زائر بلدة فيع في الكورة لا بد أن يلفته تمثالاً نصفياً مقاماً في ساحة القرية للمربي جورج إبراهيم عبدالله . الأجيال الجديدة في فيع والكورة ، وزائرو بلدة فيع لا يعرفون أن صاحب التمثال ، لم يكن فقط مربياً معروفاً شهد له تلامذته كما الأهالي بالكثير من المزايا إنما كان أيضاً قومياً اجتماعياً ومنفذاً عاماً للحزب في الكورة .
في كلمة ألقيت في نادي الشباب في فيع بمناسبة عيد المعلم ، في 16/3/1991 تحدث أحد تلامذة المربي الرفيق جورج عبدالله ، الأستاذ رفعت سابا ، قال :
" أول ما يتبادر إلى الذهن حين نتحدث عن العلم والتعليم في الكورة صورة وجه من فيع ، وجه جرجي إبراهيم عبدالله ، الإنسان الذي امتاز بعمله الرسولي .
" عرفه بعضكم وحدثوا البعض الآخر عنه : جبلاً شامخاً ولقد كان فعلاً " .
انتماؤه
لم يشر الأمين جبران جريج في الجزء الأول من كتابه " من الجعبة " إلى تاريخ وظروف انتماء الرفيق جورج إبراهيم عبدالله، إنما يكتفي بالقول أن " بانتساب جورج إبراهيم عبد الله من قرية فيع على يد عبدالله حريكه (1) كسبت النهضة القومية الاجتماعية الإشراف على مدرسة أخرى من مدارس الكورة (2) إنما بحجم أكبر ، فقد كانت مدرسة عابا هذه مدرسة علمانية كما سماها مؤسسها يعقوب سمعان ، المغترب المكسيكي ، تضم عدة قرى حولها ، البعيدة عنها أو القريبة منها " .
وفي مكان آخر من كتابه يتحدث الأمين جريج عن اللقاء الذي جمع على مائدة مختار بلدة عابا الرفيق معروف فرح ، كلاً من وكيل عميد الإذاعة مأمون أياس ، كاتب محكمة أميون زكريا لبابيدي (3) مدير مدرسة عابا العلمانية الرفيق جورج إبراهيم عبدالله والأمين جبران جريج الذي كان يتولى مسؤولية مدير مديرية الكورة ، وذلك قبل أن يعلن الرفيق زكريا إيمانه بالقضية القومية الاجتماعية واستعداده لأداء القسم (4) .
توليه لمسؤولية منفذ عام الكورة
في الجزء الثالث من كتابه " من الجعبة " يفيد الأمين جبران جريج ، أن الكورة عادت منفذية وعين الرفيق جورج إبراهيم عبدالله منفذاً عاماً لها.
قبل ذلك كان الأمين جريج أشار إلى أن الكورة كانت قسمت إلى أربع مديريات ، ومنها مديرية القويطع الذي تولى مسؤوليتها الرفيق الدكتور توفيق فرح، استمر الرفيق عبدالله في مسؤوليته كمنفذ عام ، وفي الوقت نفسه مديراً لمدرسة عابا ، وهو، بصفته الحزبية ، شارك في استقبال سعاده عندما قام بزيارة طرابلس والكورة في تموز العام 1937 ، تلك الزيارة التي صنفها سعاده من أيام الحزب التاريخية.
كان سعاده قد بدأ زيارته ، بمنطقة القويطع ، حيث تناول الغداء في كفرحاتا (5) ثم تابع الموكب سيره إلى " بتعبورة " قبل أن يعود إلى الخط الساحلي متوجهاً إلى طرابلس (6) ومنها إلى الكورة حيث كانت محطته الأولى بلدة " بترومين ".
بعد جولة سعاده في عدد من قرى وبلدات الكورة منها بتوروتيج ، فيع ، عفصديق ، القلحات ، بصرما ، وبشمزين ، وصل سعاده ومرافقوه إلى بلدة أميون وفيها ألقى منفذ عام الكورة الرفيق جورج إبراهيم عبدالله خطابه الترحيبي ، وقد جاء فيه : " انهم يريدون تصنيف حزبنا بالنسبة للأحزاب ، أهو اشتراكي ، أهو نازي ، أهو ديمقراطي ، أهو ديكتاتوري ، إن الجواب بسيط إن حزبنا هو الحزب السوري القومي ، وكفى ".
