في ذكرى مرور خمسين عاما على يوم بكفيا الثاني (1971-2021)
هذا البحث الغني بالمعلومات التاريخية، الذي كان وردنا من حضرة الأمين د. جهاد العقل ننشره لأهميته، ولأننا معنيون ان ننشر كل ما هو مفيد لتاريخنا، دون النظر الى الموقع التنظيمي للرفيق ما دام مضمون البحث لا يتطرق الى أمور إدارية، ولاننا نعتبر ان تاريخ الحزب هو لجميع القوميين الاجتماعيين، في أي تنظيم او حركة او فريق او تيار،
والأمين جهاد العقل غنيّ عن التعريف وقد عرفته منذ أواخر الستينات، ورافقته في كل مسيرته الحزبية الغنية بالنضال وبالالتزام المناقبي وبالكثير من انتاجه الوفير الذي اتحف به المكتبة القومية الاجتماعية .
انه الصديق، كان ويستمر .
ل. ن.
***
لقد سرّع إنكشاف أمر الحزب السوري القومي الإجتماعي عام 1935 في شهية الإنتداب المستعمر، في إنشاء "الأحزاب" الطائفية، لمحاربة الحزب السوري القومي الإجتماعي، فكان من بينها تجمع الفلانج "الكتائب" في بكفيا، هذه البلدة التي دخلت تاريخ الحزب على أثر حادثين هامين؛ الأول تأسيس مديريتها في فترة العمل السرّي (1932-1935(1)، والثاني وهو المعروف بـ "بيوم بكفيا" البلدة التي أعدّت لـ سعاده إستقبالا تاريخيا، بمناسبة يوم ميلاده، عرف في أدبيات الحزب باسم "يوم بكفيا التاريخي" في العام 1937(2)، وقد صعق المستعمر مع إفرازاته الطائفية بانتشار الحزب السريع في مختلف المناطق، وما رافقه من مظاهر القوّة والعنفوان، خصوصا في احتفالات الأول من آذار، ذكرى مولد سعاده. ومنذ ذلك الوقت "صمّم" مؤسس الفلانج بيار الجميّل أن يمنع ولو بالقوة الغاشمة إحياء هذه المناسبة، في مختلف مناطق تواجد الحزب، إبتداء من العام 1938، وليس إنتهاء بمحطة الأول من آذار 1971، التي سنطلق عليها مصطلح "يوم بكفيا الثاني". وذلك للتشابه، من جهة، بين عقليتي الأصيل والوكيل في قمع الحريات وعدم الإعتراف بالآخر والعمل على إلغائه، ومن جهة أخرى للتشابه في وقفة العزّ التي سجلّها القوميون الإجتماعيون في يومي بكفيا في العامين 1937و 1971 .
تعلّمت منظمة الفلانج من صانعها الإفرنجي الكره لكلّ ما هو وطني موحّد للروحية القومية العابرة للطوائف والإرادات الأجنبية، ومن هنا إنصب جام حقدها على النهضة القومية الإجتماعية، وأشدّ ما كان يرعبها ويخيفها هو هذا الإيمان العظيم المتبادل بين باعث النهضة وتلاميذه، والذي تجلى بأبهى صوره في الإحتفالات التي كان يحييها القوميون الإجتماعيون بمناسبة ذكرى ميلاد سعاده في ليل الأول من آذار، تعبيرا عن انبثاق التعاليم القومية الإجتماعية، حيث تشتعل قمم الجبال والمرتفعات بالنيران، وتتحوّل منازل القوميين الإجتماعين إلى أعراس فرح وسعادة .. ولم ينقطع هذا الإيمان المتبادل بهذه المناسبة يوما، وعلى امتداد مئة عام، وهومستمر.. والمواجهة مستمرة مع الذين حاولوا ويحاولون القضاء على هذه الظاهرة الفريدة في تاريخ هذه الأمة، والمعبرة عن توقها نحو المجد والخلود.
منذ أنشأ الإنتداب المستعمر منظمة الفلانج أوكل إليها محاربة سعاده وحزبه، والعمل على تعطيل مظاهر قوته وفرحه، وفي مقدمتها تخريب إحتفالات القوميين الإجتماعيين بمناسبة الأول من آذار، وذلك بعد فشل هذا المستعمر في تجربته على صعيدي اعتقال سعاده ومعاونيه وتعطيل هذه الإحتفالات، وفي مقدمتها يوم بكفيا التاريخي في العام 1937. وكانت التجربة الأولى الفاشلة لهذه الزمرة ليل أول آذار1938، فتصدّر جريدة "البيرق" عنوان ضخم: "شباب الكتائب يقرّرون منع تجمّع الحزب السوري القومي بالغبيرة" للإحتفال بمناسبة أول آذار(3) .
ردا على هذا الإعتداء السافر كتب سعاده، تحت عنوان :
فشل المحاولات الرجعية لقتل الروحية القومية بعد النهضة القومية لم يعد
لبنان مقاطعة للجزويت :
"ما كاد يوم مولد سعاده يأزف حتى أخذ الشعب المستيقظ في طول سورية وعرضها يتحرك ويستعد للعيد، كأن تياراً كهربائياً انطلق فيه. وكانت الاستعدادات الشعبية في لبنان أكثرها نشاطاً وحركة. وقد رأت هذه الجريدة (جريدة النهضة) المؤمنة بالنهضة القومية التي ولّدها سعاده في وطننا أن تنزل عند رغبة الشعب وتفرد عدداً خاصاً بأفكار وعواطف أبناء الأمة المعبرين عن اليقظة الجديدة، المتجهة نحو الزعيم في ذكرى مولده السعيد. فساءت هذه الحركة التجديدية في حياة الأمة مراكز الرجعة ومقامات السياسة الدينية التي ترى في فلاح الحركة القومية انهيار نفوذها وسيطرتها على الشعب السليم النية، وقضاء على الأوهام التي سمّمت الشعب بها وجعلته عبداً لها، فأحدثت ضجة عظيمة وأوهمت بعض الناس الذين لا يزالون يؤخذون بأساليبها أنّ في البلاد جيوشاً جرارة ستزحف على الشعب المبتهج بعيد مولد منقذه، وتجعل الأرض تميد بجحافلها فتنزع من دائرة الأمن العام سلطتها وتتولى البطش بالشعب. وواضح أنّ القصد من هذه الضجة هو التأثير على الحكومة لتسارع إلى اتخاذ تدابير تقي الجزويت والإكليريكيين الفضيحة الكبرى المعرّضين لها بمناسبة أول مارس/ آذار.
وقد فات هذه الطغمات أنّ زمن استعباد الشعب قد مضى، وأنّ الحكومة التي تحترم نفسها هي الحكومة التي تحترم شعبها فلا تمنع أفراحه ولا تقتل روحيته ولا تنزله منازل العبودية. لذلك رأت أن تعمد إلى أساليبها وفنونها فاستخدمت عدداً من الجرائد لنشر أخبار مغرضة. فصدرت في الثامن والعشرين من الشهر الماضي جريدة البيرق بعنوان ضخم: "شباب الكتائب يقررون منع تجمّع الحزب السوري بالغبيرة". وتحت هذا العنوان كلام مغرض (Tendencieux) عن ملحق هذه الجريدة "وتصريحاً" بلسان السيد بيير الجميّل فيه صخب كثير، وإنكار على اللبنانيين غير النفر القليل الهزيل العامل معه تحت كنف المراجع الدينية، أن يكون لهم حرية معتقد أو رأي مستقل.
