى حالة من الاضطراب وافتعال صدام مع السلطة والقيام بأعمال تخريبية بشكل يمس أمن الدولة والمجتمع ، وهنا يبدأ التركيز وتعمل ميديا الاعلام على تضخيم الحدث واستثماره ولو كان القائمون بالفعل بضعة آلاف من أصل عشرات الملايين ومن الواضح وجود بقايا تؤيد الحكم السابق أو تنقم على النظام لأسبابها الخاصة ، ولا شك بوجود مؤيدين في الداخل لجماعة مجاهدي خلق المتمركزة في الغرب وهي صنيعته وأداته الاحتياطية .
ايران التي تجاوزت زمن الرضوخ والتبعية ، وقد أضحت قوة اقليمية لا تعترف بالسلطة والولاية الأمريكية على العالم ، والتي تقف ضد استمرار الوجود الصهيوني كمخلب غربي في المنطقة لا حق له بالوجود ، الدولة التي تقول لا بوجه الغرب وتفرض عليه التعامل بندية ، وتقف مع مصالح شعوب المنطقة وعلى رأسها شعبنا في فلسطين والشام والعراق ولبنان ، وتطالب بالعدالة لمظلومي البحرين واليمن وشرق السعودية ، يعتبرها الغرب وأتباعه دولة مشاكسة يجب معاقبتها وإعادتها إلى حظيرته كما كانت قبل الثورة ، وما تصريح من يسمى رئيس وزراء الكيان الصهيوني بأن نتيجة سقوط النظام الايراني سيعود الايرانيون ومستوطنيه أصدقاء كما كانوا في زمن الشاه ، نتن ياهو يعلن ما في رأسه من حلم بعيد المنال ، ايران الخطر الداهم على وجود كيانه بعد أن نجح في تدجين العديد من الدول العربية والاسلامية وأقام معها علاقات وروابط ومكاتب تجارية ومراكز تجسس ، نتن ياهو قادر بالتأكيد على اقناع قادة العالم برؤيته عن طريق المحافل المنتشرة في العالم وما عليهم إلا العمل بتوجيهاته لمحاصرة ايران واسقاطها خصوصا وأنها تدعم المقاومة التي ألحقت بجيش كيانه هزيمة ساحقة .
الطاعون الأمريكي المنتشر على أراضينا يملي علينا وضع خطط لمكافحته ، وكما هزمته المقاومة في بيروت لا بد من هزيمته على كل بقعة من مشرقنا ، التوابيت وحدها كفيلة بالقضاء على انتشاره وإعادته إلى حجمه الحقيقي في بلاده بعيدا عنا فهو يعمل لموتنا وحياة غيرنا ، لاستعبادنا على أرضنا الوطنية في فلسطين والاردن والشام والعراق ، من العار مسايرته أو مهادنته فهو لا يفهم غير لغة القوة والدماء وقواته ليست محصنة ولا حرمة لها بعيدا عن أمريكا ، على الشعوب العربية فهم المعادلة والخروج من تبعية المرياع المدجن أمريكيا وهناك في كل كيان مرياع يلحق به قطيع دون مناقشة الوجهة ، إلى المرعى أو ..... المسلخ .؟.
قد يدرك قادة قسد متأخرين مدى جريمتهم بالتعامل مع عدو بلادهم ، ولن ينفع عندها الندم ، الأمريكي الذي يعتنق الشيوعية خائن لوطنه حتى لو لم يتعامل مع النظام الشيوعي وعقوبته الاعدام أو السجن مدى الحياة ، فاسألوا من يشغلكم عن حقيقة نظرته لعمالتكم ، أنتم بنظره خونة لا تستحقون الثقة ، أنتم أدوات صالحة للاستخدام مرة واحدة .
|