استقالته من المسؤولية
بعد مغادرة سعاده الوطن في تموز 1938 وتعرض الحزب للمضايقات ، لم تكن السلطة المحلية في الكورة الممثلة بالقائمقام، بعيدة عن ممارسات الدولة ، فراحت تضغط على المنفذ العام الرفيق جورج عبدالله عبر تهديده باقفال المدرسة العلمانية في عابا إذا ما استمر بممارسة عمله الحزبي.
في الجزء الرابع من كتابه " من الجعبة " يقول الأمين جبران جريج: " بعد الانتهاء من عدد من الأعمال المركزية والزيارات التفقدية القريبة منها أو البعيدة ، أعدنا النظر في وضع القويطع والكورة ، خصوصاً الكورة التي كان منفذها العام جورج إبراهيم عبدالله يتعرض للضغوطات والتهديدات بشأن مدرسته وإمكان إقفالها ، وزاد الطين بلة موقف أحد النظار في المدرسة الذي قدم انسحابه إلى القائمقام . فتجاه هذا الوضع تمّ القرار بحل منفذيتي الكورة والقويطع وجعلهما منفذية واحدة وتعيين الرفيق ميشال خوري منفذاً عاماً لها (7) وفي هذا الصدد يورد الأستاذ رفعت سابا في كلمته أن " الحزب طلب منه أن يخفف نشاطه وحزبيته وأعفاه من مهامه الحزبية لئلا يستغلها الخصوم لإقفال مدرسته ".
وفاتـه
في 20 تشرين الثاني من عام 1950 وفيما كان مدير مدرسة عابا الرفيق جورج عبدالله متوجهاً مع عدد كبير من تلامذته في " البوسطة " من فيع إلى عابا ، وعند مرورها في بطرام فقدت السيارة الكبيرة المزدحمة بالطلاب مكابحها مما أدى إلى وفاة الرفيق عبدالله وعدداً من التلامذة.
في اليوم التالي شيعت الكورة فقيدها المربي الرفيق جورج عبدالله في مأتم قلّما شهدته قراها ، إذ ولأول مرة في تاريخ الكورة ، كما يفيد الأستاذ سابا في محاضرته، " حمل الناس نعش جورج على الأكف من مستشفى الدكتور حليم أبو شاهين في أميون إلى بيته في فيع. كان أبناء كل قرية يسلمون النعش لأبناء القرية التالية ".
ويضيف: " تحوّلت فيع إلى بحر بشري وامتلأت بيادرها بالمشيعين . في الحادية عشرة ظهراً حمل شباب الكورة نعش جورج على الأكف وأخذوا " يزيحونه " في القرية وساحاتها . وقف على البيادر أربعون شاباً مع بواريدهم في صفين ، وتوالوا على إطلاق النار. بعدها حملوا الجثمان إلى مار سمعان ووضعوه تحت السنديانات ، وتعاقب الخطباء حتى الثالثة بعد الظهر ساعة الجناز، وعند الرابعة دفن تحت الأكاليل التي لا تعد ولا تحصى.
" في هذا اليوم أقفلت المدارس الرسمية حداداً في كل الشمال بموافقة ضمنية من رئيس دائرة التربية في حينه جورج الصراف الذي كان يحب جورج ويدعمه ضد حساده ".
الوفـاء
لم ينس أهالي فيع وتلامذة الرفيق جورج عبدالله، المربي المثالي . ففي منتصف الخمسينات تمكنوا من تجهيز المدرسة الوقفية (8) القديمة قرب دير مار سمعان فأصبحت مركزاً لنادي الشباب في فيع الذي كانوا بدأوا منذ العام 1952 بجمع المال من أجل تأسيس نواته.
" أول ما عملناه (9) أن علقنا صورتي جورج إبراهيم عبدالله وفؤاد سليمان في صدر النادي . نظمنا دورات رياضية ومسابقات حملت فيما حملت اسم جورج . وفي عام 1958 قررنا أن نؤسس مدرسة صيفية أطلقنا عليها اسم مدرسة جورج عبدالله ، تبرعنا بالتعليم وخصصنا الريع لتوسيع النادي وشراء الكتب والكراسي له، بعدها قررنا أن نردم الساحة حول التمثال (10).
