مع الأسف الشديد ، كنا نتناول قيادات من حزبنا بكثير من الظلم حتى اذا رحلوا بكينا وتمنينا لو انهم باقون معنا وقد خبرنا جيداً ما يتمتعون به من فضائل ومآثر.
من بين هؤلاء اذكر احد عمالقة حزبنا وقد عرفته جيداً وكنت معه في مجالس الحزب وادركت الكثير من وقفاته الحزبية.
لعل كلمة الأمين منير خوري النقي، الطاهر، الصادق، تفي الأمين اسد الأشقر بعضاً من حقه.
ل. ن.
*
"سيكتب العديد من الذين عرفوا أسد الأشقر، عن إيمانه يعقيدة سعاده، وصلابته في النضال من أجل هذه العقيدة.
أما أسد الأشقر – الإنسان – فقليلون جداً الذين يعرفونه على حقيقته. فمعظم الذين عرفوه، عرفوه عبر تصاريحه ومواقفه وكتاباته. فهو في نظر هؤلاء قائد سياسي، مناضل عنيد، أو كاتب ومفكر غاص في أعماق تاريخ أمته سوريا. عرفه الناس يهمدر ويزمجر ويهدد، فإذا هجا كان هجاؤه كالقذائف المدمرة، وإذا غضب، انقضت قبضة يده على المنضدة أمامه وانكسر معصمه. كان يثور كالبركان، فيقطع الرؤوس ويطالب بدك العروش دون هواده.
كان كل هذا، واكثر... هذا هو مظهره، فما هو جوهره ؟ ما هي حقيقة هذه الشخصية الفذة ؟
"صحيح أن علاقة الجوهر بالمظهر علاقة عضوية، غير أن المظهر لا يعبر دوماً عن حقيقة الجوهر ولذا تبقى معظم أحكامنا على بعضنا البعض خاطئة، لأننا في أحكامنا هذه نتوسل المظهر كمؤشر إلى حقيقة الجوهر. قد يكون هذا المؤشر المظهري مصيباً أحياناً في دلالته هذه، وقد لا يكون، وهنا تكمن صعوبة فهم الإنسان، خاصة إذا اعتمدنا التفسيرات السطحية لهذه المؤشرات المظهرية.
"وأسد الأشقر هو من هذه الفئة النادرة التي لا يعبر مظهرها عن كامل حقيقة شخصيتها. الذين لم يعايشوا هذا الأسد عن كثب لا يمكنهم سبر أغوار شخصيته. ولذلك لا يستطيعون أن يروا فيه أكثر مما يرون أنفسهم في المرآة. وهنا أرى من واجبي أن ألقي بعض الضوء على جوانب أخرى من شخصية أسد الأشقر والتي لا يمكن أن يراها الناظر السطحي عبر معرفته الهامشية لهذا الإنسان.
"تعرفتُ إلى "الأستاذ" الأشقر صيف العام 1943 في عكار، وبعد عدة لقاءات متكررة، كرّسني عضواً في الحزب السوري القومي، فأصبح "الاستاذ" اسد الاشقر الرفيق الكبير. قلت تعرّفت الى اسد الاشقر عام 1943، ولكني لم اعرفه حقاً إلا بعد أن توطدت علاقاتي معه وتوثقت تدريجياً بعد دخولنا السجن عام 1962 إثر الإنقلاب الذي فشل. هناك تكشفت لي أمور عديدة وتبيّـنت من حقائق كنت أجهلها تماماً لا مجال لذكرها في هذه المناسبة. بالنسبة إلى اميننا الراحل تبيـّن لي ان هناك قلباً رقيقاً عطوفاً يكمن وراء زمجرات الأسد المرعبة. كان يحنو هذا الأمين على رفقائه الأسرى كما يحنو الأب على أطفاله. ولقد أصابني من حنوه وعطفه الشيء الكثير، فان أنسى لن أنسى ذات ليلة عندما أفقتُ من نومي على شخص يحاول، بكل رفق وهدوء، تغطيتي "بالبطانية" ليقيني شرّ البرد القارس المخزون في بلاط ثكنة المير بشير. فتحتُ عينيّ وإذا بالأمين الجزيل الإحترام أسد الأشقر ينحني ليوشوشني بصوت خافت كي لا يزعج بقية الرفقاء قائلاً: تغطى مليح، البرد قارس، لازم تدير بالك على صحتك "
"إن جمال شخصية الأسد الأشقر هي في أصالة ثورته وبراءة تهديداته. فقلبه الوديع كان دوماً على إتصال بعقله الراجح وفكره الثائر. الزمجرة التي كانت تصدر عن لسانه لم تكن في حقيقتها سوى التعبير الحقيقي والشعور العميق عن ثورة حضارية أصيلة وألم مرير وتوق إلى تحقيق الذات. فالقلب المحب حقاً هو القلب الذي يتفجر ثورة وغضباً. ألم ينفجر السيد المسيح، سيّد المحبة في الكون، ألماً وغضباً، عندما زمجر وهدد وطرد ال ي ه و د من الهيكل ؟ ألم يشتمهم بقوله: يا أولاد الأفاعي...
"يقول المثل العامي "القلب الذي لا يكره لا يحب"، وقلب أسد الأشقر كان يحمل من الحب بقدر ما كان يحمل من الكره والغضب والثورة. كان يقول لنا دائماً أن القائد الحقيقي عليه أن يكون فيلسوفاً وذئباً معاً. وهذا ما كانه أسد الأشقر الحقيقي، إلا ان قلبه الكبير كان دوماً صمام الأمان الذي حافظ على التوازن بين الحكمة والتذؤب .
"أسد الأشقر صخرة تدحرجت من المتن الأشم فكان لها دوي لمّا يزل وسيبقى بقاء هذه النهضة. واليوم يعود الأسد إلى عرينه ليرقد بأمان في مسقط رأس النسور. فطوبى لك ولأمثالك أيها الأمين الجزيل الإحترام….."
|