ووزع من هذه "المسطرة" الصادرة في البيرق نسخ نشرتها (جريدتا)البشير ولجور(Le jour) ونقلتها جريدة "الأحوال" في عدد أمس . وقد أرسلنا مندوبنا الذي اتصل بوكيل عميد الإذاعة وسأله عن كلام البيرق ولجور عن حصول خلاف في الرأي في الحزب فقال الوكيل:
"ليس هذا الكلام سوى إشاعة ملفقة مغرضة. وهو لا يدل إلا على جهل محرري هاتين الجريدتين نظام الحزب واختصاص مؤسساته وكيفية تقرير شؤونه، فضلاً عن روحيته".
ومما يجدر بالذكر أنّ "تصريح" السيد بيير الجميّل كان له وقع سيِّىء في أوساط الشعب. ونرجح أنه كان له مثل هذا الوقع عند المنضمين إلى "الكتائب اللبنانية" عن حسن نية. وفيه يتجلى البون الشاسع بين موقف الزعيم من "الكتائب اللبنانية" ومترئسها بيير الجميّل في حوادث حل الأحزاب الببغائية التي أنشأتها الرجعة، ولا هدف لها غير مقاومة نهضة الحزب السوري القومي الرامية إلى تحرير الشعب من مستعبديه الإقطاعيين والمتلاعبين بمقدّراته، وموقف هذا الشاب المغرر به من الاحتفال بذكرى مولد الزعيم، حتى ليقال عند الكثير من الناس إنّ السيد بيير الجميّل ليس سوى آلة تستعملها الرجعة لأغراضها.
وتريد هذه الحملة الرجعية الفارغة أن تعود إلى إيهام الناس أنّ الكيان اللبناني يخص بعض اللبنانيين الذين لهم وحدهم حق التصرف به. وفي هذه الحملة تحدٍّ لشعور الشعب اللبناني وكرامته ليس بعده تحدٍّ. ولكن الشعب قابل هذا التحدي بما يستحقه من عدم المبالاة وبمتابعة الأفراح ومعالم الزينة. وبهذه المناسبة نريد أن نوجه كلمة إلى أولي الأمر إلا يؤخذوا بعد الآن بهذه الأساليب الخداعة، خصوصاً بعد أن تبيّن لهم أنّ الشعب قد كذّبهم في ادعاءاتهم تكذيباً قاطعاً، فقد جرت الاحتفالات بمولد الزعيم في جميع مناطق لبنان دون أن تحدث حادثة واحدة مما هوّل به الرجعيون واقاموا له الأراجيف.
أما جريدة البشير فقد اتخذت موقفاً غريباً جداً يسيء إلى الشعب اللبناني إساءة كبرى. فهي تتمنى على الحكومة أن تستصدر مرسوماً بتعطيل النهضة القومية الصادرة من صميم الشعب في لبنان، وإلغاء امتيازها في حين تبقي عليها هي البشير الصادرة عن جمعية جزويتية أجنبية في البلاد. وفي هذا ما فيه من المسّ بكرامة الشعب اللبناني.
إذا كانت جريدة البشير تدّعي أنّ الشعب اللبناني ليس سوى قطيع تسوقه جماعة الجزويت، فإن مثل هذا الادعاء كان يكون له بعض الصحة قبل النهضة القومية فبعد النهضة القومية لم يعد لبنان مقاطعة للجزويت ومن يدّعي تمثيل الشعب عليه أن يتوجه إلى الشعب، بدلاً من أن ينادي السلطات لتأييد نفوذه الذي مات .
الحقيقة أنّ أول أذار/مارس كان مظهرا شعبيا رائعا، سجّل للنهضة القومية إنتصارا باهرا كما سجّل للرجعية فشلا باهرا وانخذالا تاما(4). (النهضة، تاريخ 3/3/1938)
بين حادثي الأول من آذار من العام 1938 والأول من آذار 1971تستوقفني في هذه المرحلة من حياتي منارة عزّ، تخلّد في أرقى معانيها، وأسمى قيمها بطولات رفقاء ورفيقات وأصدقاء واجهوا بصدورهم العارية الرصاص، لم يخافوا الموت، ولم يتراجعوا عن الإحتفال بذكرى ميلاد سعاده، حتى ولا كانت أجسادهم سلما ترتفع عليه الأجيال القادمة نحو قمم البطولة والعزّ . ليلة الأول من آذار(28 شباط 1971)،ستبقى في ذاكرة أجيال هذه الأمة عبرة ومغزى للصراع الهائل بين قوى الحق والخير والجمال وبين شراذم الباطل والشرّ والتشويه والقبح . وقد سجّلت في كتابي "بكفيا الكبرى ونحن، من يوم بكفيا حتى اليوم" ( 5 ) وقائع وشهادات الذين شاركوا في هذا اليوم التاريخي، الذي اعتبره يوما تاريخيا ثانيا، تشهده بكفيا بعد اليوم التاريخي الأول الذي شهدته هذه المدينة إثر زيارة سعاده لها في الأول من آذار 1937 ، للمشاركة في الإحتفال الذي نظّمه القوميون الإجتماعيون في ساحة بكفيا، يوم الأحد 20-2-1937 إحتفاء بميلاد سـعاده(6).
لم يسعدني الحظّ لأشارك في يوم بكفيا التاريخي الأول، لأمتّع النظر بطلّة سعاده، وهو يستعرض صفوف القوميين الإجتماعيين، ولأستمع لنبرات صوته، وهو يخطب في جمهور المحتفلين، ولأشاهد "المعركة" غير المتكافئة بين عزيمة القوميين، وضراوة "شرطة" المستعمرين الذين أرسِلوا لتأديب المجتمعين... ولكنّ مرويات من شارك في هذه الذكرى( وقد أجريت مقابلات مع بعضهم)(7) يعيد بعث مشاهد وأحداث هذا اليوم وإحياءها.. وكأنّك واحد من الذين أدّوا التحيّة القومية الإجتماعية لـ سعاده لحظة أطلّ عليهم في هذا اليوم التاريخي من شرفة فندق "كونتينتال"(8)، المطل على ساحة بكفيا، والمجاور، حاليا، لمكتب "مديرية بكفيا" ..
إلا أنّ القدر شاء أن أشارك في يوم بكفيا التاريخي الثاني في ليلة الأول من آذار عام 1971، وأكون فيه أحد المسؤولين في هيئة مديرية بكفيا(9) التي نظّمت أعمال الإنارة في تلك الليلة . وقد خصّصت في كتابي "بكفيا الكبرى ونحن"، الجزء الأكبر من المقالة الخامسة منه ، وعنوانها "العمل السياسي في بكفيا "(10)، لعرض مفصّل لإفادات الرفقاء والأشبال والأصدقاء والأمهات الذين شاركوا في هذا اليوم التاريخي. وفي ما يأتي التقرير المفصّل لهذا الحدث وتداعياته، والتي سأتطلق عليه إسم "يوم بكفيا الثاني"، للقاسم المشترك بين اليوم الأول .. واليوم الثاني .. ألا وهو الإعتداء على القوميين الإجتماعيين، وموقفهم البطولي الذي عزّ نظيره. ومن هذين اليومين نستخلص، أيضا من الدروس، ما يشكّل عبرة للأجيال المقبلة في معنى البطولة المؤيدة بصحة العقيدة .
أسأل في مقدمة المقالة الخاصة بــ"حادث أول آذار 1971":
هل اتخذت قيادة حزب الكتائب،في تلك الليلة، قرارا يقضي بأن تنطلق "بوسطة عين الرمانة" من بكفيا ؟ وهل تمكّن القوميون الإجتماعيون، كعادتهم، بوعيهم وحكمتهم، من تعطيل مفاعيل هذا القرار، وقطع الطريق على مسيرة هذه البوسطة؟ التي أطلقتها الكتائب ذاتها، فعليا، في 13 نيسان 1975، لتشعل إقتتالا داخليا، دام حوالي 15 عاما، وما زالت تداعياته المأساوية بامتياز مستمرة، حتى كتابة هذه الصفحات . والمؤلفات التي يمكن مراجعتها للتعرّف على هذه الأحداث متعدّدة، ويمكن مراجعتها، للتعرف على تلك الحقبة السوداء في تاريخ هذا الوطن(11)
الإجابة عن السؤالين المتقدمين، نتركها للقارئ أن يستكشف بنفسه، حقيقة ما جرى في تلك الليلة الظلماء، وذلك من خلال مشاهدات وإفادات المشاركين في مهمة التنوير. وما يهمّ من هذه المدونات الخاصة بتلك الليلة التاريخية، الدروس المستخلصة من أحداثها، ومواقف المشاركين فيها والمعتدى عليهم .