يضيف الأستاذ سابا، " سنة 1961 استحصلنا على رخصة رسمية بإنشاء النادي، وبالطبع كان لجورج إبراهيم عبدالله وفؤاد سليمان حضورهما في حفلة التدشين الرسمية التي أقيمت برعاية قائمقام الكورة الأستاذ مرتضى شرارة . وتوسع نشاطنا وأحيينا جمعية الثبات الخيرية وأردنا أن نكمل مشوار مؤسسيها أمثال جورج عبدالله وجوزف خوري وباشرنا بإنشاء مركز الجمعية . بعدها أصدرنا روزنامة ونشرة عن نشاط الجمعية وكان لجورج نصيب فيها وجعلنا يوم وفاته من أيام فيع التي تذكر على روزنامات أعوامها. وقررنا في الجمعية وضع التراب الزراعي حول التمثال وزرع الأزهار ".
وينهي الأستاذ رفعت سابا محاضرته فيقول:
" جورج ما كان يحتاج لنا ليخلد.
جورج ما عمل ليدخل سفر الخالدين ، فما فكر بمادة ولا فكر بزعامة ولا فكر بجاه. أهم ما حققناه في محاولاتنا المتواضعة أننا أبقيناه حيّاً في قلوبنا.
نخلّد جورج وأمثاله يوم نعمل لفيع والوطن للخير والتقدم للحب والتكافل .
جورج الخالد ليس تمثالاً في ساحة فيع.
جورج الخالد هو المثال الذي يعيش في قلوبنا ونورثه لأجيالنا الطالعة مثال إنسان أحب وأعطى حتى حياته " .
هوامش
(1) من بلدة بترومين ، تولى مسؤولية ناموس منفذية طرابلس ، محامي ، انتمى لاحقاً إلى الحزب الشيوعي وأصبح من قيادييه في الشمال .
(2) هي التي كان يديرها الرفيق عبد النور يزبك في قريته دده ، والرفيق عبد النور هو أول رفيق ينتمي في القرية المذكورة .
(3) كان الرفيق زكريا لبابيدي (من بيروت) يعمل في محكمة أميون ككاتب لها . في الكورة تعرف إلى الحزب وانتمى ، ثم أصبح من المسؤولين البارزين ، تولى مسؤوليات عديدة مركزية ومحلية ، وسجن مراراً .
(4) تحقق القسم في منزل الرفيق الياس خوري نجار في بترومين – الكورة ، وكان يتولى مسؤولية ناظر مالية الكورة .
(5) ثمّ ذلك في منزل الرفيق جرجس الشويري وفي أثناء المأدبة ألقى الرفيق الشاعر علي شلق (والد الأستاذ الفضل شلق) قصيدة عامرة .
(6) استقبل سعاده في كل من بلدتي أنفة ، القلمون ، قبل أن يصل إلى منطقة البحصاص حيث التقى المواطن الصديق الدكتور شاكر حكيم ، وفي طرابلس تناول طعام العشاء على مائدة نجلا معتوق حداد (الأمينة لاحقاً) وفي اليوم التالي زار كلاً من الشيخ العلامة محمد الجسر ، والسياسي راشد المقدم .
(7) تمّ ذلك في 16 كانون الثاني 1940 ، وتعينت هيئة المنفذية من الرفقاء أديب بربر ناموساً، جرجي الشويري ناظراً للمالية وجرجي نقولا أبي اسبر ناظراً للإذاعة .
(8) من " الوقف " وهذا يعني الممتلكات التي تتبع الطوائف المسيحية أو المحمدية .
(9) من محاضرة الأستاذ رفعت سابا .
(10) أقيم التمثال في ساحة فيع ، عنه يقول المحامي الأستاذ فوزي غازي في احتفال تأسيس نادي الشباب في فيع ، في 26 آب 1961 :
" من شرفة هذه القرية المطوفة على البحر والجبل، المعلقة في السماء كالقنديل ، الباسطة على البحر الأزرق يداً وفي الكورة الخضراء أيادي بيضاء. من على هذه، من الشرفة رأت عيني تمثالاً قائماً في ساحة فيع ...
لعمري لقد أعجز هذا التمثال فضولية الباحثين.
لا ليس تمثال ثري فرش أرض القرية بالخيرات وطلى بيوتها بالذهب .
لا ليس تمثال رجل سياسة وجاه ، إنقاد لنيابة أو وزارة .
لا ... ليس تمثال زعيم أو مغترب ...
إنه تمثال معلم في قرية قضى شهيد الواجب فأسلم الروح في ساحة الكتاب .
إنه تمثال جورج عبدالله المعلم ...
