إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

جاكيت الختيار بقلم الأمين سمير رفعت

الامين لبيب ناصيف

نسخة للطباعة 2020-11-11

إقرأ ايضاً


جاءني هاتف يحيى الرفاعي العقيد في الجيش الأردني وابن أخو صهري لمنزل المذيع حيدر محمود حيث كنت أنام بعد مصادرة بيتي، وقد أبلغني أنّ "أبو الزعيم" رئيس جهاز أمن فتح موجود في عمان ويفتش عني.. أبو الزعيم هو عطا الله عطا الله الضابط السابق في الجيش الأردني الذي سُرّح من الجيش فالتحق بقوات الثورة الفلسطينية، وكان مقرّباً من أبو عمار، حدث ذلك إبان أحداث أيلول الأسود العام 1970 في الأردن.

والتقينا في منزل يحيى الرفاعي، فأعلمني أبو الزعيم أنه أتى إلى عمان من جرش حيث انسحبت قيادة الثورة الفلسطينية بعد أن هدأت الأحداث الدامية في أيلول 1970 بين الجيش الأردني وفصائل الثورة الفلسطينية. قال أبو الزعيم إنه أتى إلى عمان ليحاول تهريب زوجة ضابط أردني التحق بالثورة خلال الأحداث، وأصبح الآن في جرش، لكن الجيش الأردني اعتقل سائقه ومرافقه أثناء محاولة التهريب، وبقي هو في عمان لا يعرف كيف يذهب إلى جرش.

تبرّعت ويحيى الرفاعي أن نوصله إلى جرش، المنطقة القريبة من الحدود الأردنية – السورية، وكانت سيارة أختي جيهان معي بعد أن صودرت سيارتي، وبعد أن غادرت أختي إلى القاهرة. لبس يحيى الرفاعي زيّه العسكري وجلس بجانبي، وجلس أبو الزعيم في المقعد الخلفي، وانطلقنا إلى جرش، وكان بين عمان وجرش عشرات الحواجز العسكرية التي تحاول معرفة كل من يتنقل بسيارته، لذلك استعملنا الأنجم التي على كتف يحيى الرفاعي جواز مرور عبر تلك الحواجز الكثيفة، وبعض تلك الحواجز كانت تسأل عن الأسماء فيعرّف يحيى الرفاعي عن نفسه، وحين ينظر الجندي إليّ كان يتعرّف عليّ من خلال ظهوري التلفزيوني اليومي على مدى أكثر من سنتين.. وحين يصل الدور إلى الجالس في المقعد الخلفي، أقول لجندي الحاجز ضاحكاً: إنه أبو الزعيم.. يضحك الجندي أيضاً غير مصدق، ويعتبرها نكتة سمجة مني، بينما أبو الزعيم يغرق في كرسيه خائفاً ومستغرباً صراحتي، فأقول له: لا تخف يعرفون عنك أنك جبان ولا يمكن أن تمرّ على الحواجز علانية، بينما أتيت عمان متسللاً.

تجاوزنا الحواجز ووصلنا جرش.. كان أبو عمار يجلس مع مجموعة من قادة فتح الذين انسحبوا معه من عمان، بينما خرج هو من مطار عمان متخفياً بالزيّ الخليجي حيث أتت اللجنة العربية لتضع يدها على الأحداث الدامية، وكانت مرسَلة من مؤتمر القمة العربي برئاسة جعفر النميري الرئيس السوداني الذي اقترح على أبو عمار الخروج خلسة وبالتخفي من عمان إلى دمشق.. الذي انتقل بعدها إلى جرش التي كانت إلى حدّ ما تحت سيطرة الجيش السوري الذي اجتاز الحدود السورية – الأردنية في محاولة للضغط على السلطة الأردنية لوقف الأعمال الحربية.

دخلنا مكتب أبو عمار في جرش، فقام كعادته مرحباً ومقبلاً: أهلاً يا بو رفعت، بلغني أنهم اعتقلوك، أجبته بالإيجاب لكنهم أفرجوا عني بعد ذلك.. هنا تدخل أبو الزعيم بالكلام قال: لولا أبو رفعت والعقيد يحيى الرفاعي لكنت ما زلت محتجزاً في عمان.. بالمناسبة "أبو رفعت" هو الاسم الذي أُطلق عليّ بعد التحاقي بالثورة الفلسطينية. أردف أبو الزعيم متمماً حديثه ومادحاً لي: تصوّر يا أبو عمار السلطة الأردنية صادرت بيت أبو رفعت وسيارته وجميع حاجاته الخاصة، ومنعته من العودة إلى منزله الذي تعرفه جيداً في "الحسين"، حيث كنا نلتقي دائماً حين نحاول الهروب من مضايقات المخابرات الأردنية.

انتفض أبو عمار بحركته التي تنمّ عن المحبة وقال أمام الجميع: "الله ده إحنا حنعوّض عليك".. قالها باللهجة المزيج بين الفلسطينية والمصرية، فجاءت كلمته كالصاعقة عليّ، وكأني انخرطت بالثورة الفلسطينية منتظراً المكافأة أو التعويض. أعلنت له احتجاجي الشديد على كلامه وهممت بالخروج من الغرفة، فقام أبو الزعيم يهدّئ من غضبي ووقف أبو عمار يحاول تصحيح ما قال حين شعر أنّ وقع كلامه كان سيّئاً عليّ، وعلى عكس ما قصد.. فقال: أنت فهمتني غلط يا بو رفعت.. أنا بالفعل حعوّض عليك ولكن مش بالمادة كما ظننت.. أنا حعوّض عليك معنوياً. وقام بخلع جاكته التي كان يلبسها وأمسكها قائلاً لي: أنا حلبّسك جاكيت الختيار، وبالفعل ألبسني إياها وقام بتقبيلي للمرة الثالثة، إذ كان أبو عمار معروفاً أنه يحب التقبيل.

