منذ فترة صدف ان تابعتُ حلقة خاصة بالمطرب الأصيل نصري شمس الدين، وفيها عرض خاص ببلدته جون، فوراً قفز الى ذاكرتي الأمين القدوة والمميّز بالكثير من الفضائل والكفاءات، ميشال نبعة.
واستعدت علاقتي المميّزة به، خاصة وهو كان تبوأ مسؤوليات مركزية عديدة وعلى مدى سنوات طوال، منها عضوية المجلس الأعلى، عمدة الثقافة، رئاسة مجلس العمد، وإدارة "دار فكر".
طالما كنت اتردد الى الدار التي كانت تحتل طابقاً في بناية "جان دارك" حيث استقر مركز الحزب، فألتقي الأمين ميشال مرتدياً، كما معظم الأيام، بنطلون الجينز، منكباً على عمله، يساعده الرفيق أسامة فواز خوري، فالرفيق خليل الوزير، وكلاهما تميّزا بالتفاني والعمل الدؤوب.
وعندما انتقل الأمين ميشال الى مستشفى مار الياس في انطلياس وقد اشتد عليه المرض، كنت اتردد إليه من حين الى آخر، انما استطيع ان اشير بكثير من التقدير الى مرافقة الرفيق خليل للأمين ميشال طيلة سنوات مرضه، والوقوف المستمر على كل ما يحتاج إليه، الى ان فارق الحياة.
اذكر اني عندما زرت الأمين ميشال في منزله في جون، التقيت الوزير السابق الياس حنا، والموسيقار الموهوب الياس رحباني .
يحتل الأمين ميشال نبعة في عالم المسرح، وفي النضال القومي الاجتماعي، حضوراً لافتاً ترك الكثير من البصمات التي لا تمحى.
مجدداً انشر النبذة الغنية التي كنت حققتها عنه، وادعو رفقاءه واصدقاءه وعارفي تميّزه في الكثير، مسرحاً وثقافة ونضالاً قومياً اجتماعياً، الى ان يغنوا المسيرة الغنية للأمين ميشال نبعة بما يستحقه من كلمات تبقى للتاريخ.
مجدداً انشر النبذة الغنية التي كنت حققتها عنه، وادعو رفقاءه واصدقاءه وعارفي تميّزه في الكثير، مسرحاً وثقافة ونضالاً قومياً اجتماعياً، الى ان يغنوا المسيرة الغنية للأمين ميشال نبعة بما يستحقه من كلمات تبقى للتاريخ.
*
الأمين ميشال نبعة : ثقافة الالتزام والمواجهة
الكثيرون منا، نحن الذين عايشوا الأمين ميشال نبعة، فناناً مسرحياً، وكاتباً، ومتولياً لمسؤوليات مركزية في الحزب، يذكرونه بعد ما يزيد على 12 سنة من رحيله، مقدّرين فيه الكثير من المزايا والفضائل، وخاصة التزامه الصادق والواعي بقضية الحزب، التي لازمته حتى آخر زفرة من حياته.
يحكى الكثير عن الأمين ميشال نبعة، وكان جيداً لو كتب عنه عارفوه بعد رحيله، وجمعوا له كتاباته وأضاؤوا على حضوره المتقدم في المسرح، وفي الحزب.
هذه دعوة صادقة إلى من عرف الأمين ميشال نبعة الذي اتخذ الحزب عائلة وحياة، هو العازب، وأعطاه بصدق والتزام في المطلق، ولم يعرف غيره إيماناً وقضية وصراعاً وعطاءً.
ما نقوله عنه في هذه المقالة بعض من كثير يستحق .
*
كنت أعرفه جيداً في مسؤولياته الحزبية، وترددت لتفقده كثيراً عندما انتقل في الأشهر الأخيرة من حياته إلى مستشفى السيدة في انطلياس، إنما تعرفت إليه أكثر عبر ما كتب عنه عارفوه في المسرح وفي النضال الحزبي، يصفون تميّزه في كليهما ويضيئون على حقيقة ما كان عليه في حياته، صدقاً ودماثة وتواضعاً ونباهة والتزاماً وتجسيداً لفضائل النهضة .
أترك لما قيل عنه، أن يقول لنا أي مميز كان الأمين ميشال نبعة:
- عرفت ميشال نبعة كصديق، وكإنسان، كان دمث الخلق، متواضعاً بشكل ملفت، يدافع عن رأيه بشراسة، وكان صعباً في الجدال، صعباً مع الآخرين ومع نفسه أيضاً، وهذه ميزة أخرى تضاف إلى ميزاته.
