لم يعد مهما أن ينعقد مؤتمر آستانه ، سواء برقم متسلسل أو بلا رقم ، ولم يعد مثيرا لاهتمام المراقبين أو المحللين ، فلا أرقام ما قبله أنتجت ، ولا انعقاده كذلك ، ربما يساهم في توفير المزيد من الوقت للضامن التركي ليستمر في لعبته .
قد يتذرع الجانب التركي بأن المجموعات المسلحة على تعددها ليست كلها منضوية في جبهة واحدة ، ولا تتلقى تعليماتها من ذات المصدر ، وبعضها يرتبط بجهات أخرى لا تؤيد التدخل التركي وترفض ضمانته ، هذا الأمر يعطي للتركي مبرر المماطلة والتسويف والتهرب من تنفيذ ما تعهد به لباقي الأطراف الضامنة ، ويفسح المجال في الطلب من جديد لتأجيل عملية الاقتحام والتحرير علما أن أغلب المدنيين في المنطقة هم من عائلات الجماعات المسلحة ومنهم من غير السوريين وكان على الضامن التركي أن ينبه هؤلاء إلى خطورة المراهنة على التلطي خلفهم كدروع بشرية يستثمرونها وقد يلعبون لعبة الكيميائي التي تودي بحياة كثيرين منهم .
تأجيل العمليات العسكرية للتحرير أصبحت محكومة بعاملين ، الأول عامل الطقس – فصل الشتاء بما يتخلله من أمطار وصقيع ، والثاني المطالبة التركية مدعومة من الغرب بزيادة المهلة والتريث قبل اتخاذ القرار على أمل نجاح المساعي التركية في اقناع من لا يزال يعمل على تخريب الاتفاقات ويمارس الاستفزاز والاعتداء على وحدات الخطوط الأمامية في نقاط التماس .
هل هو وقت مستقطع ، وكيف يخدم الأهداف التركية .؟.
ان بقاء القوات التركية على الأرض السورية يلعب دورا سلبيا وتخريبيا على الصعيد الاجتماعي وقد يؤثر ديموغرافيا لصالح نسج روابط وعلاقات تعمل الحكومة التركية على ترسيخها ، فهي تتواصل مع وجهاء المناطق وتقدم الكثير من المغريات كما تعمل على طمس ما يشير إلى وجود الدولة السورية من مؤسسات خدمية كالمستوصفات والمدارس حيث تضع اليافطات باللغة التركية وترفع العلم التركي وهناك طواقم تعمل فيها إلى جانب المتعاملين من السوريين ، هذا على الجانب السوري ، أما في الداخل التركي فقد شجعت على تعليم اللغة التركية وتقدم التسهيلات الدراسية ورخص العمل لأصحاب الكفاءات ، ونتيجة لدراسة أحوال العائلات الاقتصادية منحت لمن يملكون رأسمال وافر الجنسية التركية وأفسحت لهم ممارسة أعمالهم سواء الصناعية أو التجارية وخصوصا حملة الاجازات الجامعية من الاختصاصات العملية – مهندسون من كل الاختصاصات – أطباء – صيادلة وغيرهم .
الدخول التركي سواء مباشرة أو عبر الأدوات المسماة " الجيش الحر " إلى كل من جرابلس والباب وما حولها كان المقدمة لمهاجمة عين العرب ثم منبج والوقوف على مداخلها ومن ثم اجتياح عفرين بذريعة منع قيام دولة كردية الأمر الذي فتح الباب لاتفاقية آستانه التي سمحت بدخول قوات مراقبة تركية إلى ادلب وصولا إلى حدود حماه ، وهو ما تجاوزه التركي وصمت عليه الآخران الروسي والايراني رغم الاعتراض السوري ووصف الحكومة السورية لهذا الدخول أنه احتلال غير مشروع كما هو الوجود الأمريكي وحلفاءه في منبج وشرق الفرات وعلى الحدود العراقية إنه وجود عدواني خارج على الشرعية الدولية يعود بالعالم إلى شريعة الغاب ومنطق حق القوة الغاشمة .
