الرفيق امين العنداري
كنت عرفت عن الرفيق امين محمد العنداري من خلال مسؤوليتي كرئيس لمكتب عبر الحدود(1)، ثم تعرفت إليه عند زيارته الوطن عام 1971. كان مقيماً في مدينة "التيغري El Tigre" ويتولى مسؤولية مفوض الحزب فيها.
وكنت أعلم أن في العبادية مجموعة من الرفقاء الشعراء الشعبيين أمثال: قاسم نجد، كامل سليم، سليمان حسن سلطان، سليمان العنداري وخالد زهر. إنما لم أكن أعلم أن الرفيق أمين العنداري هو شقيق الرفيق الشاعر سليمان إلى أن قرأت في العدد 556 (حزيران 1971) من مجلة "البيدر" التي كان يصدرها الرفيق الشاعر وليم صعب، أنه، مثل أخيه، شاعر شعبي. عنه افادنا الأمين أنيس جمال، وكان أقام سنوات في فنزويلا وعلى معرفة بالرفيق أمين العنداري، " انه كان قومياً اجتماعياً مثقفاً وواعياً للعقيدة، ملتزماً وناشطاً ومسؤولاً لفترة طويلة في مدينة التيغري، وكان شاعراً شعبياً معروفاً ".
يضيف: " أن الرفيق أمين كان محاسباً قانونياً، يملك مكتباً للمحاسبة. اقترن من امرأة فنزويلية ورزق منها بعدة أولاد(2)، كان يعمل على أن يزوروا لبنان باستمرار، لتعلُّم اللغة العربية.
كان له حضور جيد في أوساط الجالية السورية في مدينة "ألتيغري" وجوارها ".
من جهته يفيد الامين الراحل موفق شرف في رسالة منه بتاريخ 27/03/2001 " ان الرفيق الراحل امين العنداري كان كاتباً ومعلّقاً باللغة الاسبانية، في احدى الصحف الفنزويلية "
قالت "البيدر" في عددها المشار إليه آنفاً: "بعد اغتراب أكثر من 40 سنة عاد من "فنزويلا" إلى مسقط رأسه "العبادية" المغترب الفاضل المقدام السيد أمين محمد العنداري في زيارة للأهل يعود بعدها إلى مقر أعماله في مدينة "التيغري"، تعرفنا بالأخ أمين العنداري في فنزويلا منذ عشرين سنة، وسمعنا عنه من جميع أفراد الجالية ما يرفع الرأس، فهو الشهم الذي وهبه الله سجايا رفيعة جعلته ذا مقام محترم ومركز مرموق بين كل الذين عرفوه".
توفي الرفيق امين في 26/10/1986 .
*
من شعره
نشرت مجلة "البيدر" في عددها رقم (541) تاريخ كانون الثاني 1970 القصيدة التالية التي يناجي بها الرفيق أمين ابنه خالد، في ذكرى مرور سنة على رحيله:
"ما عدت تقشعني، ولا عدت اقشعك، ولا عـدت اتيَّمن ببهجـــــة مطلعك،
ولا عدت قادر أزرع خدودك قُبل، ولا عاد صدري مُتَّكاك ومضجعك!
ولا عاد هالقلـــب الملوَّع يرتجي لقيـــــاك بالطلعـة البهيّة المبهجـــة
ولا عدت قدامي بقا تروح وتجي وجوارحي خطوة وخطوة تتبعـــك!
عنَّك بفتِّش صرت في صبح ومسا وبصير سلِّي القلب في عل وعسى
بناديك، ما بتجيب: تخمين الأسى بيغتال صوتي، وما بيطرق مسمعك؟
* * *
مشتاق، يا ابني، شوف هالوجه الحلو، ومرمغ شفافي بهال محيَّــــا وقبلو ..
فارقتنـــا والعمــر بعـــدو بأولــــــو ، وأيّا شفيع منقصدو تا يرجّعـك ؟
وبيَّك، يا خالد، شوف هالبَي الحنون مفجوع، تايه، ما بتغمضلو جفون،
بهجة حيـــــاتو كنت، لعيونو عيون، بلحظة قصيرة، عن عيونو، ضيّعك!
ما رضيت قبلك روح استقصي الأثير.. عالقليلــة نطـور حتى نروح ســوا
بيظل يوسعني الضريح ويوسعك!
*
الرفيق الشاعر سليمان محمد العنداري
لعلّ ما أوردته "البيدر" في عددها 590 (كانون أول 1974) يضيء بشكل جيد على سيرة الرفيق الشاعر سليمان العنداري.