ميشال خسارة فنية وثقافية كبيرة، والمؤثر أنه كان مثقفاً على غير ادعاء، وفناناً من غير تبجح، وأكبر دليل على ذلك أنه إذا سئلت عن اسم ميشال نبعة في لبنان، فقلة من أصدقائه تعرفه فقط، وهذا مؤسف.. هذا الرجل، هذا الإنسان، على رغم كل مظاهر الفرح والسخرية التي كان يتمتع بها حتى في أحلك الظروف، كان غريباً في هذا العالم، وحمل غربته حتى آخر حياته.
الممثل أنطوان كرباج
- لم يكن ميشال نبعة مجرد ممثل بارع ومخلص لقضيته المسرحية، بل كان مثقفاً. ومقالاته التي دأب على كتابتها في مجلة "البناء" في السبعينات كانت أشبه بالإطلالات النقدية التي ترافق الحياة السياسية والثقافية فتضيء مزالقها وتشق طريقها نحو الأفضل..
كان ميشال نبعة مثالياً كل المثالية، صاحب أخلاقية عالية ومناقبية نادرة. وقد رسخ انتماؤه إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي ثقافته ووعيه السياسي والتاريخي وأمدّه بصفاء فكري ورؤية واضحة، فكان علمانياً بامتياز ومعاصراً وأصيلاً ومتبصراً ومنفتحاً على المستقبل.
وكما عاش نبيلاً وأعطى الفن والثقافة بسخاء، مات نبيلاً بين رفاقه الذين كانوا له العائلة والبيت العائلي.
الكاتب طاهر مصطفى
- كان ميشال نبعة قدوة في كل أعماله وتصرفاته، وأخلاقه مميّزة برقيّها، لقد تربى في مدرسة الحياة التي أضافت إلى فضائله مجموعة فضائل أخرى. لم يطلب شيئاً لنفسه، عاش لغيره، كان يساعد الجميع مع حاجته الماسة للمساعدة، لهذا قلت: إنه قدوة .
خسرت صديقاً، والصداقة نادرة، صديق بلا شروط. بل قل خسرناه، كان استراحة زيارة.. وراحة .
الفنان التشكيلي أمين الباشا
- ميشال نبعة، الأنيق، المرهف، الشفّاف، المنفتح، المناضل المتماسك، الوفي لمبادئه وأفكاره وطريقه، الفنان النابض بالطليعة، رحل هكذا وكان يعلّمنا دروساً في الانتماء الأصيل، في زمن الارتدادات والتنكر والنسيان.
الكاتب والصحافي بول شاوول
- اخترق العادات ببساطة وبتواضع هو المختفي كالنسيم، الحاضر كالوهج... عرفته على مسرح الفن الراقي... وفي شوارع بيروت الفارغة من الرقي أيام الحرب.. كان مجرّد وجوده أملاً بعودة الرقي والمثل.
الأديبة ليلى عسيران
- كان فناناً أصيلاً ومحباً، وإنساناً حقيقياً.. كان مفكراً وقيادياً ناجحاً.. وموته موت لجانب مهم في حياة المسرح.
الموسيقار الياس الرحباني
- عاش كالزنبقة، وفياً لفنه، وفياً لعقيدته، وفي الاثنين ما تلوّن ولا تنازل، بعيداً عن جعجعة التافهين.. وهو، كما فيليب عقيقي. كما عصافير القصة اختبأ في عشه ومات.
الممثل والمخرج المسرحي ريمون جبارة
- عرفته ممثلاً كبيراً جيداً.. وفناناً عظيماً. عشنا معه عمراً لا يمكن أن ننساه.. كان صاحب خلق نادر.. ورؤية لمسرح حقيقي، رحيله خسارة ولا يمكن أن ننساه.
الممثلة لطيفة ملتقى
- ميشال نبعة: مثقف دون عرض عضلات، محازب فاعل وحاضر وكريم. فنان ببساطة الأصيلين، ممثل بالنجاح الخصب الذي تتوازن فيه الحالة وصياغاتها. ومخرج بذكاء يصوّر وإحساس يتقشف وخيال يخمّر (...).
هو في الدرجة الأولى ما حيّد نفسه مرة عن أماكن صراع أو عن أطر حوار إذ مارس محاورة الآخرين ركيزة فوارة للتأسيس لمجتمع عنيد صلب .