1 - شارك في التنوير، رفقاء ورفيقات، أشبال وزهرات، ومواطنون تراوحت أعمارهم بين 14 و 53 عاما، ينتمون إلى معظم عائلات بكفيا الكبرى: العقل، عباس، صليبا، سكاف، خليل، جبور، حداد، أبو حنا، سابا، نكد وأبو رحال .. وكانوا عزلا، أي لا يحملون سلاحا ولا أدوات أخرى، إستخدموا في مهمتهم سيارتين تابعتين للرفيقين توفيق جبور والياس خليل. ومن المفارقات مشاركة الرفيق توفيق جبور53عاما، في يوم بكفيا الثاني، وهو أحد أبطال يوم بكفيا الأول، وهو من مواليد 1918، إنتمى إلى الحزب عام 1933، توفي سنة 1997(12)
2 – شارك في الجانب الآخر في الإعتداء: مسلحو الكتائب من قسم بكفيا، ومن خارج المنطقة بكامل عتادهم الحربي، مستخدمين عدّة سيارات عسكرية ومدنية .
كانت العملية بقيادة بشير الجميل وبتوجيه مباشر من بيار وأمين الجميل وبعض مسؤولي كتائب بكفيا المحليين. ومجرى التحقيقات، والتعديات المبرمجة التي تلّت تلك الليلة، تؤكد تورط قيادة الكتائب في تلك الأحداث، وسيرد تفاصيل ذلك في السياق .علما أنّ مهمة الكتائب في تلك الليلة لم تكن بنت ساعتها، بل جرى لها الإعداد والتخطيط والتعبئة، خصوصا أنّ المجموعة الأولى التي تلقت تدريباتها في "إسرائيل" شاركت في ذلك الإعتداء الأسود .
و كانت المهمة محدّدة: منع التنوير باستخدام القوّة وحتى الإقدام على القتل الجماعي للقوميين الإجتماعيين.
سجّل القوميون الإجتماعيون وأصدقاؤهم في يوم بكفيا الثاني، كما في يوم بكفيا الأول – سابقا -، وكما في الثالث عشر من تشرين الأول من العام 1990 –لاحقا - بطولات عزّ نظيرها، ووقفات عزّ لن يمحوها الزمن، ستبقى خالدة في سجل الحزب السوري القومي الإجتماعي، وفي نفوس أبناء بكفيا جيلا بعد آخر .
جورج يوسف عباس بطل يوم بكفيا الثاني
البطولة، في المفهوم العام، هي بسالة خاصة بكبار الشجعان . وهي مجموعة من أعلى القيم المناقبية التي تتحقّق في الحياة وقيمتها هي القيمة المناقبية الأساسية التي بواسطتها تعبّر أسمى قيم النهضة وأعمقها عن نفسها. ولنا في التعاليم السورية القومية الإجتماعية درسا عميقا في معنى البطولة - فضيلة الفضائل في النهضة- المؤيدة بصحة العقيدة، والتي كان لحزبنا الشرف القومي الكبير في إفتتاح عهد البطولة الشعبية الواعية المؤمنة المنظمة في أمتنا ، والثبات على طريق البطولة، وعدم التخلي عنها، والركون إلى طريق المساومة الغرارة .
عرفت الرفيق جورج، وهو من مواليد العام 1948، زميلا لي في الدراسة في مدرسة المحيدثة الرسمية، هو من أعزّ أصدقائي الكثر ومن أقربهم إلى مشاركتي في اللعب والتنزه والصيد، وحضور الحلقات الإذاعية، وتوزيع البيانات الحزبية، والإنتماء الى الحزب، وعندما باشرت عملي الليلي في مركز هاتف بكفيا، لم يغب ليلة عن الحضور مع اصطحاب أحد المواطنين لتدريسه العقيدة القومية الإجتماعية . ولما علم بعلاقتي بشقيقته مرسال، قال لها مازحا : "إبتعدي عن جهاد، إنّه من أعزّ أصدقائي؟!" .
الرفيق جورج عباس أول من تهجّر من بكفيا، بعدما نسف الكتائبيون سيارته أمام منزله، في حي العامرية-بكفيا، عام 1975، إنتقل إلى ضهور الشوير. وتجربته مع التهجير كانت مرّة للغاية، وهو والد لثلاثة أطفال: يوسف، ثائر ونسرين .. غادر بكفيا واستقر في ضهور الشوير، حيث التحق بالمديرية وتسلّم مسؤوليات حزبية محلية ومركزية، وشارك في معارك المتن الشمالي، خصوصا في صنين والغرفة الفرنسية وشرين والعيرون. (ذلك بالرغم من إصابته البالغة في "يوم بكفيا الثاني"، تلك الإصابة التي عانى منها عشرات السنين، ألما وعذابا، وأدت في النهاية إلى وفاته). ومنزل الرفيق جورج عباس في الضهور كان مقصدا للعابرين من "المنطقة الشرقية" باتجاه قرى المتن العليا والبقاع وبالعكس، وكم من مرّة تدخّل لحماية أحد المشبوهين من "الأجهزة الأمنية" في المنطقة. وبحكم عمله في تصليح البرادات والغسالات والمكيفات، فقد جاب منطقتي البقاع والجنوب، وتعرّف فيها على القوميين الإجتماعين، وتميّز الرفيق جورج بمهارته في عمله، وبثقافته العقائدية، وبصلابته في مواقفه، وشجاعته وإقدامه وجرأته وهو من القلائل الذين صمدوا في ضهور الشوير، استعدادا لمواجهة الإجتياح الإسرائيلي في العام 1982. أمّا بطولة الرفيق جورج عباس فقد ظهرت بوضوح ليلة أول آذار 1971. يوم حاول مسلحو الكتائب قتل الرفيق جورج قصدا وعمدا وبطريقة وحشية، وعندما نجا بأعجوبة لحقوا به إلى المستشفى، بعد انصراف القوميين، في محاولة للإجهاز عليه نهائيا.
توفي الرفيق جورج عباس فجر الثاني من شهر شباط 2015، ونحن على مسافة قريبة من ذكرى الأول من آذار، توفي متأثرا بجراح بطولته التي لازمته منذ الأول من آذار 1971، في مستشفى ضهر الباشق الحكومي، وأقيم له مأتم عادي.. وقد لامني بألم وحزن أحد أبناء بكفيا على ذلك بالقول: يشيّع جورج عباس في بكفيا بدون مأتم حزبي، أين أنتم ؟.
علما أنّ بكفيا شهدت لأول مرّة مأتما حزبيا منظما وحاشدا في وداع الرفيق الياس العقل في شهر نيسان من العام 2000(13) .
وللتاريخ أروي ما حصل في ذلك اليوم: كنت قد أعددت لإقامة مأتم حزبي للرفيق جورج، بعد التشاور مع شقيقته – زوجتي الرفيقة مرسال، في المقابل إتصل بي، هاتفيا، حضرة رئيس الحزب الأمين أسعد حردان، مستفسرا عن التحضير لمأتم الرفيق جورج ، وعن الترتيبات الحزبية والأمنية لذلك، فأعلمته بكلّ أسف أنّ المأتم هو عادي، ولم ندخل في التفاصيل، شارك عميد الدفاع الرفيق زياد معلوف، في المأتم وتقبل التعازي.