قالت: " وُلد سليمان محمد العنداري في "العبادية" في 27 أيار سنة 1905، وسنة 1925 عين موظفاً في مركز بريد "عالية" حيث قام بأعباء مسؤوليته سبعة وعشرين سنة متواصلة، نقل بعدها، سنة 1952، رئيساً لمركز بريد العبادية، وفي هذه الوظيفة استمر سبعة عشر عاماً أحيل بعدها إلى التقاعد نظراً لبلوغه السن القانونية، فانتقل إلى بيته القديم الذي رممه بعد هجره إياه بحكم وظيفته.
" تقاعد سليمان العنداري بعد اثنين وأربعين عاماً قضاها مجاهداً في الوظيفة وحمل مسؤولياتها، لكنه لم يتقاعد عن الخدمات الإجتماعية الكثيرة التي تحمّل منها أكثر من طاقة أي إنسان، عاملاً ليل نهار على بث التآلف والتآخي والتصافي، ساعياً لفضّ المشكلات، باذلاً من روحه وجسده ومضحياً بسرور وطيبة خاطر.
وقد أنشأ شاعرنا عائلة ممتازة من صبيان وبنات(3)، أكثر من نصف أفرادها متزوج، وصغيرها لا يزال في التاسعة من عمره.
" وزيارتنا الصديق الوفي بل الأخ الحبيب سليمان العنداري يوم الثلاثاء 24 كانون أول 1974 ، والساعة التي قضيناها معه مستمعين إلى أحاديثه العذبة ومتنعمين بأنسه وبشاشته ومحبته التي رأيناها شائعة على قسمات وجهه وكأنها تتكلّم في نظرات عينيه، تلك الجلسة وتلك الساعة أعادتانا أربعين سنة إلى الوراء حيث كانت لنا جلسة عامرة ممتعة في ذلك البيت الكريم وذلك مساء السبت 13 تشرين أول سنة 1934، حضرها الشعراء: عجاج سلمان أبي علي، عجاج المهتار، خطار أبو ابراهيم، سامي شهيب، عجاج أبو شكر، حسن السلطان، قاسم نجد، الياس سلامة، قاسم أبو شبلي، كامل سليم، سليم سلمان، يُضاف إليهم صاحب البيدر وصاحب البيت، واستمرت فيها المساجلات حتى فجر الأحد(4).
" ومن وحي هذه الذكريات رأينا أن نسجّل فصلاً عن شاعرنا كما عرفناه منذ خمسة وأربعين عاماً لم يطرأ خلالها أي تبدل أو تقلب على محبته ووفائه وإخلاصه وصداقته وأنسه وبشاشته وثباته على مبادئه، هذا الصديق النادر المثال الذي ترتاح إليه النفس ويطمئن القلب ويهدأ البال.
الموظف الأمين
" ندر أن عرفت الوظيفة في لبنان شخصاً بمزايا سليمان العنداري. أدرك أنها مسؤولية فحملها بأمانة وإخلاص وضمير حيّ بقيادة مشيئة الله... هذا الموظف المسؤول الذي خدم دولته ومواطنيه طوال اثنتين وأربعين سنة متواصلة مبرزاً وجه وطنه النقي أمام جميع الناس من مختلف الأجناس، بدون أن يلطخ سجله اي لوم، هذا السجل المليء بالتنويهات المشكورة والتقديرات الحافلة بالثناء. حتى أن المسؤولين مددوا له بالتعاقد ما يقارب السنتين بعد بلوغه موعد التقاعد ليتسع لهم المجال لإيجاد الموظف الكفء الذي يحلّ محله.
هذه منطقة "عالية" بقراها ودساكرها المتعددة ينقل إليها سليمان العنداري البريد منذ العام 1925 إلى العام 1952، لا بواسطة سيارة أو باية وسيلة نقل أخرى، بل هو نفسه كان يحمل رسائلها وكلّ ما يصل إليها في البريد، ويوزعه بأمانة على بيوتها واحداً واحداً ويداً بيد، ماشياً إليها على رجليه مسافات طويلة كل يوم، ولم تسمع شكوى واحدة من البريد خلال تسلمه هذه المسؤولية المتشعبة الصعبة، وكأن كل رسالة واصلة إليه هو، مما يجعلنا نقف مشدوهين إذ نقابل بينه وبين سواه ممن لا يزال الناس يضجون ويتذمرون ويشكون من إهمالهم وعدم أمانتهم وحرصهم على مقدسات البريد، طارحين هنا وهناك وهنالك بشكل لا مسؤول ما عهد إليهم به إيصاله بدقة إلى أصحابه. وكم طارت رسائل مضمونة وتبخرت المبالغ والحوالات المرسلة فيها، وكم اختفت جرائد ومجلات وكتب وسواها، أما في عهد سليمان العنداري بالبريد فمن يتمكن من تسجيل شيء من هذا أو مما هو دونه في هذا المجال؟
" كذلك كانت تصرفاته عندما اصبح رئيس مركز البريد في العبادية. وقد كان، حيثما عمل، خادماً للمواطنين والمصطافين والسياح، وكثيراً ما ألصق لهم بيديه أوراق التمغة، بل كان يكتب الرسائل لعدد منهم. وبهذا التصرف الإنساني النبيل أصبح كل منزل في المنطقة بيتاً له، كما أصبح كل فرد من أفرادها صديقاً حميماً لهذا الموظف الأمين الذي ما تزال الألسنة حتى الآن تلهج بذكر أعماله المجيدة وتثني عليه.
