بتاريخ 15 آذار 2002 وبدعوة من مديرية شارون في منفذية الغرب، ألقيتُ في قاعة "الشهيد وجدي الصايغ" محاضرة بعنوان: من حسين البنا الى وجدي الصايغ، هذا نصها:
" عندما تقدم الرفقاء حمود هاني، خليل الطويل وعارف نبا من سعاده، عند مروره بدمشق في حزيران العام 1938 متوجهاً الى عمان، فحيفا، فإلى قبرص ليغادرها في 28 تموز الى المغتربات، عندما تقدم الرفقاء يستأذنون زعيم الحزب للتطوع مع المجاهدين في فلسطين للقتال ضد الصهاينة، ونالوا الموافقة، لم يكونوا أول من خاض المعارك في فلسطين، ولا أول من انتقل الى ارض سورية الجنوبية من مناطق الشام ولبنان وباقي أنحاء الوطن لرد الغزوة الصهيونية عن أرضنا.
قبل هؤلاء الرفقاء كان حسين البنا، ابن شارون، القلعة، وأول شهيد يسقط من جنود الزوبعة فوق ارض فلسطين، وكان أيضاً القائد محمد سعيد العاص يخوض المعارك الى جانب المناضل عبد القادر الحسيني، ويسقط شهيداً في معركة الخضر.
ومثلهما، كان عشرات عشرات الرفقاء، من فلسطين، من لبنان، ومن الشام، يشاركون في الثورة، والمعارك، ويستبسلون.
لنقرأ عن الموسوعة الفلسطينية:
" شكل الحزب السوري القومي الاجتماعي فرقة باسم "فرقة الزوبعة" دخلت من شمال فلسطين في صيف 1936 وساهمت في أعمال الثورة والجهاد وعادت هذه القوة الى لبنان في أواخر شهر أيلول 1936 وكان عدد أفرادها نحو 75 رجلاً، عمل معهم عدد من المنتمين الى الحزب المذكور في شمالي فلسطين" .
وتقول الموسوعة في مكان آخر: "وفي إطار الممارسات العملية لنصرة القضية الفلسطينية قام العديد من أعضاء الحزب السوري القومي الاجتماعي بالتطوع للقتال في صفوف مقاتلي ثورة فلسطين الكبرى 1936 – 1939 وكان من بين هؤلاء سعيد العاص وحسين البنا" .
هذه كانت بدايات، ولنا شرح اكثر ومعلومات في صلب كلامنا .
ماذا عن الرفيق الشهيد حسين البنا ؟
هو ابن علي البنا، ولد في شارون عام 1903، وضعه المالي – وهو ابن عائلة فقيرة – حرمه من تلقي العلم في تلك الفترة حيث كان حكراً على أبناء العائلات الميسورة، فاضطر للنزوح الى بيروت عام 1925 ليعمل على طنبر لبيع الكاز، ويجول في الأحياء انطلاقاً من ساقية الجنزير حيث كان استقر.
هذا العمل جعله يلتقي بالأمين عجاج المهتار ويبدأ أولى خطوات تعرفه على الحزب، بالرغم من تأثره بالمبادئ الشيوعية والتحاقه بالحزب الشيوعي .
انكشاف أمر الحزب، وموقف سعاده في المحكمة يواجه الفرنسيين بالصلابة والإيمان ويحول محاكمته هو الى محاكمة لفرنسا ولدورها في امتنا، فيتردد صداه في كل الأمة والمغتربات ويجعل الكثيرين من أبناء شعبنا يقبلون على الحزب، وقد هزتهم كلمات سعاده، هذا الموقف عجّل من انتماء الرفيق حسين البنا الى الحزب بعد ان كان تلقى مبادئه من الامين عجاج المهتار، فكان الانتماء في أيار 1936، وكان سعاده قد خرج من السجن في 12 منه بعد ان كان صدر عليه الحكم بالسجن لمدة 6 اشهر.
في تلك المرحلة من النضال الذي كان يخوضه الحزب في لبنان، في مواجهة الفرنسيين، ويتعرض زعيمه ومعاونوه وأعضاؤه إلى الملاحقة والاعتقال والسجون، كان هناك نضالاً آخر اشد ضراوة وقد اخذ شكل الإضرابات والثورات والمعارك، هو الذي كان في سورية الجنوبية في مواجهة مخطط تهويد فلسطين وسلخها عن الوطن بمساعدة ومؤازرة واضحة من الانتداب البريطاني الذي كان اقتسم بلادنا مع الفرنسيين المعاهدة الشؤم المسماة سايكس – بيكو .
