المعلومات التي يعرضها الأمين حيدر الحاج اسماعيل في الصفحات 46-49 من مؤلفه "اتوستراد" جديرة بأن تُعرّف كجزء من تاريخ حزبنا في الشام، خاصة لجهة المدارس التي كانت تأسست وجئنا على ذكر معظمها في فترات سابقة.
ندعو كل رفيق في الشام يملك ما يغني المعلومات الواردة أدناه أن يكتب إلى لجنة تاريخ الحزب.
ل. ن.
*
بعد خروج أسرتي من فلسطين في عام 1948 وكانت مؤلفة من الوالد محمد عيسى من قرية "الجويزة" (في الجولان وتبعد حوالي 15 كلم عن مدينة القنيطرة) ووالدتي نور العين كعوش من بلدة "ميرون" الواقعة على سفح أعلى جبل في شمال فلسطين وهو جبل الجرمق، مقابل مدينة صفد، كان لا بدَّ لي من متابعة وإكمال دروسي الثانوية التي كنت قد أنهيتها في مدينة حيفا في فلسطين، لذا التحقتُ مع عدد آخر من الطلاب الفلسطينيين المُشردين في المدارس الثانوية في دمشق، أعني الصفين الأخيرين قبل الاشتراك في امتحانات الشهادة الثانوية (البكالوريا) التي كانت تقيمها الدولة. وقد نجحت في الدورة الأولى لتلك الامتحانات في عام 1950 في ما سُمى بالبكالوريا الموحَّدة (إذ كان ذلك العام هو أول عام وُحِّد به قسما البكالوريا).
خلال السنة الأخيرة وقبلها بقليل كنتُ اسمع بعض زُملائي الطلاب يتحدثون عن انطون سعادة وانه زعيم حزب عظيم، وأنَّ"حسني الزعيم" غدر به وسلّمه إلى السلطات اللبنانية، وإلى "رياض الصلح"، بشكل خاص، وأن رياض الصلح أصرّ على إعدامه. وكما هي العادة بين الطلاب الزملاء توسَّع الحديث في إحدى المرات فعرفتُ أن أحدهم، الرفيق طالب نبعة من بلدة "الكزّة" حيث أقيم، هو عضو في الحزب. بعد أحاديث عرَّفني على الرفيق نزار المحايري (شقيق الأمين عصام المحايري) الذي كان مديراً لمديرية في دمشق وعلى الرفيق بشير موصلي الذي كان عضواً في هيئة المديرية، وحصل انتمائي إلى الحزب.
بعد انتمائي، طلب مني الأمين الياس جرجي، وكان عميداً للداخلية أن أذهب إلى بلدة مرمريتا (في وادي النضارة الذي كان يُعرف بوادي النصارى) لكي أدرّس هناك، بعد أن عرف عن تفوقي في اللغة الانكليزية (عندما كنتُ في مدارس فلسطين التي كانت تهتم بهذه اللغة أثناء الانتداب البريطاني) وتفوّقي في الرياضيات.الحقيقة أني كنت أحبّ أن اتابع دراستي بالتسجيل في جامعة دمشق لكن الأمين الياس أمر، وأنا نفذّت.
وفي مرمريتا بقيتُ سنوات كاملة، مع آخرين من المدرّسين نعلّم في مدرسة "النهضة(1)" التي صارت مشهورة.في المدرسة وجد قسم داخلي ضم الطلّاب الذين كانوا يأتون من مناطق بعيدة مثل شمال الشام. وكنت مع بقية المدرّسين نتناول الطعام في ذلك القسم. في البداية، أعنيقبل إنشاء ذلك القسم، كانت بعض العائلات القومية تساعدنا. أما الرواتب فلم تكن موجودة، في البداية، للمعلمين القوميين الاجتماعيين مثلي ومثل الرفيق نجيب خياط(2) (كحالة) لعدم وجود أموال. فمدخول المدرسة كان قليلاً، وكانت الأقساط المدرسية زهيدة، بالإضافة إلى أن المدرسة كانت تساعد بعض الطلاب من ذوي العائلات الفقيرة، ولهدف إذاعي خدم انتشار الحزب في تلك المنطقة (الأرثوذكسية).
وكنت ادرّس الرياضيات والعلوم لتلاميذ صف البكالوريا الموحّدة والصف الذي دونه. أما الرفيق نجيب فقد درَّس اللغة الفرنسية التي كان يُجيدها.
وخلال السنوات الخمس التي قضيتها في التعليم هناك، كنت أرافق طلاب وطالبات البكالوريا إلى حمص حيث كانوا يشاركون في امتحانات الدولة الرسمية.
وبالإضافة إلى التدريس عملت في تلك المنطقة ناظراً للإذاعة في منفذية الحصن (نسبة لقلعة الحصن). التي كان منفذها العام الرفيق يوسف معماري.
وتجدر الإشارة إلى أن الرفيق رجا اليازجي(3) (هو وعائلته) كان من مؤسسي تلك المدرسة الرئيسيين، وبذل جهداً عظيماً لإنجاحها، كما أنه عمل ناموساً للمنفذية في مرحلة من المراحل.
وعندما كنت ناظراً للإذاعة زارت الأمينة الأولى جولييت ألمير سعاده مرمريتا، ولا أنسى أن الرفيق ميشال أديب عمل مديراً للمدرسة ودرّس فيها الأدب العربي، وكذلك الرفيق عبدالله يازجي الذي عمل ناظراً لها.
