في نبذات سابقة تحدثت عن المحاضرة التي كان قدمها الطالب الجامعي الرفيق بسام شلهوب في بداية الستينات، أي بعد عدة اشهر من حصول المحاولة الانقلابية، بدوره تحدث عنها الرفيق الباحث يوسف المسمار بعد ان اطلع على ما كنت نشرته. نقترح مراجعة موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية www.ssnp.info ، لمن يرغب قراءة ما أشرتُ إليه آنفاً.
*
كنتُ وعدتُ الأمين د. بسام أن أؤمن له نسخة مصوّرة من أطروحته، ووعدتُ أيضاً شقيقه المواطن الصديق سليم وعقيلته الرفيقة حياة الحاج شلهوب، إلّا أنّ الأمين بسام وقد استقرّ في منطقة أدما، متولياً مسؤولية منفذ عام كسروان، لم يتمكّن من زيارة المركز لتسلّم الأطروحة المُشار إليها، ثمّ أتت إصابته بالمرض العُضال لتحول دون متابعة للموضوع أعلاه.
وفاءً مني، وتجسيداً لما أشعر به من أواصر الودّ والتقدير للأمين الراحل الدكتور بسام شلهوب، ولمصلحة تاريخ الحزب أنشر أطروحته كما هي.
*
هذه الملاحظة وردت في مقدمة المحاضرة:
هذه العُجالة مهما طالت لا تختصر رأياً في الحزب السوري القومي الاجتماعي
دون أن تسيء إلى حقيقة الحزب وسعة مضامينه، فليؤخذ هذا بعين الاعتبار
لمحة تاريخية
تأسّس الحزب السوري القومي الاجتماعي عام 1932 بتعاقد تمّ بين الشارع، صاحب الدعوة، سعاده، والمقبلين على الدعوة من الذين آمنوا بالعقيدة القومية الاجتماعية.
بقي الحزب سريّاً إلى أن افتضحت سلطات الانتداب الفرنسي أمره عام 1935، وزجّت بزعيمه وكبار المسؤولين في الإدارة العليا في السجون، قدّمتهم إلى المحكمة الفرنسية – المختلطة – بتهمتَين رئيسيّتَين هما مناهضة الانتداب الفرنسي، والتعرّض لسيادة لبنان ووحدة لبنان.
كان الأستاذ حميد فرنجية أول محامٍ تولّى الدفاع عن الحزب في أول مواجهة حقوقية قومية لسلطات الانتداب حقّقها الحزب وزعيمه.
قال سعاده يومها في المحكمة المختلطة، مشدّداً على رغبته في الدفاع عن حزبه باللغة العربية، بالرغم من أنه يجيد ست لغات كتابة وخطابة:
• لم ينشأ الحزب السوري القومي الاجتماعي خصيصاً لمكافحة الانتداب، ولكن إذا كانت الحركات القومية تحارب الانتداب، فإنّ ذلك من طبيعة الانتداب، ومن طبيعة الحركات القومية.
وقال ردّاً على التهمة الثانية:
• إنّ التعرّض لوحدة البلاد الجغرافيّة، ولسيادتها القومية قد تمّ بالفعل في لوزان، في معاهدة سايكس بيكو الجائرة... لا هنا.
وحُكم على الزعيم بالسجن ستة أشهر، خرج بعدها ليتابع علانية نشر العقيدة القومية الاجتماعية، وتأسيس الحزب.
عام 1936، تمّ الاعتقال الثاني على أيدي السلطات الفرنسية وبعض رجال الإقطاع والطائفية المتعاونين مع السلطات الفرنسية.
ودخل سعاده السجن ثانية مع رجاله، ليخرج منه أكثر تصميماً على العمل، وأكثر إيماناً بالنجاح.
لقد كانت الاعتقالات الأولى، أولى الانتصارات التي حقّقها العمل النهضوي الذي انتدب سعاده نفسه له: من أجل قضية واضحة شاملة، تساوي وجوده، كان الشباب القومي يدخل السجن ويعرّض نفسه "للمهانة" ومصالحه للبوار.
كان الإيمان بالعقيدة القومية الاجتماعية يومها، بالنظر إلى الأوضاع الاجتماعية التي خلفها الاستعمار العثماني خلفه، وبالنظر إلى الانحلال المناقبي والعصبيات الجزئية المتخلفة، كالعشائرية والطائفية والسلالية، وبالنظر إلى تحكّم النظرة الفردية المؤسسة على الأنانية الفردية الهدّامة... نقول، كان الإيمان بالعقيدة القومية الاجتماعية ضرباً من طلب المُحال.
"هل تعتقد يا أستاذ أنطون سعاده أنّ بإمكانك أن تجمع خمسة مواطنين على مثل هذه المبادئ؟".
هذا السؤال طرحه على زعيم الحزب، محاميه الأول، الذي أوكل إليه أمر الدفاع عنه أمام المحكمة المختلطة.
أية مغامرة كان إذن مجرّد الدخول في الحزب؟
أية بطولة كانت إذن تتمثّل في ذلك الجيل من الشباب الذي بدأ النضال القومي، مؤمناً دون جزاء، ومجاناً دون وعد بنصر قريب؟
إنها الحركات الثورية المحيية، تبعث النور من الظلمة، والحياة من الرّفاة.
لم يكن سعاده زعيم حزب سياسي عادي، كمعظم الأحزاب السياسية التي نشأت من تراكم عدد من ذوي المطالب أو الغايات، أو الأمراض الخاصة، تدفعهم إلى التلاقي مصلحة في التلاقي... بل كان زعيم حركة فكرية عقدية ذات أبعاد إنسانية واسعة تتمايز المعطى المباشر كما هو حاصل أو مترسّب في وجودنا السياسي، إلى المعطى الكامن في أعماق وجودنا القومي: إلى شخصيتنا، ومواهبنا، ومزايانا الأصيلة، وحياتنا في مختلف مناحي نضالنا، وإلى مصيرنا.
عام 1939 سافر سعاده إلى أوروبا فأميركا. كان ضغط سلطات الانتداب قد بلغ ذروته، والعالم على شفير الحرب العالمية الثانية، والحزب يتسع وينمو في بيروت وطرابلس، ودمشق وعمان والقدس بذور فكر جديد، وفروع وجود سياسي جديد، يحتلّ مكانه في فضاء بلادنا المضطرب.
وكان سعاده قد صمّم على السفر إلى المهاجر، ليؤسس الحزب في أوساط المهاجرين، وكان الهجرة مركب كل طالب ثروة، والبلاد تخلّف وطغيان وفقر.
وما أن وطئت قدمه أرض كولومبس، حتى حاكت القوى الرجعية حوله شباكها، فأوقعت به، غدراً في قبضة حاكم الريو دي جنيرو، فسجنته السلطة البرازيلية، ثمّ ما لبثت أن أفرجت عنه مبرّرة اعتقالها إياه بأن مصدر الدّس مواطنوه.
ونشبت الحرب، وبقي سعاده في المهجر يعمل ويؤسس فروعاً لحزبه في أرجاء أميركا الجنوبية والوسطى الشمالية حتى عام 1947، فعاد إلى الوطن.