لذا رأى الرفيق حسين البنا، كما غيره من الرفقاء، وقبلهم سعاده عندما كان ينبه ويحذر منذ العام 1921، أي قبل تأسيسه الحزب ولم يكن له من العمر سوى 17 عاماً، ويدعو الى دفع الهجرة اليهودية عن فلسطين، رأى أن يخوض معركة النضال على ارض سورية الجنوبية فانتقل اليها ملتحقاً بإحدى المجموعات المقاتلة التي كان يقودها الشيخ محمد الأشمر من دمشق، وذلك في خضم ثورة العام 1936 التي استمرت حتى العام 1939 وسقط خلالها المئات من الشهداء، وفي نابلس حيث كانت تتموضع المجموعة التي فيها الرفيق حسين، تعرضت المنطقة الى قصف من الطيران البريطاني فكان أن سقط الرفيق حسين البنا شهيداً في 23 أيلول العام 1936، وليوارى الثرى في قرية بلعة في قضاء نابلس، في الأرض التي احب ومن اجل كرامتها دفع حياته غالياً.
بعد خروج سعاده من أسره الثاني، الذي استمر من 30 حزيران 1936 الى 12 تشرين الثاني 1936، وكان في سجنه قد سمع هتافات القوميين الاجتماعيين الذين تظاهروا حول سجن الرمل بعد ما حضروا مأتماً أقيم في شارون عن روح الشهيد حسين البنا، قرر على الفور إقامة مهرجان لتكريمه في مسقط رأسه، على ان يكون التجمع في صوفر .
عن هذا المهرجان الذي سماه الامين عجاج المهتار بيوم شارون، يقول: " وفي الموعد المحدد زحفت المواكب والعدد بالألوف يتقدمها سعاده الى شارون سيراً على الأقدام لان طريق السيارات لم تكن قد وصلت اليها. كان المهرجان رائعاً، وخطاب سعاده اكثر عظمة وروعة وقد وصف الشهيد على "أنه أول شهيد من الحركة السورية القومية الاجتماعية يسقط في الصراع القومي المسلح المباشر ضد اليهود" .
ويضيف الامين عجاج الذي كان ألقى في المهرجان قصيدته "شهادة حق" فيقول: شكل سعاده بعد نهاية المهرجان فريقاً من ثلاثة أعضاء هم محمد الباشا، محمد القاضي والأمين عجاج من اجل القيام بزيارة قرى الجرد. إن إقبال المواطنين كان بالمئات، وبصوت صارخ: ما بدنا شرح، المشهد وخطاب الزعيم وبس، ومن الذين انتموا آنذاك الرفيقان رشراش الصايغ ونجم الأحمدية" .
قبل هذا التاريخ وبعده، لم يكن القوميون الاجتماعيون خارج دائرة الصراع القومي في مواجهة اليهود، ولم يقفوا على الحياد في مختلف الإضرابات والثورات والأعمال المسلحة التي تمت، ذلك أن الحزب الذي شهدت قرى في لبنان أولى خطوات تأسيسه منذ العام الحزبي 1932 – 1933، شهدت مدن وبلدات فلسطين خطوات مماثلة.
عبر رفقاء درسوا في الجامعة الأميركية في بيروت وانتموا، وصل الحزب الى سورية الجنوبية بدءاً من تشرين أول 1934 فكان من الذين انتموا الأمينان فريد عطايا وكميل جدع وعدد وفير من الرفقاء نذكر منهم: صبري الحسيني ونظيم شرابي من عكا، خير الدين النبهاني، محمود حمود، عادل الشلبي، محمد الشلبي، (الشهيد عام 1949) من حيفا، إبراهيم تميمي من نابلس، فريد باكير من الطيري، جرجس خليف وموسى البشوتي من الناصرة، كابي ديب من القدس، سهيل الحلبي، منير الحلبي وعبد الرزاق عرفات القدوة في يافا.
هؤلاء غيض من فيض، وإذا كان منهم، من منح رتبة الأمانة وتولى مسؤوليات مركزية كالأمينين عطايا وجدع ومنهم من استشهد كالرفيق محمد شلبي، إلا أن ابرز من انتمى في تلك الفترة هو الرفيق المحامي مصطفى ارشيد الذي منح لاحقاً رتبة الأمانة، انتخب عضواً في المجلس الأعلى فرئيساً للحزب، وكان قبل ذلك انتخب نائباً عن منطقة جنين في البرلمان الأردني.
والأمين ارشيد من المع رفقائنا في سورية الجنوبية، وقد كان عضواً بارزاً في العديد من المؤتمرات التي كانت تحصل، وفي النشاطات السياسية القومية التي كان يشارك فيها، كما في جميع الحركات الثورية التي حدثت في فلسطين .
وقد عرف عنه انه كان يحيى الملوك والرؤساء وكل من يلتقي بهم من رسميين وغيرهم بـ تحيا سورية .
عند انكشاف أمر الحزب عام 1935 انتدب فرع الحزب في حيفا الرفيق حسين قلعاوي لحضور المحاكمة. عاد الرفيق بعد أسبوع ليلتقي الرفقاء ويحدثهم باعتزاز عن مشاهداته وأحاسيسه عندما وقف سعاده يلقي دفاعه. وفي عام 1938 مر سعاده بمدينة حيفا متوجهاً الى قبرص، فالمغتربات، فيها التقى الرفقاء وكانوا انتظموا في فرع حزبي تولى مسؤولية المنفذ العام فيه الرفيق يونس نفاع والأمين كميل جدع مسؤولية ناموس المنفذية .
