لم ولن يتغير سلوك الرئيس الأمريكي ترامب ، هزلي إلى أبعد الحدود وكأنه يمثل دور كوميديان على خشبة ، يبعث في كثير من الأحيان على الضحك ، وأحيانا أخرى يثير الشفقة ، آخر تصرفاته ولن تكون الأخيرة تسريبه عن طريق السويسريين رقم هاتفه الخاص إلى القيادة الايرانية آملا أن يخرجه هذا الاتصال من ورطته حيث أرسل المزيد من عمارته البحرية مكثفا وجودها ومضيفا المزيد من الأهداف إلى بنك القيادة الايرانية في عملية استعراضية دفعت بقائد الحرس الثوري للقول أن أمريكا أعجز من أن تشن حربا على ايران ..!.
لماذا لا تجرؤ أو لا تستطيع أمريكا شن حرب على ايران .؟. سؤال مشروع وللإجابة عليه لا بد من استعراض لمسيرة العلاقات الأمريكية الايرانية عبر عقود عدة مضت ، فايران ومنذ لحظة قيام ثورتها أعلنت العداء للمشروع الصهيوني واعتبرت وجوده على أرض فلسطين خطيئة تاريخية ارتكبتها المنظمة الدولية تحت ضغوط الدول العظمى ، هذا الاعلان بحد ذاته هو اعلان عداء مطلق لأمريكا وما تمثله من قوة غاشمة على مساحة الكرة الأرضية ، ( لا يمكن تجاوز القول أن من يريد الرضا الأمريكي عليه أن يطلبه عبر بوابة "اسرائيل" ) ، ولو أن الحرب على ايران لم تكن بالوكالة على مدى سنوات لما تجرأت القيادة الأمريكية على إعلان الحرب عليها خصوصا وأنها كانت على حدودها ، كما وصلت إلى الحدود السورية بعد العام 2003 ، ونقل كولن باول رسالة إدارته إلى الرئيس الأسد ... لا تنسوا أننا على حدودكم . !.
بعد فشل الادارة الأمريكية في أغلب حروبها العدوانية ، انتقلت إلى استراتيجية بديلة طابعها التهويل والتهديد واستعراض القوة أو الاتكال على قيادات هزيلة تابعة تعمل على اقناع شعوبها بعدم القدرة على مجابهة أمريكا وبالتالي ضرورة الانصياع لمطالبها ، منهم من يقبض ، وأغلبهم يدفع ثمن الحماية والرعاية كما في الخليج العربي ، لكن هناك دول رفضت وما زالت منها ايران وكوريا الشمالية وسورية ، وأخيرا فنزويلا التي تتعرض للتهديد واستخدام عناصر داخلية متواطئة أثبتت ضحالتها وفشلها على المستويين الدولي والداخلي .
من يرفع البطاقة الصفراء بوجه الرئيس .؟.
امتلاك القوة عامل رئيس في فرملة أي عدوان ، ويدفع باستعراضات القوة لإفراغها من المضمون ، هذا بالتأكيد ما جعل هذه الدول تقارع البلطجة الأمريكية رغم أن دولا أخرى قادرة على اتخاذ نفس الموقف لكن قياداتها متواطئة وخاضعة تحكمها عوامل عديدة لا مجال لبحثها الآن ، أما قول العميد سلامي قائد الحرس الثوري وتأكيده بالعجز الأمريكي ، كما أكد غيره من القادة الايرانيون ، فليس لأن القوة الأمريكية ضعيفة أو غير كافية ، بل لأن الإدارة الأمريكية تدرك تماما أنها لو دمرت أغلب الدولة الايرانية لن تكون الرابحة بمجرد فقدانها لبعض القطع البحرية وبضع مئات من قواتها ، فكيف إذا كانت الخسارة واحدة من حاملات الطائرات ، وآلاف من العاملين على ظهرها ومعهم أعداد من الطائرات الحديثة ، الشعب الأمريكي لن يتحمل وستواجه الادارة على الصعيد الداخلي ثورة تؤدي إلى سقوطها عاجلا ، وسقوط هيبتها على الصعيد الدولي ، وإذا افترضنا أن خسارة كبيرة كهذه ستدفع بالإدارة الحالية – الهوجاء - إلى اتخاذ قرار بضربة نووية ، فما سيكون الموقف الدولي بشكل عام ، وردود الفعل على مستوى الشعوب .؟.
