هذه الدراسة عن بدايات العمل الحزبي في البقاع الأوسط كانت نُشرت في جريدة "البناء" في وقت سابق، وكان تقرّر صدورها في كتيّب إنما لم يتحقق ذلك لاسباب قد آتي على ذكرها في مناسبة لاحقة.
نقترح، لمن يرغب الإطلاع على المعلومات الكثيرة الواردة في الدراسة، أن يعود إلى الموقع التالي www.ssnp.info، فهو يحفظ، إلى الدراسة، الكثير من النبذات التي تغطي سير أمناء ورفقاء من منطقة البقاع الأوسط.
لمزيد من الفائدة ننشر نص الكلمة التي كان أعدها حضرة عميد الثقافة في حينه، الأمين ميشال نخلة.
*
تاريخ الحزب: سِيَر.. هل من عِبَر؟
كل كائن اجتماعي، فرداً كان أم جماعة أم مجتمعاً، بحاجة إلى وقفة تأمل في حقبة سلفت من مسيرته ليراجعها ويقيّمها ويستخلص منها العِبر تفادياً لتكرار الهفوات والوقوع في نفس الأخطاء في حقبة سوف تلي؛ أن تلتفت كل جماعة بشرية من فترة إلى أخرى أو عند كل منعطف، إلى الوراء، أمر ضروري لا بل حيوي.
تكثر الدراسات الاجتماعية في مجتمعاتنا الحديثة في محاولة منها لفهم ماضيها وواقعها، وذلك من أجل أن تخطط لمستقبل أفضل. تكثر الدراسات من كل نوع، الإحصائية منها والاقتصادية والاجتماعية، أو أي مجال آخر يشكل قلقاً لدى المجموع أو الجماعات التي تتكوّن منها الأمة.
وتشكّل الدراسات التاريخية إحدى أهم المجالات التي يتوقف عندها الباحثون لما يحمل التاريخ في طياته وتفاصيله من دروس وخبرات ترفد الذاكرة الجماعية بكل ما هو ضروري لفهم ما انصرم من الأزمنة وللتحضير للآتي منها.
لا تخرج الحركة السورية القومية الاجتماعية عن هذه القاعدة الكونية، فنجد القوميين الاجتماعيين أو البعض منهم الذين تقدموا في السن واكتنزوا الخبرات منكبين على كتابة مذكراتهم ووضعها بين أيدي القوميين الاجتماعيين وأبناء الأمة، فيحولوهم إلى شركاء لمعاناتهم واختباراتهم. ولكن هذه المحاولات أتت غير مكتملة ولا تفي بالغرض المطلوب من دراسة تاريخ هذا المجموع العظيم، لأنها ناتجة عن مسار وتجارب أفراد، كلّ كتب من منظوره مهما كان دورهم ومهما كانت أهميتهم في حركة النهضة.
حركتنا غنية بالأحداث التي تعاقبت عليها وجعلت منها علامة فارقة ورقماً صعباً في تاريخ الأمة والعالم والعربي الحديث. ليس هناك من حقبة أو مسار لم يكن فيه للحزب السوري القومي الاجتماعي دور أساسي وفاعل ومؤثر في مجريات الأحداث، مما يجعلنا نقرأ تاريخ أمتنا الحديث عبر قراءة تاريخ الحزب.
لقد أدّت لجنة تاريخ الحزب، بجهود الأمين المناضل لبيب ناصيف، دوراً أساسياً في مجال تنشيط وتفعيل الذاكرة الجماعية للنهضة القومية الاجتماعية، فنراه يُخرج إلى النور سير رفقاء وأحداث نسيتها الأكثرية الساحقة من القوميين الاجتماعيين، أو لم تسمع بها لشدة ما تعرّض له الحزب من اضطهاد ومحاولات إلغاء واقتلاع جذور، وما استتبع ذلك من إتلاف لوثائقه ومقتنياته وتفكيك لوحداته الحزبية المتحدية وتشريد لأعضائه.
الأمين لبيب الجزيل الاحترام ليس جديداً في هذا المجال، إذ كان يعمّم علينا، مذ كنا في منفذيات الطلبة في السبعينات من القرن الماضي، نصوصاً عن تاريخ الحزب وعن أحداث شارك فيها الحزب وعن بطولات القوميين الاجتماعيين، خصوصاً في فلسطين السليبة. لقد دأب هذا القومي المنكب بلا كلل ولا ملل منذ ما قبل الخروج من الأسر عام 1970 على تجميع وإنقاذ تاريخ الحركة، وعلى السعي إلى بناء وإذكاء ذاكرتنا الجماعية – التاريخية كدروس وكعنصر محفّز على النضال. لقد كان هاجسه الدائم جمع ما تيسّر وما توفّر من تاريخ الحزب، وقد انبرى لهذه المهمة وانكبّ عليها بشكل دؤوب، ولن نستطيع أن نفيه حقه مهما قلنا في هذا الصدد.
ولكن ما أنجز حتى اليوم لا يشكّل إلا المرحلة الأولى من العمل التاريخي ومن تكوين الذاكرة الجماعية. إنها المرحلة الوصفية، أي مرحلة السرد التاريخي وتجميع المعطيات والمعلومات التي تشكّل حجر الزاوية للتحليل التاريخي الذي يجب أن يليها. إنّ المادة الأولية التي تجمعها بكثافة وغزارة لجنة تاريخ الحزب، رغم الإمكانيات الضئيلة المتوفرة لها، وتعممها على القوميين الاجتماعيين، يجب أن تشكّل حافزاً لانكبابهم على تاريخهم وإشباعه درساً وتمحيصاً وتحليلاً في محاولة لاستخراج العبر والدروس منه.
لقد قامت حتى اليوم لجنة تاريخ الحزب، ضمن صلاحياتها المنصوص عليها في مرسوم إنشائها بجمع السير، فهل من يحوّلها إلى عِبر؟
دعوتي هذه هي تحدٍّ للقوميين الاجتماعيين أن تعلّموا من تاريخ نهضتكم التي لا توازيها حركة في التاريخ الحديث، لا من التطلعات ولا من حيث التحديات ولا من حيث المزايا النضالية ولا من حيث التضحيات.
أيها السوريون القوميون الاجتماعيون برّوا بتاريخكم!
|