وأنا، اليوم، أعترف عن عجزي في التعبير عن حادثة يوم بكفيا الثاني بصفّ الكلمات وتنميقها، وأترك للرفيق جورج نفسه وللشبلين المشاركين معه في التنوير، شقيقه الياس 14عاما، ومشهور العقل 14 عاما، رواية ما حصل في تلك الليلة، على أن ننشر، بعد ذلك الملف الكامل لوثائق "يوم بكفيا الثاني ".
جورج عبّاس:
"عندما أشعلت النّار وصلت سيّارة بيجو زرقاء خاصّة ادوار بشير ومعروفة منّي شخصيّاً وهي للكتائب. توقّفت وترجّل منها مسلّحون رأيت أربعة وعرفت منهم ايلي ادوار بشير وجان سبع ساسين. وكان ايلي بشير يتراّس الفرقة لأنّه باشر ياعطاء الأوامر.
وصل اليّ وقال: "مش عارفين انّو هالأشياء ممنوعة" (أي التّنوير)
أجبته:" نحن معنا ترخيص من من وزارة الدّاخليّة"
ايلي:" وينو هالتّرخيص؟"
أجبت:" مش كل مين بدّو يشعل دولاب بدّو ترخيص من الوزارة. وهذا الأمر من اختصاص الدّرك."
أمرني بالرّكوع ورفع يديّ.
أجبت:" لا تتأمّل بهكذا شغلة. أنا لست من الّذين يركعون.
فابتعد عنّي خطوة وأمر زميله المرافق له باطلاق النّار عليّ (قوّصو) فأطلق النّار فأصبت وارتميت أرضاً.
فعاد اليّ وبدأ يرفسني على معدتي وصدري... وطلب من أخي أيلي أن يسحب الدّولاب المشتعل ويرميه عليّ.
قال له ايلي لا أفعل هذا أخي فضربه أو رفسه (فتأوّه من الم الضّربة). وكان لا يزال يرفسني حين وصلت سيّارة الدّرك. عندها صعد الكتائب الى سيّارتهم. وسمعت أحد الدّركيّين يقول سجّلوا رقمها وسمعته يردّد الرّقم.
طلب الدّرك من أخي وابن خالتي أن يحملاني الى السيّارة، فما تمكّنا، فحملني الدّرك ورموني في الجيب. ولم يحملوا أخي وابن خالتي معهم.
في الطّريق الى المخفر سمعتهم يتحدّثون. واحدهم يقول بانفعال كيف لم يجرّبوا أن يعتقلوا الفاعلين أجابوه (كانوا رشّونا بالنّار).
أمام المخفر سمعت الدّرك يقولون أنّهم سيطلبون الضّابط. وبعدها نقلوني الى المستشفى (مستشفى سيدة النجاة بكفيا). وفي المستشفى بدأ الدّرك معاملتي بالحسنى ((بعد بعض الاهمال القاسي في الجيب وأمام المخفر)). ..."(راجع كامل الإفادة ص ...)
ايلي يوسف عبّاس: (أربعة عشر عاماً)
"شاهدت سيّارة بينما كنّا نبحث عن أوراق أو غيرها لاشعال الدّواليب. وقد شاهدت سيارتين تمرّان ذهابا وايابا وخلفهما بفترة قصيرة دقيقة، درك، وقد مرّت السيّارات أكثر من مرّة " مرّتين أو ثلاثة".
بعد أن أشعلنا أول وثاني دولاب وباشرنا باشعال الثاّلث وصلت سيارة زرقاء وأعرفها أنّها سيارة آل بشير. ووقفت السيارة على الكوع وترجّل منها عدد من الأشخاص أربعة اقتربوا منّا وبقي آخرون بالقرب من السيّارة. والأربعة مسلّحون بسلاح ظاهر. وقد عرفت منهم ايلي ادوار بشير. واقترب أحد المسلّحين منّي واخر من مشهور توفيق العقل ووقفا من ورائنا. واقترب ايلي بشير وآخر لا اعرفه من جورج عبّاس وقال ايلي بشير مخاطبا جورج: (الرّشاشات في ظهرنا) ممنوع التّنوير هون، معكم رخصة؟ فأجابه جورج بأنّ معنا رخصة من الحكومة. فطلب ايلي بشير من جورج أن يبرزها فقال له جورج موجودة في المركز تحت فتفضّل لأريك ايّاها.
فقال له ايلي بشير: "ارفع يديك بدّي نبشّك"
فقال له جورج: "شلّلي ايدي ونبّشني"
فقال لنا ايلي بشير:" اركعوا"
ركعت أنا ومشهور وفتّشونا ورفض جورج الرّكوع. واقترب ايلي بشير من جورج وسمعته يقول قوّص، فقوّص، ارتمى جورج أرضا فوقفنا أنا ومشهور، وأقبل ايلي بشير يرفسه باتّجاه الشوار واقترب منّي قائلا ضع الدّولاب على رفيقكن فقلت له نعم ماذا تقول، فلبطني وأطلق المسلّح الاخر رصاصتين واقبل احد الّذين كانوا قرب السيّارة وقال لأيلي ومن معه "خبّوا سلاحكم اجوا الدّرك". ...
وقال لي المستنطق: "انت داخل بالحزب"
فأجبته: "لا"
قال لي: "وظيفتك في الحزب"
قلت له: "أنا شبل"
"متى تنتمي الى الحزب؟"
قلت له: "بعد أن أتفهّم العقيدة وأدخل سن ّالبلوغ أنتمي الى الحزب"، ومن ثم سألني: "هل جورج قال لك أن تطلع معه أو انت قلت له؟"
أجبته: "أنا قلت له بدّي اطلع معك"
فسألني عن وظيفة الياس خليل في الحزب. فقلت له: "والله ما بعرفش ما بتعاطى كتير، مش من شغلي. وطلب منّي أن أقصّ عليه كيف حصل الحادث.
فرويت له الحادثة. "فكررت له ما قلته هنا".
فسألني المستنطق: اذا كان الدّرك قد عرفوا الأشخاص الّذين اطلقوا النّار. فأجبته: "بالطّبع لازم يعرفوا لأنّو عند وصول الدّرك كان السّلاح في أيديهم وأيلي بشير يرفس جورج عبّاس". ..(راجع كامل الإفادة ص ؟؟)
توفيق مشهور العقل: (أربعة عشرعاماً)
"...وصلنا وأشعلنا بعض الدّواليب. بعد حين وصلت سيّارتان (لا يوجد جزم بأنّهما نفس السياّرتين الّلتين رأيتهما في الأوّل) توقّفنا على الكوع على بعد ثلاثة أو أربعة أمتار. اتّجه صوب جورج ثلاثة أشخاص وعدد آخر بقي بالقرب من السيّارتين. جميعهم يحملون سلاحاً ظاهراً. اثنان منهما وقفا ورائي ووراء "أيلي" والاخر ذهب باتّجاه جورج وقال له: "مش عارف ممنوع التّنوير". أجابه جورج: "معنا رخصة روح شوفها بالمركز" وطلب المتكلّم من الشّخصين الموجودين وراءنا أن يقوما بتفتيشنا ففعلا.
