سمعت كثيراً عن الرفيق خضر حموي (خضر عابد) في خمسينات القرن الماضي، وخاصة في فترة الانقسام الحزبي، حيث كان اسمه حاضراً في عديد من المسؤوليات القيادية، وبارزاً في مجالات الثقافة والقانون.
لم يتسنى لي ان التقيت الرفيق خضر، الا انه كان حاضراً لدي، اتتبع اخباره وافرح بما يتمتع به من كفاءات عديدة، الى تميّزه في الفكر القومي الاجتماعي، وتجسيده للكثير من فضائل الالتزام القومي الاجتماعي.
لذا وقد علمت برحيله وجدت مفيداً لتاريخ حزبنا ان ننشر ما يمكن ان يتوفر من معلومات عن سيرة الرفيق خضر، فشكراً للرفيق انعام رياشي الذي سعى للحصول على هذه النبذة التي ننشرها مع تعديلات طفيفة جداً لا تسيء الى جوهرها.
ل. ن.
*
ولد خضر الحموي عام 1929 في مدينة السلمية لوالديه الشيخ علي عابد الحموي ورئيفة كردية.
عُرف عن جده عابد الحموي مواقفه الوطنية التي تسببت باعتقاله في سجن القلعة من قبل سلطات الاحتلال العثماني مع رفاقه من الثائرين والتي تم توثيقها في سجلات السفارة البريطانية في دمشق.
منذ نعومة أظفاره عرف بلقب الأستاذ خضر عابد تيمناً بجده وذلك لحبه للعلم ولأنه أظهر شغفاً بتدريس أقرانه ومن كانوا أكبر منه سناً وهو في سن صغيرة حتى أنه حثّ خاله الذي كان اسكافياً للعلم فدرّسه وبقي إلى جانبه حتى تخرج من كلية الحقوق وأصبح قاضياً معروفاً في مدينة السلمية.
درس المرحلة الثانوية في مدينة حماه حيث قطن في دير أرثوذكسي وتتلمذ على يد أهم الأساتذة والمدرسين في ذلك العصر ومنهم المفكر زكي الأرسوزي الذي لطالما دخل معه في نقاشات فكرية عميقة.
تعرف على الفكر القومي الاجتماعي بسن مبكرة حيث انتمى صديقه الأستاذ علي القطريب الى الحزب سراً وبدأ خضر يلحظ تبدلاً في خطابه الفكري من خلال الرسائل المتبادلة بينهما ولما التقيا قال له أريد أن أقرأ ما تقرأه فأعطاه بعض المنشورات التي ذكر أنها عبرت عما في داخله من أفكار فانتمى عن عمر 17 عاماً.
انتقل الرفيق خضر إلى دمشق لدراسة الحقوق عام 1947 ثم حصل على الماجستير في الاقتصاد من جامعة دمشق وساهم من خلال مسؤوليته الحزبية في إنشاء عدد كبير من المدارس في كل أنحاء الشام فدرّس فيها وصار مديراً لثانوية الحرية في صافيتا التي تخرج منها العديد من القوميين ثم التحق بالخدمة العسكرية برتبة ضابط في قيادة أركان الجيش السوري وتدرج في المسؤوليات الحزبية خلال فترة إقامته بدمشق ليصبح وكيل عميد الدفاع مع الشهيد غسان جديد وهذا ما دعا إلى اعتقاله في المؤامرة التي حاكتها المخابرات المصرية والسورية معاً والتي أدت إلى اغتيال العقيد عدنان المالكي حيث أمضى في السجن نحو سنة لاقى فيها أشد صنوف التعذيب كي يعترف على رفائه بجرم لم يرتكبوه إلا أنه لم يفعل وبذا خرج بريئاً من التهمة المنسوبة إليه. ومن تلك الفترة نروي حادثة كانت عبرة في التربية والصمود حيث زارته والدته رئيفة إلى السجن وكان الجميع ينصحونه بالاعتراف كي يخرج إلا أنها قالت له: " لي حليب في بطنك أطالبك به فإما أن تحيا بالعز أو تموت واقفاً بعز لا تدعهم يذلوك" فزادته إيماناً وصموداً.