الحكومة اللبنانية تمنع دخوله، وهو ينتظر في القاهرة حتى حصوله على جواز سفر بِاسم أنطون مجاعص، الدولة تخدع نفسها، أنطون سعاده يُمنع من الدخول بِاسم أنطون سعاده. هو أصلاً من آل مجاعص من الشوير.
سعادة في مطار بيروت، في 2 آذار 1947 يُلقي خطابه الذي يبدأ بهذه العبارة: "كلمتي إليكم أيها القوميون الاجتماعيون هي العودة إلى ساحة الجهاد".
بغياب سعاده عن الوطن، نشأت فروع المهاجر التي ستكون دائماً ركيزة معنوية ومادية عظيمة القيمة في حياة الحزب، وأثناء غيابه كان الحزب يناضل الفرنسيين.
عام 1943، حالف الحزب الوطنيين وكان طليعة القوى المناضلة من أجل الاستقلال. شهيد الاستقلال الأوحد، الذي تحمل اسمه كتب التاريخ المدرّسة حالياً في المدارس، هو عضو في الحزب السوري القومي الاجتماعي، إنه شهيد بشامون سعيد فخر الدين.. كان سعيد في مهمة حزبية.
ولم تنته مهمة الحزب بعد زوال الانتداب، ألم يقل سعاده في المحكمة المختلطة إنّ الحزب لم ينشأ خصيصاً لمحاربة الانتداب، حتى إذا ما ذهب الانتداب ذهب الحزب معه؟
بل إنّ العمل القومي، بعد نوال الاستقلال، سيتضاعف، بالنظر إلى المسؤوليات الكبرى التي يفرضها الاستقلال على الشعوب المتحررة حديثاً من نير الاستعمار.
لقد ترك لنا الفرنسيون، ومن قبلهم العثمانيون، في سياق عصور من الانحطاط والغفلة القومية، إرثاً عائلياً خليطاً من الثقافات المتحجرة في مجموعة من الجماعات الدينية السلالية المنحدرة من أزمان متباعدة في القِدم، كما تركوا لنا قوانين وأعرافاً ومفاهيم بعيدة جداً من أن تكون أدوات صالحة لبناء دولة، وبناء حياة أمة.
وغرض الحزب هو بعث نهضة، لا إنشاء تكتّل سياسي، والعمل النهضوي يستهدف الثقافة والقوانين والمفاهيم، لأنّ السياسة بذاتها لا يمكن أن تكون عملاً قومياً. السياسة، من حيث هي فن، هي فن بلوغ الأغراض القومية.
بعد الاستقلال والحرب، يعود سعاده ليطهّر حزبه من الخونة، وضعيفي الإيمان، والفضوليين، لينطلق من جديد حركة اجتماعية بنّاءة، في أوساط الطلاب وأصحاب المهن الحرّة وسائر منتجي الأمة، حرباً على الإقطاع السياسي والأرضي، وعلى العشائرية، وعلى الطائفية... حرباً لا هوادة فيها ولا مساومة.
كانت تلك الحرب، حقاً، افتتاحاً بطولياً لعهد العمل القومي المؤسسة على النظام. النظام، يقول سعاده، هو نظام الفكر والنهج، ونظام الشكل الذي يتحقق فيه الفكر والنهج.
بدأت فترة عام 1947 بمذكرة توقيف أصدرتها الحكومة في 2 آذار 1947، والزعيم لا يزال في مطار خلدة، بين رجاله يتكلّم.
سُحبت المذكرة بعد ستة أشهر، وأُعيد الترخيص لجريدة الحزب بالصدور بعد تعطيل دام الفترة نفسها.
اشترك الحزب في انتخابات أيار 1947 المعروفة، ففشل مرشّحوه. وأطلّ عام النكبة حاملاً الدمار والعار.
سعاده ينظّم حزبه ليشترك في عراك فلسطين، يُصدر البيان الأزرق الذي يتحوّل فيه نُظّار التدريب إلى أُمّار مناطق، والأعضاء إلى جنود قتال، بقيادة مدرّبي المديريات، الحزب يطلب السلاح بإلحاح، الجواب: لا سلاح للقوميين.
فرقة واحدة من مائتي قومي تقاتل في منطقة حيفا. سعيد العاص يسقط في ساحة الشرف فيلفلف بعلم الحزب... شهيداً قومياً، ويسقط معه رفقاؤه: الإيمان وفير، والسلاح قليل، والمؤن نادرة... ولا سبيل إلى القتال، بل إلى الموت.
في بيان آخر، يوضح زعيم الحزب موقف الذين باعوا فلسطين من الحزب، وموقف الحزب منهم: إنهم، كما أسماهم سعاده، يهود الداخل. إنّ أشدّ الأخطار على أمتنا هي الأخطار الداخلية، هكذا راح يعلّم.
وفي ذلك البيان، يُصدر الزعيم أمراً إلى رجاله يسمح لهم بالانضمام إلى الفرق المقاتلة في فلسطين.
معركة تل مشمار هايردن خاضها الحزب برجاله، قادة وجنوداً. كانت النكبة محرّكاً للجميع. أما بالنسبة إلى سعاده، فلقد كانت نتيجة حتمية لتراخي الأمة، وتفسّخها المعنوي، وتخلّفها.
كان في السادسة عشر من عمره يوم كتب عام 1920، في المجلة التي كان والده في تحريرها: " إذا لم تنشأ قوة قومية منظّمة لتقف في وجه الخطط التي وضعتها الصهيونية العالمية المنظمة لاحتلال القسم الجنوبي من وطننا، فإنّ اليهود سيتمكّنون من إنشاء وطن قومي لهم في فلسطين، ومن يعش يرَ".
النظام: فكراً ونهجاً وشكلاً تتحقق فيه القوة القومية، هذا هو الوصف الأجلى لردّ فعل النكبة في نفس سعاده.
عام 1948، ألقى محاضراته العشر في طلاب الجامعات. وفي المحاضرة الأولى أعلن عن أنه وجد، بعد عودته، أنّ انتشار الحزب كان انتشاراً أفقياً، ودعا إلى تفهّم عقيدة الحزب، وإلى فهم تاريخ الحزب الذي هو التحقق العملي لفلسفته.
وكان بديهياً أن يؤلّب تعليم سعاده الرجعة بجميع مظاهرها على الحزب وعلى زعيمه، فكانت تتلاقى في كفاح الحزب الأحزاب الطائفية والتكتلات الإقطاعية، والإقطاع الديني، ليقينها من أنّ الحزب خطر عليها.
أوليس من مفارقات نظامنا الكبرى أن يرى حزب طائفي استمرار وجوده في حزب طائفي نقيض؟ وأن يقتنع تكتّل إقطاعي بأن سرّ قوته هو التكتّل الإقطاعي الخصم؟
إنّه النظام الفاسد الذي تأسس على التسوية: لبنان ملتقى أقليات، وجماعات دينية. استقراره ميزان القوى الرجعية المتصارعة على امتيازات الدولة، القوى الجديدة لا محل لها في الميزان، لا تدخل في التسوية. الحزب السوري القومي الاجتماعي في لبنان، لهذا السبب، وجود سياسي نافر، إنّه خارج عن ميزان الاستقرار، لأنه لا يدخل في التسوية، لم يكن من مبررات وجود لبنان، فكيف يكون من مقوّمات الحكم فيه. وكذلك، حتى عهد قريب، سائر الأحزاب الحركية العقائدية. إنها ملغاة، محارَبة، غير معترَف بوجودها.