الّذي كان يتكلّم مع جورج طلب من جورج ان يركع ويرفع يداه. رفض جورج فأعلن المتكلّم أمر باطلاق النّار. أطلق أحدهم النّار. ولا أعرف من أطلق التّار من هؤلاء المسلّحين. وارتمى جورج على الأرض بعد أن أصيب. ونفس الّذي أطلق النّار طلب من أيلي أن يرمي الدّولاب المشتعل على أخيه فرفض أيلي. وبعد أن رفض رفسه، رفس المسلّحون جورج ومزّقوا سترته بعد أن أطلقوا عليه النّار. أحد المسلّحين وقامته قصيرة ويرخي لحية وشعره طويل رفسه ونبّشه فلم يلاقوا معه شيء. في هذه الأثناء، وصلت سيارة الدّرك عندئذ، طلب منّا المسلّحون أن نختبىء فامتثلنا ونخّينا. وصل الدّرك. وسمعت صوت يقول: "ضبّوا السّلاح وصل الدّرك" أمّا الّذي أطلق النّار بقي سلاحه معه وشاهده الدّرك فلم يقولوا له شيء. والّذي أطلق النّار تكلّم مع الدّرك فلم أفهم ما قاله ثمّ ركب المسلّحون سيّارتهم وانصرفوا. أتى الدّرك نحونا وسألونا " مين قوّصو؟". قلنا: "يلّلي عم تحكو معه".
وطلب الدّرك منّا أن نحمل جورج فقلنا أنّنا لا نقدر على حمله. عندها طلب أحد الدّركيّين من الاخرين أن يأتوا ويحملوا جورج. أجاب الاخرون: "يلّي قوّص يجي يحمل". وبعدها أتى الدّرك وحملوا جورج الى سيّارتهم الجيب ونحن عدنا ركضاً..."
على أثر هذا الإعتداء الإجرامي الموصوف والواضح كعين الشمس، وبكلّ وقاحة واعتراف ضمني بحقيقة مسؤولية الكتائب عن هذه الجريمة النكراء ، يصرّح بيار الجميل، بقناعة القاتل "لقد أخفى القوميون الإجتماعيون قتلاهم وجرحاهم"، نعم الخطة كانت أن يقتل ويجرح جميع الذين شاركوا في التنوير .
لم تكن الليلة الأخيرة من شهر شباط من العام 1971، ليلة عادية، بالنسبة للسوريين القوميين الإجتماعيين، الذين اعتادوا أن يحتفلوا في مثل هذه الليلة، بذكرى ميلاد سعاده، وذلك منذ تأسيس مديرية بكفيا في العام 1934، فيشعلون النيران على قمم الجبال ، وعلى المرتفعات في أماكن تواجدهم، ...وحيث لا توجد مراكز للمديريات لإقامة الإحتفالات الخطابية والضيافة بالمناسبة، تتحوّل منازلهم إلى لقاءات تجمع العائلات القومية وأصدقائها، لتحتفل بذكرى ميلاد سعاده ، الذي اعتاد القوميون الإجتماعيون وأصدقاؤهم في الوطن وعبر الحدود وفي السجون والمعتقلات، وأثناء الملاحقات، الإحتفال به، ليس طقسا عاديا ، بل تعبيرا عن الرسالة القومية الإجتماعية، وفي هذا المعنى، قال سعاده في إحدى إحتفالات أول آذار :" إنّي لا أتصوّر هذا الإحتفال أعدّ لشخصي مجرّدا عن التعاليم القومية الإجتماعية " وكان من أبرز مظاهر التعبير عن الفرح في هذه الذكرى إقامة الإحتفالات وإلقاء الكلمات المعبّرة، وتوزيع الحلوى، وإضاءة الشموع على شرفات المنازل، وإشعال النيران على المرتفعات المطلّة على القرى والمدن والدساكر، كما تسلّق القوميون قمّم الجبال العالية التي تكسوها الثلوج المرتفعة لإشعال النيران إيذانا بانبعاث نور الحياة في جسم الأمة الهادية والقائدة المعلمة لشعوب الأرض . وتعود عادة إشعال النيران إحتفاء بمولود أول آذار، الى العام 1936، عندما كان سعاده يقضي ليلة ميلاده في السجن، إشتعلت قمّة جبل صنين بالنار، ولأول مرّة في التاريخ، أشعلها القوميون الإجتماعيون، رمزا لنور النهضة الأبدي الذي لا ينطفئ أبدا . ومنذ ذلك الوقت والقوميون الإجتماعيون وأصدقاؤهم في بكفيا، ينيرون التلال المحيطة ببلدة بكفيا وجوارها، بمناسبة الأول من آذار، تعبير فرح وسعادة بميلاد سعاده باعث النهضة السورية القومية الإجتماعية، ومنقذ الأمة..وصاحب النظرة الفلسفية الشاملة للحياة والكون والفنّ . وكانت إجتماعات ولقاءات ونشاطات واحتفالات القوميين الإجتماعيين تلاقي استحسانا وتأييدا ومشاركة فعّالة من معظم أهالي البلدة، التي دخل الحزب إلى كلّ بيت من بيوتها ..ولم يقع أيّ إشكال يُذكر، إلى أن كان ليل 28 شباط 1971، عندما قرّرت قيادة الكتائب منع القوميين الإجتماعيين من ممارسة حقهم في التعبير عن معتقدهم، وأصدرت أوامرها إلى مسلحيها بمنع "التنوير" حتى لو كلّفهم الأمر الإقدام على قتل كلّ مَن ينوّر في بكفيا ، وهذا ما تدلّ عليه وقائع الإعتداء وإفادات الشهود، وما ذهب إليه القضاء في إدانة الكتائب، وما صدر من تصريحات لرئيس الكتائب في وقته، ومن بينها "لقد أخفى القوميون قتلاهم وجرحاهم"، لأنّ التقارير التي وردته من أماكن التنوير، تشير إلى وقوع عدّة إصابات بين قتيل وجريح في صفوف القوميين ، بنار عناصرالكتائب، الذين أطلقوا النار بغزارة من أسلحة أتوماتيكية في عدّة مواقع للتنوير، ولم يتمكنوا في الظلام من التحقّق من الإصابات، بسبب حكمة القوميين، ففبركوا التقارير المزوّرة التي استند عليها رئيس الكتائب في تصريحه، ومنها: " القوميون أخفوا قتلاهم وجرحاهم "، و "القوميون أطلقوا النار على بعضهم ! " . وفي ما يأتي إفادات المشاركين في التنوير التي تقضح أكاذيب الكتائب، وتكشف حقيقة ما جرى في يوم بكفيا الثاني، علما أنّ هذه التقارير تنشر للمرّة الأولى، مع ذكر الأسماء كاملة .
مع التوضيح، وما لم يذكر سابقا، أنّنا في مديرية بكفيا، وبعد الإعتداء علينا، طالبنا قيادة الحزب بتزويدنا بالأسلحة للردّ المناسب على المعتدين الذين تجمعوا في بيت الكتائب، إلا أنّ القيادة رفضت لأنّها كانت تدرك أنّ الكتائب تريد استدراج الحزب لتفجير الأوضاع الأمنية في لبنان إنطلاقا من بكفيا. علما أنّنا كنا قد تابعنا سلسلة من الدروس التدريبة والقتالية واستعمال الأسلحة، وشارك البعض منا في مخيم عين الخسفة في المنتفردي عام 1970 . وفي إحدى الدروس الميدانية في منطقة نعص بكفيا، بإشراف الضابط الرفيق ن.م. توصلنا إلى محاصرة مجموعة من كوادر الكتائب التي كانت تتلقى التدريبات، في صيف 1970، بإشراف بشير الجميل، وتمكنا من الوصول إلى مسافة قريبة منهم، بالرغم من الحراسة المشدّدة، مكنتنا من سماع الأحاديث التي كانت تدور بينهم .
وثائق إعتداء الكتائب على القوميين الإجتماعيين في "يوم بكفيا الثاني"
تظهر هذه الوثائق الأماكن التي قصدها القوميون الإجتماعيون في بكفيا للتنوير إحتفاء بذكرى ميلاد سعاده، ليل 28 شباط 1971، إلى جانب إفادات ومشاهدات المشاركين في يوم بكفيا الثاني. مع التركيز على حادث الإعتداء على المستشفى الذي كان يعالج فيها الرفيق الجريح جورج عباس، مع الإشارة، في النهاية" إلى الملاحظات المستخرجة من تلك الوثائق.
