عن العدد 570 تاريخ 14/07/1987 من مجلة "صباح الخير"
ذكرى أسبوع الشهيد الدكتور عدنان قانصو
أقام الحزب السوري القومي الاجتماعي وجبهة المقاومة الوطنية وأهالي بلدة الدوير وقضاء النبطية حفلاً تأبينياً حاشداً في ذكرى أسبوع الشهيد الدكتور عدنان قانصوه، منفذ عام منفذية النبطية في الحزب السوري القومي الاجتماعي، الذي اغتالته يد الغدر والعمالة في بلدته الدوير بتاريخ 25/02/1987 عند توجّهه إلى عيادته في النبطية.
شارك في الحفل التأبيني هيئة منفذية صيدا، بحضور المنفذ العام خليل بعجور وأعضاء هيئة منفذية النبطية وعدد كبير من القوميين الاجتماعيين في الجنوب، كما حضر الحفل النائب السابق سميح عسيران وحشد كبير من أهالي الدوير والقرى المجاورة وعدد من الأطباء زملاء الشهيد.
وقد اقتصر الحفل التأبيني على كلمة إمام البلدة وقراءة مجلس عزاء، وكلمة ابن عم الشهيد الأستاذ حسين قانصوه، حيث جاء فيها:
اليأس القاتل يتفاعل بين جوانحي وأنا أقف لأرثيك، عبثاً حاولت أن أبحث عن كلمة أبدأ بها، ذلك أنك كنت الأخ والرفيق والصديق وأنت ترحل عنّا بهذه الصورة. لقد أشعلت فيّ، كما في نفوس المحبين مواطنين ورفقاء، شعلة ستبقى لنا نبراساً تنير لنا الطريق الصعبة الشاقة وأنت تسقط عن جوادك يا عدنان في أبشع جريمة اغتيال أعادت إلينا ذكرى اغتيال المعلمين الأبطال، بدءاً من معلمك من على رمال بيروت، وانتهاءً بالشهيد الرائد الشيخ راغب حرب وما بينهما من قافلة الشهداء.
صدقت يا عدنان ما عاهدت الله عليه وأعدت وديعة الأمة فيك، فكنت في الطليعة حياةً واستشهاداً.
ألا خسئت اليد الجبانة التي امتدت إليك لتنال من شموخك وكبريائك، فهويت صريعاً تسقي بدمائك الطاهرة الزكية أرض الجنوب البطل، لأنه توّاق دائماً لدماء الأبطال التي يصون بها شرف وكرامة ترابها، فوالله لن يهدأ لنا بال ولن تقرّ لنا عين حتى نجلو حقيقة هؤلاء ونقتص منهم لتعود دورة الحياة الكريمة كما يتمناها كلّ إنسان حرّ. فمن هنا نطلب، وبإلحاح، من الأخوة في حركة "أمل" قيادة وكوادر، أن تشدّ على سواعد أبنائها المؤمنة بتعاليم الإمام موسى الصدر، وان تجنّد كل طاقاتها للكشف عن هوية القتلة الذين يعيثون في الأرض فساداً.
إنهم يهود الداخل، وهم أشد عداءً وخطراً على أهلنا من العدو المتربص أمامنا فنكون أوفياء لكل الشهداء الأبرار الذين قدّموا أرواحهم في سبيل التحرير لنحيا أحراراً في أمة حرّة.
وفي نهاية الحفل، توجّه الجميع لقراءة الفاتحة على ضريح الشهيد، وقد أدى الرفقاء القوميون الاجتماعيون التحية الحزبية عند الضريح بإيعاز من ناظر تدريب منفذية النبطية.
*
الكاتب والشاعر يوسف الخال
هزّنا موته كما هزّنا شعره وأدبه
مهما اختلفنا مع آراء ومواقف يوسف الخال في الفترة الأخيرة من حياته، إلا أننا لا يمكن أن نتجاوز أبداً إنجازاته الثقافية والأدبية التي حققها من خلال مجلته "شعر" التي كان لها فضل احتضان الحركة الأدبية في العالم العربي وتوجيهها في الإطار الصحيح.
لقد مات يوسف الخال بعد صراع طويل مع المرض، وحتى آخر لحظة من حياته كان متفائلاً، يعمل بجدّ، لتحقيق مشاريعه الأدبية.
