في تاريخين سابقين 07/09/2017 و 27/09/2017 نشرنا عن موضوع انتقال "الامين جورج عبد المسيح من دمشق الى بيروت، بعد عملية اغتيال العقيد عدنان المالكي"(1).
من الرفيق يوسف عبد الحق رسالة ومعلومات اضافية عن الموضوع آنفاً، ننقلها كما وردت، ونضعها – الى جانب معلومات اخرى قد تصلنا - بتصرف اي باحث في تاريخ حزبنا.
اذ نشكر الرفيق الصديق يوسف عبد الحق على اهتمامه، نعتذر لتأخرنا الاضطراري، في نشر ما كان وردنا منه، لاسباب باتت معروفة
ل. ن.
*
" حضرة الامين لبيب ناصيف، جزيل الاحترام
ارفق لحضرتكم تحت عنون "نحن لها" قصة انتقال حضرة رئيس الحزب آنذاك الامين الراحل جورج عبدالمسيح، من الشام الى لبنان، خلال احدى المؤامرات التي حلت على الحزب، بعد مقتل عدنان المالكي وضلوع الاجهزة المخابراتية باتهام الحزب والانتقام منه لانه اصبح الحزب الأقوى والاكثر انتشارا في صفوف الطلاب والمثقفين وعامة الناس، ولا سيما في شامنا الحبيب!
يجدر بالذكر اننى سمعت القصة أكثر من مرة من عمي المرحوم جبر أشتي - آمر المهمة - واخيرا من الرفيق التسعيني - الخال كمال سيف الدين.
من المهم ايضا، ان الرفيق كمال، هو الاخ الوسط بين الرفيق سامي سيف الدين(2) - 94 سنة - والأخ الاصغر الشهيد رفيق سيف الدين(3).
ادعو لك بالصحة والاستمرار بجهودك وعطائك "
نحنا لها!
" منذ ان اقسمنا اليمين إننا لها وسنبقى لها إالى الابد!
هكذا رد عمي– والد زوجتي - المرحوم الرفيق جبر إشتي عندما استدعاه الرفيق الراحل سعيد تقي الدين الى مركز الحزب في شتورة وقال له محاولا ان يخفف من صدى صوته: يا رفيق جبر اننا سنكلفك بمهمة خطيرة جدا! وعلي ان أخبرك بصراحة تامة،اذا القي القبض عليكم خلال قيامكم بتنفيذها قد يكون مصيركم السجن... واخطر من السجن! قد يكون مصيركم الاعدام! وانت صاحب عائلة ونحن نتفهم ان كان ردك بالنفي!
- نحنا لها! قالها العم الرفيق جبر بوجه امتزجت في تقاسيمه معالم الرجولة ونشوة الفرح! وكأنه كان يتمنى ان يكلّفه الحزب بامر على مستوى اهمية قصوى! دون ان يعرف اية تفاصيل، نحن لها! قالها بصوته الجهوري، فسمع مَن كان في الغرف المجاورة للغرفة التي التقى فيها الرفيق سعيد تقي الدين والرفيق جبر على حدة – نحنا لها منذ ان اقسمنا اليمين إننا لها وسنبقى لها إلى الابد! تفضل قل لي، أنا جاهز!
- عليك ان تبقي هذه المهمة سرية ولا تخبر رفقاءك المرافقين إلا وانتم في الطريق اليها، فانتم بحاجة لسيارة وللسلاح!
- حاضر ومن بعد إذنك، لنطلب رفيقا اخرا، قال الرفيق جبر، لاننا سنكون سويا.
فحضر الرفيق كمال سيف الدين. وقال له سعيد تقي الدين، يا رفيق كمال، انت والرفيق جبر ورفيقان اخران ستقومون بمهمة خطيرة جدا، وكما اخبرت الرفيق جبر، اذا القي القبض عليكم اعتبر انك ستخسر سيارتك والاهم قد يكون مصيركم السجن والتعذيب، وحتى الاعدام!
- إن كان لي شرف القيام بمهمة لاجل الحزب، لا تعني لي سيارتي شيئا، وأن افدي حزبي بكل ما عندي حتى بنفسي، أقول لك بثقة كاملة، انا جاهز!
ولهذا الحد لم يكن الرفيقان جبر وكمال على علم بما يطلب إليهما تأديته. كل ما في الامر، ان الحزب الذي اقسما له بشرفهما وحقيقتهما ومعتقدهما يطلب منهما تجسيد هذا القسم بتادية واجب، عَلِمَا من كلام سعيد تقي الدين إنه عمل مهم وخطير للغاية!
- حسناً، قال سعيد تقي الدين بصوت خافت، لقد قررت قيادة الحزب ان ينتقل حضرة رئيس الحزب من الشام الى لبنان، وعلى ان يكون طريقه خلال الجبال، مهمتكما مع رفيقين اخرين، ان تلاقوا حضرة الرئيس الى جبل العنبري، حتما تعرفان جبل العنبري؟
- نعم! رد الرفيقان.
رفقاؤنا سيرافقون حضرة الرئيس من ريف دمشق خلال الطرق الجبلية الى قمة جبل العنبري المطلّة على لبنان، وانتم عليكم ان تلتقوه هو والرفقاء هناك وترافقوه الى شتورة! عليكم ان تخططوا التنفيذ بدقة وحذر تامين، لان مشواركم محفوف بالمخاطر قبل لقائكم بحضرة الرئيس، واخطر بكثير بعد لقائكم معه وفي طريقكم من العنبري الى شتورة، فعليكم ان تكونوا جدا حذيرين. رفيق جبر انتَ آمر المهمة، تنتقي رفيقين بالاضافة لك وللرفبق كمال وتقومون بانجاز هذه المهمة التي يتوقف على نجاحها مصير حضرة الرئيس ومصيركم، لا بل مصير الحزب من عدة جهات، ثقتنا بكم كبيرة واندافاعكم بهذه الشجاعة يؤكد للزعيم الخالد حقا إن ابناء نهضته، هم هم الذين قال عنهم انهم لا يخافون الموت متى كان الموت طريقا للحياة! واخذ بيد الرفيق جبر الى زاوية في الغرفة، بالاذن منك رفيق كمال، رفيق جبر تم الاتفاق مع رفقاء الشام على كلمة السر، وسأعطيك اياه، ولا يعرفها احد إلا انت، كما فسر له خطة المهمة ذهابا وايابا واين سيكون الملتقى بعد حضورهم من الجبل، وهو – سعيد تقي الدين – سيكون من المجموعة التي ستلاقيهم في شتورة، كما أودعه كلمة السّر وطريقة التواصل بها، واوصاه ان تبقى الخطة وكلمة السر معه لوحده!