في الأربعينات برز رفقاء آخرون ممن انتموا في تلك الحقبة نذكر منهم على سبيل المثال: فايز، أنيس ويوسف صايغ، جورج جورج، هشام شرابي، صالح سوداح، مصطفى سليمان النبالي، فاروق نصار، سليم سعدو سالم، عبد اللطيف كنفاني وبعضهم منح رتبة الأمانة وتولى مسؤوليات مركزية عديدة .
الموسوعة الفلسطينية تفيد أن الحزب انطلق من مدينة حيفا وكوّن أربع منفذيات هي: حيفا، القدس، يافا وعكا . بعد عودة الزعيم انشأ مفوضية الجنوب لتشمل فلسطين بأسرها وعين يوسف الصايغ مفوضاً لها وكميل الجدع ناموسا.
وتضيف: وقد لاقت أفكار الحزب السوري القومي الاجتماعي منذ منتصف الثلاثينات قبولاً لدى عدد من الشباب الفلسطيني نظراً للموقف الصلب للحزب في عدائه للحركة الصهيونية، وشارك المنتمون عملياً في الحركة الوطنية " .
في الجانب الآخر شمالي فلسطين، كانت مواقف سعاده والحزب السوري القومي الاجتماعي تجاه المسألة الفلسطينية واضحة ومبدئية على مدى سنوات الصراع القومي في مواجهة الغزوة اليهودية، فسعاده لم يكتف بالتحذير من الخطر الصهيوني في السنوات 1921 – 1931 قبل تأسيسه للحزب، إنما هو في خطبه ورسائله ومواقفه بعد تأسيس الحزب، والى آخر خطاب ألقاه في برج البراجنة عام 1949، يعطي الموضوع الفلسطيني كل ما يستحقه من اهتمام .
فسعاده الذي نبه الى الخطر الصهيوني على جنوب سورية في خطابه الشهير في أوائل العام 1932 في افتتاح نادي الطلبة الفلسطينيين في الجامعة الأميركية، يقول في برج البراجنة :
" تقوم اليوم في الجنوب دولة جديدة غريبة كنت أترقب قيامها وأعلنت أنها ستقوم قبل أن تعلن هي عن نفسها، لاني كنت أرى التخاذل السوري سيوجدها حتماً " .
" ان اليهود قد انتصروا في الجنوب على يهودنا نحن ولم ينتصروا على حقيقة الأمة السورية ولن ينتصروا على حقيقة الأمة السورية. أن محق الدولة الجديدة هو عملية نعرف جيداً مداها. أنها عملية صراع طويل شائك عنيف يتطلب كل ذرة من ذرات قوانا لان وراء الدولة اليهودية الجديدة مطامع دول أجنبية كبيرة تعمل وتساعد وتبذل المال وتمد الدولة الجديدة بالأساطيل والأسلحة لتثبيت وجودها " .
قبل ذلك كان سعاده قد قرر القيام بحشد قومي اجتماعي عام في بيروت في الثاني من تشرين الثاني عام 1947 يوم وعد بلفور المشؤوم، ليعلن لمنظمة الأمم المتحدة وللعالم اجمع موقف الحركة السورية القومية الاجتماعية والأمة السورية من المحاولات الجارية لنزع حقوق الأمة السورية عن فلسطين وإعطائها للغرباء اليهود. ولو لم تتخذ الدولة اللبنانية موقفاً مانعاً من تنفيذ الحشد المذكور لكان شهد لبنان اعظم حشد منظم بعد الحشد الذي استقبل سعاده في مطار بيروت عند عودته من مغتربه القسري .
إلا أن سعاده استعاض عن المهرجان – الحشد برسالة شاملة الى القوميين الاجتماعيين والأمة السورية، وفي 1 كانون أول 1947 وجه رسالة ثانية اثر صدور قرار تقسيم فلسطين أعلن فيه يوم 30 تشرين الثاني يوم حداد للقوميين الاجتماعيين وعبرة للامة السورية ، وفيها قال :
" أن السياسة الخصوصية والرجعية قد نجحت اليوم نجاحاً باهراً، أن الكارثة الجنوبية قد وقعت .
" اني أعلن أن القوميين الاجتماعيين هم اليوم في حالة حرب من اجل فلسطين – على جميع نظار التدريب، والمدربين أن يحصوا القوميين الاجتماعيين جرائد جرائد، على جميع المنفذيات والمديريات التابعة لها فتح سجلات تطوع للذين يريدون الانضمام الى الجيش القومي .
هذا الموقف المبدئي لسعاده، كان له أثره الكبير عام 1948 في نفوس القوميين الاجتماعيين الذين اندفعوا للقتال في فلسطين مدفوعين بإيمانهم العقائدي الذي يجعل كل قومي اجتماعي يقف من الغزوة اليهودية موقفاً واضحاً ثابتاً لا رجوع عنه، بالرغم من ان قادة الأنظمة المهترئة رفضوا إعطاء الأسلحة للفرق القومية الاجتماعية التي تقدمت للتطوع من مختلف مناطق الوطن السوري، إلا ان ذلك لم يحل دون أن يشكل القوميون الاجتماعيون فرقاً خاصة بهم، وان ينخرطوا في جيش الإنقاذ وان يقوموا بأعمال بطولية في أمكنة عديدة من فلسطين .
