في أكثر من مناسبة تحدثنا عن الشاعر، المترجم، الباحث، والمناضل الرفيق يوسف المسمار، الذي منذ ان عرفته في ستينات القرن الماضي، وما زال نشيطاً، متفانياً، معطاءً، يحيا قضية الحزب في كل ايامه ولياليه، ودقلئق ساعاته.
مؤخراً أصدر الرفيق يوسف المسمار مؤلفه الجديد مأساة الحضارة – ثقافة الأنانية، قدم له بالكلمة التالية:
الاجتماعية والأنانية لا تتصالحان
الحضارة والهمجية حالتان متناقضتان لا تتصالحان. فإما حضارة وإما همجية. ومن يظن أن حالتيّ الهمجية والحضارة يمكن أن تتصالحا فانه بلا شك يعيش في عالم الخرافة وهذيان أضغاث الأحلام .
قد يخرج المرء اذا استعاد وعيه من عالم الخرافة فتكون استعادة الوعيّ حالة صحية، أما اذا فقد وعيه وسقط مغمى عليه في حالة الخرافة وهامَ في أجواء السحر والانبهار، فانه لن يكون الا مريضاً ولو أجمع أطباء العالم على اعتباره معافى . والفرق بين حالة الصحة وحالة المرض هو الفرق بين الضعيف الخائر والقوي النشيط. والضعف والقوة ليسا قدراً يولدان بولادة المرء بل هما حالتان يكتسبهما بعد الولادة فيكون اكتساب القوة بنموّ الوعي واشتداد الهمة. والضعف يحصل بتراكم الخمول والتخاذل .
فمن كبُر وعيه واتسع أفق نظره، تعمقت معرفته فأدرك أن وجوده بالاجتماع بدأً، وبالاجتماع يتطور وتكون سلامته، وبالاجتماع يتألق، وبالاجتماع يستمر فتظهر فيه شخصيته الاجتماعية في بيئة وجوده المجتمعي أرضاً وجماعة، ويبدأ نشوء تاريخ حضارته بنظرة أوسع الى الوجود والحياة والكون والخلق تُرتّب عليه مسؤولية النهوض بنفسه، وبمجتمعه، وبعالم انسانيته فترتفع الانسانية بمجتمعاتها الحضارية الى قمةٍ من قمم المعرفة المتقدمة تكون نقطة انطلاق الى قممٍ في الوعي والمعرفة أعمق وأوسع وأعلى تتواصل ولا تنتهي لأن الوعي والمعرفة لا يُحدان بنهاية .
أما من ضحُل وعيه، وضاق بُعد نظره، وضحلت طاقة معرفته، فانه يتقوقع على نفسه متوهماً ان وجوده هو أصل الوجود بدايةً وحياةً واستمراراً ، فينغلق على ذاته ولا يرى الا نفسه تستحق كل ما يُرى وما لا يُرى، وأن هذا الكون لم يوجد الا لاشباع شهوات نزعته الفردية ورغبات أنانيته المغلقة فلا يشعر بمسؤولية، ولا يقوم بواجب، ولا يلتزم بنظام حياة الا اذا وافق هواه، ولا يحترم حقوق أحد الا طمعاً بمغنم أو خوفاً من عقاب فيتغطرس ويتجبر ويهيم في أجواء من الظنون، والخرافات، واضغاث الاحلام، وفضاءات المنى، ولا يستيقظ من سكرات خرفه وتخريفه المطبق على قوى ادراكه الا عندما يصطدم بالموت، او يداهمه الموت فيتنبه ويندم على ما فات من عمره، ويتمنى لو يعود الى الحياة ولو للحظة ليعترف ان كل حياته الماضية التي كان فيها سجين أنانيته ونزعته الفردية كانت سراباً في سراب، وخمولاً في خمول، وضلالاً لا يقود الا الى الهمجية والفناء. فموجد الانسان في الكون وواهبه العقل ليس الا من أجل تحقيق الوعىّ والمعرفة والصلاح، وممارسة الأحب والأرحم لكل وجود وكل موجود .
الأنانية لا تخلق حضارة، والنزعة الفردية لا تحافظ على مدنية، والأنانيون ذوو النزعة الفردية لا ينتجون حضارة ومدنية. وكل ما تستطيعه الفردية الأنانية تدمير مرضاها وتدمير كل من يتخذها عقيدة دنوية أو أخروية .
إن عقيدة أبناء الحياة المثلى هي أن يسيروا على هدى العقل، هبة خالق الوجود الذي لا يرضى الا بالحق والعدل، وإقامة سلطة الحق والعدل، وممارسة وترسيخ ثقافة القيم الانسانية السامية التي هي نهج الحضارة التي يمكن لها ان تنتصر وتبقى .
