شكلت تركيا البوابة الأوسع للعدوان على الدولة السورية منذ العام 2011 ، ولم تكن خارج المخطط الذي جرى اعداده لهذا الأمر فقد بدأت تقيم البنية اللازمة لمخيمات استقبال النازحين منذ الشهر العاشر 2010 بموجب اتفاقية بين وزيري الخارجية الفرنسي جوبيه والتركي داوود اوغلو . ( نشر نصها باللغات الفرنسية والانجليزية وترجم إلى العربية ).
التزمت تركيا فتح حدودها أمام القادمين من كل أصقاع العالم " للجهاد " في سورية وكأن الاحتلال انتقل من فلسطين اليها ، وأدت الاستخبارات التركية دورها دون تردد ووقفت العدالة التركية خصما لكل من فضح الدور التركي في عمليات الامداد اللوجستي وتهريب السلاح ، وفي كثير من الأحيان تدخل الجيش التركي لحماية رجال العصابات عندما تعرضوا للحصار في جسر الشغور وريفها أو في ريف اللاذقية الشمالي وغيره ، وأعلن رئيس تركيا موقفا عدائيا صريحا وواضحا ضد الرئاسة الشرعية للدولة السورية متخذا لنفسه دور الوصي أو الولي مطلقا الوعود بأنه سوف يؤدي الصلاة في جامع بني أمية الكبير بدمشق – وهذا لم يحصل .
استغلت الحكومة التركية شتى الذرائع مدعية أن أطرافا ضمن الأراضي السورية تهدد أمنها وكانت هي الطرف الذي يهدد الأمن السوري ، تقدمت فاحتلت جرابلس وجوارها ثم الباب وحاولت التقدم إلى منبج ولم تنجح فقد سبقها الكورد برعاية أمريكية ، وأخيرا احتلت عفرين وشردت الكثير من السوريين ، وتعرضت في كثير من الأحيان لوحدات من الجيش السوري قصفا بالمدفعية والدبابات مدعية أنهم من الوحدات الكردية أو أن قذيفة سقطت على الجانب التركي أو ما يسمونه حدودا دولية وأن مصدرها الجانب السوري ، وأخيرا تفاجئ العالم بطلبها احياء اتفاقية أضنه - 1997 - التي نقضتها وتجاوزتها وأسقطت بنودها واحدا تلو الآخر ، بل هي طورت بعض البنود لمصلحة تدخلها العسكري وهو النص غير المتوازن في الاتفاقية المذكورة .!.
بالعودة إلى اتفاقية أضنه سيئة الذكر نقرأ اتفاقا على محاربة الارهاب واعتبار حزب العمال الكردستاني منظمة ارهابية على الجانب السوري طرده وتسليم زعيمه ... الخ ، وهذا البند انتهى في حينه واقتصر وجود هذا التنظيم على الشمال العراقي والداخل التركي ، أما محاربة الارهاب فالجانب الوحيد الذي يحاربه هو الجانب السوري بينما يدعمه ويشجعه ويمده بكل أسباب الاستمرار الجانب التركي الذي تماهى موقفه مع الأطراف الأخرى ، أمريكية وغربية أو عربية وبدا أن الدافع التركي هو العامل المالي تحت ستارة المعتقد الديني – المذهبي الداعم لتنظيم الاخوان المسلمين والوهابية قبل أن يصلا إلى الافتراق ومن ثم الصدام الذي انعكس على العلاقة بين دول هؤلاء واولئك حيث تم عزل قطر عن الجمع بعد أن فضح وزير خارجيتها السابق موقف الجماعة بعدها طلبت قطر الحماية التركية ووثقت علاقاتها مع الخصم اللدود لأعراب الخليج – ايران – وبدا أنها لم تثق بالحماية الأمريكية رغم وجود أضخم قاعدة جوية أمريكية في" الشرق الأوسط " على أراضيها .
فتحت تركيا حدودها بوجه النازحين من الأراضي السورية بناء على وعد بتلقي مليارات اليورو، ودخول جنة الاتحاد الاوروبي ، واعتراف فرنسي لتركيا بحقها في محافظتي حلب وادلب بالمقابل لا تعترض تركيا على اقامة قاعدة جوية أمريكية في دير الزور ، والذين دخلوا الأراضي التركية لم يشكلوا خطرا على الأمن التركي ، على العكس قامت تركيا بتجنيد معظم شبابهم ليكونوا شكلا من جيش انكشاري تستخدمهم ضد وطنهم ، وهذا ما فعلته في الشمال عبر كلس إلى الباب ، وفي الغرب – عفرين – إنهم الخارجون على الوطن .. خونة أمهم وأمتهم .!. كما استثمرت القضية لابتزاز دول اوروبا دون استثناء .