في كتابه "الحرب العربية الإسرائيلية وتأسيس إسرائيل" يشرح الدكتور فلاح خالد علي ان المجموعة الشمالية في جيش الإنقاذ كانت بقيادة المقدم الرفيق أديب الشيشكلي وكانت تتكون من عدة مفارز، منها المفرزة الحموية بقيادة الملازم الرفيق صلاح الشيشكلي، والمفرزة اللبنانية بقيادة النقيب الرفيق محمد زغيب، وفي مذكراته يورد القائد فوزي القاوقجي العديد من البرقيات التي كان يتبادلها اثناء المعارك مع الرفيق المقدم أديب الشيشكلي، ومع آمر الفوج العلوي (التسمية لجيش الإنقاذ) المقدم الرفيق غسان جديد .
بدوره يورد المناضل محمد خالد المطرجي وهو كان شارك قتالياً في حرب العام 1948، اسماء رفقاء من الجيشين اللبناني والشامي ممن ساهموا في معارك فلسطين. فيضيف الى الأسماء التي أوردناها آنفاً، الملازم فؤاد جديد (شقيق الرفيق غسان) الملازم في الجيش اللبناني الرفيق معين حمود، الرئيس حسين الحكيم، أما الشهداء فيورد اسماء الرفقاء: النقيب محمد زغيب شهيد معركة المالكية وهو من بلدة يونين (قرب بعلبك) الوكيل الأول فارس الخطيب، الملازم الطيار فيصل ناصيف، الملازم عبد القادر يعقوب، الوكيل الأول محي الدين الأتاسي، الملازم أول فتحي الأتاسي، النائب سامي عزيز الحواط، الرقيب المدفعي علي نشأت، العريف شريف توفيق، الجنود عزيز سليمان، محمد زكي حاتم، وعبد الحميد اباظة.
عن الرفيق الملازم فيصل محمد ناصيف يقول الرفيق أنور فهد في كتابه "أيام في الذاكرة" التالي: كنت والرفيق سماح طليع في عداد فوج المشاة الخامس الذي اشترك في تحرير مستعمرة مشمار هاردن (كعوش) التي استشهد فيها الرفيق الملازم فتحي الأناسي وبعده بفترة الرفيق الملازم أول عبد القادر حاج يعقوب. في السادس عشر من تموز وقواتنا متجهة لتحرير "نجمة الصبح" كنا مكشوفين عسكرياً أمام قوات العدو التي كانت متوارية بين أشجار بساتين الليمون وعلى استعداد لمهاجمتنا بشكل مفاجئ. بعد اتصالات أوعزت قيادة سلاح الجو الى رفيقنا الضابط الطيار فيصل ناصيف ليقوم بتجهيز طائرته، كما وضعت طائرة ثانية بإمرته وذلك للقيام بغارة جوية على تلك القوات المعادية. وقد تم ذلك، وقذف بقنابله مركز القيادة اليهودية في "نجمة الصبح" فدمرها .
اثناء ذلك تلقى أمراً من قائد الجبهة يبلغه تقديره ويأمره بالانسحاب فكان جوابه ان حشداً يهودياً كبيراً أمام الفوج السوري المكشوف، وانقض ثانياً ملقياً القنابل ونيران المدافع الرشاشة، وفي الانقضاض الثالث أصيبت طائرته وسقطت فرق الجبهة المعادية" .
أما المقدم الرفيق غسان جديد فقد شهد لبلائه البطولي في فلسطين جميع من رافقوا معاركها وتعرفوا على الأعمال الفذة التي قام بها، فمن مستعمرة "الزراعة" اليهودية حين دخل اليها في شباط 1948 متنكراً بزي سائق سيارة قائمقام منطقة بيسان الأستاذ إسماعيل فاروقي (الشاهد على هذا العمل) ليتعرف على مواقع اليهود الحربية، ثم ليهاجمها على رأس قوة من المجاهدين فيكبد اليهود المئات من القتلى والجرحى، الى معركة "مشمار هايمك"، إلى "زرعين"، إلى مهاجمته أحد المعسكرات البريطانية في جوار بلدة الطيرة (منطقة حيفا) على رأس 120 مجاهداً تنكروا بلباس الجنود الأردنيين، فاستولوا على المعسكر ودمروه وغنموا منه الكثير من الأسلحة والذخائر، الى ملحمة "النبي يعقوب" التي تعتبر قمة المعارك البطولية التي قادها الرفيق غسان جديد. فلقد كانت مستعمرة "النبي يعقوب" المنيعة والمحصنة بين رام الله والقدس، تعترض إمدادات المؤن ونجدات المجاهدين، وقد عجزت اكثر من قوة من جيش الإنقاذ من الاستيلاء عليها، اختار الرفيق غسان مجموعة من أفراد مفرزته واندفع بمناورة بارعة حول المستعمرة فيما تبادل النار مستمر بين قوة من جيش الإنقاذ والحامية اليهودية، وتسلل مع فدائييه الى المستعمرة ينسف ويدمر فيما اندفعت قوة جيش الإنقاذ اليها، وانفتحت بذلك طريق القدس لتتدفق اليها الإمدادات والمؤن.