الناقد والصحافي نزيه خاطر
- وقال عنه رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي الأمين علي قانصو،
في تجربته المسرحية كان مبدعاً بشدّ الفن إلى القضية، ويراه منارة تضيء الطريق.
في تاريخه الحزبي كان كبيراً.. رفيقاً وأميناً وعضواً في المجلس الأعلى. رئيساً لمجلس العمد.. مثّل الأمانة بأبهى معانيها.
كان إبداعاً في الإدارة الحزبية وفي الإعلام والثقافة والفن، والرابط بين كل هذا عنده نظرة حزبه الجديدة إلى الكون والحياة والفن. والرابط والتزامه الصادق بالصراع من أجل انتصار هذه النظرة .
*
وفاتـه
بعد صراع مرير مع الداء العضال وافت المنية الأمين ميشال نبعه صباح يوم السبت 28 كانون أول عام 1996 بعد أن كان نقل إلى مستشفى السيدة في انطلياس ليلقى العناية الجيدة،
منه نقل جثمانه إلى مسقط رأسه "جون" وسط حشد من رفقائه ومن أهالي البلدة التي تقدّر فيه حضوره اللافت، ويوم الاثنين 6 كانون الثاني 1997 تقبلت القيادة الحزبية التعازي بوفاته في قاعة النهضة في منطقة البريستول (قاعة الشهيد خالد علوان حالياً) وفي الذكرى السنوية الرابعة لرحيله، وبرعاية وزير الثقافة والتعليم العالي الأستاذ محمد يوسف بيضون أقيم احتفال تكريمي في الساحة العامة لبلدة جون، تكلم فيه، إلى وزير الثقافة، الفنان أنطوان كرباج، جورج جاويش (عن بلدة جون)، عميد الثقافة في الحزب الأمين يوسف كفروني، وقدمت المناسبة الأمينة نضال الأشقر .
*
نبذة شخصية
تميّز الأمين ميشال نبعة في المسرح، ممثلاً ومخرجاً، وهذه بعض أعماله قبل أن يغادر الخشبة أميراً في السبعينات بعد أن أحسّ أن المسرح لم يعد الفضاء الأصفى الذي شاء، وبعد أن لعب أدواراً مهمة في معظم المسرحيات خلال الستينات:
- "مكبث" لشكسبير 1962 دور "بنكو".
- "الذباب" لسارتر 1963 دور "إيجيست".
- "الإزميل" لأنطوان معلوف 1964 دور "زاد".
- "هاملت" لشكسبير 1964 دور "هاملت".
- "الملك يموت "ليونسكو 1965 دور "الحارس".
- "فاوست" لغوتيه 1966 دور "فيسكو".
- إعادة "هاملت" في مهرجان بعلبك 1967 .
- "الديكتاتور" لعصام محفوظ 1968 دور "سعدون".
- بداية السبعينات مثّل مع الرحابنة في مسرحية "يعيش يعيش" .
- ومثّل مع الرفيق رضى كبريت في مسرحيته "الستارة" وقد نالت الجائزة الأولى في مهرجان دمشق سنة 1973 .
في الحزب تولى مسؤوليات قيادية كان فيها ممارساً بصدق وشفافية وتواضع ورقي، وبوعي صميمي لقضية الحزب وغايته، منها:
- رئيس مجلس العمد لعدة مرات .
- عضو المجلس الأعلى .
- عميد الإذاعة والإعلام .
- مدير تحرير مجلة "فكر" .
- مدير عام مجلة "البناء" .
الرفيق خليل الوزير كان رافق الأمين ميشال نبعة خلال توليه مسؤولية "دار فكر"، وكان الأكثر اهتماماً به في فترة مرضه فانتقاله إلى مستشفى السيدة في انطلياس، له هذه الشهادة بالأمين ميشال ننقلها بالنص الحرفي:
" كان الأمين ميشال نبعة التجسيد الحقيقي لإنسان سعاده العظيم الذي نفتقده كثيراً، صديقاً صدوقاً، وصادقاً في تعاطيه وتعامله مع الجميع، هو من إذا سار في الشارع يشار إليه بالبنان ويقال هذا سوري قومي اجتماعي، ليثبت مقولة الزعيم بالفعل.
كان متميزاً بدماثة خلقه وتواضعه وطيبته التي لا حدود لها، قوياً صلباً ولطيفاً ناعماً في آن، ملؤه النشاط والحيوية .