ثم عادا الى حيث تركا الرفيق كمال، وقال لهما سعيد تقي الدين، نحن فخورون بكم وباستعدادكم للتضحية حتى بانفسكم لانقاذ رئيس الحزب، قالها الرفيق سعيد تقي الدين بصوت يشبه قامته العملاقة! فانتم أبناء ينطا وتعرفون طبيعة ارضها وجبالها وما يحيط بها، لكن الاهم انتم ابناء حزب سعادة، حزب الرجال الاوفياء لقسمهم المستعدين للتضحية في سبيل شرف الحزب وكرامته! لا شك عندي بنجاحكم وبعودتكم عودة سالمة مع حضرة الرئيس، ولكن، تذكروا انه مهما كانت نتيجة هذه المهمة ستسجلون وقفة عز في تاريخ نهضتكم وستكونون من ابطال النهضة الذين ستتعلم الاجيال الآتية عنهم وتطمح لتأدية واجب على هذا المستوى من الاهمية إقتداء بما تفعلون!
- الزعيم الخالد ضحى بنفسه في سبيل النهضة، ونحن ارواحنا ليست اغلى من روح الزعيم! قال الرفيق جبر! نعم، تماما كما قال الرفيق جبر، ردد الرفيق كمال، الى اللقاء في شتورة، تحيا سورية، قال الرفيقان، تحيا سورية، الى اللقاء قال الرفيق سعيد!
وأنطلق الرفيقان جبر وكمال– في سيارة الرفيق كمال - باتجاه ينطا، فوصلا بعد الظهر، وفي الطريق اتفقا على الرفيقين الآخرين: الرفيق نايف العنيسي والرفيق نايف الشوفي. توجه الرفيق كمال الى المنزل لاعلام العائلة انه عائد الى شتورة، والرفيق جبر الى بيته لاعلام العائلة انه ايضا عائد الى شتورة، فودع عائلته وتوجه الى بيتيّ الرفيقين نايف العنيسي ونايف الشوفي.
لم يتردد كلا الرفيقين لحظة واحدة عندما اخبرهما الرفيق جبر: "مطلوبين للحضور الى شتورا، وهمس: جيبو سلاحكم معكم. وبسرعة وثبات وفرح لا يشعر به إلا من اقسم يمين الولاء لانطون سعادة!
كنت منذ صغري الاحظ انه عندما يطلب من اي رفيق ان يؤدي عملا ما او ان يحمل رسالة الى امين او رفيق او مسؤول او يحمل سلاحه ويلتحق بالرفقاء، فورا تغمر الرفيق سعادة لا تماثلها سعادة وتتغيّر قسمات وجهه، حتى حركاته الطبيعية تتغير ويتحوّل بالدقيقة الى وضعية اندفاع وجهوزية كاملة وكأنه مدعو الى مشوار ترفيهي او رحلة استجمام! هكذا كانت وضعية الرفقاء الاربعة ساعة إنطلقت بهم سيارة الرفيق كمال، والرفيق جبر بجانبه و"النايفان" على المقعد الخلفي! وعند وصولهم الى منطقة بير الدوري، خارج ينطا، حيث هناك مفرقان، الى اليمن مفرق حلوة والى اليسار مفرق شتورة، استدار الرفيق كمال سيارته الى اليمين باتجاه بلدة حلوة، لكن طريق شتورة الى اليسار! ونظر الرفيق كمال في المرآة ليرى "النايفين" ينظرا كل الى الاخر باستغراب! وقال للرفيق جبر، خبّر الشباب. وحوّل الرفيق جبر جلسته في المقعد الامامي صوب الرفيقين في المقعد الخلفي، قائلاً: المهمة ليست الى شتورة – بلى قسما منها الى شتورة – ولكن قبل شتورة عندنا مهمة كبيرة وخطيرة وعلينا ان نكون حذيرين جداً وننفذ المهمة بدقة تامة! فتصاعد فضول الرفيقين نايف ونايف: "خبرنا لوين رايحين؟"
- كما نعرف جميعا، حضرة رئيس الحزب ملاحق في الشام وقررت قيادة الحزب ان ينتقل الى لبنان خلال الطرق الجبلية، ونحن الاربعة مسؤولون عن ملاقاته الى جبل العنبري، حيث سيرافقه رفقاؤنا من الشام، ونرافقه نحن الى شتورة!
بلدة حلوة، التي كانت مشاعاتها، قبل "سايكس بيكو" وما زالت، متداخله باراض تصل الى ما بعد جبل العنبري، وهي بلدة عائلة بيت الداوود المعروفة تاريخياً بوطنيتها ومقاومتها لشتى انواع الاحتلال. منها النائب الراحل "نسيب "بك" الداوود" وبعده اصبح ابنه الاصغر "سليم "بك" الداوود" نائبا عن منطقة راشيا والبقاع الغربي، وبعده اصبح الصديق "فيصل "بك" الداوود" نائبا عن نفس المنطقة.