أما المفرزة اللبنانية التي قادها النقيب الرفيق محمد زغيب فمن الرفقاء الذين التحقوا فيها نذكر معين وعلي ماضي، قاسم غادر، عبده غادر، سعد الدين السعدي وعلي سليم قيدوح، سليمان الخطيب، علي نعمان، وهؤلاء اشتركوا مع غيرهم في معارك كثيرة أهمها مشمار هايمك، اللجيون، أبو شوشة، المنسى، غارة، غرغارة، كفر كرم، كما أرسلوا بنجدة إلى ساحة معركة "باب الواد" الضارية .
والرفقاء المذكورون كانوا تعرفوا في ساحة المعركة الى الرفقاء المناضلين محمد ذبيان من نيحا، الشوف، قاسم نجيب النبا من رأس المتن، عبد الرزاق المصري من طرابلس .
ومن منطقة المنصف (منطقة جبيل) انضم الرفيق إبراهيم جورج سالم الى فوج اليرموك الرابع، السرية الثانية من المفرزة اللبنانية وقد اشترك في معارك صفد، والمالكية وقدس، تلك القرية الصغيرة التي يقول عنها الامين شوقي خير الله في مذكراته أنها أفقر من المالكية، فيها بيت واحد من طابقين واهم زيتون في سورية، كما يقول الفلاحون، انه لزيتون نادر شجراً وثمراً وربما اقدم زياتين الدنيا. والأمين شوقي وكان ملازماً في عداد قوة الجيش اللبناني التي توجهت الى الجبهة، فقد كان له دوره في التصدي والمدافعة، كما في الهجوم .
ونحن اذ نذكر بفخر المشاركة البطولية التي قام بها رفقاؤنا، واسماء البعض مما استشهدوا، فلا بد ان نتحدث عن الدور الذي قامت به فرقة "الزوبعة" في منطقة اللد – الرملة بقيادة الامين مصطفى سليمان، والذي التحق بها عدد كبير من الرفقاء، سقط منهم شهداء، أحدهم كان الرفيق فواز خفاجة من بلدة جباع ، الشوف ، الذي كان ترك الجيش اللبناني والتحق بفرقة الزوبعة الحمراء التي تشكلت من رفقاء ، ومن مواطنين وأفراد من عشيرة النبالي التي منها الامين مصطفى سليمان ، والتي قاتلت اليهود على بعد كيلومترات من تل أبيب وكانت تتربص لقوافل التموين اليهودية المسلحة التي كانت تزود المستوطنات شرق مدينة اللد . يفيد الامين مصطفى ان سبعة من أفراد فرقته استشهدوا في احد المعارك وسقط شقيقه الرفيق احمد جريحاً .
النشرة الرسمية للحزب عدد 9 أيار 1948 نشرت ما يلي : تجاه هذه الحالة أخذت تتشكل فرق سورية قومية اجتماعية غير ذات صفة حزبية فقام قوميون اجتماعيون بجمع قوة متطوعة انخرط فيها عشرات الرفقاء الذين صاروا مئات وتمركزت أعمال المجاهدين القوميين الاجتماعيين في منطقة صفد حيث سقط فيها عشرات في القتال خصوصاً الفرقة التي سارت من الحفة، منفذية اللاذقية، التي سقط عدد غير قليل من أفرادها في معركة صفد . وقد قام الرفقاء في مناطق عكا وحيفا والقدس بتنظيم قوات قومية اجتماعية أعطت نتائج باهرة شهد لها كل العاملين بإخلاص من رؤساء لجان وقادة مواقع وغيرهم . كما أدى الخبراء القوميون الاجتماعيون في الكهرباء والكيمياء خدمات جلى بتأمين المواصلات الهاتفية وغيرها بين الجهات ومركز القيادة وبصنع المتفجرات وبنسف مراكز القوى اليهودية " .
رفيقنا علي المير في مدينة الطبقة ، الشام ، وهو من مناضلي الحزب ، كتب يقول انه في الفترة عام 1948 "ساهمت بنشاط بالعمل الجهادي المتعلق برفد جيش الإنقاذ والثورة الفلسطينية حيث كنا نجيش المناضلين وندعم نضالهم بالمجاهدين من اللاذقية والحفة ومصياف وغيرها" .