لا يتوقف الأمر عند خسارة أمريكية على الصعيد العسكري ، بل يتعداه إلى حساب الخسائر الكبرى التي ستلحق بالمنطقة وخاصة العربية منها ، بما في ذلك فلسطين المحتلة والكيان العدو ، فهل أعمل قادة المنطقة عقولهم وامتنعوا عن متابعة التحريض متوهمين أن أمريكا هي القضاء والقدر وأن قصورهم وممالكهم واماراتهم بمأمن وهي تشكل قواعد أمريكية ينطلق منها العدوان ، أمريكا يا أغبياء العالم العربي لا تهتم لكل ما سيلحق بكم ، أمران اثنان فقط في الحسبان ، حجم الخسارة العسكرية ، وسلامة الكيان الصهيوني الذي يعيش أغلب مستوطنيه حالة من رهاب ساهمت بها قيادته ووظفتها في خدمة حملاتها الانتخابية ، أما الأهم فهو موقف قوتين تحسب لهما القيادة الأمريكية ألف حساب ، القوة الصينية ، والقوة الروسية المتنامية بطبيعة الحال وقد تكون متفوقة في أكثر من مجال ، الحرب مقامرة لن تقدم عليها ادارة بعقلية تجارية ولا تفهم معنى الكرامة .!.
ليست ايران وحدها المستهدفة بالعرض العسكري الارهابي ، بل أغلب دول المنطقة بما في ذلك العراق ، أكثر من استهداف للتعاون العسكري السوري – العراقي الذي يؤسس لقناعة راسخة بالتكامل على طريق حماية الأمن القومي ، ولإدراك الطرفين بأن داعش وغيرها من المسميات هي أدوات أمريكية خالصة تخدم أهدافها في استمرار السيطرة على المنطقة ونهب ثرواتها ، ولو تمتعت بعض قيادات الخليج بالحس لكرامتها لما صمت آذانها عن استهزاء وسخرية الثور الأحمر بهم ومطالبته بالمزيد من الأموال .!.
لا شك أن ما يحصل على ساحة الشام هو هزيمة للمشروع الأمريكي ، ورسالة لأدوات العمالة بقيمتهم الفعلية سواء للأمريكي أو لحليفه التركي ، وقريبا يتأكد لبعض القيادات الكردية العميلة – وأعتقد أنها مدركة للنتيجة المتوقعة – أن ما فعلته كان تآمرا على الوطن وخدمة مأجورة للمشروع الصهيو – أمريكي ، وأن ليس أمامها سوى الخروج مع الانسحاب الأمريكي القريب إن سمح لها بمرافقته وإلا فالشمال العراقي وحده من يستقبلهم لتعود الجزيرة وأهلها إلى كنف ورعاية دولة لم تتخل عنهم في أحلك الظروف .
الثمن ليس بقليل ، والشعب السوري يدفعه بكامل الرضا .!.
** - لا تستهن أبدا بقوة الأغبياء عندما يكونون في مجموعات كبيرة ( قطعان ) جورج كارلين
إنه الحال في ادلب ، رغم أنهم قطعان مختلفة ، ومتنافرة ، ومتخاصمة ، لكنهم في حالة من اليأس تدفع بهم إلى الموت لعدم وجود مخرج آخر ، هم قطعان أشبه بتجمعات الضباع ، يقاتلون بغير وعي بعد أن ترسخ في أفكارهم تشوهات لا علاج لها ، يتقاتلون فيما بينهم ، ويتهم بعضهم البعض الآخر بالخيانة وبيع المواقع ، وفي أماكن أخرى يشتمون ايردوغان التركي وقواته ويتهمونه بالتآمر عليهم مع روسيا ، وهكذا يحرقون أعلامه كما في المعرة وخان شيخون وغيرها ، التركي لم يكن أمامه سوى خيار الانسحاب ، هي ليست أرضه وإن كان يحلم بالاستيلاء عليها ، كما لا يثق بالبيئة المحيطة ، الأهم أنه فشل في تحقيق تعهداته فكان المطلوب ابتعاده عن الساحة حتى لا يصطدم بالجيش السوري أو يتعرض لقصف الطيران .
تحرير ادلب قاب قوسين أو أدنى ، الجيش مستمر في تقدمه وقد دخل الحدود الادارية لمحافظة ادلب ولا بد من استعادتها كاملة وفتح الطرق الدولية الاستراتيجية والضرورية لاستعادة التواصل وتعافي الاقتصاد السوري ودورة الحياة في العاصمة الصناعية لسورية مع موانئ الساحل عبر اريحا ، ومع العاصمة دمشق عبر المعرة - حماه .
لا يمكن الجزم والقول أن ترامب سينتظر طويلا ، قد يفعلها أحدهم من القيادة الايرانية ويقول له أيها الرئيس احفظ ماء وجهك فإن ما تقوم به سيودي بك سريعا خارج البيت الأبيض ، على الأقل لن تحلم بفترة رئاسة ثانية ، ايران ليست مملكة تخاطب عاهلها بصيغة الأمر فيطأطئ خاشعا إن لم يكن لك ... فهو ينحني معجبا بجمال من رافقوك ويبتلع ريقه .!.
|