الأنانية طلاح والاجتماعية صلاح. والطلاح والصلاح حالتان متناقضتان. الطلاح همجية تقود عبيدها الى الدمار والصلاح حضارة يحقق أبناءها العمار. فمن تمكنت النزعة الأنانية الفردية في نفسه استعبدته، ومن انتصرت فيه طبيعة الوجدان الاجتماعي الانساني حررته. وهيهات ان تتصالح الحرية مع العبودية. وتتآخى الحضارة مع الهمجية أو ترتقي الانسانية بالنزعة الفردية وبثقافة الانانية .
الأجتماعية إنطلاق والأنانية إختناق، فمن سقط في الأنانية إختنق، ومن نهض بالإجتماعية إنطلق.
وأبناء الحياة ينهضون بثقافة الحضارة التي تُحي وليس بثقافة الأنانية التي تقتل .
*
ورسالة من الأمين عبد الله قبرصي:
بتاريخ 1722018 زوّدنا الرفيق يوسف المسمار بنسخة عن رسالة كان وجهّها إليه الأمين عبد الله قبرصي بتاريخ 10111999، ننقلها كما وردت، للتاريخ، ولما فيها من نبض الانتماء القومي الاجتماعي:
الرفيق العزيز يوسف المسمار المحترم:
تحية سورية قومية اجتماعية
كم انا معجب بك وشاكر... من أقاصي الارض، من البرازيل التي عاش فيها سعادة العظيم، فكتب وعلّم وأسّس، ترسل لي كتاباً قرأته منذ سنوات، وكتابك الجديد "أوراق الحياة" قرأته بشغف واهتمام كبير. تعرف اني، اتقاءً من التعذيب والمظالم، استطعت ان أصل الى فنزويلا، على حدود البرازيل حيث أسست مجلة اسميتها "الندوة" فكنت في دنيا الاغتراب كما انت كائن، مع عدد كبير من الرفقاء، أسستم ما أسميه الامبراطورية، القومية الاجتماعية، امبراطورية الفكر القومي، العلمي، الفكر القومي الاجتماعي الذي ثبتت الايام أنه الفكر الصحيح نظرياً وواقعياً.
كم انا مشتاق أن أضمّ كل واحد منكم الى صدري، لأنكم ثروة مادية ومعنوية للحزب وللأمة بالطبع. انا ضد الرأي القائل بأن المغتربين، لأنهم يبنون ويعجزون حينما يكونون، يجب ان يظلوا في ديار الغربة، انا ضد الاغتراب، الا اذا كان مؤقتاً، والذي يهزني فعلاً هم القوميون الاجتماعيون أمثالك، فأنت في أقاصي الارض ومنذ اغترابك منكب لا لأجل جمع المال، بل على التأليف والكتابة شعراً ونثراً.
هنا يكمن إعجابي، ولكن مكمن شكري سببه انك تذكرني باستمرار رغم عدم جوابي غير المقصود. لأنني لم اكن أعرف عنوانك. هذه المرة عنوانك مع الكتاب، لذلك ابادر بعد قراءته لأكتب إليك. لا أقول ان مقالاتك وخطبك قطع نادر، ولكن للإنصاف أقول لك انك في ما تكتب وتخطب تستوحي روح النهضة وعظمة غايتها وقيمتها والمقاصد، فانت القومي الاجتماعي قدوة للرفقاء ومثال المغتربين وحتى المقيمين.
ان ما بهرني فعلاً – ولو كررت هذه العبارة – هو انك من القلائل القلائل الذين يذكرون سعاده ومعه تلامذته (الرسل) وأعوانه.
ان سعاده، لولانا نحن الصحابيين ما استطاع ان يؤسس الحزب ولا ان يصبح الحزب منارة للأمة السورية بل للعالم العربي بطوله وعرضه.
نحن نفاخر ونعتز اننا ابناء سعاده الروحيين. نحن صحابته، ولكننا ايضاً نفاخر ونعتز اننا أكملنا الطريق، مقدمين أغلى التضحيات مواجهين الموت بلا تردد ولا تخاذل. لقد علّمنا سعاده البطولة فمارسناها وعلّمنا رفقاءنا ممارستها. هذا ليس للتبجج بل لتأييد وجهة نظرك الصائبة، فتنشرها وتعلّمها. نحن بحاجة الى أمثالك ممن يقدرون تضحياتنا واستشهادنا المستمر الى آخر رمق. لقد قلتُ وأكرر لك ان عظامي في قبري ستظل تهتف: تحيا سورية ويحيا سعاده.
ان ما بهرني فعلاً في كتابك الأخير هو ابتكارك عبارات بليغة تشبه الآيات في بعض الأحيان كتلك التي على الغلاف فضلاً عما ورد ضمن الكتاب.
اكمل يا رفيقي يوسف، وانشر ووزع.
انك تعرف المخاطر وتعرف الى اين انحدر انساننا (ما عدا الانسان القومي الاجتماعي) في تهربه من التضحية والعطاء تاركاً المسؤوليات الجسام على عاتقنا وعلى عاتق الأقدار.
|