وعن الرفيق محمد ديب عينوس الذي استشهد في موقعة " لوبيه " نقرأ عن كتاب الخالدون ، الجزء الأول : "كان الرفيق عينوس يعمل في مطبعة الإرشاد في اللاذقية التي كان يديرها الامين أديب عازار ، وعندما أعلنت الحرب ضد اليهود في فلسطين ، لبى نداء الواجب والتحق بجيش الإنقاذ وكان أحد أفراد الفصيل المؤلف من 60 شخصاً من اللاذقية والحفة. بعد وصول هذا الفصيل بساعتين دارت المعركة. حارب هذا الفصيل في معركتي " لوبية " و" الشجرة " في الجليل الأعلى وكانت معركة " لوبية " هي الأهم حيث انهم سارعوا الى إنقاذ المحاصرين من أهل القرية من قبل اليهود وكان النصر لهم حيث قتل من اليهود حوالي الخمسين شخصاً ما عدا الجرحى. من شهداء الفصيل الخمسة كان الرفيق " محمد ديب عينوس " .
ومن بعض مآثر الحزب لا بد أن نورد ما سجله الأمين كميل الجدع , منفذ عام حيفا وأحد أوائل رفقائنا في فلسطين: " في حيفا سوق للخضار يعرف بالحسبة يرتاده أهالي المدينة للتبضع , وقد قام اليهود على ثلاث دفعات بزرع متفجرات كان يذهب ضحيتها في كل مرة ما يزيد على المئة قتيل وجريح .
وفي المرة الرابعة فجروا لغماً قرب بناية سلام ذهب ضحيته ما يقارب التسعين . وكانت جميع المحاولات التي بذلها المواطنون للرد على هذه الاعتداءات قد فشلت. في أحد اجتماعات هيئة المنفذية عرض ناظر التدريب الرفيق محمد شلبي (الشهيد لاحقاً) للوضع حيث تقرر أن نقوم بالرد على هذه الأعمال , فتبرع المجتمعون بما كانوا يحملونه في جيوبهم من مال وتوجه الرفيق الشلبي وكان يعمل ناظراًًً لمحطة القطارات في حيفا , إلى دمشق حيث استحصل على كمية من مادة متفجرة وبهذه الكمية جهز الرفيق فايز زين متفجرة موقوتة (في اسطوانة غاز) تم إيصالها إلى المحطة وفي الوقت المناسب انفجرت لتودي بـ 62 قتيل من الصهاينة .
ويضيف: قبل سقوط حيفا اعددنا لضربة ثانية مماثلة ، اذ أفاد ناظر التدريب أن عدد ضحايا القناصة اليهود المتمركزين في مطاحن فلسطين الكبرى قد بلغ 21 شهيداً من أبناء حيفا . ولان معظم أعضاء مديرية الزعيم التي كان يتولى إدارتها الشهيد محمد الشلبي يعملون في محطة القطارات في حيفا ، أمكن للرفقاء أن يجهزوا احد صهاريج المازوت بكمية من المتفجرات وأمنوا إدخاله مع صهريجين آخرين الى مبنى المطحنة التي كانت تستورد صباح كل يوم اثنين ثلاثة صهاريج من المازوت . الانفجار أدى الى تحويل المطحنة الى أنقاض ، وسقوط عدد هائل من القتلى اليهود " .
هذا في حيفا، أما في مدينة عكا ونقلاً عن كتاب "مختارات في المسألة الفلسطينية"، نقرأ في قسم الوثائق، ما يلي:
" معركة عكا مشهورة بملابسات احتلال اليهود لها وبالجنايات التي ارتكبها بعض قادة المناضلين المدافعين عن عكا وأدت الى وقوعها فريسة هينة بيد اليهود . كانت كارثة عكا كسواها من الكوارث التي حلت بفلسطين نتيجة التراخي والخيانة والفوضى ، وكان موقف القوميين الاجتماعيين ، بقيامهم بمقاومة ستة أيام متواصلة بالنذر اليسير من المؤن والذخيرة عملاً مجيداً غسل بعض العار اللاحق في الجبهة السورية من جراء أعمال الخونة والنفعيين – ولقد شدت أعمالهم وروحيتهم وثباتهم بعض الشباب الذين أبوا أن يسلموا المدينة بلا مقاومة وأبو أن يتركوا القوميين الاجتماعيين وحدهم في معركة الصمود في وجه العدوان الصهيوني والخيانة الداخلية التي أجلت المناضلين عن عكا دون البدء بالمقاومة .
"برز في معركة عكا الرفقاء علي عوض، إبراهيم ناصر، محمد يونس (منفذ عام عكا، والذي تسلم نادي عمرو للإشراف على توزيع الأسلحة والذخائر) سعيد شامي ، واحمد شامي ، وجميعهم أعضاء في مديرية النضال التابعة لمنفذية حيفا .
"أما الرفيق الدكتور جورج ديب والرفيق سليم دلال فكانا يعملان على مساعدة الجرحى في مستشفى الصليب الأحمر ومستشفى الاتحاد النسائي جنباً الى جنب مع السيدة ساذج نصار والدة الرفيق فاروق ، الذي بدوره كان في مستشفى الامين . جدير بالذكر أن السيدة ساذج أسرها اليهود بعد احتلال عكا ، وهي تولت فيما بعد رئاسة الاتحاد النسائي الفلسطيني في دمشق ، وهي من المناضلات المعروفات .
