اتصل بي العماد مصطفى طلاس يدعوني إلى زيارته في بيته بناءً لرغبة زوجته أم فراس، وهي سيدة حلبية من آل الجابري، هذه العائلة العريقة من عوائل مدينة حلب.
ذهبتُ في الموعد المقرّر لأرى العماد طلاس وزوجته فقط في استقبالي، وحين استفسرت عن سبب الدعوة تلك، قالت لي أم فراس: "أريد أن أستعيد معك ذكريات قريب لي كان اسمه مروان الجابري، رحمه الله، وكان رفيقاً لكم في الحزب السوري القومي الاجتماعي، كنا نحن صبايا آل الجابري معجبين بفكره وقدرته الفائقة على الحوار، وكان يأخذنا إلى حلقات إذاعية حزبية ونحن في مقتبل العمر، حتى أنّه أخذنا مرة لزيارة عصام المحايري... وكنا نستمع إلى ما يُطرح من فكركم العقائدي بلهفة وشوق... وقد قدّم لي مرّة كتاب "المحاضرات العشر" لسعاده.
حين توقّفت أم فراس عن الحديث، قلت لها إني أعرف الرفيق مروان جيداً، فقد التقيت به يعمل صحافياً في مجلة "الأسبوع العربي" في بيروت، حين عدتُ من عمّان بعد أحداث أيلول الأسود العام 1970 وعملت في المجلة ذاتها، وكنّأ قريبين جداً في العمل وخارجه، وأتمنى أن أجدّد لك معلوماتك بأن أقدّم لك نسخة من المحاضرات العشر، ولكن، وللأسف، نفتقر إلى هذا المرجع الهام جداً في شرح عقيدتنا.
هنا، علّقت أم فراس قائلةً لي: لماذا لا تقومون بطبعه في "دار طلاس" عند أبو فراس؟ أجبتها: احصلي لي على موافقة زوجك الجالس معنا يستمع إلى حوارنا، وأنا لَك من الشاكرين...
هنا تدخّل العماد طلاس في الحديث قائلاً لي: أنا موافق على طباعة "المحاضرات العشر"، وقام فوراً بالاتصال أمامي باللواء المتقاعد اكليل الأتاسي، مدير عام دار طلاس للطباعة والنشر والتأليف، وأصدر تعليماته إليه بالتنسيق معي لطباعة الكمية التي أريدها من المحاضرات العشر، قلت له: ونشوء الأمم... قال له على الهاتف: اسمعت لواء اكليل، ونشوء الأمم أيضاً.
ذهبت في اليوم التالي لزيارة دار طلاس، وكان اللواء الأتاسي في استقبالي، وهو صديق قديم دمث الأخلاق لطيف المعشر، ومعرفتي به تمتد لسنوات غابرة. اتفقنا على طباعة الكتابَين، وبكميات جيدة لا تقل عن عشرين ألف نسخة لكلّ كتاب، وقد تمّت عملية الطباعة من دون أن نتكلّف قرشاً شامياً واحداً.
وحين تمّ إنجاز طباعة المحاضرات العشر، اتصل بي الأمين الراحل إنعام رعد معاتباً لأنني لم أرفق قراءته للمحاضرات مع الكتاب، أجبته أنّ القراءات تُعدّ بالعشرات، وإذا كنت سأرفق جميع هذه القراءات مع المتن الأساسي للمحاضرات، فستصبح مجلداً من مئات الصفحات، ثمّ من قال لَك أنّ قراءتك هي الأصوب كي ترفَق مع الكتاب الأصلي؟ غضب من إجابتي، ولكنّي لم أعر ذلك أيّ اهتمام، لأنني كنتُ في نشوة إصدار المحاضرات العشر ونشوء الأمم من قِبل دار نشر شبه رسمية في الشام، يملكها العماد مصطفى طلاس، نائب القائد العام للقوات المسلحة نائب رئيس الوزراء وزير الدفاع في الكيان الشامي.
"أم فراس" رحمك الله وشكراً لك على وساطتك التي أثمرت فكراً قومياً اجتماعياً بقلم الزعيم المؤسس.
|