عرفتُ الرفيق نديم نعمة مع اوائل سنوات انتمائي الحزبي، في اواخر خمسينات القرن الماضي.
التقيتُ به في مكتب الامن الحزبي في شارع السادات(1) ثم في مكاتب مجلة "البيدر" لصاحبها الرفيق الشاعر المرحوم وليم صعب(2) في الفترة التي تعاطفت فيها مع دعوة الانتفاضة متأثراً بما كان يصدره الامين حسن الطويل، فغيره من قيادات حزبية بارزة منها جورج عبد المسيح، محمد يوسف حمود، ابراهيم يموت من تعاميم وبيانات حزبية .
في تلك المرحلة استمعت الى الرفيق نديم في مكاتب "البيدر" يشرح عن الظروف الحزبية التي أدت الى "الانتفاضة". لقد لفتني بعمق تفكيره، بدماثة اخلاقه، بتسلسل افكاره، وبارتدائه معظم الاحيان بذلة كاكية فوق جسد نحيل.
تراءى لي انه أخ، او نسيب، للامين نبيه نعمة(3).
وانقطعتُ عن تنظيم عبد المسيح، انما لم اتوقف عن السؤال عن الرفيق نديم نعمة مأخوذاً بشخصيته، وقيل لي انه غادر الى الاردن.
ومضت سنوات الى ان كان يوم الاثنين 19 عندما اتصل بي احد الامناء المميّزين سائلاً اذا كنت في "ضهور الشوير" اذ يود ان يسلّمني مغلفاً.
واذ فتحته، قفزت فرحاً اذ فيه نبذة غنية عن الرفيق نديم نعمة بخط يد الرفيق علم عبد الرحيم بتاريخ 10/07/2019 الذي كنت سمعت عنه دون ان اعرفه، وفي المغلف ايضاً معلومات حزبية اخرى سآتي على ذكرها لاحقاً.
ل. ن.
*
" نديم كامل ابراهيم نعمة من مواليد قرية "الخريبة" والتي اصبحت تسمى "الناصرة"(4) من منطقة وادي النصارى والتي اصبح اسمها فيما بعد وادي النضارة.
نديم من مواليد 1930 وبعد ان نال شهادة الدراسة المتوسطة "البريفي" ترك الدراسة وعمل على تعديل تاريخ ميلاده ليدخل سلك الجندية في عام 1947.
في عام 1952 رأيته لاول مرة عندما كان يزور بيت أخي محمود عبد الرحيم في السويداء، وكان برتبة رقيب محترف، وأظن انه في ذلك الوقت كان منتسباً للحزب السوري القومي الاجتماعي. اقول أظن لانه من غير المألوف ان يزور احد من زملاء اخي محمود ما لم يكن هناك علاقة خاصة غير الزمالة.
في عام 1955 وبعد اغتيال عدنان المالكي، اُعتقل وأودع السجن، وبعد خروجه من السجن ذهب الى قريته ليتم استدعاؤه فيما بعد من قبل قيادة الحزب الى بيروت. وقد تمّ ذلك عن طريق التهريب بمساعدة احد رفقائه واسمه "ديوب" – من دون ان يعرف كامل اسمه – كما ذكر لي ذلك نديم نفسه، وأظن ان اسمه الكامل دياب محمد سليمان ديوب(5).
اعود لذكر زيارة نديم لبيت اخي محمود في السويداء وكان برتبة رقيب محترف، اما اخي محمود فكان برتبة رقيب فقط، لأبيّن الامتيازات التي يتمتع بها المحترف من غير المحترف في اللباس فقط.
1. الرقيب المحترف يحق له ارتداء لباس الضباط من "العامرة" لغطاء الرأس وبدلة (جاكيت وبنطال طويل) من القماش الناعم المسمى "كبردين" واللون الرصاصي بالاضافة الى حذاء مدني ذو لون بني، وحزام جلدي مع وصلة تصل بين وسط الخصر الايمن الى وسط الظهر مروراً بأعلى الكتف الايسر (لباس جنرالات هذه الايام)
2. الرقيب العادي كان لباسه قميصاً وبنطال "شورت كاكي" وفيصلية تغطي الرأس. اما الساق فتغطى ب كاسية الساق من الصوف ، والحذاء (بوط) ذو قصبة تصل الى ما فوق الكاحل . ذكرت هذه التفاصيل لأنقل الصورة الاولى لنديم التي لا تزال عالقة في ذاكرتي لشاب وسيم كامل الاناقة، ولأذكر جواب اخي محمود لزوجته عندما سألته مندهشة من زيارة احد زملائه عندما قال لها: هذا شاب خلوق ومهذب وقريب من فكري – قريب مني.