بعد مضي ربع ساعة، وصل الرفقاء الى حلوة، حيث الطريق يتوسط البلدة، وكان الغسق يعانق اوائل سدول الليل وهي تنتشر على قمم الجبال وتهبط سريعا الى الاودية، فترسم الطبيعة لوحات تزينها الاشجار الخضراء وقمم الجبال الجاثمة ويرتمي مزيج من الوان الغسق والليل على الكروم والحقول فيصبح امام ناظريك كيفما تتطلع لوحة شيقة تاخذ الانفاس! لكن فوارس المهمة لم يعيروا كثير الانتباه الى تلك المناظر الرائعة، ولم يكن اهتمامهم بانفسهم وباستمتاعها، كل منهم يعيش في غمرة السعادة، فهم في صدد مهمة عظيمة وعليهم ان يؤدوا المسؤولية بدقة ونجاح لان الامر هو امر رئيس الحزب لا بل الحزب بكامله!
واستمرت السيارة وكانها تتلوى مع تعريجات الطريق الترابية وتختفي تحت اجنحة الليل الذي اصبح الان غطاء اسودا تقطعه قمم الجبال العالية وقد سطع عليها ضوء القمر فبانت متاهبة كأنها كُلفت بحرأسة ما دونها من ظهور وبطاح ومجموعات اشجار، وتصل السبارة الى مزرعة قرنايا، وهي مزرعة فاكهه وكروم ومن املاك عائلة الداوود، التي تمتد املاكهم بعد هذه المزرعة الى جبل العنبري وبعده باتجاه دمشق. قرنايا وجبل العنبري اصبحا منذ الان من عوامل المحطات والامكنة والجبال والدروب والاودية والساحات المشمولة بتنفيذ مهمة شبه مستحيلة اقرب هي لتمثيل فيلم سينمائي منها الى تنفيذ مهمة حية في لحمها ودمها ومخاطرها وخطة تنفيذها ونشوة العز في الاستعداد لها وفي الطريق اليها وفي اخر فصولها، فقريبا ستشهد قمم الجبال واشجار الملول والسنديان كيف تتجسد وقفة العز التى اوصانا بها الزعيم الخالد!
لنقف هنا، اطفىء الاضواء سريعاً، قال أمر المهمة، وترجل الرفقاء، وقفوا وكلهم في حالة استعداد كامل، وبصوت اقرب للهمس، اعطى آمر المهمة التعليمات لكل رفيق. طلب من الرفيق كمال ان يركن السيارة في منطقة تغطيها كثافة الاشجار فتختفي عن الانظار. وان يتخذ الرفيق كمال موقعا مستترا بالاشجار بالقرب من السيارة ، الرفيق نايف العنيسي، إلى تلك التلة ودلّ بيده باتجاه الطريق، خد موقعك خلف الصخور لتتمكن من مشاهدة قدوم السيارات على طريق الشام الدولي بين جديدة يابوس ودمشق. الرفيق نايف الشوفي يرافقني الى سفح الجبل ويبقى هناك! هيا بنا رفيق نايف، ولنبعد عن بعض مسافة لكي لا يُسمع وقع اقدامنا معا، وليكون لكل رفيق حرية التصرف ومرونة الحركة فيما لو تعرضت المجموعة لكمين او "كبسة" او مجابهة من اي طرف، وعند وصولهما الى سفح الجبل تابعاً الصعود الى مساحة كاشفة، طلب آمر المهمة من الرفيق نايف ان يأخد مركزاً عال بين الصخور ويبقى تركيزه على اي امر طارئ قد يأتي من اتجاه الطريق الدولية، وفي الوقت نفسه يرافق بنظره ومراقبته الرفيق جبر وهو يعتلى وعورة الجبل بكل حذر ودقة ووعي تام، لتفادي الوقوع في حالة من الارباك، فالمهمة عظيمة والخطر كبير، وللتاكد من سلامة الموقع فإن كل رفيق كان على حذر كامل واصغاء الى أعلى درجات اليقظة. ولكل رفيق مهامه الخاصة من حيث موقعه، وآمر المهمة اعطى تعليمات صارمة، ولكل حدث او حركة طريقة تنبيه خاصة، فلو تقدمت دورية عسكرية قادمة باتجاه قاعدة الانطلاق، فالرفيق نايف العنيسي، وهو في موقع متقدم بالقرب من الطريق وبالتالي يتمكن من رؤوية السير من كلا الاتجاهين، ففي حال رؤيته لاضواء السيارة من بعيد يقوم بتنفيذ ما اوكل اليه من إشارة تنبيه، فينقر على الصخر بحجر: ت - ح – ي - ا– وينتظر ثوان ويستأنف – س– و- ر- ي - ة – لكل حرف نقرة حجر، يسمعها الرفقاء جميعا وياخذون الحذر... سلاحهم جاهز، ولكن الاوامر صارمة وواضحة، لا يُطلق النار ابدا إلا اذا اكتشف امر المهمة وحاولت الدورية التقدم باتجاه الجبل، عندئذ يطلق النار من ثلاث جهات بطرق متتالية – وقال لي عمي المرحوم – الرفيق جبر – وهو يروي لي ما حدث، كان المخطط انه اذا وصلت دورية الى المكان، قبل ان تترجل الدورية من سيارتها، يطلق عليها النار وبعد ثوان يطلق النار من جهة ثانية وبعد ثوان من جهة ثالثة، ويسألني "عرفت ليش؟" وعرف من نظراتي إليه أنني لا اعرف الجواب، فقال: اطلاق النار من عدة جهات يربك المجموعة المهاجمة وتتوهم ان عددنا كبير ومتوزع في عدة نواح، فإما تبقى مكانها أو الارجح انها ستفرّ هاربة لانها تعرف مصيرها فيما لو تقدمت! وانما لو اخذت بالتقدم، يطلق كل رفيق النار باتجاهها لإعاقة تقدمها قدر الامكان، وخلال هذه الفترة يستطيع آمر المهمة ان يتوارى مع حضرة الرئيس بعد التقائه به وقد يتوجها في طريق جبلية باتجاه قرية حلوة او ابعد جنوبا باتجاه اراضي ينطا! فقلت له: عمي، اذا داهمتكم دورية، انت وحضرة الرئيس قد تتمكنا من التواري عن الانظار وتصلا الى مكان آمن. ولكن، ما هو مصير الرفقاء الاخرين؟ فقال بثقة القومي الاجتماعي المؤمن حتى نخاع العظم بان أزكى الشهادات هي شهادة الدم! قال: عليهم ان يقاوموا ليحدّوا من تقدم المهاجمين الى القدر المستطاع لكي نتمكن من انقاذ حضرة الرئيس.