موت سعاده، كان منطقاً رجعياً سليماً لو أنّ الحركة التي أنشأها جسم حيواني، إذا بُتر الرأس منه مات. موت سعاده كان حادثاً خطيراً لأنه زعيم حركة فكرية سياسية جديدة، والحركات الفكرية لا تموت بموت باعثها، بل تموت بفشلها في صعيد التطبيق العملي. وكان لا بدّ من موته، باعتبار قاعدة ميزان التسوية.
لم يمت سعاده باعتبار امتداد وجوده حركة فاعلة في صميم المجتمع:
البذور الثورية الجديدة تنمو باضطراد، والفرع تمتدّ في سمائنا الصاخبة، تقاوم، وتتقصّف، ولكن لا تنحني، ولا تيبس ولا تضمحلّ.
الظاهر أنّ سعاده سقط من أجل عقيدته، والحقيقة أنّه قُتل لأنهم قتلوه، والدافع إلى قتله هذا التحدي الذي أوجده حزبه في وجودنا السياسي، في الصعيدَين الخارجي والداخلي.
في الصعيد الداخلي: لقد أشعل الرجل الحرب على الرجعة والرجعيين، وهو خصم عنيد لا يسكت بوزارة، ولا يخضع لإكراه أو إغراء. يرفض مكاناً مقدّماً له في تشكيلة الحكم التي تبدو وكأنها تواطؤ كبير على الشعب على تقدمه وحريته وكرامته.
وفي الصعيد الخارجي: لقد أعلن الرجل عن أن الحرب مع "إسرائيل"، والقوى الاستعمارية التي أوجدتها حرب لا يمكن أن تنتهي بغير انتصارنا أو انقراضنا.
ومنذ عام 1948، وحتى اليوم، كانت سياسة "إسرائيل" فرض الصلح بالاعتداء والتوسّع، كما كانت سياسة بريطانيا وأميركا وفرنسا فرض الصلح بكل وسيلة.
الحركة القومية الاجتماعية قوة عنيدة لا بدّ من شلّها لتحقيق الصلح – الاعتراف: سعاده لا بدّ من إزاحته.
عبد الإله، الوصيّ على عرش العراق، فاروق، الملك عبدالله، ركائز استعمارية في الشرق الغربي، هؤلاء تدخّلوا لدى حسني الزعيم، فأسلمه لسلطات لبنان التي حاكمته بالتهمة إياها: تعريض وحدة البلاد وسيادتها. وحكمت عليه، ونفّذت فيه في الثامن من تموز عام 1949، في مدى يقلّ عن أربع وعشرين ساعة.
أحداث كبيرة توالت:
- سقوط انقلاب حسني الزعيم على أيدي عدد من الضباط القوميين في دمشق، تلاه عدد من الانقلابات العسكرية.
- عودة الحزب إلى العمل في لبنان ومشاركته في المعارضة الشعبية لعهد بشارة الخوري، وسقوط هذا العهد بعد مهرجان دير القمر الذي تمثّل الحزب فيه بصفوف منظمة عام 1952.
- اغتيال عدنان المالكي برصاص أحد أعضاء الحزب، مكلفاً من قِبل رئيسه، ممّا سبب حرق مكاتب الحزب، ومطاردة أعضائه، وإعدام اثنين منهم.
- محاكمة حزبية لرئيس الحزب بعد إقالته بتهمة إساءة استعمال السلطات الحزبية، وطرده من الحزب مع عدد من المتأثرين به.
- أزمة الحكم في دمشق تدفع بالسوريين إلى طلب الوحدة مع مصر.
- توسّع الناصرية عربياً بعد الاعتداء الثلاثي الآثم على حق المصريين في قناة السويس، وقيام الجمهورية العربية المتحدة.
- أحداث لبنان عام 1957، باضطراب ميزان القوى، وبسبب تجاوز التسوية، وبفعل تدخّل الأحداث الخارجية في إذكاء الاضطراب الناتج عن فقدان توازن القوى.
- اشتراك الحزب في هذه الأحداث بقوى مسلحة إلى جانب الشرعية، مع قوى الجيش والدرك.
- محاولة الانقلاب الفاشلة عام 1962.
المؤسسات الدستورية
نشأ الحزب، كما أسلفنا، بتعاقد تمّ بين الشارع صاحب الدعوة إلى العقيدة السورية القومية الاجتماعية والمقبلين على الدعوة. (مقدمة الدستور).
سعاده، إذن، شارع وصاحب دعوة. وأعضاء الحزب، هم المقبلون على الدعوة المتعاقدون مع سعادة.
لم يمكن أن يكون للحزب شارع آخر، شخص واحد أو مجموعة أشخاص يضعون المراسيم الدستورية التي بها تنشأ مؤسسات الحزب. فوجود شخص (أو هيئة) يضع التشاريع الحزبية، يفرض علينا حتماً الأخذ باستنتاجين:
الاستنتاج الأول:
الشخص الشارع هو حتماً عضو في الحزب (الهيئة مجموعة من الأعضاء).
الاستنتاج الثاني:
هذا العضو هو عضو في مؤسسة.
ولمّا كان هذا لا يمكن أن يكون ممكناً لعلّة استحالة المؤسسة، دون شارع، أو قبله، يكون علينا أن ننقاد لفكرة شارع أو مؤسس، تكون المؤسسة التي ستضمّ الأعضاء؛ إذ لا عضوية دون مؤسسة.
الشارع أو المؤسس شخص أو هيئة:
شخص يُسمّى مؤسس شارع، أو هيئة تُسمّى هيئة المؤسسين.
كان الشارع المؤسس للحزب السوري القومي الاجتماعي شخصاً لا هيئة، لأسباب رئيسية ثلاثة:
الأول: إنّ الحزب السوري القومي الاجتماعي لم يكن من حيث هو نظام فكر ونظام نهج ونظام شكل، بصفة مشتركة بين عدد من المفكرين والمخططين البُناة، بل كان بوصفه كذلك، في دماغ رجل واحد. ينبوع الفكر هو نفسه ينبوع الشكل الملائم لتحقيقه.
الثاني: إنّ كلّ شخص آخر مُقبل على الدعوة يجب أن يجد مؤسسة يتعاقد معها، ونظاماً يعمل به، ودستوراً يلزم أحكامه، وسلطة يخضع لها، ففي مثل هذا الإطار الحقوقي النظامي تمارَس العضوية وتكسب صفتها.
الثالث: إنّ الحركات الثورية الكبرى لا تنكشف أبعادها وأغراضها الكبيرة بسهولة لأتباعها، ورجال الفكر الكبار لا يطرحون فكرهم بشكل قطعي ونهائي في فترة زمنية محددة.
وباستقرائنا أعمال المعلمين الكبار في التاريخ، ندرك بسرعة أن مخزونهم الفكري أوسع بكثير من أن تتّسع حياتهم، وفترة بقائهم بين أتباعهم، له.
