ماذا تريد تركيا .؟.
على أثر لقاءات آستانة 6 حصل الأتراك على ذريعة دخول شرعي إلى الأرض السورية بعد أن كان هذا الوجود غير مشروع في مناطق جرابلس ومحيطها وصولا إلى أطراف منبج ، لكن ، كان محددا ومشروطا وليس مع الجانب السوري بل مع رعاة التفاهمات الآخرين الروسي والايراني ، وما نشر عن جوهر التفاهمات أن على الجانب التركي ادخال وحدات خفيفة من الشرطة العسكرية لإقامة عشرين نقطة مراقبة وفرز المجموعات المسلحة التي يعتبرونها معتدلة عن جماعات جبهة النصرة أو تحرير الشام لاحقا ، وأما المفاجئ في الخروج على التفاهم فقد كان تحريك قوات عسكرية تركية ثقيلة هي في تنوعها وتشكيلها وحدات حربية ثقيلة وليست لنقاط مراقبة بل لاحتلال مواقع مطارات ومعسكرات ونقاط استراتيجية لا علاقة لها بخفض التوتر ولا مراقبة وقف نار ، وأما دخول هذه القوات بسهولة ودون أي ممانعة أو صدام فقد جاء بدلالة وحدات جبهة تحرير الشام التي باتت تحت الراية التركية بعد أن انضم لها الجميع وبمباركة تركية وأصبحت كل المواقع تحت قيادة واحدة الأرجح أنها غرفة عمليات مشتركة تخطط وتوجه ويتولى مسؤوليتها وامدادها لوجستيا الجيش التركي وهكذا وجد الجيش السوري نفسه في حل من تفاهمات تبلغها وجرى الانقلاب عليها وأيضا تعرضه لهجوم الجماعات المسلحة وبأسلحة حديثة وعربات مصفحة ومدرعات تركية ولأن مبادرة الجيش السوري اتجهت للسيطرة على مطار ابو الضهور قبل أن يصله الأتراك ويركزون فيه قواتهم وربما يجلبون اليه وحدات جوية ، هذه المبادرة أثارت الجانب التركي وأعلن احتجاجه على الهجوم قائلا أنه خرق لتفاهمات آستانة 6 وهو من خرج عليها منذ البداية وانقلب موقفه من مراقب مكلف بفرز القوى في ادلب إلى عامل ضغط لتوحيدها واستخدامها واجهة لعملية احتلال مبيته دافعا ببعض فصائلها لمهاجمة نقاط الجيش وكذلك مهاجمة مدن وبلدات مدنية مجاورة وايقاع خسائر بشرية ومادية في هذه المناطق .
لم تكن القيادة العسكرية السورية وحدها من اكتشف خفايا اللعبة التركية ، بل أيضا الجانبين الايراني والروسي ، وكان جوابهما على الاحتجاج التركي : أن الجيش السوري هو صاحب حق في تحرير أرضه وطرد العصابات الارهابية المسلحة والقضاء عليها وأن تركيا مجرد مراقب وليست مخولة بالدفاع عن هذه العصابات علما أن أي من التنظيمات لم يعلن انفصاله عن النصرة وتحديد مواقعه ، كما لم يقوم الجانب التركي بمهام المراقبة والابلاغ عن الجهات المخالفة ما يؤكد سوء نواياه وأنه أصبح في صف القوى المعادية تماما .
أولوية تحرك الجيش السوري باتجاه تحرير ادلب لأكثر من سبب أولها : منع الجيش التركي من اقامة قواعد ثابتة وتحصينات في مناطق تم الاعلان عنها وهي بالأصل مواقع عسكرية سورية منها مطاري أبو الضهور وتفتناز ، ومعسكرات ومراكز عسكرية سابقة مثل المسطومة ، وحتى لا يتم فرض أمر واقع عانت منه الجمهورية في مراحل لم يمض عليها الزمن كما في مجريات فقدان " سنجق " لواء الاسكندرون برغم الاعلان التركي في عصبة الأمم أن ليس لتركيا أطماع في السنجق وأنه أرض سورية ، الاعلان جاء على لسان وزير الخارجية التركي عام 1936 .
التدخل التركي مكشوف ومحسوس في المعارك الحالية وقد يتطور إلى صدام مباشر حال سقوط الواجهة التي يتلطى خلفها في المعركة الدائرة شرق المعرة ، وصولا إلى الحدود التي تجاوزها وهو يفتعل معركة مع القوات الكردية في عفرين بما يوحي رغبة أردوغان في الانطلاق نحو حروب في المنطقة وتصدير أزماته الداخلية التي تعصف به بعد محاولة الانقلاب المدبرة وتدهور علاقاته مع الاتحاد الاوروبي ، وكذلك مع الولايات المتحدة التي يشك أغلب المراقبين بأنها مجرد مسرحية مدبرة لتحقيق غايات مشبوهة يقف خلفها حلم التوسع واستعادة أمجاد أجداده من بني عثمان الذين تغنى وفاخر بهم أما الوزير الاماراتي .
المرحلة الثانية بعد تحرير ادلب وخروج التركي ستكون عملية تجاوز الجيش السوري للفرات والعودة إلى مواقعه ومعسكراته المعروفة قبل 2011 واستعادة حقول النفط وفرض الانسحاب على الوحدات الأمريكية الموجودة دون أي غطاء شرعي وانفراط عقد الجيش الذي تشرف على تنشئته وهو في تكوينه أقرب إلى جبهة النصرة كأداة للأتراك ، جيش قسد أداة للمحتل الأمريكي وسيكتشف قادة هذا الجيش أن التخلي الأمريكي عنهم يتكرر كما حصل مع من سبقهم ، ليس للأمريكي حلفاء دائمون ولا أعداء دائمون . .
أمام الرباعي آنف الذكر خيارين لا ثالث لهما ، الأول اعلان الالتزام بوقف الحرب والالتحاق بالمصالحة الوطنية بالنسبة للسوريين وانسحاب الغرباء سواء الوحدات النظامية التركية أو الأمريكية أو المرتزقة المرتبطين بالجانبين المذكورين ، وإما الاستمرار في المعارك التي لن يتردد الجيش السوري في خوضها التزاما بواجب تحرير أرضه مدعوما بموقف شعبي ثابت ومؤازرة أصدقاء وحلفاء مخلصين حتى تحقيق النصر التام .
لو أن للتركي أصدقاء فعليين يحرصون على مصالح شعبه لتوجهوا له بالنصيحة عاجلا أن لا تتورط إذا كنت تريد التقدم ومزيدا من النمو لبلادك ، وإلا فلتتحمل مسؤولية الانهيار الاقتصادي القادم والخراب والدمار الذي تتسبب به لقواتك وشعبك وللجوار ، حرب لن تكون إلا في مصلحة العدو الصهيوني والخشية أن تكون هذه غايتك فعلا وأنك لا زلت المخلص لانتمائك الماسوني وتعمل بتوجيه من المحفل كما يفعل غيرك من قادة الأغراب والأعراب .
|