وقد تمكنت المدرسة بفضل جهازها التعليمي وإدارتها ومساعدتها للطلاب أن تخرّج أجيالاً من الطالبات والطلاب الذين نجحوا في امتحانات البكالوريا وفي الحياة المدنية.
اذكر منهم على سبيل المثال، مما تسمح به ذاكرتي (وقد بلغتُ 80 عاماً) عزيز حديد، إبراهيم حداد (الذي صار وزيراً للنفط في الجمهورية العربية السورية وزار لبنان من سنوات ليست بِبعيدة) وشقيقه الياس حداد، وعبدالله كوزاك الذي صار من رجال الأعمال في البرازيل(4) وعدنان يازجي، وعبد معطي، وعيسى معطي، ومن آل نادر، ونجوى نجار (زوجة رفيقنا المدرّس والضابط السابق في الجيش الشامي البطل مهيب خوري) وشقيقها إبراهيم نجّار وبشارة ندروس ومن آل أحوش من بلدة حب نمرة، وغيرهم.. مما يعد بالمئات وتجدر الإشارة إلى أني زرتُ مرمريتا منذ ثلاثة أعوام، بناءً على دعوى من المنفذ العام للمنطقة الرفيقة بشرى مسّوح (الأمينة لاحقاً) لكي ألقي محاضرة بمناسبة الأول من آذار. ذهبت، لأجد المئات من طلّابي الذين صاروا رجالاً وسيدات مثاليين في الساحة التي خصَّصت لإلقاء المحاضرة. انهارت الدموع مني ومنهم. جموع الفرح والذكريات. وفي تلك المحاضرة حدثتهم عن: التكنولوجيا الروحية في الحزب السورية القومي الاجتماعي.
ولا أنسى، ولا يمكن أن أنسى أن أحد طلابي من بين الأحياء أيضاً، كان الأمين فاخر كيالي (من إدلب) زوج الأمينة جاكلين إيليو من القامشلي، وهما صارا جارين لي عندما كنت أقيم في زقاق الصخر في المزة، ولاحقاً من أعزّ العائلات القومية الاجتماعية الصديقة.
بالإضافة إلى التدريس في ثانوية النهضة في مرمريتا درَّست، في إحدى السنوات، مع الرفيق نجيب خياط كحّالة في بلدة مشتى الحلو في مدرسة الثانوية حزّور(5)،التي افتتحت فجأة واستنجد رفقاؤنا هناك بنا. فكنت والرفيق نجيب نقطع الجبال في الليل سيراً على الأقدام، وحيوانات الغابات والبريّة تعوي حولنا، منطلقين من مرمريتا مروراً بحب نمرة بلدة الأمين الممتاز بديع أحوش(6) وبعدها، نُتابع السير في الغابات لثلاث ساعات ونصف إلى أن نصل بلدة كركر، بلدة آل كوزاك الكريمة. وننزل في بيت السيد قسطنطين كوزاك والد الرفيق كوزاك. وبعد الراحة والطعام.نمضي إلى الكفارين: بدءاً بكفرون بدرة إلى كفرون سعاده إلى كفرون رفقه (بلدة الرفيقة سوسن رفقة زوجة الأمين إلياس جرجي قنيزح) ومن هناك نصعد إلى قرية "بقرعونة" بلدة الدكتور (طبيب العيون حالياً والمدرّس في جامعة دمشق) جوزف فتّوح الذي تعلّم في ثانوية حزّور التي كنا قاصدينها وبعدها ندخل بلدة مشتى الحلو المشهورة ففي تلك الجبال بلدة الأمين نبيه نعمة(7). فندرّس في ثانوية حزّور في يومي السبت والأحد. وبعد ذلك نعود إلى مرمريتا وثانوية النهضة.
كل ذلك كان، لكن بعد حادثة اغتيال عدنان المالكي وانقضاض من أجهزة الدولة، وبخاصة حزب البعث، على مؤسسات الحزب واعتقال أفراده، ثم إغلاق ثانوية النهضة في مرمريتا بالشمع الأحمر، مما اضطرّني وغيري إلى الهرب إلى خارج الكيان الشامي، وكان نصيبي الذهاب إلى الأردن حيث يوجد لي بعض الأقرباء.
هوامش:
1. ثانوية النهضة: في مرمريتا: حمص، للاطلاع مراجعة النبذة عنها على موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية www.ssnp.info.
2. نجيب خياطة: كان مقيماً في دمشق وناشطاً حزبياً، مُنحَ رتبة الأمانة، وافته المنية منذ سنوات قليلة، عُرفَ أيضاً باسم نجيب كحالة. والد الرفيق عامر المقيم والناشط حزبياً في كندا.
3. رجا اليازجي: تولى في الحزب مسؤوليات مركزية منها عمدة الثقافة، شاركَ في الثورة الانقلابية واضطر إلى مغادرة لبنان إلى الأُردن فإلى أفريقيا حيثُ أسسَ أعمالاً ناجحة. عادَ إلى لُبنان بعد العفو، ونشط حزبياً متولياً مسؤوليات مركزية إلى أن وافته المنية.
4. عبدالله كوزاك: أقام في العاصمة البرازيلية "برازيليا"، وكان شريكاً في مصنع شركة بيبسي كولا، وفي فندق وسط العاصمة، مُنحَ رتبة الأمانة، وكان له حضوره الحزبي المُميّز، عرفتهُ جيداً وكتبت عنه، للاطلاع مراجعة الموقع المذكور آنفاً.
5. ثانوية حزّور: كما آنفاً.
6. بديع أحوش: كما آنفاً.
7. نبيه نعمة: كما آنفاً.
|