الاستقراء المنطقي والواقعي للسلوك والاجراءات التر كية ضمن الأراضي السورية أو في أوساط اللاجئين السوريين في المخيمات أو المدن التركية يعطي الانطباع التام بأنه مغاير تماما لما تعلنه الحكومة التركية إضافة إلى الضامنين الآخرين من الحرص على وحدة أراضي الجمهورية والواقع الديمغرافي والنسيج الاجتماعي ورفض أي تدخل في الشأن السوري الداخلي الذي هو بالضرورة قرار سيادي من حق الشعب السوري فقط ، وأن ما يحصل من تحريض وتشجيع على محاربة الجيش السوري والدولة السورية إنما هو تشجيع على الانفصال الذي سيكون حتما بالاتجاه التركي شمالا وهو المنفذ الوحيد ولم تكن الأطماع التركية يوما خافية وهي تظهر اليوم بأجلى صورها وهذا ما يدركه السوريون والحكومة السورية ونتساءل ، هل يخفى هذا السلوك حقا على الدولتين الروسية والايرانية أم أنهما تعلمان وتفرض عليهما الظروف الدولية الصمت لأن لهما أولويات على المستوى الدولي تحتاج لتأييد أو موقف تركي من نوع ما مقابل الصمت مرحليا على ما يحدث ، ربما بانتظار متغيرات من نوع ما قد تكون مفاجئة وعندها يتم الاعلان والضغط على التركي للخروج ..!.
سنتان فقط على حلول الذكرى المئوية لعدد من الاتفاقيات الدولية التي اقتطعت من بلادنا أجزاء غالية تعادل مساحتها أكثر من مساحة الجمهورية الحالية ، تلك الاتفاقيات التي لم نكن طرفا فيها ولم نعترف بنتائجها المترتبة ، قد يسخر البعض الذين لا يعلمون أن ديار بكر وماردين وأورفه وغازي عنتاب وكيليكية الصغرى هي أراض سورية ، تماما كما هو لواء الاسكندرون الذي ضمته تركيا وصمت الغرب لضمان مصالحه ، وأن الكورد وما بقي من سريان وكلدوآشور في تلك المناطق هم سوريون وليسوا طورانيين ، وقد آن الأوان لاستعادة حقائق الجغرافيا واسقاط مفاعيل التاريخ المستحدث إذ لسنا ملزمين بتقديم الترضيات إلى أي طرف إرضاء لمصالح الغرب الذي كان مستعمرا وليس مندبا رغم أن صكوك الانتداب لا تسمح للدول المنتدبة التصرف بأراضي وحقوق الشعوب تحت الانتداب .
أن نكرر المطالبة والتذكير بحقوقنا أمر في غاية الأهمية فقد اعتاد البعض على النسيان أو التجاهل ، ولو أحسنا تربية أجيالنا لرأينا التظاهرات يقوم بها أبناء شعبنا في كل تلك المناطق مطالبة بالعودة إلى الوطن الأم ورافضة استمرار تزييف التاريخ وطعن حقائق الجغرافيا .
لقد حذر سعادة من الخطر والأطماع التركية في الشمال ، كما حذر من الدعاوة الوهابية وأطماع ابن سعود في بلاد الشام ، وقد اتفق الطرفان حديثا في بداية مرحلة الهجوم على الدولة السورية قبل أن يختلفا ، وتأكد أن الخلاف بين اللصوص أمر حتمي وواقعي ، ينهزم السعودي ويبقى أن التركي يلقى دعما بلا حدود طالما أن ما يقوم به يخدم الأغراض الصهيونية والمشروع الأمريكي في المنطقة ، ونرى أن واجب كل سوري هو العمل لإسقاط الأهداف والأطماع التركية بالكامل وطرد هذا الوجود وملاحقته حتى استعادة كل الأراضي المحتلة وأولها اللواء السليب الذي لم تزل ملفاته محفوظة في أدراج الهيئة التي ورثت عصبة الأمم .!.
أيها السوريون في غازي عنتاب ، في الريحانية ، في أنطاكية وكل تلك المناطق أنتم في وطنكم ، في الأرض السورية وتذكروا أنكم لستم لاجئين ، التركي هو غريب ، وأنتم بين أبناء أمتكم وهم تحت الاحتلال .
|