تزوج الرفيق خضر بالرفيقة مهتندة أسعد (التي تعرف لدى الرفقاء في الحزب باسم الماما مهى) شقيقة الرفيق الدكتور صادق أسعد(1) وسافرا معاً إلى لبنان حيث التحقا بالمخيم هناك وأمضيا شهر العسل فيه. وقد تابع دراسته في الجامعة اليسوعية حيث درس معادلة الحقوق اللبنانية وحصل على الماجستير في الدراسات الشرقية وخلال ذلك درّس في مدرسة برمانا الثانوية (Brumana High school) ومدرسة الجامعة الوطنية في عاليه قبل ان يحصل على إجازة ممارسة المحاماة في لبنان ويتدرج على يد الأستاذ شكيب جابر قبل أن يفتح مكتبه الخاص في بيروت الذي تخرج منه نخبة من المحامين المبرزين أمثال الأساتذة سيمون القزي وناصر الداوود وشكيب منذر وسعيد دليقان وريما شهيب وغيرهم. وقد اشتهر مكتبه بجلسات التحكيم التي كان يعقدها للمتخاصمين والتي استطاع من خلالها حل اعقد الخصومات حبيا خصوصا في فترة الحرب الاهلية حيث كانت معظم المحاكم مقفلة فكان الخصمان يوكلانه ويقبلان بحكمه العادل لصالح الحق.
وكذلك فقد استلم وكالة الاوقاف الدرزية لفترة طويلة حاز فيها على ثقة جميع الاطراف داخل الطائفة الدرزية الكريمة.
في عام 1957 وخلال أزمة الإنشقاق الحزبي حاول أن يلعب دوراً توفيقياً وأن يعيد اللحمة بين صفوف القوميين وكان يسير كالمكوك بين الأمناء وأعضاء المجلس الأعلى إلا أن التباعد كان أكبر وحصل الانشقاق الذي ظل يشكل له خنجراً في صدره لكنه رغم موقفه الواضح لجانب رئاسة الحزب والرفيق عبد المسيح (تنظيم الانتفاضة الذي عرف باسم تنظيم عبد المسيح) في تلك الفترة إلا أنه حافظ على علاقة طيبة بالطرف الآخر وتجلى ذلك في المرافعات الشهيرة التي دافع فيها عن عشرات الرفقاء الذين اعتقلوا عقب محاولة الانقلاب الفاشلة عام 1961 والتي أفضت إلى تبرئة معظمهم. وكذلك كانت له مواقف صلبة خلال الحرب الأهلية اللبنانية حيث ساهم بعلاقاته الطيبة والنزيهة مع أطراف النزاع في لبنان بإطلاق عشرات الأسرى من المواطنين الأبرياء لدى مختلف الأحزاب المتناحرة، رغم الضغوط الهائلة التي تعرّض لها في تلك الفترة كونه عميد الدفاع والقضاء في الحزب لزج الرفقاء القوميين في الحرب الأهلية إلا أنه وبوعي شديد لخطورة المؤامرة جنّب الرفقاء والحزب تلك الكأس المرة وفضل أن يلعب دور الوسيط لإطفاء الحرائق والفتن وإطلاق الأسرى الأبرياء والمختطفين على الهوية.
*
حصل الرفيق خضر على شهادة الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة برايتون في إنكلترا بعد أن أنجب 7 أولاد (5 بنات وصبيين) وألقى العديد من المحاضرات الفكرية القيمة في الوطن والخارج التي لاقت جدلا كبيراً ونشر مقالات كثيرة في الثقافة والفكر والدين باسمه وبأسماء مستعارة، أشهرها حواراته الفكرية في الصحف مع عدد من المفكرين البارزين والردود الشيقة التي كانت تفرزها. كما قدم عدداً من المؤلفات والكتب منها (التفاعل القانوني في حوض البحر المتوسط) و(الزواج المدني) و(أسرار) و(الدلالة الصوتية في الحرف العربي) و(كنوز السجستاني – تحقيق بالتعاون مع المفكر الفرنسي هنري كوربان) وبالإنكليزية دراسة مقارنة للأديان (Introduction to Ismailism).
*
توفي الرفيق الدكتور خضر الحموي في 7 كانون الأول 2020 عن عمر يناهز 91 بعد أن اختار الانتقال من بيته في مدينة عاليه في جبل لبنان التي أمضى فيها معظم فترات حياته، للعيش في مدينته الأم السلمية بين أهله وأحبائه آخر سنتين من حياته .
|