مهما اختلفنا مع يوسف الخال، إلا أنه يبقى واحداً من الأعلام الكبار الذين تخرجوا من مدرسة النهضة السورية القومية الاجتماعية، وكان مواكباً للزعيم في عزّ مسيرة هذه النهضة، وقلماً بارزاً في صحف الحزب آنذاك، قلنا مهما اختلفنا مع آرائه الأخيرة، إلا أن يوسف الخال هو واحد من أعلام الثورة "الحداثوية" التي أطلقها يوسف الخال مع "رفاقه" أدونيس وأنسي الحاج ومحمد الماغوط ونذير العظمة وخالدة السعيد وسواهم من الذين ساهموا في هذا الصرح الكبير.
موته هزّنا كما هزّنا شعره وإنجازاته، لذلك اخترنا بعض الكتابات التي تناولته، ومن أبرزها دراسة لرفيقه أدونيس ودراسة للناقد محمد جمال باروت، ودراسة للشهيد الدكتور كمال خير بك، وعبدالله قبرصي. (التحرير)
*
العبقري المبدع
بقلم: يوسف الخال
تناولنا في مقال سابق من "النهضة" بعنوان: "نحو مطلب جديد" صفة الخلقية التي تنقص أفراد أمّتنا في هذا الطور الذي هو طور بعثها القومي، وهذه الصفة هي انعدام الشخصية الحزبية والخلط بينها وبين الشخصية الفردية الخاصة.
وقلنا أيضاً إنّ للفرد شخصيّتين: شخصية خاصة وهي ملك الفرد، وشخصية عامة وهي ملك الأمة وحدها، والتي نعبّر عنها بالشخصية الحزبية لأنها لا تنفلت من الانطباع بطابع حزبي معيّن.
وقلنا أيضاً إنّ ما نراه اليوم في سورية من استعمال الفرد لشخصيّته الحزبية التي تُكسبه إياها مؤسسة قومية من المؤسسات، لأجل تقوية ودعم شخصيته الذاتية الخاصة، والانتفاع منها وعلى حسابها، هو أمر لا تقرّه مصلحة هذه المؤسسة التي يدين بمثلها العليا، وبالتالي لا تقرّه مصلحة الأمة نفسها.
والآن نعود إلى القول بأّنّ هذه الحقيقة، أو بالأحرى هذه الصفة النفسية الخلقية تنطبق على الأفراد العاديين، ولكنها لا تنطبق على الفرد العبقري المبدع الذي هو باعث النهضة وزعيم مؤسساتها وحركاتها.
إنّ الفرد المبدع، أو الزعيم، لا يصحّ أن تطبّق فيه نظرية الفصل بين شخصيته الخاصة وشخصيته العامة، ذلك لأنّ الزعيم فرد غير عادي لا يمكن أن يكون له سوى شخصية واحدة هي شخصية المؤسسة وفكرتها ومبادئها ومُثُلها العليا التي خلقها وأبدعها هو بنفسه.
إنّ شخصية الزعيم هي شخصية مستقلة بنفسها، لا تتقيّد باعتبارات خاصة، وهي متفلتة من جميع القيود، لا حدود لها ولا نهاية، ذلك لأنها مستمدة من آفاق الإبداع والعبقرية، ولأنّ منها تتفرّع شخصيات أتباعه جميعاً. وبالتالي، لأنها تنطبع دائماً وأبداً بطابع المؤسسة التي ابتدعها واصبح هو إياها.
الحقيقة التي لا جدال فيها، أنّ مبدع الفكرة هو قائدها وزعيمها، ومن البديهي أن تمتزج شخصيته بهذه الفكرة فتصبحان عنصراً واحداً لا تفريق ولا فصل بينهما. ومن البديهي أيضاً والحالة هذه، أن تكون شخصية العبقري المبدع الخاصة وشخصيته العامة، شخصية واحدة تامّة هي شخصية الزعيم القائد.
إنّ المؤسسة القومية التي تريد أن تحتفظ بشخصيتها وهيبتها ومعنوياتها، وجب عليها قبل كل شيء أن تحتفظ بشخصية زعيمها وهيبته ومعنوياته، وكل نجاح ونصر يسجلهما الزعيم هو نجاح ونصر للمؤسسة والحركة والنهضة.