*
ترى ، هل توقف دور الحزب عند معارك العام 1948 وخلد القوميون الاجتماعيون الى الراحة والسكينة بعد النكبة واحتلال اليهود لقسم من فلسطين ؟
الجواب : لا طبعاً . فلجنة كل مواطن خفير التي أسسها الأديب القومي الاجتماعي الكبير سعيد تقي الدين قامت بأعمال باهرة في فضح الجواسيس ، وفي تعرية الذين يتعاملون مع البضائع الإسرائيلية ، او يقدمون الحماية لليهود : بقاء ، وعملاً ونشاطاً في لبنان ، كالجاسوس الإسرائيلي جوزف فارحي ، صاحب صيدلية فارحي المعروفة سابقاً في باب ادريس ، والعراقي اليهودي حاييم فاتنايل ، واليهودي الألماني بوكس وزوجته ، والمغني الأميركي الصهيوني ليو فولد ، والدكتور اليهودي طوبر ، الذي كان مدرساً في برمانا .
ولعل الدور الذي قام به الرفيق سمير مسلم ، الذي قتلوه بالسم ، بعض العمل الكبير الذي مارسته " لجنة كل مواطن خفير " . لنقرأ بعض ما ورد في " صدى لبنان " في 7 أيار 1955 :
" بين الوثائق التي ضبطتها السلطات في دمشق من بيت الزعيم سعاده ومكاتب الحزب لا اقل من عشرين تقريراً كتبها سمير مسلم ، الفتى الذي اغتيل بالسم ، مكتوبة بخط يده وموقعة بتوقيعه ، وهذه الرسائل تفضح شخصيات كبيرة وتدل على حلقات جاسوسية لها علاقة بالتجسس وبالنشاط الصهيوني ، ومنها أيضاً : شريط مسجل عليه أخبار بصوت سمير مسلم ، تقارير من رفقاء عن أعمال شراء لحساب جهات مشبوهة ، خرائط عن إسرائيل ومشاريعها كانت ترسل منها نسخ إلى بعض الجيوش العربية ، تقريراً عن جاسوس يهودي في بيروت وصورته واتصالاته ، تاريخ حياة أحمد عسة واتصالاته بالصهيونيين وصورة فوتوغرافية له وهو يجالس أحد الجواسيس اليهود في بيروت .
الرفيق سمير مسلم كما يقول لنا الرفيق مارون حنينة كان عضواً عاملاً في مديرية التضامن في الجميزة ، بيروت .
لم يكن الرفيق سمير مسلم وغيره من رفقاء عملوا في " لجنة كل مواطن خفير " وحده من تابع واهتم واكتشف الجواسيس ، فان أربعة رفقاء من مديرية الواجب في قطنا (محافظة دمشق) تمكنوا من فضح شبكة جاسوسية تعمل لحساب الهاغانا الصهيونية ، وكان بينهم الخائن مرعي طربوش من أهالي قطنا .
وفي المريجات، لبنان ، تمكن الرفيق فهد زيتونة من القبض على الجاسوس الصهيوني احمد كيلاني الملقب بالمستر لسلي بعد أن تمكن من الفرار من معتقله ، مساء 28 تموز 1948 . النشرة الرسمية للحزب التي أوردت الخبر أفادت أن هذا الجاسوس هو السادس الصهيوني الذي يعتقله القوميون الاجتماعيون في أمكنة مختلفة من الوطن
كما لا بد أن نذكر بتقدير الدور الذي قام به الامين جورج معلوف من راشيا الفخار في فضح اكثر من شبكة للجاسوسية إحداها كانت تعمل في القنيطرة ، منطقة الجولان .
*
وتمر سنوات ، وفلسطين قائمة في وجدان كل قومي اجتماعي وفي اهتمام الحزب . وهو ان لم يتمكن من أن يمارس دوره النضالي كما يجب في فترات صعبة من تاريخه في لبنان ، او الشام ، إلا ان رفقاءنا في الأرض المحتلة لم يكونوا بعيدين عن المساهمة في الأعمال التي كانت تجري ، ومنهم الرفيقان محمد ارشيد وعبد اللطيف ارشيد اللذين اعتقلا العام 1958 لمساهمتهما في تنظيم حلقات المقاومة في الأرض المحتلة ، حتى إذا انطلقت حركة المقاومة الفلسطينية في 1/1/1965 اندفع القوميون الاجتماعيون للانضمام اليها ولعب دور في قيادتها كما في المواقع والعمليات البطولية التي جرت ضد العدو اليهودي في فلسطين ، وفي خارجها ، ابتداء من طليعة العمليات في الضفة الغربية التي سقط فيها الرفيق عدنان شريح شهيداً عام 1965 ، الى إسهامهم في عملية تمت في حيفا عام 1969 ، الى عملية ميونيخ عام 1971 ، وعملية مطار اللد ، فإلى تفجير خزانات النفط في إيطاليا ، وغيرها ، التي لم يكن بعيداً عنها تخطيطاً وإشرافاً الشهيدان فؤاد الشمالي وكمال خير بك ، مؤسسا وقادة منظمة " أيلول الأسود " ، كذلك لم يكن رفقاء ورفيقات ، منهم الطالب الجامعي المرحوم غسان حيدر ، بعيدين عن المشاركة في أعمال أيلول الأسود كما في العديد من العمليات البطولية التي جرت ضد الصهاينة فوق أرضنا ، نذكر منهم الرفيق الأديب عزمي منصور الذي سقط أسيراً في عملية قام بها عبر غور الأردن مع رفقاء له في آذار العام 1968 فسقط أحدهم شهيداً واسر الرفيق عزمي ليبقى في سجن عسقلان خمسة عشرة عاماً ، ثم ليصدر بعد خروجه كتاباً عن العملية التي شارك فيها ، عن عذابه ، وعن أسره ، بعنوان "الحياة وقفة عز" .