وتكاد الأفكار الجديدة الأولى تكون ألغازاً ومغالق يصعب فهمها، فكيف بإحيائها عملاً وتحقيقها وجوداً اجتماعياً فاعلاً؟
ولو أن المسألة مسألة (فكرة) عادية تعاقد معاً على تحقيقها، ومسألة نظام عام تعاقد معاً على العمل بأحكامه وموجباته... لكان سهلاً جداً على سعاده أن يوضح (فكرته) و(نظام حزبه) لعدد من المواطنين، ويدعوهم إلى تأسيس المؤسسة، ويكون هو واحداً منهم. مثل هذا ممكن لإنشاء مصرف، أو تكتل برلماني من مجموعة من المرشحين الدائمين للنيابة والوزارة. في مثل هذين المثلين، كما هو واضح، الفكرة بسيطة والمؤسسة مثلها بسيطة، غير أنّ المسألة هي مسألة فكرة شاملة تتناول الحياة القومية في مختلف عواملها ومظاهرها ومعاني النشاط البشري فيها، ومسألة نظام دقيق، وصارم، يتحقق فيه، وبه، التمثّل السليم للعقيدة، والعمل السليم لها.
وشأن جميع معلمي التاريخ، قضى سعاده حياته يشرح قضيته ويوضحها بقلمه، وخطبه، وعمله.
انتهت فترة وجوده بين أتباعه، ولم ينته. لعلّ موته البطولي كان آخر درس أعطاه.
بل إنّ أتباعه يؤكدون أنهم لا يزالون حتى اليوم، ينهلون من تراثه، وهم يكادون لا يستوعبون هذا التراث كله، فهم لا ينكبون عليه، طلاباً ومثقفين ورجال فكر وسياسة واقتصاد، واجتماع، إلا ليخرجوا بيقين كبير من أنهم كانوا أمس أقل إدراكاً لأبعاد القضية القومية الاجتماعية من اليوم.
ومن يستطيع أن ينكر أنّ أفكار الرجال الكبار، تكون متناولاً هيّناً للناس؟
إزاء هذا كان سعاده هو الشارع، وكان تعاقد أتباعه معه، ولهذه الأسباب، كانت المؤسسة الأولى في الحزب السوري القومي الاجتماعي مؤسسة الزعامة. المقبلون على الدعوة يتعاقدون مع الزعيم، صاحب الفكرة، وصاحب السلطة.
أسمع الآن من يقول إنها الديكتاتورية في أقبح شكل. مهما يكن من أمر المبررات التي ذكرتها، والتي قد يجدها آخر سواي، فالدكتاتورية نظام فاسد، يرفضه الناس، وأرفضه أنا شخصياً أيضاً.
فهل كان سعاده ديكتاتوراً؟ وهل نظام حزبه نظام ديكتاتوري؟ وما هي هذه العقيدة التي لا تتحقق إلى في شكل قبيح كالدكتاتورية؟
لا، لا ديكتاتورية في الحزب السوري القومي الاجتماعي!
عام 1935 يوضح سعاده من السجن لمحاميه الأستاذ فرنجية، نظام حزبه بقوله: " ولقد جعلت نظام الحزب مركزياً تسلسلياً "هيارارشيا" لأتلافى التحزبات الداخلية، وعوامل الأنانية الفردية، والحزازات الشخصية، و.... وغيرها من مساوئ حياتنا الأخلاقية".
نظام الحزب السوري القومي الاجتماعي تسلسلي مركزي. إنّه الشكل الهرمي. تسألون عمّن في رأس الهرم؟
الجواب شقّان:
الشق الأول: الزعيم هو منبع السلطات التشريعية والتنفيذية، وهو كذلك مدى الحياة. ويجب أن نسجّل أن سقوط سعاده قد تمّ قبل أن يفرغ كلياً من إنشاء المؤسسات الحزبية، كما أنه سقط قبل أن يطبق فمه على آخر كلمة في عقيدته. ومعروف عنه أنه كان دائم الدرس والتأمل، كما كان دائماً يعمل، ويعلّم، ويشرح، ويوضح.
كما يجب أن نسجّل أنّه في المحاضرة الأولى التي ألقاها في طلاب الجامعات عام 1948، أعلن أنه وجد بعد عودته من مغتربه القسري أنّ انتشار العقيدة كان أفقياً، وأنّ النهضة تعني الجلاء والوضوح... والحق يُقال إنّ سعاده ألقى محاضراته العشر، وجعل إطارها طلاب الجامعات، خصيصاً ليبني أساساً عقائدياً متيناً لحزبه، ومن يعد إلى المحاضرات العشر يرى أنّ سعاده تناول فيها، كتيّب التعاليم الأولي – المبادئ الأولية لحزبه: المبادئ الأساسية الثمانية والمبادئ الإصلاحية الخمسة.
وليسجّل كذلك، أن الأستاذ نعمة ثابت، رئيس الحزب في غياب سعاده، قد طُرد من الحزب لقوله بـ"الواقع اللبناني". هذا القول الذي يعرف صغار أعضاء الحزب اليوم أنّه يتنافى مع القول بالواقع السوري، الذي هو نتيجة للقول بالواقع الطبيعي، والواقع الاجتماعي والواقع الجغرافي، المتحد الأكمل.
وكان على الزعيم كذلك، أن يطرد فايز صايغ لانحرافه الفكري، وهو عميد الثقافة في غيابه، كما كان عليه أن يطرد غسان تويني ويوسف الخال للاختلافات الفكرية التي سقطا ضحيّتها، أثناء غياب المعلّم، ولم يكن مصير الأستاذ أسد الأشقر ليكون مختلفاً، بعد أن أخذ بفكرة الإصلاح إلى حدّ أنّه اقتنع بوجوب التخلي عن فكرة القومية السورية نهائياً، فراح يكتب إلى سعاده في مغتربه قائلاً: "لو أن سعاده أنشأ في لبنان حزب الإصلاح اللبناني، وفي سوريا (الشام) حزب الإصلاح السوري، وفي الأردن، إلخ... لكان اليوم زعيم العالم العربي بلا منازع...
هذا الرجل استعاد إيمانه بوحدة القضية القومية الاجتماعية بعد عودة سعاده، بعد اجتماعه مرّات بالمعلم، إذ استعاد الرؤية الشاملة لقضيّتنا الاجتماعية في مشاكلها الأخلاقية والاقتصادية والسياسية والثقافية، فأعلن، كدت أن أسقط لولا العبقرية التي أعادت خلقي من جديد.