ومما لا شكّ فيه، أنّ قوة شخصية المبدع (بكسر الدال) هي قوة أيضاً لشخصية المبدَع (بفتح الدال). فالشخصيتان هما إذا متكاملتان متساندتان، مما يجعلهما بالفعل شخصية واحدة.
إننا ننتظر من أفراد أمتنا، بعد هذا كله، أن يفرّقوا بين شخصياتهم العادية وشخصية الزعيم غير العادية، وأن يعرفوا بأنّ ما يصحّ أن يُقال عن الفرد غير العادي – المبدع العبقري.
إنّ نجاح المؤسسة القومية التي تمثّل النهضة والبعث القوميين في أمتنا، متوقف على فهم وإدراك هذه الحقائق والعمل بموجبها.
*النهضة، العدد 34، السنة الأولى، 21 تشرين الثاني 1937، ص 2.
*
يوسف الخال: شاعر ينطفئ
بقلم الأمين عبدالله قبرصي
عرفته في ريعان شبابه، أكاد أقول في مطلع شبابه لأنه في الثلاثينات لم يكن بعد قد بلغ العشرين. عرفته رفيقاً قومياً اجتماعياً ينظم الشعر قبل أن يكون شاعراً. عرفته بالفعل نظاماً... ولكن بواكيره كانت تبشر بأنه سيكون في يوم من الأيام سنابل محملة بالذهب!...
كتب في جريدة النهضة مقالات، كنت أتصفّح بعضها بالأمس، فإذا هي أيضاً كتلك التي يقدمها تلامذة الصفوف الأولى في الامتحانات الفصلية...
وفجأة أطلّت علينا مجلة "شعر"، ليطلّ علينا يوسف الخال مع أدونيس وجبرا إبرهيم جبرا والسياب وسواهم صاحب مدرسة في الشعر، هي مدرسة الحداثة... الحداثة التي أسميتها يوماً ثورة لم تنتصر بعد، ولكنها في طريق الصمود.
لقد عبد يوسف الخال في حياته ربّين: الله والشعر.
كان آخر لقاءاتنا في فندق نادي المتوسط في ضواحي باريس.. كان يعرف أنه مريض بالسرطان، كان يعرف إذن أنه على طريق الموت ونهاية النهايات... وكان يضحك.. كان على ما يبدو قد ألِف فكرة الموت وقامت بينهما صداقة تشبه الأخوّة!!!
لله هؤلاء الشعراء، كم هم غرباء في هذا العالم! فيما ترتعد فرائص الناس خوفاً من الموت، من ذكر الموت، فيما يموت بعضهم من الخوف من الموت، يجلس الشاعر أمام "موته" وكأنه لوحة فنية يستوحيها قصائده!
ولم نعد نلتقي..
إلا أنني بعد عودتي من باريس وعودته منها، قرأت له حديثاً في جريدة النهار، حديثاً ضمّنه فلسفته في الموت... إنه مؤمن.. إنه مسيحي مؤمن، ولله درّ المؤمنين – بخاصة إذا كانوا شعراء حقيقيين – كم يتعبّدون لإيمانهم، كم يوحي لهم من صور ومن حكم ومن جمالات... لله درّ الإيمان ودرّ المؤمنين عندما يكون إيمانهم أطهر الإيمان، فلا تشوبه شوائب التعصب ولا يتحجّر بالطقوس والمراسم والأشكال الوثنية، بل يتحوّل إلى شعلة من نور، لا تُفرح داخله فقط، بل تُفرح من هم مؤهّلون للفرح من حوله.
لله در المؤمنين إيماناً مجللاً بالشعر، إنهم ينقلون إيمانهم حتى إلى القلوب المتحجرة، إنهم يدخلون الشكّ إلى قلوب غير المؤمنين، بل كم أدخلوا اليقين إلى قلوب الشكّاكين!
يوسف الخال، ينطفئ كما تنطفئ شمعة ماردية القامة... ينطفئ بجلال وجمال.. ألم نقل إنه تآخى مع الموت؟ لقد صار الموت بالنسبة له باقة من زهور تتدلّى على صدره، وشيئاً من من العطر يموج به شعر رأسه، وخيالات ملائكية النغن ترتل حول سريره...