" صدقّني، عمي، كل واحد منّا كان رايح بمعنويات لا توصف، وفيي بقلّك، انا كنت عَبْقول اذا انقذنا الرئيس واستشهدنا نكون قد أدينا واجبنا وأخلصنا لقسمنا! وكل الرفقاء بنفس الشعور، كأن كل واحد منا شايف الزعيم عبْيراقبنا وبيقول هوذي رجال المبادئ ورجال القسم، والحياة لا تعني لهم إلا وقفة عزّ! كل واحد كان يتمنى وقفة العز فإن استشهد وقفها وعمّدها بدمه وان نفذ المهمة وبقى حيا، فإلى وقفة عز ثانية"!
شفتاه اخذت ترتجف واغرورقت في الدمع عيناه، وانا اقشعرّ جسدي من عظمة ما يقول وادمعت عيناي وتوقفت الكلمات. دمعاتنا دمعات العز والايمان المؤيد بصحة العقيدة، والذي لا يقدّر معناه ولا يفهم مغزاه إلا الذين يطمحون للاستشهاد في سبيل الامة لان شهداءنا هم طليعة انتصاراتنا!
لنعود لأمر المهمه، نعلم الآن تفاصيل الخطة بدقتها وبأولويات اهدافها، هدفها الاول إنقاذ حضرة رئيس الحزب من الخطر، الهدف الثاني، عودة الرفقاء بسلامة الى عائلاتهم وحزبهم! فقلت للرفيق جبر "حكيتلنا عن الرفقاء وادوارهم بعد ما حكيتلنا عن دورك انت! ".
- انا، أمنّت الشباب ومشيت أنا والرفيق نايف الشوفي باتجاه جبل العنبري، وعند وصولنا الى السفح طلبت من الرفيق نايف ان نترافق إلى ان وصلنا الى علو تنكشف منه المنطقة ويستطيع ان يطلق النار مصوبا باتجاه المهاجمين ان هم سوّلتهم انفسهم بصعود الجبل وقلت له: "ورا هيذي الصخرة رفيق نايف، فيك تشوف في كل الاتجاهات، في حال سمعت اي صوت قريب، تعرف الاشارة بتدقها بالحجر، وما بتتحرك، عليك ان تطلق النار على كل من يحاول الصعود باتجاهنا. حاضر! ردد الرفيق نايف. تحيا سورية، تحيا سورية! وانطلق الرفيق جبر، آمر المهمة، بين الصخور صاعدا نحو قمة الجبل، يتفادى المرور في مناطق كشف عن معالمها ضوء القمر. يسير بخطى ثابته متفاديا "فركة حجر" تحت قدميه لما قد يسبب انهيار الحجارة من وقع اصوات، "وصوت الليل بيودي" قد تُنبِه من هم في الجوار! عند منتصف الجبل، وقف الرفيق جبر، أنتظر قليلا ليسمع ان كان هناك من إنذار عن امر يقلق! حدّ نظره في كل اتجاه فوجد ان المنطقة بكاملها في هدوء وسكينة، وابتدأ بتنفيذ ما اوكل اليه واتخذه على عاتقه، فاخذ حجرا وابتدأء بنقر كلمة السر على صخرة ظللتها شجرة سنديان، " أ– ن– ط– و– ن. (توقف ثوان وتابع) س –ع– ا- د - ة" وقف ينتظر الرد وكله آذان متيقظة تسمع كل شيء في محيطه، لفحة نسيم الجبل لطيفة الملمس ولها صوت ناعم، حفيف شجر الملول وقرقعة اغصان السنديان العنيدة، واصوات الصراصير وطيور الليل، وبعد دقيقة انتظار كانها ساعات، يسمع نقر حجر على الصخر "ا– ن– ط – و- ن. توقف ثوان - س– ع - ا – د – ة ". فارتاح لسماع الاشارة لكنه لم يستطع تحديد مصدر الصوت تماماً، فعاد هو ايضا وقام مرة اخرى بنقر التشفيرة ذاتها، وانتظر الجواب، فاذ بالرد ياتي بنفس الصدى الذي سمعه منذ دقائق، ولكن هذه المرة استطاع ان يحدد مكان مصدره، واستأنف المسيرة بكل حذر وانتباه واصغاء لما قد يرسله الرفقاء من تحذير... وقبل وصوله بامتار استطاع ان يميّز اشكال تتحرك عند الصخور على مسافة اصبحت قريبة، واخذ يتقدم بخطى اسرع ولكن بشعور لم يستطع ان يصفه حتى في أخر ايام حياته! كنت كأنني امشي في الهواء، لا اشعر باي شيء إلا انني على وشك اللقاء مع حضرة الرئيس!
