كنا في زيارة لعيادة الرفيق الدكتور طلال خوري في دمشق زوجتي وأنا، وكنت أحمل له البطاقات التي قمت بتنفيذها في المكتب الإعلامي للحزب السوري القومي الاجتماعي في مكتب البناء، ساحة المرجة في دمشق، وكانت تحمل البطاقات صور الشهداء الرفقاء الأوائل في العمليات الإستشهادية ضدّ العدو اليهودي في جنوب لبنان، وجدي الصايغ وسناء محيدلي ومالك وهبي .. كل بطاقة تحمل صورة الشهيد وتاريخ ومكان العملية الإستشهادية وكلمة الزعيم سعاده:
"إنّ الدماء التي تجري في عروقنا وديعة الأمة فينا متى طلبتها وجدتها"
هذه العمليات الإستشهادية التي أحيّت في قلوبنا وقفة العز جعلتني أفكر في أن يتداول القوميون الاجتماعيون والمواطنون تلك البطاقات للتهنئة في المناسبات القومية بدلاً من صور لجوامع وكنائس وأثار تزخر بها المكتبات .
كنا نتحلق حول طاولة الدكتور خوري، غادة شقيقته وهدى زوجتي والدكتور وأنا، والبطاقات أمامنا فدخل علينا الرفيق السابق الأستاذ محمد مخلوف، (أبو رامي)، وشقيق السيدة الأولى زوجة السيد الرئيس حافظ الأسد، وقد جاء في زيارة طبية للعيادة، حيّانا بالتحية القومية ولفت نظره البطاقات سألته غادة: هل أعجبتك؟ أجابها إنها رائعة.
فقالت له: الأمين سمير قد انجزها وهو يبيع البطاقات الثلاثة بخمس وعشرين ليرة سورية.. قدمنا له المجموعة، وبعد أن أنهى زيارته الطبية حيّانا بالتحية القومية المتبدالة بيننا كلما التقيت به، ثم غادر العيادة وما هي إلاّ دقائق حتى عاد سائقه حاملاً مبلغ ثلاثماية ليرة سورية أي مئة ليرة ثمن كل بطاقة وكان المبلغ لا بأس به في العام 1985 عام الإستشهاد، قال لي السائق: أبو رامي بعث لك بهذا المبلغ مقابل البطاقات... أوقفته وأعدت له الباقي وأخذت من المبلغ خمسة وعشرين ليرة سورية فقط الثمن الذي حددته لها.
بعد يومين اتصل بي الأستاذ محمد ديب دعبول، (أبو سليم) مدير المكتب الخاص في القصر الجمهوري في الشام قائلاً لي: إنّ السيد الرئيس حافظ الأسد قد إطلع على البطاقات التي تحمل صور شهداء العمليات الإستشهادية وجدي ومالك وسناء، وقد أعجب بها لذلك أتمنى عليك أن تزودنا ببعضها وليكن ثلاثماية بطاقة تنفيذاً لأمر السيد الرئيس، وقد عرفت من الأستاذ دعبول أنّ محمد مخلوف هو الذي أطلع الرئيس الأسد عليها.
في اليوم التالي هيأت للقصر الجمهوري ثلاثماية بطاقة وبعثت بها مع الرفيق المراسل في مكتب البناء في دمشق (أبو فؤاد) بعد الإتصال بأبو سليم وإبلاغه عن إرسالها، وبعد دقائق أتاني هاتف القصر قال لي أبو سليم: استاذ سمير لقد وصلت البطاقات وأنا أنقل لك شكر السيد الرئيس عليها، ولكنك لم ترفقها بفاتورة تبين قيمتها !
صمتتُ لثواني قبل أن أجيب: أبو سليم نحن لا نبيع شهداءنا بل نقدمهم هدية وفاء وتحالف وعرفاناً بالموقف القومي للسيد الرئيس حافظ الأسد.. ولسوريانا .
وقد علمت فيما بعد من بعض زائري السيد الرئيس حافظ الأسد أنه كان يضع بطاقات العمليات الإستشهادية على طاولة الرئاسة في مكتبه الخاص في القصر الجمهوري.
|