كان الرفيق سعيد تقي الدين وهو رئيس لجمعية خريجي الجامعة الأميركية في العام 1954 قد أسس "لجنة كل مواطن خفير" لكشف جواسيس إسرائيل وفضح المتعاملين معها من رجال سياسة وأعمال ومهن حرة، وغيرها. وقد حققت اللجنة الكثير في هذا المجال على تواضع إمكاناتها، وكانت تزود الأجهزة الأمنية في لبنان والشام بالتقارير والوثائق المتعلقة بالجواسيس والمتعاملين، فضلاً عن الناحية الإعلامية التي تولاها الرفيق سعيد في الإذاعة اللبنانية(1) وعبر مؤتمرات ومقابلات صحافية، كما افتتاحيات نشرها في "البناء" الدمشقية و"الزوابع" و"صدى لبنان"(2) البيروتيتين .
في مقالته "متى تبدأ الأعمال"(3) يشرح الرفيق سعيد تقي الدين عن أعمال "لجنة كل مواطن خفير" وصولاً إلى القول:
" وجاءت حادثة سمير مسلم، وخلاصتها أن هذا الفتى كان في وكالة الإغاثة حيث تعرّف إلى زمرة ترأسها سيدة، عشقته وهي جاسوسة إسرائيلية شهيرة، وراح الفتى، بعد أن استيقظ ضميره، يزودني بالأخبار التي كنا نرسلها إلى المسؤولين في دمشق ولبنان، ومرة باغتته المرأة يفحص بعض الصور والوثائق ومن المحتمل أن يكونوا قد كشفوا علاقته بي. وجاء من رمى به في المستشفى الأميركي مسموماً. بعد ساعات مات".
*
وفي مقالة له في مجلة "الصياد"(4) بتاريخ 26 أيار 1955 تحت عنوان "هل أنا قاتل سمير مسلم" يقول الرفيق سعيد تقي الدين:
" بعد أن تقرأ هذه السطور قد تنتهي إلى الاعتقاد أن سمير مسلم قتل، وأني أنا قاتله.
وقد تكون مخطئاً أو مصيباً.
ولئن كنت حقاً قاتل سمير مسلم، فما أنا شاعر بوخز الضمير، إن الهدف الكبير يخلق "وحشية" في التفكير، وفي الصراع لا بد من ضحايا. إن مكافحة اليهودية ليس رقصة "تانغو" ولا لعبة "باصرة" أو "غميضة". فالكفاح يعني القتال. والقتال يعني الموت. إذن ليمت ألف سمير مسلم في هذه المعركة. وسمير مسلم هو ثاني ضحية تعرّفت إليها في نضالنا ضد اليهود. ذات عشية جاءني خليل دياب(5)، وهو خفير جمركي وفي يده جريدة "الرواد" وهي تصدر بعد الظهر. قال لي: "اقرأ، إن اليهود اغتالوا فلاناً في القرية الفلانية. أنا الذي قتلته. لقد كان يتعامل مع اليهود. فردعته ووعظته وأرشدته. فانقطع. هددوه فشددت من عزمه، والآن اقرأ. لقد قتلوه" .
لنسم الأمور بأسمائها. سمير مسلم كان عضواً في الحزب السوري القومي الاجتماعي. هكذا نشأت علاقتي معه".
ولأنه كذلك اندفع الرفيق سمير مسلم مخاطراً بحياته، واستمر رغم إدراكه أن أمره قد انكشف، لا همّ له إلا كشف المزيد عن شبكة الجاسوسية، وعن المتعاملين معها من رجالات في الحكم والعمل العام في لبنان.
" وفي فترة ما أراد "الجماعة" أن يتخلصوا من سمير، فجاءني يقول: أنهم دعوه إلى النزول إلى "إسرائيل" وكنت أنا دفعته إلى العمل مع الصهاينة. ولكن أمر النزول إلى "إسرائيل" أقلقه. وقال: إن لم أنزل أساؤوا الظن بي، وإن نزلت قتلوني لا محالة. قلت له: اترك لبنان بضعة شهور. هكذا تأمن شرهم. أجاب: "والله ما بترك لبنان ولا بتركهم. بدي العن أبوهم واطلع منهم شرد مرد". قلت: إن كنت لا تزال مصراً على النزول إلى "إسرائيل" وأحسست هناك بخطر عليك فقل لليهود أن تقاريرك عندي، وأنك إن غبت أكثر من خمسة أيام نشرناها.
وسجلت لسمير حديثاً طويلاً على شريط. وبعد خمسة أيام عاد من "إسرائيل" وأعطاني تقريراً. صبرك، رويداً، سأخبرك بعد قليل أين هي هذه التقارير وأين الشريط "(6) .
ويخبرنا الرفيق سعيد أين هي التقارير في المقاطع الأخيرة من مقالته في "الصياد" فيقول: "إنها في حوزة الجيش الشامي. كنت بعد دراستها أرسلها إلى مركز الحزب في دمشق، والرسالتان اللتان بقيتا في حوزتي بقيتا بصدفة. لقد استولى الجيش الشامي على هذه الرسائل كما استولى على أوراق الحزب" .