وجهاً لوجه مع حضرة الرئيس جورج عبد المسيح ورفقاء ثلاثة كانوا بالقرب منه فاسرعوا قادمين الى نقطة اللقاء ومع كل واحد منهم قطعة سلاح، كما كان مع الرفيق جبر... وبصوت خافت ولكن بقوة وايمان، تحيا سورية حضرة الرئيس، انا الرفيق جبر إشتي، ومكلّف بمرافقة حضرتك، مع ثلاثة رفقاء أخرين ينتظرون وصولنا الى سفح الجبل... تحيا سورية رفيقى، رد حضرة الرئيس، ومثله ردد الرفقاء الثلاثة. عندها، قال لي عمي الرفيق جبر شعرت بعظمة وقفة العز التي علّمنا سعادة انها اشرف واصلب وقفة... عرّف الرفقاء عن انفسهم، وقالوا: حضرة الرئيس بعهدتكم وعهدة الرفقاء المنتظرين، وطلبوا من الرفيق جبر ان يرافقوه وحضرة الرئيس الى نقطة اللقاء... فقال لهم، انه افضل ان يعود الرفقاء الى الشام وان يرافق حضرة الرئيس لوحده "وكل ما كان عددنا اقل يكون افضل". فوافق حضرة الرئيس وطلب الى رفقاء الشام ان يعودوا الى مراكزهم، بعد ان شكرهم على مرافقته وقبل ان ينتهي من كلامه قاطعه احد الرفقاء "حضرة الرئيس، نحن نقوم بواجبنا فقط فلا شكر على واجب"! تحيا سورية حضرة الرئيس، ردد الرفاق الثلاثة معاً، فرد حضرة الرئيس والرفيق جبر: تحيا سورية! بالتوفيق، ردد الجميع. سنبقى نحن هنا لبعد وصولكم وعندما تنطلق السيارة نعرف ان كل شىء آمن فنسير باتجاه دمشق!
- تفضل حضرة الرئيس، ساكون امامك بعشر خطوات، لو تسمح تابعني على نفس الخطى. حاضر رفيقي، رد حضرة الرئيس. وبعد بضعة خطوات، اخذ حضرته سيجارة واشعلها واخذ منها "نفسا عميقا"...ونظر امر المهمة الى الخلف ليرى ان في يد الرئيس سيجارة، فتوقف الى أن وصل الرئيس وقال له "حضرة الرئيس " هيذي السيجارة بتدل المحنة علينا"! " عفواً رفيقى. اعتذر" قال حضرة الرئيس وهو يطفىء سيجارته على صخرة بجانبه! واستمرت المسيرة نزولا وبجانب الصخور التي تحجب ضوء القمر، وكان آمر المهمة قد رسم طريقها وهو صاعد، وبين الحين والآخر يسمع الرفيق جبر صداً لاصوات، فيومىء بيده لحضرة الرئيس ان يتوقف! وبعد لحظات من الاصغاء، يستأنف الرفيق جبر المسير وخلفه يسير حضرة الرئيس... وعندما اقتربا من سفح الجبل، انتظر الرفيق جبر ليصل اليه حضرة الرئيس، فهمس: "الذي تراه امامنا هو الرفيق نايف الشوفي". وكان الرفيق نايف قد اتخذ لنفسه موقعا كاشفا على كل الجهات، وجلس يراقب اي تقدم من اية جهة فسلامة الرفقاء وانقاذ حضرة الرئيس هي اولوية الجميع، ومثله الرفيق نايف العنيسي الذي كان يغطى بحراسته طريق الشام في الاتجاهين والرفيق كمال عنذ نقطة الالتقاء ينتظر، وكل منهم عيناه على ما يحيط بهم ويده على الزناذ، فان طلب الامر فكلهم جاهز لاداء المهمةّ!
تحيا سورية، حضرة الرئيس، الرفيق نايف الشوفي، تحيا سورية رفيقي، وترافق الثلاثة نزولاً في أخر مرحلة من الجبل، وعند وصولهم، توجه الرفيق جبر حيث كانت السيارة، وهرع الرفيقان نايف العنيسي وكمال سيف الدين لاستقبال حضرته، وباصوات خافة جدا لكنها اصوات رجال اقوياء يؤدون الواجب بشجاعة وتيقظ ، تحيا سورية حضرة الرئيس، فرد حضرته بالمثل... الى السيارة سريعا، قال آمر المهمة. الرفيق كمال يقود السيارة وبجانبه الرفيق جبر وحضرة الرئيس توسط "النايفين" على المقعد الخلفي، وانطلقت السيارة باتجاه بلدة حلوة، على نفس طريق المجئ وكانت الساعة حوالي الرابعة صباحا وليس في البلدة اي ضوء او حركة، وتتابع المجموعة المسيرة في وسط حلوة وتطل على مناطق جبلية ومنعطفات الطريق الكثيرة.
"عروس بلبنة حضرة الرئيس؟ او بجبنة؟ جبنا لحضرتك لبنه وجبنه...قال احد الرفقاء. باخذ عروس بلبنة وشربة ميي. فحمل أمر المهمة "دورق" المياه، والدورق وعاء مصنوع من فخار يعبئه ابناء القرى ماء صافياً من احد الينابيع...ويترك على السقيفة، او المصطبة، خلال الليل وعند الصباح يرتوون منه ماء "مثلجا" من شدة البرد الليلي في قرى الجبل.
فاخذه حضرة الرئيس "وكركع" حتى ارتوى واعاده للرفيق جبر: "بالنصر" يقولها بصوته الجهوري المميز! لسوريا! كان رد الرفقاء جميعا...
لنتصور ذلك الحدث الهام ولنتخيل كم عظيمة ثقة ابناء النهضة بأنفسهم مهما بلغ الخطر ذروة، تبقى تحيا سورية على الشفاه ويبقى النصر لسوريا امامنا مهما بلغت التضحيات...