كان الأمين ميشال متفانياً في الحزب كل همه أن يصل الحزب وأفكاره إلى أكبر شريحة من الناس، بحيث لم يكن يفوّت أي معرض للكتاب إلا ويشرك دار فكر للطباعة والنشر، التي كان مديراً لها، في المعرض، وكنت في بعض المرات أحاول ثنيه عن الاشتراك لأن ليس لدينا من جديد لنعرضه ولا مجال للاستفادة من العرض بل هي مصروف إضافي، فكان دائماً يقول لي: لا يهمني يا رفيقي البيع والربح بقدر ما يهمني وجود اسم الحزب في جميع المعارض ليبقى اسمه دائماً في ذاكرة الناس ولنقول لهم بأننا موجودون في كل مكان.
عرفته قبل مرضه الخبيث دائم الحركة لا يهدأ. لم يكن يحب ركوب المصعد مهما علت الطوابق لأنه كان يشعر أن المصعد يؤخره فيصعد الدرج راكضاً، لا تهمه المظاهر الكاذبة لأن الإنسان ليس بالمظهر الخارجي بل بما في داخله، يكره ربطات العنق والبدلات وكان يقول: ان البنطلون الجينز يعطيه حرية الحركة، الأزياء الرسمية تقيد الإنسان وتشل حركته.
سألته عن سبب عدم زواجه وتأسيس عائلة تحضنه وهو العازب الدائم، فكان الجواب بأن ليس لديه الوقت ليعطيه للعائلة ومشاكلها ولأن الحزب كان مسيطراً على كل وقته وحواسه فلا يريد إضاعة ولو جزء يسير في رعاية وتربية الأولاد .
إلى أن جاءه ذلك المرض الخبيث، فدأب على العلاج الكيميائي ولفترة غير وجيزة وبما أنني كنت أعمل معه في دار فكر للتوزيع والنشر وكان مديرها وكذلك رئيساً لمجلس العمد في الحزب، لم يترك اجتماعاً وجلسة للمجلس تفوته أو يتأخر عن إدارة دار النشر التي كان يعتبرها جزءاً كبيراً من حياته.
وبسبب المرض الذي ألم به تعطلت يده المنى وقدمه ولم يقتنع بالرغم من جميع المحاولات بحمل عصاً أو عكازة لتساعده. ففي الفترة الأولى بقي مداوماً على قيادة سيارته للذهاب إلى بلدته الشوفية جون، وحاولت كثيراً إقناعه بأن أقود السيارة عنه ومساعدته فكان يرفض ذلك بشدة. وكان منزله في جون على وشك الانتهاء من الترميم والتوسيع إلى أن قوي عليه المرض فأصبحت أرافقه إلى المنزل المؤلف من طابقين الطابق الأول غرف النوم والمنتفعات والطابق الأرضي كان مقرراً لأن يكون صالة ومكتبة حزبية(1) .
بعد أن ثقل المرض عليه أصبحت أنا عكازته لأنه كان يكره ويرفض حمل العكازة وأقام في غرفة في مركز الحزب، كنت أعمل له فطوره وعشاءه يومياً وأدخله إلى الحمام وأعتني به كطفل صغير إذ كان أصبح عاجزاً ولم يعد يقوى على عمل أي شيء فتأثر كثيراً من الوضع الذي آل إليه وطلب نقله إلى مستشفى السيدة في انطلياس ليلقى هناك الرعاية الطبية والعناية الجيدة على أيدي الراهبات والعاملين في ذلك المستشفى حيث كانت أمضت شقيقته آخر أيامها فيه .
دأبت على زيارته يومياً والبقاء معه أطول فترة ممكنة وكان دائماً يسأل عن دار النشر وعن المسؤولين وعن كل شيء في الحزب .
بقي الأمين ميشال حتى آخر لحظة من حياته قوياً متماسكاً وفي كامل وعيه مع أنه أصبح عاجزاً عن الحركة والنطق كلياً، وافته المنية صباح يوم السبت 28/12/1996 ونقل جثمانه إلى مسقط رأسه جون بعد وداع مؤثر جداً من راهبات المستشفى والعاملين وأخص بالذكر رئيسة الدير والمستشفى الراهبة أرزة الجميل لأن وداعها له كان مؤثراً جداً، وسار الموكب وسط حشد كبير من الرفقاء، وأهالي البلدة بعد أن مرّ الموكب أمام مركز الحزب في رحلة وداع أخيرة إلى مثواه الأخير .
(1) تحول الطابق الارضي من المنزل الى مكتبة عامة بعهدة بلدية جون. اما الطابق الاول الذي كان يقطنه الامين ميشال فهو مقفل ويحتوي على اغراضه كاملة.
|