ودّعنا جميع الحاضرين وقفلنا عائدين أنا ويحيى الرفاعي إلى عمّان.. يحيى يستعمل الأنجم التي على كتفيه للمرور على حواجز الجيش الأردني بسلاسة، وأنا أرتدي جاكيت الختيار التي لو تعرّف عليها حاجز من الحواجز لأوقفني مجدداً، وقد بقيت الجاكيت عندي مدة طويلة جداً إلى أن فرّط أبو عمار، أو كاد، بثورته حين وقّع اتفاق أوسلو مع العدو الكياني، عند ذلك اهتزت زوجتي وقالت لي: لم يعد يشرّفنا أن نحتفظ بجاكيت الختيار بعد أن فرّط الختيار بالثورة، فتبرعت بها إلى أحد الأشخاص، أو أحرقتها.. لا أدري.

أما بيتي المصادَر في عمان في شارع مستشفى المعشر بجبل الحسين، فقد آل إليّ من الأمين الراحل الصديق رامز يازجي(1)، الذي كان يقطن فيه، وقبل مغادرته عمان بعد صدور قرار العفو عن محاولة الانقلاب الفاشلة العام 61 – 62 في لبنان، أصرّ أن يعطيني بيته بكامل أثاثه، وكان بيتاً مميزاً وفي شارع مميز، وحين صادر الجيش الأردني البيت معتبراً إياه قاعدة فدائية، صادر كامل الأثاث الذي كان موجوداً فيه، سوى مجموعات من جريدة البناء التي كانت تصدر في الشام في خمسينيات القرن الماضي، وقد سلّمتها بعد أن سُمح لي بزيارة منزلي إلى الرفيق عدنان صباح.

والمفارقة الغريبة أنه حين التحقيق معي في مديرية المخابرات، ومن قِبل رئيس المخابرات شخصياً أحمد عبيدات الذي تسلّم رئاسة الوزارة بعد ذلك، كان خلال التحقيق يستغرب تأييدي للثورة الفلسطينية، ثم يجد لي العذر حين يقول إنّ هذا الموقف طبيعي لأني قومي سوري، واضطر لتصحيح اسم الحزب فألقى منه ما أستحق على ذلك، إلى أن قال لي مرة خلال التحقيق: لقد تبيّن لنا أنك بعثي، والدليل وجود أعداد كثيرة من جريدة البناء التي تتحدث عن سوريا... عندها اعترضت أن أعاقَب على انتمائي لحزب البعث، وصحّحت له المعلومة بأنّ البناء هي الجريدة الناطقة بِاسم الحزب السوري القومي الاجتماعي، وحين نتحدث عن سوريا فنحن لا نقصد أبداً سوريا حزب البعث.

هذا البيت المصادَر من قِبل الجيش الأردني على اعتباره قاعدة فدائية، جمع في تسعينيات القرن الماضي بين الأمين عبدالله سعادة الخارج من السجن وأبو عمار، فحين زار الأمين الرئيس سعادة عمان، طلب مني مقابلة ياسر عرفات، وتمّ ذلك في بيتي بناءً على أمر الأمين سعادة وموافقة أبو عمار.

في اللقاء الذي جمعهما حاولت الانسحاب حفاظاً على سريّة اللقاء، لكن الأمين سعادة طلب مني البقاء، وكان محور اللقاء عَرْض الأمين سعادة رغبة الحزب السوري القومي الاجتماعي المساهمة في العمل الفدائي المقاوم بعد خروج قيادة الحزب من السجن، وطرح أن ينخرط عدد معيّن من السوريين القوميين في حركة فتح لأن الحزب لا يريد أن يزيد في تشرذم العمل المقاوم بمنظمة منفصلة، وحين عرض الأمين سعادة الرقم الذي يمكن أن يساهم في العمل الفدائي، كان رد أبو عمار وقد استعظم العدد قائلاً بلهجته الفلسطينية – المصرية: الله يا حكيم دول حيبلعونا....

نظرت إلى الأمين عبدالله سعادة، فوجدت وجهه وقد ازداد احمراراً نتيجة غضبه من هذا الجواب، فطلبت من حضرة الرئيس أن يسمح لي بإجابة أبو عمار فأذن لي، عندها قلت له: يا أبو عمار أمامك طريقان؛ إما أن يبتلعك الحزب السوري القومي الاجتماعي بهذا العدد من المقاتلين، أو أن تبتلعك "إسرائيل"، ويبدو أنك اخترت خيارك الثاني.

عندها وقف الأمين الجزيل الاحترام عبدالله سعادة رئيس الحزب وقال لأبو عمار: لقد انتهى الاجتماع. وغادر الضيف المنزل حاملاً معه صرامة الأمين سعادة في القضية القومية عموماً، وفي المسألة الفلسطينية بشكل خاص.

أعترف الآن أن كلمتي للختيار كانت قاسية جداً، وقسوتها أتتني من رؤيتي لملامح الرئيس الأمين سعادة، فحاولت بتلك الكلمات أن أمتص غضب حضرة الرئيس.

هوامش:

(1) الأمين رامز اليازجي: من بلدة مرمريتا. تولى في الحزب الكثير من المسؤوليات المحلية والمركزية، منها عمدة الداخلية. سننشر عنه نبذة في وقت لاحق.


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024