هناك البند الذي يسمح للقوات التركية أن تتوغل بالعمق لمسافة خمسة كيلومترات ضمن الأرض السورية ، فهل هو مسموح بالمقابل للجيش السوري أن يفعل ذلك ولنفس المسافة .؟. وبما أنه لم يرد ما يؤكد ذلك فهذا هو عيب في الاتفاق واجحاف بحق الجانب السوري وإذا كان الأمر مؤقتا ومرهونا بوجود قوات حزب العمال الكردستاني فقد سقطت الذريعة وأصبح لزاما اسقاط هذا البند أو تصويبه بحيث ينص على حق متبادل لكلا الطرفين حال وجود تهديد للأمن القومي ، ومعلوم أن سورية حاليا مهددة في صميم أمنها عبر الحدود الواقعة تحت سيطرة تركيا وهي أراض سورية بالأساس ، وأيضاً بالعرف الدولي هي كذلك حتى اللحظة .
البند العجيب – الغريب الذي يبعث على الريبة هو اسقاط حق الجانب السوري بالمطالبة بأراض تركية ، وهو بند ملتبس ويتضمن ذكاء حادا للجانب السوري الذي وافق على هذا البند ، فسورية لم ، ولا تطالب بأراض تركية ، بل بأراض سورية ، يعرفها العالم أجمع ، وهي ما زالت موضع خلاف لم تجر تسويته ولم يتم ترسيم الحدود بين البلدين ، لقد كانت حقول الألغام هي صاحبة الكلمة وخط الفصل على الحدود ، كيليكية الصغرى والمحافظات الأخرى المقتطعة تعادل مساحة الجمهورية الحالية ولولا الشعور التركي بأنها أراض سورية لما التفتوا لصياغة هكذا بند ، مع ذلك لم تلتفت الحكومات السورية للمطالبة بغير لواء الاسكندرون الذي كذبت بشأنه كل القيادات التركية وأعلنت (1936) أن لا أطماع لها به وأنها فقط تريد ضمانة حقوق - الأقلية التركية - والتي أصبحت أغلبية لاحقا بعد طرد سكان اللواء أو أغلبهم وخلق دويلة وهمية ما لبثت أن ألحقت بالحكومة التركية رغم المعارضة الفرنسية ، وقبلها الشعبية ونتائج الاستطلاعات وتقرير لجنة عصبة الأمم ، فهل انتهت القضية ، وكيف تصبح الأرض تركية بمجرد الادعاء ثم يقولون بسقوط حق الجانب السوري بالمطالبة بها على أنها أراض تركية اسمها هاتاي ..!. يقول شيخ كردي ببساطة أن اسم الله هو خوديه وهكذا يكون الله كردي .. وعلى نفس القاعدة أطلق الأتراك على لواء الاسكندرون اسم هاتاي لتصبح أرض تركية ، وهي لن تكون ، ولن تسقط المطالبة بها أبداً.
احياء اتفاقية أضنه أمر منطقي بعد تعديلها بما يتلاءم مع الواقع وبعد اعلان التزام تركيا بها عمليا وكما أعلن الجانب السوري ، بعد عودة الادارة الرسمية إلى حدود ما قبل 2011 ، وخروج القوات التركية وغيرها ووقف عمليات التتريك والتغيير الديمغرافي وإقامة جدار على حدود اللواء قرب كسب ، وقد قضم مئات الأمتار من عمق أراضي مزارعي المنطقة .. وهذا ما نتابعه ونراه يحصل ، بالأحرى لا بد من إعادة النظر باتفاقية لوزان 1923، والعودة قبلها إلى اتفاقية سيفر وأنقرة 1920 مع أنها تتضمن تنازلات عن أراض سورية لم تكن يوما من بلاد الأناضول ، ويعلم العالم أن التسويات بين الدول المستعمرة – بكسر الميم – كانت تتم على حساب الشعوب المقهورة والأراضي المستباحة ، حدود سورية الطبيعية في الشمال هي قمم طوروس والهضبة الأرمنية – منابع الفرات - وسهول ديار بكر وماردين وأورفة وعنتاب وهذه كيليكية الكبرى إضافة لها كيليكية الصغرى وعاصمتها أضنه ومعهم اللواء السليب الذي لم تزل أوراق قضيته في أدراج الأمم المتحدة وريثة عصبة الأمم وكلاهما مؤسسة سيئة الذكر مهامها استباحة وظلم الشعوب الفقيرة ونهب ثرواتها لصالح دول الاستكبار والاستعمار وليس خدمة الأمن والسلام وتحقيق العدالة الدولية .
|