لا بد أيضاً ان نذكر باعتزاز الدور الذي قام به الرفيق الشهيد احمد عبد الغفور (ابو محمود) بطل عمليتي أثينا وروما عام 1973 كما نشير الى المواطن الذي أعلنه الحزب شهيداً له ، طربيه العنز ، الذي تصدى وحيداً في حزيران العام 1974 لخمسة من جنود الاحتلال في بلدته الماري المجاورة للحدود مع العدو ، فاسقط منهم ثلاثة، وسقط هو شهيداً .
ويندلع الجنون في لبنان، ثم تحتاج إسرائيل لبنان وصولاً الى عاصمته فيسطر القوميون الاجتماعيون ملحمة جديدة من ملاحم النضال ضد العدو ، بدأها الرفيقان سمير خفاجة وفيصل الحلبي عندما أطلقا من مثلث " سوق الخان " في 22 تموز 1982 ، صواريخ الكاتيوشا تدك مستوطنات اليهود في الجليل الأعلى وتابعها الرفيق الشهيد خالد علوان في إطلاق النار على الضابطين اليهوديين والجندي الإسرائيلي في مقهى الويمبي في بيروت ، ومثلهم الرفقاء الذين تصدوا ببطولة للاجتياح الإسرائيلي، على طول طرق توغله من الجنوب عبر الساحل والجبل والبقاع، والرفقاء الشهداء الذين شاركوا في عمليات نوعية، أمثال عبد الله الجيزي، عاطف الدنف، فؤاد صالح، رياض صادق، نضال الحسنية، محمود التقي، كمال صالح، علي فرحات، يوسف صعب.
ونذكر بفخر عشرات عشرات الرفقاء والرفيقات الذين تصدوا وناضلوا واسروا وعرفتهم المعتقلات، التي نفذها رفقاؤنا ضد قوات الاحتلال اليهودي في بيروت، في عاليه، في الشياح، في جبل الباروك، في معصريتي، وفي أمكنة أخرى عديدة .
هل هذا كل شيء ؟ لا . ففي الساعة الثالثة والثلث من بعد ظهر يوم الثلاثاء 12 آذار العام 1985 ، سار شاب حنطي اللون بسيارته نحو طريق جزين – كفرحونة ، كان يبتسم . في سيارته ما يزيد على المئة كيلوغرام من مادة الـ ت.ن.ت ، أمامه رتل من آليات العدو كان يغادر جزين باتجاه الجنوب . سيارة جيب تتقدم الرتل ، وفي داخلها ضابط وجنديان . الشاب الحنطي يبتسم اكثر . ينظر إلى الرتل أمامه ، يسير بمحاذاته ، يتمتم وفي عينيه دموع من الشوق ، من الحنين ، يبتسم ، يتذكر في لحظة والديه ، أخيه ، أختيه ، عمه ، أهله ، جيرانه ، رفقاءه . يلمح من بعيد قريته ، يشاهد العصفور الذي كان يزقزق كل صباح عند نافذة غرفته ، يبتسم ، عيناه تترقرقان عزة وبطولة وفخراً . يتمتم . تحيا سورية ، ثم ينطلق .
انه وجدي الصايغ .
يكفي. البقية تعرفونها، وتعرفون سناء وابتسام ومالك وخالد ونورما وعلي ومريم وفدوى وعمار ومحمد قناعة وزهرة ابو عساف، وغيرهم العشرات العشرات من شهداء نذروا أنفسهم وحياتهم في سبيل أمتهم وما تراجعوا .
فلهم التحي. لوجدي تحية فرح وله الخلود . لشارون البطلة التي قدمت للحزب شهداء ، وقدمت أبطالاً ومناضلين في مجالات القتال والتضحية كما في مجالات الأدب والشعر وتربية النشء الجديد ، نطأطئ الرأس فخراً وكبراً ونستذكر بتقدير الرفقاء رشراش الصايغ ، نجم الأحمدية ، سلمان شبلي البنا ، سامي الصايغ ، بو حسين الصايغ ، أديب الأحمدية ، محمود الصايغ ، منير الأحمدية وناجي نعيم البنا .
هم باقون في أعماقنا وفي ذاكرة حزبهم وخالدون . نحييهم جميعاً ولهم نهتف : لتحيا سورية دائماً ، وليحي معها سعاده ".
|