إنّ حاجة الحزب إلى العبقرية الخلاقة هي أعظم بكثير من حاجة الأستاذ أسد الأشقر إليها. رئيس الحزب، وعميد الثقافة فيه، وعدد كبير من رجال الفكر والأدب والفلسفة فيه، كانوا يتساقطون هنا وهناك على جوانب الطريق بضواغط مختلفة، وهم هم قادة الحزب في غياب الزعيم، فما هو إذن ضامن وحدة القضية القومية الاجتماعية، وضامن سلامة عقيدته؟
أليس هائلاً مثلاً أن نعرف أنّ قيادة الحزب، بغياب الزعيم، كانت في لبنان واقعة تحت كابوس الواقع اللبناني، وأنها ذهبت، بهذا الكابوس، إلى إقصاء فروع الحزب في الشام عن قيادته، بحيث يكون على الفروع الحزبية في الشام أن تؤسس قيادة ثانية للشام، وكذلك بالنسبة إلى الأردن، وفلسطين وسائر الكيانات الواقعة في المحيط الجغرافي السوري؟
ما هو إذن ضامن وحدة الحزب، ووحدة مؤسساته، في تلك الفترة التي كان فيها انتشار العقيدة أفقياً، والتي كان فيها انحراف أعضاء كبار في مستوى رئاسة وعمدة ثقافة ومجلس أعلى دليلاً كبيراً على حاجة الحزب إلى الدماغ المفكر المخطط الباني؟
قد يسأل سائل: أيكون سعاده وحده ضامن وحدة الحزب، ووحدة مؤسساته، فماذا تعملون بعد موته؟ وماذا عملتم؟
الجواب في سؤال آخر: أليس أكثر منطقياً أن يكون سعاده، مدة وجوده بين أتباعه، مدة وجوده على الأقل، هو صاحب السلطات التي تحسم كل نزاع، وتحدّ كل انحراف، وتُقصي كل عامل تخريب؟ ومن يستطيع أن يتصدّر نشوء مؤسسة جديدة خالصة من عوامل التفرقة، والتفسّخ، نظيفة من مساوئ الأخلاق، بعيدة كل البعد عن قواعد المحيط القومي الذي كان ولا يزال، بؤرة عصبيات طائفية عشائرية سلالية، بؤرة أنانيات، وخصوصيات وأطماع، وبؤرة أغراض خاصة تجرّ الأفراد إلى الانحراف؟
لعمري إنّ قيام مؤسسة خالصة من أمراضنا الاجتماعية وعاهاتنا النفسية، ومفاسدنا الأخلاقية وأنانياتنا، لأعجوبة عجيبة في الزمان الذي يبطن كلّ أعجوبة.
فلو أنّ سعاده جعل لحزبه نظاماً تمثيلياً ديمقراطياً، لما أمكنه بعد عودته من مغتربه القسري أن ينقذ حزبه من "الواقع اللبناني"، وأن يعيد توحيد حزبه الذي مزّقه هذا "الواقع" في رؤوس المنحرفين.
وهو لم يستطع، في كل حال، أن ينقذ حزبه لو أنه لم يمارس سلطات الزعامة، وغنيّ عن القول إنه يستحيل عليه أن يمارس سلطات الزعامة دون ولاء هؤلاء الأعضاء للزعامة، وهذا الولاء إراديّ واعٍ، مؤمن، لا قسريّ جبريّ عسكريّ.
الديكتاتورية نظام استبداد لا خيار فيه لأعضاء الدولة، إنهم يطيعون قسراً. زعامة سعاده ليست ديكتاتورية، لأنها زعامة تقوم على الولاء الإرادي الواعي المخلص المؤمن، لا على القوة العسكرية الغاشمة، وباطل ما كان يُشاع مِن أنّ مَن يترك الحزب يُقتَل.
هذا هو الشق الأول: على أنّ سعاده أنشأ مؤسساتٍ لحزبه، رأس الهرم في بناء حزبه المركزي التسلسلي هو المجلس الأعلى.
وهذا هو الشقّ الثاني:
لم يكن سعاده قبل موته قد أنهى المراسيم الدستورية، ولكنه كان قد وضع معظمها. المجلس الأعلى هو السلطة التشريعية. المجلس الأعلى ينتخب رئيس الحزب، رئيس الحزب هو منبع السلطة التنفيذية الممثلة في سائر السلطات الحزبية المتسلسلة بعضاً من بعض.
المجلس الأعلى ينتخب رئيساً للحزب، رئيس الحزب يعيّن معاونيه في الإدارة العُليا بمرسوم: المعاونون هم العمد، رؤساء إداريين لمؤسسة العمدات، كل عمدة مصلحة: عمدة الإذاعة، عمدة المال، عمدة الدفاع، عمدة الداخلية، عمدة الخارجية، عمدة القضاء، عمدة الثقافة... إلخ.
ورئيس الحزب يعيّن المسؤولين في المناطق: المنفذين، بمراسيم أيضاً، بعد اقتراح عمدة الداخلية. عميد الداخلية يعيّن المسؤولين في القرى والنواحي: المديرين، بقرارات، بعد اقتراح المنفذ العام. المنفذ العام يعيّن المسؤولين الفرعيين في القرى والنواحي بعد اقتراح المديرين.
مؤسسات الحزب هي:
المجلس الأعلى، رئاسة الحزب، العمدات، المنفذيات والمديريات.
يحقّ للرئيس أو للعميد، أو للمنفذ العام، أن يُنشئ أجهزة وإدارات، ومكاتب مختلفة، تبعاً لحاجاته وخططه، ولكن هذه لا تأخذ قيمة المؤسسة الحزبية إلا إذا صدرت بمرسوم دستوري يحدد شكلها وإطارها، وصلاحيات إدارييها، والمرسوم الدستوري عمل تشريعي من حقّ المجلس الأعلى.
من ينتخب المجلس الأعلى؟
ماتَ الزعيم قبل أن يضع مرسوم انتخاب المجلس الأعلى. كان يجب أن يترك ذلك المرسوم ليتوضّح الأساس الذي يجب أن يقوم عليه في سياق اختبارات العمل القومي. ماتَ بعد عودته بسنتَين فقط.
ولكنه ترك هذه العبارات في الدستور: المجلس الأعلى الدائم – المجلس الأعلى من الأمناء.
ومن هم الأمناء؟
إنّهم الأعضاء الذين نالوا رتبة الأمانة، وهي رتبة لا درجة، ولا مسؤولية، تُمنح لكلّ من قضى أكثر من خمس سنوات في الحزب مناضلاً بإيمان وشجاعة وبطولة، محقّقاً أعمالاً خارقة، معلناً عن إيمانه في أشدّ الظروف حراجة وشدّة، فاهماً بعمق مبادئ الحزب، وأعراض النهضة، مثالياً في سلوكه الخاص والعام... وغيرها من الصفات التي تبرزه عضواً ممتازاً في الحزب.
يقول الزعيم: المجلس الأعلى من الأمناء.
بعد موته، كان على الحركة أن تعلن عن حيويتها وقوّتها، وأن تتجاوز هذه الثغرة الدستورية الهامة التي تركها الزعيم قبل رحيله؛ فاجتمع الأمناء، وعددهم كان 16 فقط، وانتخبوا تسعة منهم ليكونوا أعضاء المجلس الأعلى الأول الذي انتُخب بعد موت سعاده، وانتخب المجلس الأعلى بدوره رئيساً للحزب.
وعكف المجلس الأعلى بعد ذلك على سدّ الثغرة الدستورية بوضع مرسوم انتخاب المجلس الأعلى، واستمرّ المجلس الأعلى في عمله التشريعي، وتتابعت المراسيم الدستورية التي كان الحزب يحتاجها بين حين وآخر.
ديكتاتورية لا، بل إنّ الحزب السوري القومي الاجتماعي هو الحزب الوحيد في الشرق كلّه الذي يحقّق الديمقراطية.
أيّ حزب في الشرق تناوب على رئاسته، في مدى سبعة عشر عاماً، ستة رؤساء؟
أيّ حزب في لبنان، غيّر رئيسه منذ نشوئه حتى اليوم؟
أستثني الحزب الشيوعي وحزب البعث، لأنني أجهل قيام السلطات فيهما، وأجهل لهما دستوراً ونظاماً داخلياً.
