نشرت مجلة صباح الخير – البناء في عددها 662 تاريخ 17/12/1988 هذا الحديث الذي أجرته مع المناضل صبحي زخور:
" للتعرّف على جزء من صورة نضال الشعب السوري دفاعاً عن هوية الحدود الشمالية وارتباطها بوطنها الأم سورية، التقت "صباح الخير – البناء" بالمناضل السوري "صبحي زخور"، الذي روى من ذاكرته الحوادث التالية:
في أحد أيام الجمعة من عام 1936، توجه رهط من المحمديين السوريين إلى الجامع الكبير في أنطاكية لأداء الصلاة، فأغلق الأتراك باب الجامع – وكانوا وقتها (الأتراك) لا يتركون وسيلة للضغط على السوريين في تلك المنطقة إلا ويستعملونها – حينها توجّه المصلّون إلى الحي المسيحي وأدوا صلاتهم في كنيسته، ولم يعترض المسيحيون على هذا التصرف بل رحبوا به وفرشوا السجاد في الكنيسة – الجامع، وبعد نصف ساعة أذاعت محطة الإذاعة البريطانية من لندن النبأ التالي: "لأول مرة يؤدي المسلمون صلاتهم في كنيسة"، وأظنّ أن الصحافي الوطني المرحوم نجيب الريس نشر مقالاً خاصاً بهذه الظاهرة.
في الاحتفال بالمولد النبوي الشريف الذي أقيم في مسجد حي العفان بأنطاكية، شارك المسيحيون إخوانهم المحمديين فرحتهم، وألقوا خطباً عن النبي محمد.
*
طريق دخول الجنة
وحين أُعلِن في جنيف عن قرار "عصبة الأمم" (المجرمة) القاضي بجعل لواء اسكندرون مستقلاً، وإرسال لجنة دولية لإجراء الانتخابات فيه عام 1937، اتفق الحلفاء مع تركيا على تقسيم السكان إلى طوائف، فالطائفة التركية أخذت كوحدة انتخابية كاملة، بينما السوريون قسّموا إلى وحدات مذهبية فكان هناك سنيّون (سنيون – علويون – أرثوذكس – أرمن – بروتستانت – شركس).
وصدر أمر بأن يتقدم كل ناخب ويُبرز هويته في المركز الانتخابي ليصوّت لطائفته فقط.
المرحوم المهندس فريد أنطونيوس خوري – شقيق زوجتي – تقدم إلى رئيس مركز انتخابي وسجّل نفسه في (الطائفة العربية)، فسأله: كيف تسجّل نفسك عربياً وأنت أرثوذكسي؟ فأجابه المرحوم فريد – وكان يتقن الفرنسية – "نعم يا سيدي، ولكن الأرثوذكسية مذهب ديني، ولسنا هنا بقصد أن نعيّن أي طريق نسلك لدخول الجنة، بل بقصد أن نحافظ على قوميتنا وحقوقنا المشروعة هنا على هذه الأرض". فابتسم رئيس المركز وتطلّع إليه معجباً وأوعز إلى الكاتب المختص بتسجيل صوته في الطائفة العربية، وحذا حذو المرحوم فريد خوري مواطنون آخرون كنت واحداً منهم.
*
الأرسوزي سهّل لي
امتياز العروبة
منذ العشرينات كانت تصدر في أنطاكية واسكندرون جرائد تركية وجريدة عربية واحدة اسمها "أنطاكية"، سرعان ما توقفت عن الصدور.
وفي الثلاثينات، حين أحسست أن الانتخابات قادمة، وأن من الضروري أن يكون لنا جريدة تصدر بلغتنا وتعبّر عن أفكارنا، عرضت فكرتي هذه على المرحوم زكي الأرسوزي فقال لي إنه سيقابل رئيس اللجنة الدولية عندما يأتي إلى أنطاكية 1937، وفعلاً قابله وحصل منه على إيعاز إلى السلطات الفرنسية بالموافقة على هذا الطلب، فرخصوا لي بإصدار جريدة يومية هي "العروبة" التي كنت أنا صاحبها ومديرها المسؤول، وكان (زكي الأرسوزي الموجه السياسي للجريدة، وجبرائيل نقّول، نخلة ورد وغيرهم) كتاباً فيها.. وكنا كلما نشرنا مقالاتنا الوطنية والقومية تعرّضنا للاعتقال من قِبَل السلطات الفرنسية وتعطّلت الجريدة.
*
اعتقلت لفلسطين
دخلت السجن مرات كثيرة، المرة الأولى كانت في سبيل فلسطين. فحين قدمت من أوروبا شاحنة كبيرة تنقل الفواكه إلى المستوطنات اليهودية في فلسطين، كمن لها بعض شباب اللواء على مشارف أنطاكية، وأوقفوا السيارة وأتلفوا البضاعة. فاعتقلتهم قوات الأمن، وسيقوا إلى سجن حلب. هنا قال لي زكي الأرسوزي: "اذهب إلى حلب واهتم بأمرهم"، وحين ذهبت إلى المحكمة الأجنبية التي كانت تجري فيها محاكمة أولئك الشباب، اعتقلني الفرنسيون وزجّوا بي في السجن.
أمام اللجنة الدولية تظاهر في أنطاكية حوالى ثلاثين ألفاً من السوريين الذين هتفوا بحياة سوريا واستقلالها، مارّين بالفندق الذي تقيم فيه، راجمين أعضاء اللجنة والجنود الفرنسيين بالحجارة. بينما حاول الأتراك أن يردوا على مظاهرتنا هذه بمظاهرة أخرى لكنها كانت ضئيلة الحجم والفعل.
ومرة، اجتمعنا في (نادي العروبة) ووضعنا مذكرة احتجاج على المؤامرة التي تُحاك بغية سلخ اللواء عن وطنه الأم، ووقّع عليها رئيس وأعضاء اللجنة المركزية لعصبة العمل القومي.
فذهبت على دمشق لأتصل بقناصل الدول العربية وأعرض عليهم هذه المذكرة، وهناك – في فندق الشرق – التقيت القنصل المصري وأعطيته نسخة منها، فقرأها وقال: "لماذا تتذمرون وتحتجون؟ تركيا دولة مسلمة. من هذه الجيب إلى هذه الجيب (؟!!!!). (حاوره محمد الاسطة)
صبحي زخور
• مواليد أنطاكية عام 1911.
• تلقى دروسه الابتدائية والإعدادية في مدارس أنطاكية.
• نال الشهادة الثانوية وإجازة الفلسفة ودار المعلمين العليا في دمشق.
• عاد إلى أنطاكية عام 1933، وأنشأ جريدة العروبة.
• أسس مع المرحوم زكي الأرسوزي "عصبة العمل القومي" في اللواء.
• هُجِّر من اللواء عام 1939، واستقر في دمشق.
• هو الآن عضو في لجنة تحرير لواء اسكندرون التي تقوم – وفق الفرص المتاحة – بنشاطات ثقافية
وفنية غايتها إيقاظ قضية اللواء السليب في نفوس المواطنين السوريين.
|