بين محفوظاتي الصادرة رقم 5/6/86 تاريخ 28/4/2018 الواردة من حضرة منفذ عام حمص الأمين نهاد سمعان، مرفق بها تقرير مديرية فيروزة، المتضمّن سيرة رفيق بطل كان يمكن أن يسقط شهيداً في أحد المعارك الكثيرة التي خاضها مع رفقائه الأبطال في صفوف نسور الزوبعة.
له، ولأمثاله من الرفقاء الملتزمين مناقب النهضة، نرفع التحية واثقين أنّ حزبنا الغني جداً بأمثاله، قادر أن يضمّ إلى صفوفه المزيد من أبناء أمتنا، المستنيرين من سعاده، يشع في الأمة حياة جديدة.
*
وُلد الرفيق وليم حلواني في صباح صيفي مشرق في السابع عشر من تموز لعام 1985 في قرية فيروزة بحمص، وحيد الأبوين اللذين كانا قد رُزقا بزهرتَين جميلتَين بكرهنّ غدير والثانية عبير. كان فرح والده هيثم ووالدته نعام مصيص كبيراً جداً بمجيء وليم وقد انتظراه كثيراً، ولم يبقَ الحال هكذا طويلاً حتى رُزقا بابنتيهما الثالثة رولا.
نشأ وليم وترعرع بكنف عائلة سورية أرضعته مع أخواته الثلاث حب الأرض وعشق الوطن، وعندما بلغ وليم عامه الحادي عشر، انتقلت العائلة كلها إلى المهجر لتحط رحالها في ولاية فلوريدا في شرق الولايات المتحدة الأميركية. في صيف عام 1996 لم تستطع أميركا بكلّ زهوتها محي أي أثر تركته سورية لدى وليم، فكان يعيش الصراع بين تعلّقه بوطنه وبين رغبته في التأقلم في هذه الأرض الجديدة، إضافة إلى ضرورة إكمال دراسته ومساعدة أهله في القدرة على مواجهة هذا الواقع الجديد والصعب.
لم يستطع الرفيق وليم إكمال دراسته، بل اضطر للتفرّغ للعمل مع والديه للتمكّن من المساعدة في سدّ العجز الحاصل في نفقات العائلة المتزايدة، خاصة وأنّ أبويه لم يكونا يملكان حين سافرا ما يساعدهم على تأسيس حياة أقرب ما تكون إلى الكريمة. بقي الحال على هذا المنوال من العمل المضني والشاق خمسة عشر عاماً، حصل خلالها أفراد العائلة على الجنسية الأميركية، إضافة إلى امتلاك مخزن لبيع المواد الغذائية والاستهلاكية.
عندما بدأت الأحداث السوداء في الكيان الشامي وفي ربيع عام 2011، وفي الوقت الذي كان بعض السوريين الضعفاء يتركون وطنهم هرباً من قوى الظلام والتكفير، قرّر الرفيق وليم الحضور للوطن، بعد أن أرّقه أخبار العنف المتزايد في حمص، اندفع مسرعاً إلى الوطن، فبقي تسعة أشهر قضاها في مساعدة أهل بلدته في السهر على حمايتها من كلّ خطر محتمل، واضطر بعدها للسفر لمساعدة الأهل الذين بدأت الشيخوخة تأكل أكلها فيهم، وبقي بالمهجر مدة سنتين يتصارع ما بين نداء الواجب للوطن، وضرورة بقائه مع عائلته التي أصبحت محتاجة له أكثر فأكثر.
في عام 2013، وعندما وصلت الأوضاع الكارثية في الكيان الشامي إلى حدّها، لم يستطع الرفيق وليم إلا أن يلبي نداء سورية الذي يتردّد صداه داخله كل صباح وكل مساء، فعاد إلى الوطن وانتمى للحزب السوري القومي الاجتماعي والتحق مباشرة بنسور الزوبعة، وحمل سلاحه متأبطاً غير آبه بكونه وحيداً أو معفىً من الخدمة الإلزامية، حاملاً روحه على كفه والبندقية في اليد الأخرى، وشارك مع قوات نسور الزوبعة في معارك "جبورين" و"كسب" و"باب هود"، وكان مثالاً للسوري القومي الاجتماعي.
في صيف 2015، وكان بلغ الثلاثين من العمر، تعرّف على زوجته السورية روزين غطاس، وعقدا قرانهما في شهر تشرين الأول من نفس العام.
بعد أن بدأت الأحوال الأمنية تتحسّن في صيف العام 2016، وبعد أن زادت مسؤولياته وأعباؤه، وزادت معها حاجة أهله في المهجر إلى وجوده معهم، قفل عائداً إلى فلوريدا في أيلول من ذلك العام.
وبعد حوالى الشهر من وصوله إلى أميركا، لم يستطع الرفيق وليم تحمّل وزر هذا القرار الذي اتّخذه مرغماً بالابتعاد عن حضن سوريا، فوافته المنية بشكل مفاجئ ونتيجة أزمة قلبية لم تعطِ الأطباء فرصة لإنقاذ هذا الشاب البطل ابن الواحد والثلاثين عاماً، ففارق الحياة بعيداً عن الأرض التي طالما تمنّى أن يرويها بدمائه الزكية والطاهرة، منهياً بذلك فصلاً من فصول البطولات التي صنعها سوريّون كثيرون كانوا مثلاً في الوطنية والشجاعة والتضحية.
|