*
الرفيق كمال سيف الدين – وهو كما ذكرنا آنفا في التسعينيات من عمره – اشرق وجهه اشراقة عمر الرابعة والعشرين عندما قلت له، حدثنا عن رحلة العودة بعد ان التقيتم برئيس الحزب في "قرنايا"! فانبلجت من شفتيه إبتسامة انعكست على وقار وجه لم يتجعد منه الا القليل، ونظر الي نظرة تبلور منها مزيج من الحنين والاعتزاز! حنين ذاكرته الى ذلك اليوم، منذ نيّف وستين سنة، حيث ادى واجبه القومي، واعتزازه بأنه نفذ ما طلب منه وانتهت المهمة بنجاح كبير! "انا كنت فقط سائق السيارة" شو كان دوري؟ جبر كان آمر المهمة، وانا ونايف العنيسي ونايف الشوفي كنا معه. صحيح، ولكن كل واحد منكم كان له دور كبير وكلكم عرض نفسه للخطر في سبيل انقاذ رئيس الحزب! أذكر تماما، استأنف الحديث، اننا عندما اجتمعنا بسعيد تقي الدين في شتورا، قال لنا، مهمتكم خطيرة جدا، ويمكن يلقوا القبض عليكم وتسجنوا او حتى يعدمونكم، وقتها كان الحزب ملاحق وعدد كبير يعذب في السجون، حتى انهم قتلوا لنا رفقاء عندما تواجهوا مع قوى الامن، وبالفعل كان الحزب في اصعب ايامه وكل قومي وين ما كان معرض لكل شىئ. نحنا كنا شباب، ومندفعين وناقمين على ما جري للحزب من تعدي وتجني وتهم، اي رفيق وقتها بينطلب منو ان يقوم بالمهمة اللي نحنا اديناه كان لبي الطلب من كل بد! من ساعة تركنا شتورة انا وجبر تنجيب الشباب ونتوجه صوب قرنايا، كنا في غمرة سعادة صعب عليي اوصفها! بس كنا حاملين مسؤولية كبيرة على كتافنا وما فكرنا ابدا شو بتكون النتيجة. حبس، اعدام، تعذيب، شو ما صار، كل واحد منا كان يعرف انو الزعيم الخالد شاف الموت في عيينيه وما همه، تقبل الموت بشجاعة ما سجل مثلها التاريخ! وخليني قلك، كل ما قراءت عن نسور الزوبعة وعن استشهاد رفيق، بعرف ان شعورهم وهم بطريقهم للمعركة مثل ما كان شعورنا! كل ما فينا للامة حتى الدماء التي تجري في عروقنا هي وديعة الامة فينا متى طلبتها وجدتها! توقف. اختفت الابتسامة عن وجهه الذي تحول الى شكل جدي، وقال لي: لا تتصور مدى القوة التى تتملكك وانت ورفقاء تتسابقون للعطاء! أنا حد السيارة، وراء صخرة حاضر لاي شئ، واعرف تماما ان الرفيق نايف العنيسي في موقع متقدم فورا يعلمنا اذا توقفت سيارة او توجهت باتجاهنا، وجبر توجه هو ونايف الشوفي لملاقاة الرئيس ونحن ننتظر بصبر وجلادة ولم يفرق معنا عامل الوقت، ساعة او ساعات ليس مهم. المهم اننا نصل الى شتورة برفقة حضرة الرئيس!
بسرعة كاملة استقلّينا السيارة، جلس جبر بجانبي وحضرة الرئيس في وسط المقعد الخلفي وعلى كل جانب نايف! أذكر انني كنت انظر اليه في المرآة، وجه تظهر عليه الرجولة يحدثنا عن رحلته هو والرفقاء ويثني عليهم وعلينا، اننا نعرض انفسنا للخطر في سبيل سلامته، وكلنا يرد: واجبنا حضرة الرئيس! ولن انسى انه بعد ان اجتزنا حلوة وقطعنا سهل ينطا واخذنا بصعود الطريق، قال الرئيس: رفيق جبر بتسمحلنا ندخن سيكارة؟ فقال له الرفيق جبر، معلوم حضرة الرئيس، بس لما نوصل عالطريق العام بالاذن منك! أي عند وصولنا الى الطريق المؤدية الى شتورة...
قطعنا عيثا الفخار، وصلنا الى الطريق الدولية، على اليسار تقع بلدة السلطان يعقوب على رأس تله عاليه جدا شعَّ عليها ضوء القمر فبانت كانها ثريا معلقه، فنظر اليها الرئيس وقال "هوذي ساكنين في عالم أخر" وكان يسأل عن كل قرية نمرّ بالقرب منها.
خفف سيرك، طلب مني الرفيق جبر، بعد ان قطعنا بلدة الصويرة واصبحنا على مقربة من تقاطع، يمينا يقع المصنع وهي نقطة تفتيش للامن العام والجمارك اللبنانية، قبل دخول اراضي سورية، والى اليسار طريق يؤدي الى شتورا. خفف سيرك، يبدو ان هناك دورية امامنا! تحضروا شباب، فكل من نايف ونايف وجبر حضّر سلاحه جاهزا لاي طارئ. وصلنا الى مقربة من الدورية، تقدم احد العناصر القى نظره على السيارة واشار لنا بيده ان نتابع المسير. لا ادري ان كانت الدورية على علم بمرورنا او انها لم تجد سببا لتوقفنا. فتابعنا المسير ولكن بسرعة عادية لكي لا يرتفع شعور الشك عند قوى الامن... وكانت هذه النقطة الوحيدة التي استوجبت التهيؤ لاي شيء.
- بعد قليل، حضرة الرئيس نصل الى شتورا. وهناك رفقاء بانتظارنا، بمن فيهم الرفيق سعيد تقي الدين. بعد ربع ساعة تقريبا وصلنا اول شتورا، وكان امامنا سيارتان، ترجل من كل سيارة شخص، فقال لنا الرفيق جبر، هؤلاء هم الرفقاء، سعيد تقى الدين ومعه رفيق آخر.