-أ-1- المكان الاول
منطقة المقالع باتجاه ضهور الشوير القديمة.
-ب-1- مشاهدات الذين كلفوا باشعال النار فيه:
راغدة نصري العقل:(عمرها سبعة عشر عاما)
شاهدنا في الطريق على طريق ضهور الشوير القديمة سيارة بيضاء فيها اشخاص قال لنا جورج عباس و نضال العقل: "لا تخافوا الكتائب هنا"
و بعد ان انزلنا الدواليب ذهب جورج عباس و ايلي عباس و مشهور العقل في نفس السيارة الجيب التي كنا فيها الى المكان الاخر للتنوير(حيث اصيب جورج عباس).
بانتظار وقت الاشعال ابتعدنا عن الدواليب و بقيت مرسيل العقل قرب الدواليب. وبعد حوالي عشر دقائق اقبلت سيارة و وقفت على بعد قليل و سلطت انوارها الى مكان وجودنا. رأيت شخصين واحدهم بيده سلاح والاخر يده خلف ظهره. اقتربا من مرسيل عباس العقل و تحدثا معها. وبعدها ذهبا سيرا على الاقدام لان السيارة كانت قد تركتهما فور انزالهما منها.
اشعلنا الدواليب مع مرسيل العقل و انتظرنا الدواليب حتى اشرفت على الانطفاء. سمعنا طلقات نارية (اقدر ثلاث طلقات) وعدنا سيرا على الاقدام بطريق الغابة (قادومية)
اخبرنا ايلي عباس ان جورج عباس قد أصيب.
مارسيل عباس العقل(عمرها عشرون سنة)
بعد ان انزل جورج عباس الدواليب معنا و انصرف.
قلت للذين معي ان يبتعدوا (يتخبوا) وانا احرس الدواليب.
بعد حوالي عشر دقائق اقبلت سيارة انوارها مطفأة. وعلى مسافة حوالي عشرين مترا مني سلطت نورها نحونا.
ترجل منها حوالي سبعة اشخاص مسلحين عرفت منهم ايلي ادوار بشير و بشير الجميل. تجمعوا امام السيارة. ثم اختبأوا بين الصخور القريبة من السيارة.
تقدم اثنان منهم في اتجاهي. فاقتربت منهما و سألتهما.
"نعم ماذا تريدون؟
اجابوا: رفقاء بكفيا هنا؟"
قلت:"نعم ومن انتم؟"
اجاب احدهم:"نحن رفقاء من الضهور"
قلت: "مبين عليكم كتير"
صاح: "دلينا عليهم"
اجبت بشدة: "انا هم..ماذا تريد؟"
كان واحدهم يحمل رشاشا.و الاخر كلمني و يبدو انه كان يحمل سلاحا لم يشأ أن يظهره لي. اذا شاهدت الشخصين يمكن أن أتعرف اليهما لانني لم أكن أعرفهما قبل. بعدها اشعلنا الدواليب و انتظرنا حتى اشرفت على الانطفاء. وعدنا في طريق "القادومية" في الوقت الذي كنا نشعل فيه النار سمعنا طلقات نارية.
وقد عرفنا أن جورج عباس اصيب، من ايلي عباس (اخ جورج)
نضال العقل (عمره ثمانية عشر عاما)
انزلنا الدواليب و المحروقات و سلمنا قسم من المازوت للرفيق جورج عباس و اكمل في السيارة على بعد حوالي ثلاثماية متر.
قبل ان نشعل النار وصلت سيارة . صوبت ضوها باتجاهنا و كنا غير منظورين باستثناء مارسيل عباس العقل . قدرت انها من نوع (اوستن موريس) ترجل منها عدة اشخاص وساروا باتجاهنا.
توجهت نحوهم مارسيل. وكلمتهم. لم اتمكن من سماع الحديث ما عدا سؤالها "ماذا تريدون؟" ذهب الاشخاص واتت مرسيل الينا وحدثتنا بالذي حصل معها.
في الساعة السادسة و النصف تقريبا اشعلنا النار. وسمعنا طلقات نارية من اسلحة حربية. (ثلاث طلقات ثم بعد طلقتان).
حين قاربت النار من الانطفاء رجعنا بطريق حرجية (قادومية).
ذهبت الى البيت لأغسل يدي من المازوت وجدت أيلي عباس ومشهور العقل واخبراني ان جورج عباس اصيب. فقد اطلق الكتائب النار عليه...
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
أ-2- المكان الثاني: منطقة "الصندوق" (محلة الحاج الياس) بكفيا
ب-2- مشاهدات المكلفين باشعال النار
نسيم صليبا:
انطلقنا من مركز تجميع الاطارات و المازوت الساعة السادسة و الربع تقريبا.ولما وصلنا الى المكان الذي انتقيناه للتنوير شاهدنا عند مدخل الطريق الفرعية حيث تتوجه سيارة بيجو زرقاء. لم اتمكن من معرفة ركابها لانني كنت في مؤخرة السيارة. تقدمنا قليلا الى الامام بعد ان خرجت سيارة البيجو الى الطريق العام وبدأنا بتنزيل الاطارات. وبعد برهة وصلت سيارة البيجو نفسها وتوقفت بالقرب منا. لم نكلم احدا من الذين كانوا فيها. حملنا الاطارات و توجهنا الى المكان المقصود للتنوير. حين وضعنا الاطارات تطلعت الى فوقنا فرأيت شبابا يتمشون باسلحتهم على الطريق الفرعية. وقبل ان نباشر بالتنوير سمعت "صفيرا" و صوتا يقول: "سيسو شو؟" وسكت.
واطلقت رصاصات ظننا انها لتخويفنا او التهويل علينا. وبعد اشعال النار سمعت طلقين آخرين. وبعدها لم نعد نرى هؤلاء الشباب ولا نسمع اصواتهم. وبعد قليل وصلا سيارة اخرى لم اتمكن من معرفتها لانني كنت اشعل الدواليب التي انطفأت. ونزل من هذه السيارة شباب مسلحون. وركضوا على الطريق فوقنا وبعد بضع دقائق ذهبت السيارة.
بقينا نحرس الاطارات المشعلة.
كنا نتحدث بشأن الطلقات التي سمعنا أزيزها فوق رؤوسنا سمعنا طلقات رشيشات متواصلة في المنتزه حيث كان بعض رفقائنا يشعلون النار.
وبعد قليل وصل واحد منا وسألنا اذا كان احد قد تعرض لنا ,فاخبرناه بما حصل فقالوا لنا ان نعود .فغادرنا المكان سيرا على الاقدام حتى وصلنا الى جسر المحيدثة فرأينا سيارة احدنا. فذهبنا نحوها لنستفسر عن رفقائنا. فقال لنا احد رفقائنا ان جورج عباس اصيب برصاصة في أليته. فذهبت الى المخفر ثم الى المستشفى.
بشاره منير الحداد (عمره واحد و عشرون عاما)
وصلنا الى المكان حوالي السادسة و النصف. شاهدنا عند اول المفرق (نحو الطريق الفرعية) سيارة جيب درك تغادر الطريق الى الطريق العام. بعد ان ابتعد نور السيارة رأيت شخصا مدنيا قد يكون قد نزل من سيارة الجيب او انه كان يتحدث مع الدرك.
دخلنا الطريق المتفرغ شاهدت سيارة بيجو زرقاء اعرف انها تخص آل بشير كان يقودها ايلي بشير و بجانبه جورج اسمر ، ومعهما في المقعد الخلفي اشخاصا لم اتمكن من معرفتهم. او ان اتبين عددهم.
اوقفنا سيارتنا بعد ان وصلنا. فعادت سيارة البيجو من الجهة الثانية وتوقفت وراءنا على بعد حوالي خمسة عشر مترا، وكانت انوارها مسلطة نحونا.
