إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

مجموع أشخاص يساوي قضايا شخصية بقلم الزعيم

الامين لبيب ناصيف

نسخة للطباعة 2022-12-08

إقرأ ايضاً


قلت مراراً، ومن زمان طويل، انه لا أمل بتحسين حالة سيئة وتنظيم امور أمة بسياسة تغيير أشخاص وتغيير وجوه، فلا أمل للأمة بالنهوض والارتقاء الا بتولد الوعي القومي وبنشوء السياسة القومية التي يجب ان تحل محل السياسة الشخصية وبتغيير القواعد السياسية كلها. فإن إبدال أشخاص بأشخاص لا يغير السياسة الشخصية المسؤولة عن تعثرنا وسقوطنا في أول فرصة اعطيت لنا للسير نحو الحرية والسيادة القومية الحقيقية.

الاشخاص مهما كانوا متعلمين ومتنورين لا يخرجون عن كونهم اشخاصاً – افراداً تسيطر على اعمالهم نظم تفكيرهم الفردي اللامسؤول نحو قضية واضحة ومبادىء محددة صريحة، وغاية قومية جماعية. فالسياسة لهم هي فن الغايات الفردية الخصوصية والمقاصد عندهم هي المقاصد الفردية، وليست القضايا القومية الا واسطة لغاياتهم الخصوصية، واذا تكرموا باعطائها قسطاً من تفكيرهم لم يخرجوا، في ذلك، عن حدود الفردية ومتعها الفكرية، فمصير الأمة منوط ابدا بتقلب ميولهم واحوالهم الفردية وهو، لذلك، مصير قاتم، غامض لا يمكن ان يطمئن اليه شعب حي، حر، واع قوميته، عارف قضيته الكبرى ومقاصده العظمى.

الفردية غير المسؤولة هي من اسوأ امراض المجتمع النفسية ومن أكبر قضاياه الاجتماعية والسياسية. فاذا تحكمت هذه الفردية الهدّامة في مصير شعب وسخّرته لأغراضها الشخصية ومقرراتها التحكمية قادته الى الخراب والذل. وسيطرة الأفراد الخطرة على الأمم هي تلك السيطرة التي يصل اليها الافراد عن طريق وثبة المطامع الشخصية في سانحة المشاكل السياسية. تلك السيطرة التي تعني للفرد غايته العظمى فهي ليست واسطة لقضية جماعية اسسها وبناها الفرد، بل غاية تتخذ القضية الجماعية واسطة لها. انها ليست سيطرة قضية الأمة بواسطة الفرد الذي يحمل قضية الأمة، بل سيطرة قضية الشخص الذي يحمّل الأمة كلها أعباء قضيته الخصوصية!.

هذه هي الدكتاتورية البغيضة التي تتخذ شعباً بكليته مطية لارادتها الفردية المطلقة. انها أقبح أنواع الاستعباد، لأنها استعباد من الداخل. واذا لم تصل هذه الدكتاتورية الى السلطة التنفيذية فهي تمارس طغيانها المخرب بالتهديم من تحت.

لا تزول القضايا الشخصية باقتسام السلطة التنفيذية او بتوزيعها على عدد من الأشخاص. فمجموع اشخاص لايساوي الا قضايا شخصية!.

ليست قضية الأمة مجموعة قضايا شخصية فقضية الأمة هي قضية غاية ومبادىء قومية كلية ولا يمكن ان تسير أمة الى الفلاح والمجد الا عن طريق قضيتها الكلية. فأين قضية الأمة الكلية في المنازعات بين أشخاص وأشخاص وبين حكومات وحكومات، وهل يمكن ان يخرج الشعب من مشاكله بواسطة سياسة المماليك؟ وهل يمكن القضاء على سياسة المماليك بواسطة المماليك؟.

الأمة في حالة خطرة من الابهام والشلل وسط القضايا الخصوصية التي تتنازع مصيرها. وليس اسوأ مصيراً من شعب غافل عن قضيته الكلية. وليست خسارة كيليكية والاسكندرونه وفلسطين الا نتائج اولى لتلك القضايا وهذه الغفلة. وكما تلهى الشعب قديماً بالقضايا الخصوصية هو يلهو اليوم باشتباك القضايا الخارجة عن نطاق حياته بالقضايا الشخصية التي لا تزال جذورها ممتدة في أوساطه. انه يفرج كربه من حوادث فلسطين ومن حالة السوريين اللاجئين من الجنوب بالمناظرات القائمة بين محور العراق – الاردن الذي تديره العائلة العربية الهاشمية ومحور العربة – مصر الذي يسير في سياسة موحدة تجاه الدول السورية ترتكز على اقرار الأمر المفعول.

اذا بحثنا عن قضية الأمة في هذه المنازعات ومتشعباتها فعبثاً نبحث، لان قضية الأمة ليست في ارادات خارجية ولا في العروش والتيجان الملكية. انها في الشعب في سيادة الأمة لا في سيادة الأشخاص.

ان قضية الأمة هي في نهضتها وتقرير مصيرها بارادتها. انها في مبادىء وجودها وحياتها وغايتها العظمى. هنا المخرج من المأزق، من ورطة السلاطين والمماليك، من الاستسلام لمقررات التحكم الشخصي، من العجز والانهيار.

يجب ان ينتهي دور تحكم الافراد الغامضي المبادىء، الغامضي المقاصد في الشعب ومصيره. ولا ينتهي هذا الدور الا بالاقبال على مبادىء الحياة القومية الاجتماعية، على النظام القومي الاجتماعي الذي يقضي على قضايا الاقطاع والحزبية الدينية والمآرب الخصوصية، ويزيل كل ابهام وغموض في المقاصد القومية، ويطرد كل فوضى من الشعب ومن مؤسسات الدولة.

لا يُنجينا الا مقاصد قومية واضحة، عقيدة واضحة يجد فيها الشعب حقيقته واهداف حياته العظمى ويتخذها ايمانا يعمل به ويسير في هداه الى الخير والعز.

ان فوضى المقاصد الشخصية والغايات الخصوصية تمنع تولد الثقة بحسن المصير. انها تبقي الشعب بلا قضية واحدة صحيحة وبلا نظام يجمع امره وبلا ايمان يدفعه الى الامام.

الى اتباع العقيدة القومية الاجتماعية يجب ان يتجه الشعب لانها تعطيه قضيته الحقيقية، وبنظامها جب ان يعمل لانه سلاحه ضد الفوضى. الشعب يجب ان ينتزع مصيره من ايدي الاشخاص وان يرفع قضيته فوق القضايا الشخصية والجزئية. يجب على الشعب ان يعرف قضيته القومية الاجتماعية وان يحارب في سبيل تحقيقها، فلن يحقق قضية الأمة غير الأمة.

مجموع أشخاص يساوي قضايا شخصية، اما الأمة فهي واحدة ولها قضية واحدة هي القضية القومية الاجتماعية، ولها حركة واحدة هي الحركة القومية الاجتماعية.


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024