توقفنا وراء السيارتين، فاتى سعيد تقي الدين باتجاهنا، تحيا سوريا حضرة الرئيس، الحمد لله على السلامة، شرّف لو سمحت، فترجّلنا جميعاً، وسلّم علينا سعيد تقي الدين بحرارة ولم يخف فرحته وهو يقول يعطيكم الف عافية رفقاء، ان ما قمتم به رائع جدا. وانتقل حضرة الرئيس الى سيارة تحمل لوحة "هيئة دبلوماسية"، دخلها ودخل سعيد تقي الدين ليجلس بجانبه في المقعد الخلفي، فاعطى لحضرة الرئيس "برنيطة" ولبس هو برنيطة مثلها. وانطلق الموكب سيارة امامنا وسيارة "الدبلوماسيين" في الوسط ونحن وارءها! وتركنا شتورة متوجهين الى بيروت. وعند ظهر البيدر، حيث نقطة درك، اومأ لنا الدركي بمتابعة السير، فقطعنا الحاجز واستمر المسير. ومن ظهر البيدر اخذنا بالنزول نحو صوفر، بحمدون عاليه، ولم يكن هناك سير يذكر الى ان وصلنا "الجمهور"، توقف الموكب، ترجل سعيد تقي الدين من سيارته، وترجلنا جميعا. وقال: يا رفقاء ان ما قمتم به اليوم عمل ابطال سعادة! الحزب فخور بكم وبنخوتكم وسيسجل ما قمتم به في تاريج الحزب، أنه فعلاً عمل بطولي، نحمد الله على سلامتكم ونشكركم على ما اديتم بمسؤولية تامة ونجاح تام. نحن سنتابع الطريق الى بيروت، وانتم سهل الله طريقكم بالعودة... قريبا نلتقى ان شاء الله.
لا شكر على واجب، قال له الرفيق جبر بصوته المعروف، من اول الطريق قلنا لحضرتك نحنا لها، فها نحن لها وفي اي وقت يطلب منا القيام بمهمة، نحن حاضرين، ونحن في انتظار المهمة التالية، تحيا سورية.
تقدمنا جميعا من السيارة التي اصبح فيها حضرة الرئيس، فحاول ان يترجل ليودعنا، فطلب منه سعيد تقي الدين ان يبقى داخل السيارة، فتقبل الاقتراح، ومن النوافذ، تحيا سورية حضرة الرئيس، ورد علينا بالمثل واثنى على جهودنا قائلا، هذه عظمة سعادة يا رفقاء، لم نكن نعرف بعضنا قبل اليوم، ولكننا كنا وسنبقى في ذات الروح السورية القومية الاجاماعية، انتم عرّضتم انفسكم للخطر في سبيلي، والاصح في سبيل حزبنا، هذا الحزب العظيم الذي جعلنا نفساً واحدة. شكرا لكم جميعا رفقاء ونلتقى ان شاء الله. وعندما انتهى حضرة الرئيس قال سعيد تقي الدين، "قمتوا بعمل جبار بتتهنوا عليه" وعلينا ان نمشي سريعا، تحيا سورية، ورددنا جميعا: تحيا سورية ويحيا سعادة!
ذكرتني اليوم، قال الرفيق كمال، بذلك الشعور الذي غمرنا بعد ان تأكدنا أن حضرة رئيس الحزب قد نجا من الملاحقة ووصل الى برّ الآمان بسلامةّ! ِشعور، استيقيظ في حنيني اليوم، وتجسدت امامي تلك المشاهد، منذ الدقائق الاولى حين التقينا مع الرفيق سعيد تقي الدين في شتورة، والمراحل التي تلت، بعد ان تكلم مع الرفيق المرحوم جبر ومعي في شتورة،! لا اتذكر كم دقيقة استغرقت رحلتنا بين شتورة وينطا، لكني اؤكد ان شعورا فيه الكثير من الرهبة والفرح وعظمة المسؤولية، لمدة عشر دقائق لم نتكلم مع بعض. احسست باعماقي أنني امام قسم اقسمته على نفسي وهذه هي ساعة التجسيد واخذ فكري يردد: أقسم بشرفي وحقيقتي ومتعتقدي.... وان انفذ كل ما يعهد به الي بكل امانة ودقة....وان افعل واجباتي نحو الحزب! لا لم تكن فترة ضياع، كانت فترة تألق وجداني يعزز ايماني ويقوي عزيمتي، شعور رائع قطعه الرفيق جبر قائلاً: "عبفكر بالرفقاء لمين منقول، شو رايك؟". لاحظت ساعتئذ اننا قطعنا مسافة طويلة واصبحنا على مقربة من المنعطف باتجاه ينطا... لا اذكر مَن مِن الرفقاء اقترحت، لكنني اذكر تماما انه بينما اذهب انا الى البيت لاخبر العائلة اننا سنعود الى شتورة، قرر الرفيق جبر ان يزور عائلته هو ايضا وان يذهب بنفسه لزيارة الرفيقين نايف الشوفي ونايف العنيسي.
كما اخبرك عمك المرحوم جبر، هو كان المسؤول، وانا كنت فقط السائق، والشباب... فاستوقفته قائلا: فقط السائق تقول؟ هذا من تواضعك! ولكنني لا استغرب، لان عمي المرحوم عندما كان يحدثني عن المهمة كان دائما يقول "قرر الشباب، وصل الشباب، انتظر الشباب" وكأن لم يكن له دور في العملية... ابتسم الخال الرفيق كمال واردف قائلاً: بقدر ما كانت المهمة خطيرة اقول لك وكأنها تحدث اليوم لم يكن عند اي رفيق ذرة صغيرة من التردد، بل كنا بوضعية من السعادة، اننا نؤدي واجبنا تجاه حزبنا...