منذ ان وطئت قدماه ارض لبنان رهن نفسه للعمل الحزبي، او بتعبير آخر باع نفسه للحزب.
في عام 1957 شارك نديم في تدريب الرفقاء في مخيم رويسة البلوط، وكان مركز الحزب في رأس بيروت في بناء مستأجر باسم ميشيل كرم. وفي هذا العام ايضاً حصل انشقاق الحزب الى قسمين:
الاول ظل في رأس بيروت وسماه بعض القوميين "مكتب كرم"(6) وسماه البعض الآخر "المركز".
والقسم الثاني سماه بعض القوميين "الانتفاضة" وسماه البعض الاخر "جماعة جورج عبد المسيح"
نديم التحق بالانتفاضة (جماعة جورج عبد المسيح)، والمسؤوليات التي تقلدها ولا ازال اذكرها:
ناظر تدريب منفذية المتن، آمر جميع دورات المخيم التدريبي السنوية في عين سعاده، منظم وآمر جميع الرحلات الحزبية الى مختلف المناطق اللبنانية، حتى آخر رحلة الى بعلبك في صيف 1961 عندما ألقي القبض عليه اثناء الرحلة ورُحّل مع رفيق آخر اسمه مطانيوس حمصي الى الاردن.
وصل نديم الى عمان شاب في بدايات العقد الثالث من عمره لا يحمل اي صفة مهنية، ومعه زوجة وثلاثة اولاد: عصام، نظام، جورج. اول عمل قام به ان ذهب الى محل بيع دهانات يدعى (دهانات حزام الجامع) في شارع الشابسوغ في عمان واشترى فرشاة للطراشة وباشر عمله. الطراشة في تلك الايام كانت تبدأ بعملية حف الجدران والسقف باستعمال المشحاف وورق الزجاج. اما مادة الطراشة فهي "الشيذر" (الكلس المطفي)، اما المدخول فكان "ربنا اعطنا خبزنا كفاف يومنا".
بعد ذلك بدأ المدخول يزداد شيئاً فشيئاً وعدد الاولاد يزداد بنفس الوتيرة. إذ بلغ عدد الاولاد 11 مولوداً:
9 ذكور و 2 اناث.
من صيف 1961 الى ربيع 1964 كانت فترة فراقنا انا ونديم.
عندما وصلت عمان في ربيع 1964 كان العمل الحزبي في الاردن بضفتيه الشرقية والغربية روتينياً وعادياً، واستمر نشاط نديم في هذا الجو كباقي الرفقاء روتينياً وعادياً.
لقد لازمت رفيقي نديم من عام 1957 وحتى عام 1961 في لبنان، ولازمته في الاردن من عام 1964 وحتى مماته في عام 1988. كنا رفيقين وصديقين ومتقاربين في الرؤية. كنت افهمه واعتقد انه كان يفهمني، لذلك استطيع القول بكل راحة ضمير:
نديم نعمة عاش ومات سورياً قومياً اجتماعياً مؤمناً بعقيدته وملتزماً بانتمائه الحزبي.
هوامش:
(1) مراجعة ما كنت نشرته عن مكتب الامن المركزي الذي تحرك في الخمسينيات تحت اسم "وكالة الصحافة اللبنانية" على موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية www.ssnp.info
(2) مجلة "البيدر": كانت مكاتبها تقع في شارع بشارة الخوري وسط بيروت. مراجعة ما كنت كتبت عنها على الموقع المذكور آنفاً.
(3) الامين نبيه نعمة: مراجعة النبذة عنه على الموقع المذكور آنفاً.
(4) بلدة الناصرة: اعرف انها مجاورة لبلدة "الحواش"، ومن ابنائها الرفيق الدكتور فهيم داغر.
(5) دياب ديوب: عرفته مهاجراً في ليبيريا ومتولياً مسؤوليات حزبية فيها، منها مسؤولية ناموس منفذية، وكان يتمتع بخط جميل تجعل تقارير ومحاضر جلسات المنفذية في غاية الترتيب والوضوح. اعرف انه غادر ليبيريا منذ نيّف وعشر سنوات عائداً الى مسقط رأسه في الكيان الشامي. لم اعد اعرف اي شيء عنه.
(6) مكتب كرم: مراجعة النبذة عنه على الموقع المذكور آنفاً.
|