لقد تناوب على رئاسة الحرب السوري القومي الاجتماعي السادة التالية أسماؤهم:
جورج عبد المسيح: أُقيل عام 1956، وطُرد في تشرين عام 1957 لسببين: الأول إساءة استعمال السلطات الرئاسية بالتفرّد، وخروجه على النظام الحزبي بدعوة الأعضاء إلى التمرّد على السلطات الحزبية.
عصام المحايري: 1954.
مصطفى أرشيد: بقي رئيساً عدة شهور، أقعده المرض عن ممارسة سلطاته أكثر من 15 يوماً، فأُعفي، حسب الدستور، وانتُخب رئيس مكانه.
أسد الأشقر: عامَي 1957 – 1958.
عبدالله محسن: 1959 – 1960.
عبدالله سعادة: 1960 – 1961.
لا ديكتاتورية في الحزب القومي.
الأمناء هم، حسب شروط مرسوم الأمانة، صفوة القوميين، خيرة المناضلين، وأكثرهم وعياً وقدرة على الرؤية الصافية، إنهم أبعد من سواهم عن فواعل المحيط الموبوء بالعاهات النفسية، والمفاهيم العرجاء، والذهنيات الرجعية.
هناك، أجبنا عن سؤال بسؤال. السؤال إيّاه يطرح نفسه الآن:
ما هو ضامن وحدة القضية القومية الاجتماعية وضامن وحدة الحزب... بعد سعاده اليوم؟ (واغتراب الزعيم قسري ودائم؟!).
الجواب:
كان لا بدّ للحزب من أن يتعرّض لهزّات داخلية بعد موت زعيمه، والهزّة الكبرى كانت الهزّة الداخلية، كنتَ تسمع القوميين يهتفون، بعضهم في البعض الآخر: عودوا إلى سعاده، وكنتَ تراهم مشتبكين في حوار عنيف مداره العقيدة والنظام، وكان لا بدّ من موقف مبدئي تقفه السلطات الحزبية من العصيان الذي اتّخذ شكل الاتهام بالثورة. فأصدرت قراراتها بطرد الخارجين على النظام والدستور، بعد أن جعلت النظام والدستور حكماً.
كلّ مقبل على الدعوة يجيب على هذا السؤال بنعم:
هل تؤمن بأنّ نظام الحزب المركزي التسلسلي هو الضامن الوحيد لانتصار العقيدة السورية القومية الاجتماعية؟
هذا النظام هو الضامن الوحيد.
كان سعاده قبل موته، يجمع السلطتَين التنفيذية بالتشريعية، وبعد موته استمرّت سلطتا الزعيم في مؤسستَين: المجلس الأعلى والرئاسة، ومن هذه سائر السلطات التنفيذية.
دستور الحزب يمكن تعديله. يقترح المجلس الأعلى صورة التعديل الذي يقرَّر إجراؤه على إحدى المواد الدستورية، ويحلّ نفسه، ويُجرى انتخاب مجلس أعلى جديد من الأمناء، الهيئة الانتخابية، وهذا المجلس الجديد يقرّر التعديل أو يرفضه.
ومن يدري؟ قد يُجرى غداً تعديل الدستور، بحيث لا يكون الأمناء وحدهم هيئة انتخابية لانتخاب المجلس الأعلى.
وبعد، للتأكيد على ديكتاتورية الحزب، أرى واجباً عليّ التنويه بالمرسوم الدستوري عدد 2. مؤسسة المديريات هي التي تحضن أعضاء الحزب. كلّ عضو ينتسب إلى مديريته، المديرية في القرية هي الوحدة الحزبية التي تجمع أبناء القرية، حين يكون عدد أعضاء القرية أكثر من أربعين عضواً يقسّمون في مديريّتَين.
المرسوم الدستوري عدد اثنين، يقضي بإجراء انتخاب في القاعدة الحزبية، في مديريات الحزب. كلّ مديرية تنتخب لجنة تُسمّى لجنة المديرية. هذه اللجنة تشرف على عمل السلطة الحزبية في المديرية؛ أي لجنة المديرية تُشرف على عمل هيئة المديرية المؤلفة من المدير والناموس (أمين سر مدير مكتب) والمحصّل، والمذيع، والمدرّب.
اللجنة المنتخبة من القاعدة تشرف على عمل الهيئة المعيّنة من القمة. كل لجنة مديرية توفد عضواً إلى السلطة الحزبية في المنطقة، ليكون عضواً في لجنة المنطقة. لجنة المنطقة تشرف على عمل السلطة الحزبية. لجنة المنطقة المنتخبة من القاعدة، تشرف على عمل السلطة الحزبية المعيّنة من الرئيس والعمد، على عمل المنفذ العام ونظار الإذاعة والمال والتدريب.
كل منطقة توفِد عضواً أو اثنين إلى المركز، المركز هو مقام الرئاسة، مجلس العمد والمجلس الأعلى.
من مندوبي المناطق يتشكّل مجلس مركزي منتَخب من القاعدة، بالتسلسل، ليُشرف على أعمال مجلس العمد، ورئيس مجلس العمد.
المجلس الأعلى يُشرف على عمل الرئيس، يقيله، ويقبل استقالته، ويرفضها. والمجلس الأعلى يحاكم الأمناء، وهو الذي من حقه أن يقضي بطرد العضو، أيّاً كان.
هل كان ممكناً للحزب، في تاريخه الصاخب الدامي الذي يعرفه، أن يطبق المرسوم الدستوري عدد 2؟
الحقيقة أن لا.
على أنّ المرسوم الدستوري عدد 2، الذي يتطلب تطبيقه استقراراً سياسياً لا تسمح به ظروف حياتنا السياسية الصاخبة، سيكون، مع مفاهيم الحزب، وأفكاره، وفلسفته، تباشير الديمقراطية الأولى الحقيقية في فجر حياتنا الجديدة.
الحزب السوري القومي الاجتماعي يقول بسورية الجغرافيّة مدىً حيوياً واحداً لأمة واحدة انطلاقاً من تحديد علميّ للأمة والقومية، ومن معرفة الواقع الاجتماعي الذي انبثق في التاريخ من وحدة حياة الشعب المقيم في سورية الجغرافية، هذه الوحدة المتكاملة إثنياً وثقافياً وجغرافيّاً واقتصادياً، واستراتيجياً مصيرياً.
في ضوء هذه النظرة العلمية للواقع القومي الطبيعي، يرى الحزب الأمة مجتمعاً واحداً، والمجتمع المتحد الإنساني الأكمل، (أكمل من متحد العائلة، أو القرية، أو المدينة، أو المنطقة) ويرى العالم واقع مجتمعات إنسانية متمايزة.
الوجود الإنساني الأكمل هو الوجود القومي. فالقومية عصبية الأمة وتنبُّهها لوحدة حياتها ومصيرها ومصالحها. والقومية في الحزب السوري القومي الاجتماعي، اجتماعية، أساسها وحدة المجتمع من حيث هو واقع حياة مشتركة، مستمرة. القومية هنا اجتماعية، ترفض الأساس العرقي، والأساس اللغوي، والأساس الديني، والأساس المذهبي... وتذهب، في تحققها الوجداني الأخلاقي إلى إنشاء عقلية أخلاقية جديدة تُملي على أصحابها الولاء القومي، والنهج القومي، وتلغي في ذوات أتباعها كل أثر للولاءات الرجعية الموروثة، فلا ولاء لطائفة، ولا ولاء لإقطاع، ولا ولاء لعشيرة، ولا ولاء لمصلحة غير مصلحة الأمة والوطن.