نزلنا من سيارتنا وحملنا اطارات الكاوتشوك و المازوت و نزلنا بين الصخور والاشجار.
رأينا نارا متقدة لا يوجد بقربها احد. فتبادر الى ذهني ان الاشخاص الموجودين مع سيارة البيجو هم الذين اوقدوا النار، وانهم كانوا متربصين يترصدوننا قبل مجيئنا .
وزعنا الاطارات في المكان المحدد. وكنا نشاهد سيارة البيجو. وقد ترجل منها مسلحون. نزلوا اثنان الى يمينها واثنان الى يسارها. أطلقوا بعض العيارات النارية و توقفوا.
احد صفر لرفاقه "بنغمة" اعرفها جيدا و اعرف صوت الصفرة. انه سمعان عيد النهري وكانت المسافة بيني و بينهم حوالي عشرين مترا.
اشعلنا الاطارات. فعادوا و اطلقوا النار- فوق رؤوسنا -.
ذهبت سيارة البيجو و كنت اسمع وقع اقدام مما يدل على انها تركت بعض الاشخاص بعد قليل وصلت سيارة اخرى لم اشاهدها. سمعت "زمورها" وتأكدت من صوت محركها انها سيارة "اوستن".
سألت رفقائي اذا كانوا قد عرفوا السيارة فقالوا هذه سيارة بشير الجميل. سمعت اطلاق النار من المكان الذي كان فيه جورج عباس و شاهدنا سيارات تروح و تجيء. وسمعت نيران غزيرة من جهة النعص المنتزه.
عند قرب انطفاء الاطارات جاء احد رفقائنا و سألنا اذا كان حدث لنا شيء. اخبرناه بما حصل و نزلنا مشيا على الاقدام.
عند جسر المحيدثة عرفنا ان رفيقنا جورج عباس اصيب و نقله الدرك الى المستشفلى.
ضياء نجيب سكاف:
كنت في محلي للحلاقة في جسر المحيدثة. مرت سيارة جيب (خاصة الياس خليل) ذهبت مع من فيها. وصلنا الى محلة الشنستيري (الصندوق – طريق ضهور الشوير) و في طريقنا رأيت سيارة زرقاء فيها ايلي بشير (سائق السيارة) وجورج اسمر الى جانبه. ولم اعرف الاخرين فيها. اشعلنا الاطارات. سمعنا طلقات نارية باتجاهنا و ظهر علينا ثلاثة اشخاص و قالوا "وقفوا لا تولعوا" كانوا على مسافة حوالي عشرين مترا. لم اعرفهم. لكننا تابعنا الاشعال. ولاحظت تسلل شباب مسلح حولنا.
سمعنا اطلاق نار من اماكن اخرى. عند الانتهاء اي قرب انطفاء الاطارات عدنا الى المحيدثة وهناك عرفنا ان جورج عباس اصيب. كانوا ستة اشخاص في هذا المكان.
أ-3 - المكان الثالث – منطقة العامرية
ب- 3 - المشاهدات
في طريق عودة الذين اوصلوا الاطارات اي قبل وقت الاشعال (حوالي السادسة مساء) شاهد جوزيف نصري العقل سيارة النائب امين الجميل (فاليانت)متجهة نحو الساحل و هو يقودها.
لم يشاهد موقدو النار اي شيء.
أ-4- المكان الرابع منطقة بحرصاف – الميتم طريق بحنس- بحرصاف
ب-5- المشاهدات
سيارة خضراء أميركانية الصنع اتجهت بسرعة عن الطريق العام الى مكان الاشعال فتنبه الرفقاء لسرعتها وتجنبوا ضؤها فدارت في الارض السهلة خارج الطريق و عادت مسرعة نحو بكفيا. لم يحدث شئ.
أ-5 - المكان الخامس: منطقة المنتزه – النعص طريق بكفيا النعص
ب-5- المشاهدات:
حادث اصابة سيارة بتسع رصاصات من رشاشات الكتائبيين .
وليد العقل:
نزلت من السيارة حملت اربعة اطارات و ذهبت لوحدي الى صخرة لوضعها. سمعت زمور متقطع من سيارة فيات رقمها 219391 يوجد فيها شخص واحد وسمعت طلقات رصاص فرجعت الى السيارة التي نقلتنا. سمعت صوتا يقول: "لا تنوروا هون" و كان المتكلم على سطح غرفة قريبة يسكنها رجل يعمل ماسح احذية و زوجته-تعمل بتنظيف لبيوت اسمها سعاد .
واعقب قوله بطلقات رصاص باتجاهنا. لم يصب احد. صرخ احدنا فؤاد العقل الى الرفيق سائق السيارة توفيق جبور بان يسلط ضوء السيارة على مطلق النار. فاطلقوا النار على سيارة توفيق جبور (الجيب). فصرخ انه اصيب فتوقف اطلاق النار.
طلبنا من الرفيق الياس خليل (صاحب السيارة الثانية)ان يأخذه الى المستشفى و يجلب الدرك. ثم تبين لنا ان الرفيق توفيق جبور لم يصب.
صرخت بعبدو الصياح. يا عبدو انزل سيارتك هنا وهي (سبور ام جي)
بعد حوالي خمس دقائق توجه نحونا ثلاثة اشخاص و طلبوا منا ان نبعد سيارة توفيق جبور المصابة لتمر سيارة عبدو الصياح. قلت لهم ان معنا جريح و لن نبعد السيارة و انه يوجد مكان لمرور سياراتهم .
وقلت لهؤلاء معاتبا لانني اعرفهم: نحن اولاد بلد و اصحاب لا يجوز ان تعملوا هكذا قالوا نحن تركنا هالاعمال و كنا بالغرفة المجاورة .
فقلت لهم انا مستعد ان اواجههم وجها لوجه لا ان يطلقوا النار من بعيد في الظلام مثل الجبناء.
الاشخاص ثلاثة هم:سمير جلخ و جاك ضوميط و الياس ضوميط.
ذهب الاشخاص و ذهبنا نحن لايقاد النيران. شاهدنا سعاد ساكنة الغرفة مع زوجها ابو نمر تخرج من غرفتها و تعود دون ان تسأل شيئا و عدنا ننتظر قدوم الدرك.
في هذه الاثناء مر امامنا شخص اعرفه من بكفيا—و تأكدت من اسمه نيقولا مسلم و هو الشخص الذي كان في سيارة الفيات و اطلق الزمور حين وصولي الى المكان .
نزلت الى قرب الفيات و تعرفت الى رقمها و لم ار احدا فيها.
و نحن بانتظار الدرك اطلقت علينا عدة رشقات من رشاشات.
بعد قليل وصل جيب درك اوقفناه فسألنا رئيس الدورية :هل انتم تخصون الياس خليل؟ قلنا :نعم
اشرت له الى مكان وجود المسلحين فصرخ علي بالسكوت .
اتصلت هاتفيا بالرفيق عبد المسيح في بيت مري و اخبرته بما حصل. فسألني اذا كان احد قد أصيب فاجبت ان لا. فاعلمني ان جورج عباس اصيب وقد اخبره بذلك رفقاء من بكفيا .
قرب البريد في بكفيا شاهدت انطوان خراط يقود سيارة جيب تخص آل بشير و هو بثياب ميليشيا الكتائب.
وأنا قرب المخفر شاهدت سيارة الفيات التي كانت في النعص تمر أمام المخفر باتجاه بيت الكتائب و فيها ستة اشخاص بلباس ميليشيا الكتائب. فلحقنا بها فوجدناها أمام بيت الكتائب كما رأينا سيارة بشير الجميل قادمة الى بيت الكتائب.