*
وفي مقالة للرفيق سعيد تقي الدين في جريدة "صدى لبنان" بتاريخ 7 أيار 1955 يقول: " أن بين الوثائق التي ضبطتها السلطة في دمشق من بيت الزعيم سعاده ومكاتب الحزب لا أقل من عشرين تقريراً كتبها سمير مسلم، مكتوبة بخط يده وموقعة بتوقيعه، وهذه الرسائل تفضح شخصيات كبيرة، وتدل على حلقات جاسوسية لها علاقة بالتجسس والنشاط الصهيوني. وفيما يلي قائمة ببعض التقارير والوثائق التي ضبطتها سلطات الشام :
• اكثر من عشرين تقريراً بخط سمير مسلم عن الجاسوسية الصهيونية وصورة فوتوستاتية عن شك بستة وأربعين ألف ليرة سحب من أحد مصارف بيروت في إحدى المناسبات الهامة.
• شريط مسجل عليه أخبار، بصوت سمير مسلم .
• تقارير من رفقاء عن أعمال شراء أراض لحساب جهات مشبوهة.
• خرائط عن "إسرائيل" ومشاريعها، لا قدرة للسلطات للحصول عليها، وكانت نسخ منها ترسل إلى بعض الجيوش العربية .
• تقارير عن جاسوس يهودي شيوعي في بيروت، وصورته، واتصالاته .
• تاريخ حياة أحمد عسه واتصالاته بالصهيونيين وصورة فوتوغرافية مجالساً أحد جواسيس اليهود في بيروت .
*
سيرة ذاتية
- ولد الرفيق سمير رزق مسلم في بلدة جديدة مرجعيون عام 1933 .
- والدته فكتوريا.
- انتمى إلى الحزب في أوائل الخمسينات في منفذية الطلبة ثم التحق بمديرية التضامن "الجميزة".
- يقول الرفيق المهندس جورج حنحن: تعرفت على الرفيق سمير مسلم في منفذية الطلبة. كان حزبياً مندفعاً، ثورياً، فوضوياً بعض الأحيان. طيب المعشر وجريئاً. صدف أن كنا مرة نتمشى في ساحة البرج ومعنا رفيق ثالث (خليل فاخوري، من راشيا الفخار) فقبض علينا رجال التحري دون أي سبب وكان الوقت ظهراً. بعد ساعات من استجوابنا حول انتمائنا إلى الحزب، وهل نقوم بأنشطة حزبية وعسكرية، أطلق سراحي وبقي الشهيد سمير والرفيق خليل رهن الاعتقال، بعد أيام استشهد الرفيق سمير.
- بقي الرفيق سمير عازباً .
- من أعمامه: الرفيق فيليب مسلم الذي كان منح رتبة الأمانة وتولى مسؤوليات محلية ومركزية منها رئيس مكتب عبر الحدود وعميد دون مصلحة، قصاص معروف وشاعر بالإنكليزية، غادر بعد الثورة الانقلابية إلى عمان في الأردن ثم إلى الريو دي جانيرو في البرازيل حيث وافته المنية. والرفيق فؤاد مسلم، المناضل في فلسطين ولبنان .
- استشهد في 10 نيسان عام 1955 .
*
ملاحظات
• كانت العميلة الإسرائيلية، جولييت خوري (معروفة أيضاً بـ جوليا) من جديدة مرجعيون متأهلة من العميل المعروف كامل حسين. وكامل هذا كان أرداه الضابط الشامي أكرم طبارة في أحد مقاهي نبع الحاصباني عندما لم يتمكن من اختطافه .
• أثار إلقاء قبض السلطات اللبنانية على الضابط أكرم طبارة أزمة بين الدولتين اللبنانية والشامية. ووضع المحامون القوميون الاجتماعيون مطالعة بإيعاز من سعاده تفيد بأنه لم يكن جائزاً للسلطات اللبنانية إلقاء القبض على الضابط الشامي أكرم طبارة الذي قتل الجاسوس الخطير والمعروف.
• من الرفقاء الذين نشطوا في "لجنة كل مواطن خفير" الرفيق المناضل إبراهيم ناصر (أبو نبيل) وقد أشارت إلى ذلك عمدة الإذاعة في الحزب في البيان الذي أصدرته غداة وفاته ونشرته الصحف بتاريخ 12/10/1994 .
هوامش:
(1) حصلت "لجنة كل مواطن خفير" على ربع ساعة من الإذاعة اللبنانية امتدت بعدئذ إلى نصف ساعة.
(2) صدرت "البناء" في دمشق أولاً ثم أعادت الصدور في بيروت .
"الزوابع" جريدة قومية اجتماعية أسبوعية كانت تصدر في أواسط الخمسينات .
"صدى لبنان" متوقفة حالياً عن الصدور. صاحبها نقيب أصحاب الصحف الرفيق محمد بعلبكي.
(3) نشرها في كتاب "أنا والتنين" (ص 164-183) .
(4) نشرت في كتاب "كل مواطن خفير" الصادر عن دار "فجر النهضة"، للرفيق جان داية .
(5) الأمين، عضو ورئيس المجلس الأعلى، العميد، والمناضل القومي الاجتماعي.
(6) من مقالته في مجلة "الصياد" بتاريخ 26 أيار 1955 .
|