وهو من مقياس القيمة أخلد تمثال على وجه الأرض . "
سيرة ومعلومات
• بعد أن كبرت أصبحت أفهم لماذا كنا نحبه ، الصغار والكبار . كان عنده من عفوية التصرف وبساطة الحياة وحبه للآخرين ، وحبه لعمله وانصرافه الرسولي لممارسته ما يجذب الناس إليه ويدفعهم دفعاً لحبه والتعلق به " .
(رفعت سابا ، من كلمته في نادي الشباب في فيع ، في 16/3/1991) .
• من المعلومات التي أوردها عنه تلميذه رفعت سابا في كلمته المشار إليها أعلاه :
- طفولة جرجي تزامنت مع الحرب العالمية الأولى وأهوالها ، انتهت الحرب بموت والده وبعده بعام لحق به شقيقه الأكبر موسى .
كان همّ الأم الأساسي تعليم الأولاد فسافرت إلى كوبا حيث توفيت .
- باشر جورج التعليم لدى المعلمين الخاصين داود من الميناء وسمعان حيدر من فيع قبل أن ينتقل إلى مدرسة دير البلمند ومنها إلى مدرسة الصفا الشهيرة التي أقفلت عام 1925 بعد وفاة مديرها المعلم نعمان نصر (شاعر ، مات شاباً ، نالت قصيدته عن الأمومة الجائزة الأولى في مسابقة مجلة " المرأة الجديدة " ، أسس مدرسة الصفا عام 1921 حيث تتلمذ عليه نخبة من أبناء جيلهم : جورج إبراهيم عبدالله ، فؤاد سليمان ، موسى سليمان ، عبدالله قبرصي ، جبران جريج ، أقفلت المدرسة بوفاته . ولد الشاعر نعمان نصر في أيلول 1902 وتوفي في 17/1/1924 .
- انتقل مع رفاقه في المدرسة فؤاد سليمان ، عبدالله قبرصي وجبران جريج إلى المدرسة الأرثوذكسية في طرابلس (1925-1926) وفي السنة الثانية انتقل إلى الفرير حيث ظل يتعلم حتى تخرج عام 1929 . بعد تخرجه علّم تلامذة خصوصيين ، بعدها سافر إلى أفريقيا لمدة سبعة أشهر ، ثم عاد ليستلم مدرسة عابا ، تركها وعمل لمدة سنتين في بشمزين ومنها عاد إلى عابا .
- عن مدرسة عابا ، يقول : تعرفت في مدرسة عابا إلى رفاق من مختلف القرى والأديان، الطالب إلى جانب الطالبة ، الفقير إلى جانب الأشد فقراً ، اللاحزابي إلى جانب الحزبي، السوري القومي الاجتماعي إلى جانب الشيوعي ، طلاب اللغة الإنكليزية في مقابل طلاب اللغة الفرنسية . أناس من مختلف المستويات الثقافية والاجتماعية والمدارس والأعمار . كل هؤلاء اجتمعوا في صفوف كثيرة العدد في مدرسة وطنية علمانية على مثال الكورة وشاكلتها . جوها جو علم وتحصيل لمن أراد .
ووسط جو من الحب والثقة متبادلين بين جورج ومعلميه ، عمل هؤلاء على تعليم هذا الخليط العجيب وإنجاحه ، وكل سلاحهم علم وإيمان ، إذ لا شيء من التجهيزات والمختبرات والباصات والأبنية المدرسية اللائقة ,
كانوا ينحتون نحتاً : علم ، علم ، علم
العطل حد أدنى ، وباقتراب الامتحانات الفصلية المدرسية أو الرسمية الحكومية كانت
إلزامية التعليم الإضافي : حد أدنى من ساعات الفراغ وتعليم يوم السبت بعد الظهر وقبل ظهر يوم الأحد .
- بعد ظهر كل سبت هناك ندوة ثقافية يلقي فيها التلاميذ إلزامياً كل في دوره مقطوعة من إنشائه ، ومن تعذر عليه ذلك ألقى شعراً أو نثراً لغيره ، وكان القصد تنمية شخصية الطالب وتشجيعه على الإلقاء أمام الآخرين .
- كانت الإدارة تنظم رحلات وتضمن أفلاماً سينمائية في طرابلس ليحضرها الطلاب وأهاليهم ، ريع هذه الأفلام كان يدفع أقساطاً عن الطلاب المحتاجين .
- قسط المدرسة كان شبه رمزي ، والكثيرون سددوا أقساطهم بعض أعمال في أرض جورج ، وخاصة في أرض الطيارة التي أحبها كثيراً واعتنى بها كثيراً .
