في أواخر ستينات القرن الماضي وأوائل السبعينات، شهد معهد الرسل في جونيه حضوراً حزبياً جيداً، وما زلتُ أذكر الرفيق حسام سلوم(1) الناشط في المعهد، يبلغني أن عدد النسخ المباعة من ملحق "البناء" الطلابي بلغ 60 نسخة اسبوعياً.
ومن الرفقاء الناشطين أيضاً في تلك المرحلة الأمين باسل حلاوي(2)، الذي أفادني أنه يذكر جيداً الطلاب: الأمين انطون خليل، الرفيق د. سليم مجاعص(3) والرفيق مروان دياب(4).
في حينه كان الرفيق حسام سلوم ينقل لي ما يعرفه عن مدير القسم التكميلي في معهد الرسل الدكتور أفرام بعلبكي، مشيراً الى أخذه القضية السورية القومية الاجتماعية، مطرياً على كفائته التربوية والى شمولية ثقافته.
مضت سنوات لأعلم أن الدكتور افرام بات في الهيئة التعليمية لجامعة اللويزة في كسروان، إنما لم أعد اعرف أي شيء عنه، كما عن شقيقه نديم الذي كان صديقاً وزميلاً في "بنكو دي روما" في فترة عملي فيه (1961 – 1968).
في تلك الفترة كنا نتوجه في أيام الصيف الى بلدة كفرذبيان(5) (البلدة التي منها الصديق نديم)، فنمضي النهار في مطعم سلامة، المشهور، واذكر ان نديم كان يحجز لنا في المطعم فنصل إليه لنجد أن كل شيء قد أعّد.
تلك أيام حلوة قضيتها في "بنكو دي روما" ولغاية تاريخه أذكر زملاء واصدقاء كانت تربطني بهم أواصر الصداقة: محمد عبده، جوزف قاعي، فرنسوا شقرا، ميرزا ميرزا، سامي الخازن(6)، بولس حايك (من قرية بجه) إيلي طراد (تولى إدارة فندق "بزمار" المشهور بعد مغادرته العمل في بنكو دي روما).
منذ أيام وكنت اراجع عدداً من مجلة فكر التي كان يصدرها الأمين هنري حاماتي في أواخر الستينات، قرأت في العدد تاريخ 16 تشرين الثاني 1968 مقالاً للدكتور أفرام بعلبكي، انشره بالنص:
امثولة الجبل
" ولي أيضاً أمثولة في الحياة قيّمة تلاها عليّ الجبل المتمنطق بالغمام اللاقمُ البحر الحصى ليبتلعها البحر ويزبد. شرحها لي الجبل يوم سألته كيف تحيا الحياة وما سرّها، قال انها تحب كما هي واقع لا حلم، خلاصة أمزجة في كأس واحدة ترشف حتى نهايتها، تحيا كما يحياها الجبل بالصمت، بالقوة، بالثورة الصابرة والصبر الثائر، أي بالصراع الدائم في الحياة مع قبول ظروفها والعمل على تحسينها، نحياها كما يحياها الجبل وجوداً من العظمة ومن السخريّة بأمواج البحر... الثلج على قمته والاخضرار على السفح والمشرفات منه، والنار تتآكل جوانب صدره، هكذا يحيا الجبل الحياة صامتاً الى الدهر الّا ان ترى الطبيعة العكس منطقياً فينفجر بركاناً يدمّر... والصمت بنظري وبحسب اعتقاد الجبل هو غير التنكر للواقع والسكوت عن الجريمة، هو قبول الواقع بجرأة وقوّة كأننا نحن أردناه، هو قبوله لا كشيء مطلق متمم، بل كنواة قابلة التطور والارتقاء الى الأفضل والأسمى، هو فضح الجريمة بالعمل الصامت والتكفير عنها.