لله در الشعراء إذا كانوا مؤمنين... إنهم يصبحون شيئاً من الله الذي حباهم الإيمان، عطيّة أغلى من كنوز الأرض، أكاد أقول أغلى من كنوز الشعر!... وداعاً يا يوسف، لقد غادرتنا إلى دنياك، إلى الدنيا التي حلمت بها وصوّرتها في قصائدك وآرائك... لقد غادرت صفوفنا القومية دون ضجيج لتنصرف إلى الشعر والشعراء...
ثق أن أيامك بيننا باقية، كما أنت باقٍ في التراث الشعري الجديد، الذي كنت بين الأُوَّل الذين وضعوا اللبنات – الأساس في عمارته التي لا تزال تتصاعد... فيتصاعد معها الذين أسسوها وأنت منهم.
وداعاً يا يوسف..
لقد أحببت لبنان، ها هو يتلقاك في قلبه أماً رؤوماً. (9 آذار 1987).
*
مؤلفاته:
• الحرية – دار الكتاب – بيروت 1944.
• هيروديا – دار الهدى – نيويورك 1954.
• البئر المهجورة – دار مجلة شعر – بيروت 1958.
• قصائد في الأربعين – دار مجلة شعر – بيروت 1960.
• "النبي – لجبران خليل جبران" – دار النهار للنشر – بيروت 1968 (ترجمة).
• "الأعمال الشعرية الكاملة – دار العودة – بيروت 1978".
• "الحداثة في الشعر" – دار الطليعة – بيروت 1978.
• "رسائل إلى دون كيشوت" – 1979.
• "الولادة الثانية" – 1980.
• شارك في ترجمة الكتاب المقدس.
• له العديد من الدراسات والمقالات، خاصة في مجلة شعر.
*
نبذة عن حياته
وُلد يوسف الخال في قرية عمار الحصن بوادي النصارى في 25 كانون الأول 1917، والده كان راعياً لمختلف الكنائس الإنجيلية في طرابلس حيث أمضى يوسف طفولته.
التحق في صغره بمدرسة الأميركان في طرابلس.
بعد انتهاء مرحلة دراسته الثانوية، انتقل إلى حلب ليدرس في إحدى مدارسها وهناك تعرّف إلى عمر أبو ريشة وميخائيل نعيمة.
عام 1940 ترك حلب إلى صيدا لتدريس الأدب العربي في مدرسة الأميركان، وفي هذه المدرسة أنشأ جمعية أدبية وأشرف على إصدار مجلة "الفنون"، كما دعا العديد من الوجوه الأدبية، خاصة من جماعة "المكشوف" لإلقاء محاضرات في المدرسة.
دخل الجامعة الأميركية لمتابعة الدراسة الجامعية، فنال عام 1942 بكالوريوس علوم في الفلسفة.
بين 1942 و1944 درّس الأدب العربي في الانترناشيونال كوليدج.
عام 1948 عيّن في هيئة تحرير مجلة تصدرها الأمم المتحدة في نيويورك باللغة الإنكليزية.
عام 1950 أوفدته الأمم المتحدة ملحقاً صحافياً لبعثتها إلى ليبيا بعد إعلان استقلالها لتهيئة البلاد لإدارة نفسها بنفسها.
عام 1952 استقال من العمل مع الأمم المتحدة وتولّى رئاسة تحرير جريدة "الهدى" النيويوركية، وبقي حتى العام 1955.
عام 1955 تولى أمانة تحرير "الصياد" مؤقتاً، ثم انتقل إلى جريدة "النهار" حيث قضى مدة ثلاثة أشهر مساعداً لغسان تويني.
1956 – 1958 انصرف لتدريس الأدب العربي في الجامعة الأميركية.
1957 صدرت كجلة "شعر".
1962 أصدرت دار مجلة "شعر" مجلة جديدة دعتها "أدب".
1963 أنشأ "غاليري وان" حيث عرض العديد من أعمال الرسامين اللبنانيين والعرب والأوروبيين أعمالهم.
1967 تولّى رئاسة التحرير في دار النهار للنشر منذ تأسيسها، كما أحيا مشروع "الدراسات والنصوص الفلسفية العربية" الذي يعتني بنشر التراث الفلسفي عند العرب.
1974 منحته جمعية أصدقاء الكتاب جائزتها التقديرية عن "المجموعة الشعرية الكاملة" إلا أنه رفضها.
1980 أعلن "الولادة الثانية"، "حيث طرح مسألة اعتناق اللغة المحكية في الكتابة".
|