صفاته
" بالإضافة إلى ما ألمحنا إليه من صفاته نسجل هنا براءة الأطفال التي ما تزال تشعّ من نفسه، وابتسامة المحبة التي لم تفارق شفتيه، وعزة النفس المرافقة حياته، وصدق الصداقة التي لم يغير كرّ السنوات العديدة لونها الثابت الصافي، وعفة اللسان الذي لم تجر عليه يوماً كلمة نابية، ومزية خائف الله الذي لم يدخن ولم يشرب مسكراً ولم تخرج من فمه كلمة نابية.
ومجمل صفاته، ومنها المقدرة الإدارية، جعلت أهل بلدته العبادية يلتفّون حوله ويتوجهون إليه في الملمات والمصاعب ويعهدون إليه بالقيام بخدمات مجتمعية، منها ترؤسه "جمعية الهدى" وسواها وقيامه بأعباء كل مسؤولية تسلمها قياماً مشكوراً.
الشاعر
" أخذ سليمان العنداري سليقة الشعر الشعبي عن والده فنشأ شاعراً مطبوعاً، ولم تحلّ مشاغله الكثيرة والمضنية في وظيفته دون إبراز موهبته الشعرية، فكان يدغدغ قريحته في شتى المناسبات وينظم الطرائف والبدائع، يكتب الشعر ويرتجله بقريحة سيالة ولسان عف. وله جولات موفقة في مجالس الزجل، وقد اشتهر بنظم التاريخ الأبجدي. ولو جمعت أقواله لشكلت ديواناً كبيراً. وكم أُحييت جلسات المساجلات الزجلية في منزله المضياف وفاضت قرائح إخوانه الشعراء في ظلال كرمه ومحبته وصدقه ووفائه.
المسجِّل
" قبل أن يظهر اختراع المسجل إلى الوجود كان سليمان العنداري المسجل الأوحد للحفلات الزجلية منذ العام 1928، فهو شاعر زجلي، جميل الخط، سريع الكتابة، حاضر البديهة، قوي الذاكرة، وكان يكتب كل ما يقال في الحفلة بحذافيره، وعشرات الحفلات حفظت أقوالها من الضياع بواسطته. هذا كان عندما كان شعراء الزجل يرتجلون ارتجالاً ولا يكتبون كما يفعلون اليوم حافظين ما يكتبونه ليلقوه من على منابر الحفلات موهمين الناس أنه يأتيهم ابن ساعته.
فلسليمان العنداري الفضل على شعراء الزجل وعلى المطالعين لأنه حفظ عشرات آلاف الأبيات التي أُلقيت ارتجالاً والتي لا يمكن إلا العودة إليها إذا ما أراد باحث أن يكتب عن الزجل المرتجل لأنه لا يتمكن من الحكم على ارتجاليات الشعراء الشعبيين إذا اطّلع على محتوى حفلات هذا الزمان التي ليست سوى روايات مكتوبة بعناء وتدقيق ومستعد عليها استعداداً طويلاً، وبهذا يمتد فضله إلى الأدباء والمؤرخين.
*
وفاته
وافت المنية الرفيق الشاعر سليمان محمد العنداري عند الخامسة والنصف من بعد ظهر يوم الأربعاء 19 آذار 1975 وفي اليوم التالي جرى له مأتم حافل في بلدته العبادية وصفته "البيدر" في عددها 594 (نيسان 1975) أنه: "ندر أن شهدت "العبادية" أو أية بلدة لبنانية مأتماً بحجم مأتم الشاعر سليمان محمد العنداري، كما ندر أن يحصل إجماع على تقدير سجايا إنسان، أكبر من الإجماع الذي شاهده الناس ولمسوه يوم تشييعه وتوديعه، حتى أنّ أحد أجلاء المشيعين، وقد هزه ذلك الثناء الشامل على مزايا الفقيد الرفيعة، توجّه إلى الجماهير الغفيرة بقوله: "لنأخذ عبرة من هذا الإجماع وهذا التقدير، ولنسر على مسلك الفقيد الغالي ليكون لنا ما كان له".