- في نهاية السنة المدرسية الرسمية مثل الطلاب تمثيلية " نخب العدو " للأديب سعيد تقي الدين . وأقيمت حفلة التخرج بحضور وزير التربية الوطنية والفنون الجميلة الأمير رئيف أبي اللمع ، تقديراً لكون الفائز الأول في الجمهورية اللبنانية في شهادة الدروس الابتدائية العالية (البريفية) كان من مدرسة عابا (*) .
- اقترن في صيف العام 1950 من تلميذته ثريا عبدالله من كوسبا . كان العرس شعبياً للغاية واستمرت الاحتفالات أكثر من أسبوع .
- عند وفاة الرفيق جورج إبراهيم عبدالله كانت عقيلته ثريا حامل بطفله الذي كان مقدراً له أن يحمل اسم جده ، فحمل اسم أبيه.
* ظافر الحسن، الذي أصبح سفير لبنان في السعودية، وأحيل إلى التقاعد مديراً عاماً لوزارة الخارجية.
• في سنة 1971 كرمته منفذية الكورة مع رفيقه الأديب فؤاد سليمان، بمهرجان خطابي على بيادر فيع تكلم فيه الأمين الراحل جبران جريج والأمين عبدالله قبرصي والشاعر القومي الأمين غسان مطر والأديب القومي الرفيق سيمون الديري ومنفذ عام الكورة الرفيق كمال نادر ومدير فيع الرفيق كارلوس نكت.
• يقول الأمين عبدالله قبرصي الذي كانت تشده أواصر الصداقة إلى عائلة الرفيق عبدالله ، والذي وقف عراباً لابنه جورج الذي ولد بعد وفاة والده "إن الرفيق جورج عبدالله كان قد وفق إلى إدارة مدرسة في عابا ، ومن هذه المدرسة كان ينشر بواسطة الأساتذة والتلاميذ أنوار الحزب على امتداد الشمال".
بعض ما قيل فيه
- كلمة السفير الدكتور ظافر الحسن في الاحتفاء بذكرى الرفيق جورج عبدالله ، يوم السبت 26 أيار 2001:
" بين جورج إبراهيم عبدالله وبيني عهد مودّة.
يتقادم الزمن ويزداد العهد جدّة.
توقّف به العمر ، وتقدم بي العمر ، وأشعرني لا أزال أحمل بعضاً منه في داخلي.
يوم تميّزت على يديه كانت فرحته بي أكبر من فرحتي بنفسي
أقام احتفالاً تمثّلت فيه الدولة ، وقطعت لنا الوعود والعهود
وعندما حان وقتها ، اصطحبني بمبادرة منه إلى بيروت يطالبها بالوفاء
ولكن الدولة أصغت ولم تسمع أو أنها لم تصغ ولم تسمع ، بل أشاحت عنه وعني لأنها ، كما هي في كل حين ، تنهمك في تعظيم شذاذها لا في تشجيع أفذاذها .
المعلم جورج ، أو المعلم جرجي ، لم يعلّم تلاميذه ما في الكتب فحسب ، بل علّمهم فوقه بعض ما في الحياة ، فالتعليم عنده لم يكن حرفة يتكسّب منها بل رسالة ندب نفسه إليها .
***
كنت ولا أزال واحداً من كثيرين أحبوه وأكبروه
فقد كان له ولا يزال قادرون وتلامذة ومريدون.
لم يكن يمتلك الكثير من الأشياء
ولكنه في نفسه كان شديد الثراء
فلم أعثر على اسمه في مجلة "فوربس" التي تهتم بأثرياء الفلوس لا بأثرياء النفوس.
كان قريباً من الطبيعة يؤثر لفح الشمس على لألأة الأضواء المصطنعة في القاعات المغلقة.
فلم أعثر له على خبر في صحيفة، ولا على صورة في صفحة من مجلات البهرج الاجتماعي، غير أنني لم ألتق أحداً من عارفيه إلاّ ووجدت له صورة في صدره.
***
وجد جورج إبراهيم عبدالله صنوه ولا أقول نصفه في ثريا عبدالله ، التي لم تصبح فقط شريكة حياة ومتاعب ، بل شريكة مزايا ومناقب ، والتي كانت بيننا في مدرسته تبزّ الأقران والقرينات ، خاصة في علم الرياضيات . فلا عجب أن يكون لهما المهندس جورج عبدالله الابن، الذي نتمنى له ولعياله الصحة والتوفيق والهناء.