لسنا أقزاماً أمام الحياة، نحن أطواد تخترق. السكينة أجمل ما تعرفه الارض ويجب السعي إليها، عفواً، الى سكينة الجبل المتحفزة لتنطلق اذا أطّرت بركاناً يحرق الأقذار المتراكمة عند أقدامه هكذا تكلم الجبل. الحياة اتزان ثقل ولكنها عاصفة من القوة أصعب من أن تحصر في قمم ومن ان توقفها انامل ضعيفة، فلا تفكر يوماً، اذا هبّت ان تقف في حماية وهم منها، قف هكذا في وجهها لتذهب معها الى حيث تنتهي، أليس من الأفضل أن تحطم وسط الزوبعة، وسط الصراع، من أن تسلَم في زاوية حيث اختبأ الضعفاء؟ لي في الحياة امثولة قيّمة تلاها عليّ الجبل يوم سألته كيف التحرر في الحياة. قال: لا يتحرر الانسان بالخروج من مجتمعه بل الخروج عليها. انا من الارض وقد أحببتها إنما انا فوقها أطل عليها.. عش في العالم كأن لا ذات غيرك فيه وكأنه كله لغيرك، هكذا أحيا انا الجبل المتمنطق بالغمام. عش مؤمناً وجوديّ التفكير والتصرف، واقعي النظرة والتخطيط، اقدامك على الارض ورأسك في السماء. أنتم معشر شباب اليوم تحيون في مناخ حلم، يدغدغ الناس شعوركم وانتم تصدقون الحلم الذي خلقه العالم كله. يقولون انكم ابناء قادة الحضارة في العالم وتغفلون عن واقع البداوة الذي تحيون، يقولون أنكم احفادنا اصحاب الحرف والكلمة وتغفلون عن واقع الأمية الذي تعانون، يقولون أنكم من وطن هو محور العالم وسر الحركة فيه، والعالم يجهل من أين انتم ولا يكترث للحصاة التي تجتمعون فوقها، فجمال طبيعة بلادكم لا يكفي ليجعل منكم شعباً له وزنه بين أمم الارض وأقوامها وحجمها، هو الذي يحد من انطلاقتكم وطموحكم، فمن الناس من كلماتهم رنانة تهيج السمع وترسب في القلب، ولكن ليس لها من الزخم كفاية لتصعد الى الجمجمة، ومن السخف أن تجعلوا طنينها قاعدة لسلوككم. فئة الانتهازيين من مواطنيكم تريدكم لو تنزلّتم عن قوة الصراع فيكم، فالى متى أنتم غافلون عن لقاءات انتصار الرجولة عندكم؟ ألا تعرفون أنكم لن تستحقوا الحياة ما دمتم تخافون الموت في صراعكم؟ هكذا حدثني الجبل.
هوامش:
(1) حسام سلوم: من بلدة "بينو" (عكار). نشط جيداً في المرحلة الثانوية، فالجامعية عندما انتقل الى الجامعة اليسوعية. غادر الى فرنسا حيث نال في جامعة "أكس – أو-بروفانس" شهادة الدكتوراة في الاقتصاد، ثم توجّه الى العمل في مدينة "نواكشوط – موريتانيا". فالى مدينة "بواكه" في شاطئ العاج، حيث كان هاجر والده إليها واستقر. كان يعد بالكثير، بفضل ذكائه وثقافته القومية الاجتماعية واندفاعه. كانت علاقتي به متينة جداً. لعله اذا قرأ هذا المقطع يعود الى مرحلة "معهد الرسل"، فالجامعة اليسوعية وعلاقة الصداقة التي كانت قائمة، فيتذكر.
(2) الأمين باسل حلاوي: تولى مسؤولية منفذ عام "صور" أكثر من مرة. وهو من الذين يجسدون الحزب مناقب وعقلية أخلاقية جديدة. اقترن من الرفيقة خالدة ابنة الرفيق حسن مرتضى الذي خسرناه مؤخراً.
(3) سليم مجاعص: تابع تخصصه في "شيكاغو"، واستقر فيها. منكبّ على التأليف وقد أصدر أكثر من كتاب، مع الرفيق د. حسني حداد. انجز ثلاثة اجزاء من سيرة سعاده، باللغة الانكليزية، وهذه من افضل ما كتب عن هذا الموضوع. تمّت ترجمة الجزء الاول فإصداره، باللغة العربية.
(4) مروان دياب: انتمى وشقيقه الرفيق نبيل دياب الذي عرفته ناشطاً في الجامعة اليسوعية، وفي رأس النبع، قبل ان يغادر الى كندا حيث استقر. من انسبائه الامين عدنان طيارة .
(5) كفرذبيان: منها الرفيق الاعلامي جورج مهنا. مراجعة قسم "من تاريخنا" على موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية www.ssnp.info، والرفيق متى سلامة الذي كان نشط في الستينات، وهو اول من تولى مسؤولية منفذ عام كسروان بعد توقف الحرب المجنونة .
(6) سامي الخازن: مراجعة ما نشرت عنه على الموقع المذكور آنفاً.
|