"إننا نتوج هذا العدد برسمه، وهو مأخوذ من رسم له مع صاحب "البيدر"، وهذا جزء من حقه على هذه المجلة التي رافقها منذ صدور أول أعدادها حتى يوم وفاته، وقد قرأ ما كتبنا عنه في ثلاثة أعداد متتالية نرجو أن نكون قد أعطينا عنه فيها صورة واضحة، كما هو جزء من حقه على الشعر الزجلي الذي قدم له أجلّ الخدمات وقد أتينا على ذكر هذا في الأعداد المذكورة وما تلاها.
فإلى أرملته الفاضلة السيدة سلوى النجار، وإلى ولده نبيه في أوستراليا، وأولاده: نزار وسلمى وناظم الذين ما يزالون تلاميذ يتلقون العلم، وإلى بناته وأصهاره، وإلى شقيقه أمين في فنزويلا وشقيقه أسعد في أوستراليا، وإلى آله وأنسبائه جميعاً أحر التعزيات."
وأوردت البيدر في عددها المشار إليه قصائد ألقيت في مأتم الرفيق سليمان العنداري، للشعراء الرفيق نصر المهتار، فرحان العريضي، الرفيق قاسم نجد، وعبدالله العريضي.
*
شارك الرفيق سليمان العنداري في مسابقات عديدة وكان نصيبه بالفوز بجوائز فيها:
- حمامات "الحمة" المعدنية
قالت " البيدر" في عددها 591 (كانون أول 1975 ): تقع حمامات الحمة(5) المعدنية في فلسطين وكان يديرها سليمان بك ناصيف ويذود عن ساحتها الشاعر البطل أديب البعيني الذي، بإشارة منه، نظمت مسابقة في وصفها، فاز بإحدى جوائزها الشاعر سليمان العنداري".
- التعاون الزراعي
عن "البيدر" العدد 591، كانون أول 1975:
" أعلنت جمعية التعاون الزراعي في العبادية، سنة 1943، شروط مسابقة في موضوع التعاون الزراعي على أن يشترك فيها شعراء الزجل في العبادية، ففازت بالمرتبة الأولى قصيدة الشاعر سليمان محمد العنداري".
- الفلاح
وفي العدد نفسه، تقول " البيدر":
" في 15 أيلول سنة 1941 أقامت "جمعية التعاون الزراعي" معرضاً في العبادية حضره الأستاذ ألفرد نقاش رئيس الجمهورية اللبنانية وألقى فيه الشاعر سليمان العنداري قصيدة بتكليف من الجمعية".
- حنين مهاجر إلى وطنه
وفي العدد نفسه أيضاً، تقول " البيدر":
" سنة 1944 أعلنت محطة الإذاعة اللبنانية مسابقة في الموال البغدادي والميجانا والعتابا موضوعها "حنين مهاجر لبناني لوطنه"، ففاز بالجائزة الأولى الشاعر سليمان العنداري".
وعن " البيدر"، العدد 592 (شباط 1975):
" سنة 1940 اقترحت تعاونية العبادية الزراعية مسابقة على شعراء الزجل في العبادية ففازت قصيدة الشاعر سليمان العنداري بالجائزة الأولى" .
هوامش:
(1) تحوّل مكتب عبر الحدود، لاحقاً، وكان يرأسه في معظم الاحيان عميد بدون مصلحة، الى عمدة باسم: عمدة شؤون عبر الحدود.
(2) رزق الرفيق امين بكل من: المرحوم سامي، فريدة، ليلى، فاروق، المرحوم خالد، سوريا.
(3) كنت كتبت عن الشعراء: المواطن عجاج سلمان ابي علي، الامين خطار ابو ابراهيم، الرفيق عجاج ابو شكر، والرفيق قاسم نجد. للاطلاع الدخول الى قسم ارشيف تاريخ الحزب على موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية www.ssnp.info
(4) رزق الرفيق سليمان بكل من الراحل توفيق، ليلى، نبيه، سامي، مي، نجوى، زهر، نزار، سلمى وناظم.
(5) حمامات "الحمة": تقع عند بحيرة طبريا. كانت الرفيقة وداد ناصيف اقترنت من انطون ابن سليمان ناصيف، وعُرفت بـ"ختيارة القنيطرة" اذ انها رفضت ان تغادر مدينة القنيطرة، في ظل الاحتلال الاسرائيلي. للاطلاع على ما اوردته عنها، وعن الرفيق البطل اديب البعيني الدخول الى ارشيف تاريخ الحزب على موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية www.ssnp.info
|