أكون مقصراً معكم ومع نفسي ومع جورج إبراهيم عبدالله في هذا اليوم الذي نجتمع فيه على استذكاره إن لم أتوجّه إلى صنوه ثريا عبدالله بتحية إكبار وإجلال. هذه السيدة بكل ما في الكلمة من معنى التي نهضت من المأساة والمعاناة إلى الكفاح والتضحية بالذات . هذه السيدة التي كرّمت صنوها جورج إبراهيم عبدالله ، بما فعلت وبما لم تفعل، قبلنا جميعاً، واكثر منا جميعاً.
- الشاعر عزت الأيوبي
القصيدة التي ألقاها في يوم عرس الرفيق جورج عبدالله :
" اهنـأ بعرسك وانعـم فأنـت فخـر شبـاب أنشـأت جيـلاً جديداً فنلـت شكـراً جزيــلاً وافرح بريمك واسلـم ضحّى بمـالٍ وعلّـم من بذل نفسٍ ومن دم بالقلب ينمـو وبالفــم
* * *
يا جورج عرسك فينـا العـرس عـرس بلاد قـد كنـت خيـر فتيّ وقـد حبتـك الأماني فاهنـأ بعـرسٍ مجيـدٍ واشرب كؤوس الأماني زفـت إليـك المعالـي بـدران هــذا ثريــا فخـر ونـور وبلسم ترعى الجميل وتدعم أعطى وضحى وألهم ما كنت ترجو وتحلم واسلـم ودم وتنعـم واترع كؤوس المبسم فـلاًّ وورداً وعنـدم وذاك طهرة مجسـم "
- الشاعر المهجري الرفيق وهيب عودة (1)
" مسكينة أنت يا أمتي ، في القبور لك فروع ، وفي المهاجر لك ضلوع ، وفي مصانع اللاوعي لك أماليد وأغصان ، كلها على الرمال أما جذوعها وشروشها ، فهي والنبعة على توافق رطيب .
بوركت يا بيادر فيع ، تلك السهلة بين الحفافي والمرتفعات بوركت تجمعين حصاد زنودك حنطة وشباباً واعياً مخلصاً ، قدّت عزائمه من الصوان ، وتفجر اباؤه من شموخ المطلات العالية المشرفة على الوهاد السحيقة ، وهاد الضلال واللامبالاة والحرمان والاستهتار والسياسة الفاجرة.
أنا معك أيها القلع ، يا ضياع صحبي وأصدقائي ، أنا معك في كل بيت ، ومعك في كل قرنة من بيت ، دمعة وشهقة وتنهيدة ، وتمنيات حيرة وذهول ووجوم وبحران .
أنا معك يا تلك الأضواء المنتفة المنتشرة على الروابي من حزون بلادي ، أنت يا من حرمت النور والماء والدروب وموائد العلم المباعة ، بينما توزعين النور والماء والمعرفة في متعرجات لبنان ، وما وراء لبنان .
بوركت صخوراً ملساء وناتئة جدباء تنبت الخصب ، وأرضاً جافة تفجر الحياة .
يا فيع ، يا ذلك القلع ، المنتشرة قراه على الهضبات حصونا للشرف والعزة والإباء ، إن جورج إبراهيم ورفاقه الأموات والمجروحين والمعطوبين والمكسرين على سبل المعرفة ، إنك بهم وبأمثالهم قد انتصرت على الحديد والدبش والوحل وزعازع الطبيعة وألوان الظلم المفتعل ، فاجعلي منهم شهدائك. وانصبي قوساً من فخر ضلعيه من قبر نعمان نصر (2) في قلحات ، وقبر جورج إبراهيم في فيع.
واعقديهما في الفضاء الشموخ، واكتبي على ذلك القوس:
" نحن هنا باقون، على هذه المرتفعات، فالوادي السحيق لنا قدم ، والجبل العظيم لنا مظلة ونحن نطبخ التراب غذاء ونعيش ونعمر الصخور شراباً ونحيا.
1. من أنفه – الكورة . تولى في منفذية الكورة مسؤوليات محلية منها منفذ عام . غادر إلى البرازيل حيث وافته المنية شاباً.
2. شاعر معروف، من قلحات.
***
ملاحظة:
عممنا سابقاً نبذات عن كل من الرفقاء الياس خوري نجار، نهاد ملحم حنا، الشاعر وهيب عودة، والأمين فوزي مرعي.
|