استودعت الخال الرفيق كمال، الذي إجتاز عمر الاثنين وتسعين، والى ما ينوف عن المئة ان شاء الله، وهو لم يزل بكامل وعيه وإدراكه وذاكرته. إستودعته وطيف سعادة يتألق في فكري وعظمة الزعيم الخالد تتجسد امامي! وكانني به بفرح وقور وبعينين ثاقبتين ينظر إلي، لا بل ينظر الى الاجيال التي تتعاقب، من الخال الرفيق والى الرفيق الكاتب والى من هم في اعمار تترواح بين اشبال وزهرات المخيمات التى تتوافد اليها اطفالنا في كل كيانات الامة، وتتخرج منها حاملة بذور النهضة في افكارها الفتيه وفي قلوبها شغف لتصبح رفقاء في الصف وفي الصراع الجاد لتحقيق الغاية. انظر الى صور المخيمات واقرأ كلمات أمّار المخيمات وكلمات نيابة عن المشاركين وكلمة الحزب، وفي كل منها تتردد عظات سعادة وعبراته التي سطرها منذ سنيه الاولى وستبقى معالم الطريق التي قطعها وقطعت خلفه افواج تلو افواج، تتحد في وجدان النهضة وتسير قدما وتقطع اشواطا ويرتقى بعضها نسرا شهيدا في عز الشباب ويعبر بعضها عمر التسعين بينما يحتضر فروخ النسور وهم في عمر الاشبال وعمر الزهرات لكي يحملوا مشعل النهضة ويستمروا لتحقيق النصر الذي لا مفرّ منه، وكل منهم يرفع يميناً أمام الزوبعة ليؤدي القسم وعندما يطلب إليه ان يؤدي واجباً حتماً سيقف كما وقف الرفقاء جبر وكمال في شتورة أمام سعيد تقي الدين وقفة العز ويردد كما رددا: نحن لهاّ! منذ أن اقسمنا اليمين نحن لها والى الابد سنبقى نحن لها....تحيا سورية ويحيا سعادة.
*
هوامش:
(1) للاطلاع على النبذتين المعممتين الدخول الى قسم "من تاريخنا" على موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية www.ssnp.info
(2) سامي سيف الدين: عرفته مقيماً في مدينة مونتريـال – كندا، وناشطاً حزبياً، وفي فرع الجامعة اللبنانية الثقافية، الذي تولى فيه مسؤوليات متقدمة.
(3) رفيق سيف الدين: سقط شهيداً في حوادث العام 1958 الى جانب الشهيدين الامين المحامي احمد حمود والرفيق صقر عبد الحق. مراجعة النبذة عنهم على الموقع المذكور آنفاً.
*
بعض من سيرة غنية
يوسف جاد الكريم عبد الحق، والدته صالحة الحلبي، مواليد ينطا – راشيا
التحق في العائلة في كندا سنة 1966، وتابع دراسته الثانوية في مدارس البرتا واونتاريو
أنتمى الى الحزب السوري القومي الاجتماعي سنة 1967 في ادمنتون – البرتا
عيّن ناموسا لمديرية ادمنتون لعدة سنوات
تخرج من جامعة وندزور والتحق في أدارة الجمارك – قسم الاستقصاء
أنتقل من الجمارك الى وزارة العمل الكندية ومن وزارة العمل الى وزارة الهجرة الكندية
عينته حكومة البرتا مستشارا لوزير التربية وبعدها، مستشارا للوزير- لتاسيس وزارة الابحاث العلمية والاتصالات – حكومة البرتا
عين مديرا لدائرة الشرق الاوسط وافريقا للشؤون التجارية - حكومة البرتا
تسلم مهام العلاقة مع السفارات العربية والافريقة
مثل مقاطعة البرتا في خمس لجان فدراليه للاقتصاد وتطوير التجارة والطاقة والتقنيات المستحدثة والتعليم العالمي
تسلم مهام علاقات التربية والتعليم والتدريب العالمية – حكومة البرتا
تسلم مهام تنظيم المؤتمرات العالمية بما فيها مؤسسات التمويل العالمية
ترأس وفد الجامعات والكليات لمنطقة جنوب شرقي آسيا والشرق الاوسط
يشغل اليوم مستشارا لشركات تعنى بنظافة البيئة والتدريب وسلامة العمال
سكريتير الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم – وندزر اونتاريو كندا
رئيس جمعية الصداقة العربية الكندية – ادمنتون –البرتا
نائب رئيس الاتحاد العربي الكندي – كندا
رئيس مؤسس لفرع الجامعة اللبنانية التقافية – ادمنتون البرتا
رئيس احد فروع حزب المحافظين – مقاطعة البرتا
رئيس احد فروع حزب المحافظين الفدراليين – البرتا
نائب رئيس نادي اصحاب الاعمال والمهنيين الكنديين العرب
رئيس جمعية ينطا الثقافية – ادمنتون، البرتا، كندا
رئيس الجمعية الدرزية الكندية – البرتا، كندا
عضو الوفد الكندي للمؤتمر الاول للبرلمانيين المتحدرين من اصل عربي – دمشق
عضو الوفد الكندي لمؤتمرات الجامعة اللبنانية الثافية في العالم – بيروت
يشغل حالياً:
عضو مجلس تعيين القضاة في مقاطعة البرتا
كاتب عدل مكلّف – مقاطعة البرتا
مستشار تطوير التجارة العالمية لعدة شركات
مستشار مؤسسات تربوية لتطوير البرامج والعلاقات العالمية.
حائز على الشهادات التالية
بكالوريس في التربية – علم النفس وتطوير البرامج – جامعة وندزر
بكالوريس – سياسة واقتصاد – جامعة البرتا
شهادة في القانون التجاري – ساينت كلاير كولدج
شهادات التقدير التي حصل عليها
يوبيل الملكة – للخدمات الاجتماعية
مئوية مقاطعة البرتا – الجائزة الذهبية
مئوية مقاطعة البرتا – الجائزة الفضية
معهد كامروز للمساعدات العالمية – جائزة تقدير
جونير أتشيفمنت – جائزة الخدمات
مجلس المعارف – مدينة ادمنتون – جائزة الخدمات
النادي العربي لاصحاب الاعمال – جائزة الخدمات الاجتماعية
كما انه يساهم في عدة مجالات في المؤسسات الاجتماعية
لقد قدم اجداده الى كندا سنة 1896 واستقروا في مقاطعتي البرتا وساسكاتشون
وتستمر الجالية بحضورها الفاعل في كافة المجلات.
يتقن اللغة الانكليزية والعربية والاسبانية
|