اجتماعية العقيدة القومية الاجتماعية تقدّم لنا المخرج التاريخي الأرقى، إنها الـسينتيز" التي يتوحّد فيها الشعب كلّه، بجميع عناصره الدينية والمذهبية والعرقية.
اجتماعية العقيدة هي المخرج التاريخي للسرياني والآشوري والأرمني، والكردي، والرومي، كما هي المخرج التاريخي للجماعات الدينية المتحجرة عبر أزمان الانحطاط، كما هي المخرج التاريخي للذين يشعرون، اليوم، وفي هذا العصر، بأنهم مقلوعون، بلا جذور، لأنهم لم يجدوا لأنفسهم انتماءً وسط هذه الانتماءات الجزئية الرجعية المخيفة التي تفسخ حياتنا الاجتماعية، وتهدم بنيانها.
واجتماعية العقيدة هي أيضاً المخرج التاريخي للآثار التاريخية التطامعية التي خلفها تاريخنا القريب والبعيد في شخصيتنا الاجتماعية والثقافية؛ إنها تلغي استمرار الصراع التاريخي بين العرب وبقايا الروم والمردة، وتلغي الصراع التاريخي بين الأمويين والعباسيين، وبين الدروز والموارنة. وهي، هذه الاجتماعية، تقدم الانتماء القومي للعناصر المحافظة على عرقيّتها وثقافاتها المستمرة معها بحكم ضعف طاقة الأمة الهاضمة، وتعطيل فعالياتها بالتجزئة والطغيان والدسائس والسياسات الغبية الرجعية.
وبفعل اجتماعية القومية التي يؤمن بها القوميون، تنتهي الأكثريات والأقليات، والعصبيات الجزئية، وتنشأ الرابطة الحضارية الجديدة، رابطة الأخوة القومية، التي هي خير أساس للمواطنة الحقة، لا ميثاق وطني يجعل لقاء الجماعات لقاءً اقتتالياً في الدولة، ولا وحدة وطنية قوامها لقاء القيادات الشعبية الرجعية، بل مواطنة يشعر فيها المواطن القومي أنه عضو في الدولة القومية، وجزء من المجتمع القومي.
وعلى هذا الفهم للمواطنة الحقيقية تنشأ العلاقة بين الفرد والدولة.
ولاجتماعية العقيدة القومية الاجتماعية أبعاد لا محدودة:
في الفلسفة: القيم الاجتماعية مصدرها المجتمع، وهو الحيّز الذي تنكشف فيه النفس الإنسانية، وهو الحيّز الذي تتطوّر فيه معانيها وتنكشف فيه آفاقها للعقل الإنساني. والمجتمع مآلها أيضاً، فهي تنعكس فيه، جمالاً وحقاً وخيراً وعدالة، وهي تتجسّد فيه رقيّاً وفنّاً وغنىً وسعادة.
في الاقتصاد: الرأسمال قومي، لا يتحرّك تلقائياً لأغراض فردية خاصة، ولا يتصرّف به ضدّ مصلحة المجتمع والدولة، بل يتحرك بوعي وثقة في حدود الخطط الموضوعة للنموّ الاقتصادي العام تحت إشراف الدولة، خاضعاً لتشاريعها المالية والصناعية والزراعية والتجارية. وهو يكتسب صفة القومية هذه من حياته في النظام القومي، وهو بهذا النظام يفقد الصفة الفردية الجشعة، لأنه يفقد كونه أداة سلبية خارجة على مصلحة المجتمع، يتسلّط بها الأفراد على الأفراد، ويتسلّطون بها على الدولة ومقادير البلاد.
ولا يجب أن يعني ذلك قطعاً تأميم الرساميل الموجودة بين أيدي الأفراد، بل إخضاعها للنظام القومي الضابط، الموجّه، لأنّ الرأسمال في الأخير، هو حصيلة الإنتاج العام، فهو ملك عام، ويجب أن يخضع لإشراف الدولة وضبطها...
والنظام القومي لا يلغي الملكية الفردية، لأنه يؤمن بالمبادرة الفردية والحوافز النفسية الفردية، وهو، رغم ذلك، لا يؤمن بالفوضى، بل بالعلم والفن والتخطيط، والدولة القومية المنظمة تستطيع أن توفر طاقة علمية وفنية وتخطيطية لصيانة مصير الثروات الفردية التي هي في الأخير ملك قومي عام. فالنظام القومي هو ضامن الثروات نحو القومية، وهو ضامن مصلحة الأمة والدولة من قيام الأفراد على هذه الثروات.
أين نحن من اليمين واليسار هنا؟؟
لا تحديد علمي واضح لليمين ولليسار، ليمكن تحديد مركزنا منهما بوضوح. اليسار النظري في العالم، اليسار الماركسي مثلاً، يتجاوز الواقع القومي. القومية الاجتماعية هنا أقصى اليمين.
ألا يبدو واضحاً أن الماركسية لم تتجاوز، حيث تحققت، الواقع القومي، بل تراجعت عن يساريّتها في هذا الشأن؟
واليمين النظري في العالم، اليمين الأوروبي المتزمّت، يرفض فكرة الحرية، والعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص. القومية الاجتماعية هنا أقصى اليسار.
النظام القومي لا يُلغي عملياً الملكية الفردية، ولكن الملكية الفردية ليست حقاً طبيعياً، ولا هي بحقّ غيبي طوطمي، بل هي ملكية ذات صفة اجتماعية، فالأفراد قيّمون على ثرواتهم، والتي تبقى ملكاً عامّاً، لأنها حصيلة الإنتاج القومي العام، والدولة تستطيع أن تلغي هذه الملكية حين يسيء الأفراد التصرّف بقيمومتهم عليها، ضدّ مصلحة الدولة والأمة، فكما يحقّ للدولة في كلّ نظام في العالم مصادرة أملاك الخائن الذي أساء إلى مجتمعه، كذلك يكون للدولة في النظام القومي نزع قيمومة الأفراد عن الثروات القومية التي في عهدتهم إذا هم أساؤوا استعمالها، أو أهملوها فأساؤوا إلى النموّ القومي العام بذلك.
ألا نرى واضحاً أن أقصى اليمين، الرأسمالية الأميركية مثلاً، قد تراجعت عن حرية الأفراد المطلقة وحقهم المطلق في التصرّف بثرواتهم، فأخضعت هذه الثروات، شيئاً فشيئاً، لقوانين الدولة ومشاريعها؟
أوردت هذين المثلين لا لأمركز العقيدة القومية الاجتماعية من اليسار واليمين، بل لأعيّن ما تقبله هذه العقيدة ممّا يُسمّى يساراً، ولما ترفضه، وما تقبله ممّا يسمّى يميناً وما ترفضه. وهل تحتاج إلى تكرار القول إنّ اليسار واليمين لا تحديد علمي ثابت واضح لهما في العالم.
على أنّ العقيدة القومية الاجتماعية اتجاه تقدّمي في الحياة؛ إنها تحارب أنظمة الحياة القديمة، الإقطاع والقبلية، وأنماط الحياة الزراعية المتخلفة، وهي تتوق إلى تنمية الاقتصاد القومي العام بإركازه إلى فنون الإنتاج الحديثة، وفي طليعتها الصناعة الحديثة، وهي من هنا، تذهب إلى تنظيم الاقتصاد القومي على الإنتاج القومي، والإنتاج القومي صناعة وزراعة وفن وفكر... وهو بعد هذا كله سياحة واصطياف وخدمات عامّة. وهي تعتبر أنّ تحرير الاقتصاد القومي من العجز والفاقة شرط ضروري لدعم السيادة القومية.
ولا سبيل إلى الاقتصاد القومي القوي إلا بالوحدة الاجتماعية المتينة، والعقلية الأخلاقية المتينة، والعلم والفن والخبرة. وبهذا المعنى، وجود اقتصاد قومي راقٍ دليل وجود نفسية راقية متينة. على أنّ الاقتصاد ليس بذاته غاية، إنّه شأن أساسي في الحياة القومية، وهو مظهر عام للوجود الإنساني.
إنه ليس غاية هذا الوجود، ليس غاية المجتمع أو الدولة إنماء الثروة القومية لتكثيفها، بل إنماؤها لغرض أساسي هو ترقية الحياة القومية. كل منتج يصيب نصيباً من الإنتاج العام مباشرة (كأجر) ومداورة كضمانات أساسية لحياته وحياة عياله وشيخوخته. لا يكفي أن يعيش المنتج، بل يجب أن يحيا حياة لائقة بالمجتمع الذي يحيا فيه المستوى الأدنى من الحياة، مستوى لائق بالإنسان. والحياة هنا، ليست مأكلاً وشرباً ومأوى وحسب، بل سائر الحاجات الإنسانية ومتطلبات الحياة النفسية العليا أيضاً. إنّ تدخّل الدولة في توزيع الثروة القومية، هو لهذا الغرض بالضبط: مصير النمو الاقتصادي.
تعنى الدولة القومية في النظام القومي الاجتماعي بضمان توزيع نصيب عادل من الإنتاج القومي على أبناء المجتمع، وسيلتها إلى ذلك الضرائب والمصالح العامة، وأداتها التشاريع والقوانين.
إنّ نظاماً من هذا النوع يفترض طبعاً دولة قومية، لا دولة يسيطر عليها الإقطاعيون والطائفيون، وتعبث بها الإرادات الأجنبية، وإنّ تحرير الدولة يتطلب بالدرجة الأولى تحرير الشعب من المتسلطين عليه. إذ ذاك تصبح الدولة مظهراً حقوقياً سياسياً سليماً قادراً على التخطيط لمستقبل أفضل ومصير أفضل لهذه البلاد.
في الصعيد الاجتماعي: اجتماعية العقيدة القومية الاجتماعية تهدم الأسوار القائمة بين الجماعات المؤلفة لهذا الشعب. المواطنون سواء أمام القانون، سياسة داخلية واحدة لا تمييز فيها لفئة على فئة، ولا لإنسان على آخر.
قضاء واحد، للمحمدي والمسيحي والدرزي والإسماعيلي، في الأحوال الاجتماعية العامة، والأحوال الشخصية الخاصة: زواج وإرث.
المجتمع هيئة واحدة، فلا يعقل أن تبقى هذه الهيئة مُساسة بأنظمة وقوانين مختلفة. عدالة واحدة للجميع، لا عدالات، لكل فئة عدالة.
لا تدخّل لرجال الدين في القضاء.
تُزال الحواجز بين الطوائف والمذاهب.
في الصعيد السياسي: اجتماعية العقيدة القومية الاجتماعية تنسف الاعتبارات الطائفية والإقطاعية في الحقل العام.
النوّاب ممثّلو الشعب، لا ممثّلو الطوائف. لا قاعدة إحدى عشرية في توزيع كراسي التمثيل الشعبي على النوّاب، لا قاعدة تمثيل طائفية في التوظيف، والإدارة والحكومة ورئاسة الجمهورية. ولا سياسة انتخابية داخلية تضمن الاستقرار بإنجاح الإقطاعيين في الانتخابات، ولا صياغة دوائر انتخابية وفق هذه السياسة، دوائر انتخابية ولوائح انتخابية تتزوّر فيها مسبقاً إرادة الشعب قبل الاقتراب من صناديق الاقتراع.
من ضمن هذا المفهوم، لكلٍّ الحق في أن يبدي رايه ويناضل لانتصاره. والحرية حسب قول سعاده، هي حرية الصراع، صراع بين العقائد في سبيل تحقيق مجتمع أفضل وحياة مثلى، ولا معنى للحرية وراء ذلك.
وفي أبعاد نظرة الحرب الأساسية، يرى الحزب أن السياسة من أجل السياسة لا يمكن أن تكون عملاً قومياً. العمل القومي هو العمل النهضوي الذي يهدف إلى بعث نهضة قومية عامّة، والنهضة هي تولّد وعي، ومعرفة، ورؤية واضحة وجليّة في الشؤون القومية والمصيرية في ضوء معطيات العلم.
والعقيدة القومية الاجتماعية تؤمن بالإنسان؛ إنها ترى بالإنسان في وجوده الأكمل: المجتمع. الإنسان المجتمع، هذه هي فلسفة سعاده التي عبّر بها عن اجتماعية حزبه.
والمجتمع الإنساني هو هذا التفاعل الموحّد الجامع القوى النفسية المادية. الحضارة هي حصيلة هذا التفاعل المادي – الروحي.
العقيدة تؤمن بالإنسان، لأنها تعتبر أنّ المعارف الإنسانية معارف نهائية، وأن ما يراه الإنسان حقيقة هو حقيقة. فالحقيقة، حسب رأي سعاده، قيمة يكتسبها الوجود إذا قامت له المعرفة الإنسانية.
وهي عقيدة شاملة، بمعنى أنها تتوجّه إلى الإنسان في شمول وجوده، ومعنى أنها تقبل كلّ حقيقة وتقدّم المنحى الفكري الشعوري لفهم كل حقيقة واقتبالها، في الحياة والكون الماثل. فهي هنا تعبّر عن نزوع الإنسان إلى ترقية الحياة، بفهم الكون، وإنشاء الفن، وهي، بتحققها في قلب المجتمع، تنمي في ضمير الأمة ذاك التوق الإنساني الرائع إلى الاشتراك في مغامرة الإنسان الحضارية الكبرى، عبر وجوده، وعبر الكون الماثل.
وهي تعتبر أن الأمة السورية هي من هذه الأمم الحضارية التي يدلّ تاريخها على مزايا نفسية عالية، هيّأتها دائماً للمشاركة في بناء الحضارة الإنسانية الراهنة.
فإذا كان اليسار يعني هذا التطلّع إلى المستقبل، وهذا الاستعداد لتجديد الحياة، وتفجير مواهبها، فالعقيدة القومية الاجتماعية تؤكّد على هذه الأماميّة الروحية الثورية البنّاءة.
وأخيـــــــــــــراً:
في نظام الحزب السوري القومي الاجتماعي، وفي مؤسساته، ينشأ هذا البناء الفكري العقدي الروحي العظيم.
فلنتجاوز المآسي والأحداث الكبار، التي استجرّها وجود الحزب السوري القومي الاجتماعي بتحدّيه العنيف المستمر لركامات الحياة القديمة، ومظاهرها، ومؤسساتها.
|