جهاد نصري العقل:
كنت بسيارة توفيق جبور. عند وصولنا سمعت صوت زمور يجري متقطع. وبعدها سمعت طلقات نارية. حملت اطار الكاوتشوك و اتجهت الى مكان التنوير. فسمعت صوتا يقول: ما تنورش يا شباب و لم اتمكن من معرفة صاحب الصوت، وعندها سمعت طلقات نارية فالتفت فاذا بي ارى سيارة الرفيق جبور و قد أصيبت في واجهتها الامامية من ناحية اليمين.
فوضعت الاطار في مكانه و عدت لارى ماذا جرى. وفي هذه اللحظة انطلق الياس خليل بسيارته برفقته فؤاد العقل ونبيل نكد الى المخفر.
واشعلنا النار ووقفنا مع بعضنا انا ووليد توفيق العقل ويوسف نصري العقل وصلاح سكاف وتوفيق جبور وفي هذه الاثناء مرت ثلاث سيارات وعرفت منها سيارة فولسفاكن زرقاء عن بعد عشرة امتار. وسيارة اخرى بيضاء لا اعرف نوعها. وسمعت وليد يتحدث مع ثلاثة اشخاص كانوا قد اقبلوا من الناحية التي اطلقت منها النار وقد عرفت جاك بو ضوميط. وشاهدت ايضا قرب المكان سيارة ال(ام جي) التي تخص عبدو الصياح و رقمها 21031 .
وبينما نحن مجتمعون اطلقت علينا بعض زخات من الرصاص و اعتقد ان مصدرها من مكان اتجهت صوبه السيارات الثلاث. وقد شاهدت زوجة ابو نمر الذي يقطن غرفة في المنتزه تخرج من الغرفة و تدخلها دون ان تسألها شيئا، مع العلم انها خرجت بعد اطلاق النار، من سطح غرفتها.
وانتظرنا اكثر من ساعة عودة الياس خليل و لكنه لم يعد، بل جاءت سيارة الدرك، فقلنا لرئيس المخفر ان المسلحين موجودين فوق السطح الغرفة ونحن مستعدون نطلع نجيبهم فمنعنا. قائلا:ان انا مثلكم خليهم يقوصوني. ولعتو وشو بعد بدكم. فاعطيناه رقم السيارة التي اطلقت الزمور ورقمها 219391 فسجلها احد الدركيين.
وفي هذا الوقت قلت لوليد العقل ان يذهب و يتصل بجورج عبد المسيح. وبعدها طلب منا رئيس المخفر التوجه الى المخفر، فذهبنا كلنا في سيارة توفيق جبور وبرفقة سيارة الدرك الى المخفر. وهناك علمت من الموجودين ان جورج عباس اصيب فذهبنا الى المستشفى.
يوسف نصري العقل:
وصلنا الى منتزه النعص و كنت في سيارة توفيق جبور فترجلت من السيارة.
حملت بعض الاطارات و اتجهنا الى محل التنوير و في طريقي سمعت صوتا من على سطح الغرفة يقول:ما تضووا هون يا شباب. فتابعنا السير فاطلق علينا عدة طلقات نارية من اسلحة مختلفة و عندئذ سمعت زمور ال (الفيات) فوقفنا و طلبنا من الرفيق توفيق ان يسلط الانوار على مكان المسلحين و كان قد ترجل من السيارة الرفيق فواد العقل و صعد على عامود للكهرباء القريب من الغرفة مصدر اطلاق النار فصرخوا به "نزول من عندك "و الحقوها بعدة طلقات فوق رأسه فنزل منه و اتجه صوب السيارة عندئذ سمعنا عدة طلقات وسمعنا صوت الرفيق توفيق جبور يقول بانه اصيب فاتجهنا اليه فشاهدنا عدة رصاصت قد اصابت السيارة في مقدمتها فقلنا للرفيق الياس بان يأخذه الى المستشفى و يخبر الدرك فذهب وبقي الرفيق توفيق لانه ما اصيب، وعندها كنا واقفين قرب سيارة توفيق جبور اتجه صوبنا 3 اشخاص اعرفهم: جاك ضوميط الياس ضوميط سمير جلخ. فدار حديث بيننا وبينهم وطلبوا منا بان نفسح لهم المجال ليمروا بسيارتهم فامتنعنا عن ذلك وقالوا لنا بأن جاك ضوميط يريد ان يذهب الى عمله فقلنا لهم بأنه يوجد محل لاخراج السيارة ففعلوا ذلك بعدها مر من امامنا شخص لم اعرف اسمه واعرفه من وجهه اذا شاهدته. وفي هذا الوقت كنا ننتظر انطفاء النيران ومجئ الدرك فكنا مجتمعين فشاهدت سيارة فولفو بيضاء وعربية تارم بيضاء ايضا وبعد حوالي 5 دقائق سمعنا بطلقات نارية اتجهت صوبنا من محل آخر. وشاهدنا ايضا سعاد زوجة المدعو ابو نمر تخرج ثم تدخل الى غرفتها و بعدها وصل جيب الدرك فطلبنا من الدرك الوقوف ففعلوا لانهم كانوا مارين دون التوقف و ترجل من الجيب رئيسهم و عدة افراد و دار حديث بين رئيس المخفر فقلت له انهم موجودون على السطح فقال لنا: ولعتوا شو بعد بدكم. فقلت له بدنا ننتظر الدواليب حتى يخلصوا و اتجه صوب الغرفة و دار حولها و قال بصوت مرتفع: خليهم يقوصوني انا هون متلكم. فرجع وطلب منه الرفيق صلاح بأن نصعد نحن ونجلب المسلحين فقال له :بلكي رشوكم انا عليي مسؤولية. عندئذ طلب منا ان نذهب معه الى المخفر فقلنا له باننا نريد ان ننتظر الدواليب حتى تنطفئ فانتظرنا عدة دقائق ثم صعدنا الى سيارة توفيق جبور الى المخفر عندها عرفنا بان الرفيق جورج قد اصيب و عندما كنا واقفين قرب المخفر مرت من امامنا سيارة فيات كانت في المنتزه و يوجد فيها عدة اشخاص و بعدها مرت سيارة بشير الجميل movis بيضاء فطلبنا من الرفيق بطرس صوايا بأن نذهب وراءهم فذهبنا حيث وجدنا السيارتين مع غيرها موجودة قرب بيت الكتائب.
صلاح نجيب سكاف:
نزلت من السيارة التي تخص الرفيق الياس خليل وانزلنا بعض الدواليب وسمعنا تخرطش سلاح فتقّربت نحو مصدر الصوت فاطلق الرصاص عندها طلب الرفيق فواد العقل من الرفيق توفيق جبور ليوجه انوار السيارة نحو البيت و تقدمت انا و الرفيق فؤاد ناحية الغرفة فذهب الرفيق فواد من الناحية العليا و انا من الناحية السفلى فصعد الى العامود وعندما تسلق بارتفاع الغرفة فصرخوا فيه "انزل وليه" واطلقوا الرصاص على الرفيق فؤاد وكان صوت الرصاص هذا اقوى من صوت الرصاص الذي اطلق اولا. فنزل وبعدها اطلقوا الرصاص باتجاه سيارة توفيق جبور فاصابوا الواجهة من ناحية اليمين فصرخ توفيق جبور بانه قد اصيب فتوجهنا لنرى ما حدث فوجدنا انه لم يصب فطلبنا من الرفيق الياس خليل بالتوجه الى المخفر ومن ثم اخذنا الدواليب واشعلناهم عندها رأيت شخصين متوجهين نحو سيارة "ام جي" التي تخص عبدو صياح فركضت الى ناحية الحرش لأرى من هم فسمعت الرفقاء يتحدثون معهم ويطلبون من الرفقاء بأن يزيحوا سيارتهم فردوا عليهم بأنهم يقدرون على السير دون ازاحة السيارة فرجعنا الى حيث كان الرفقاء وقمت بجولة حول الغرفة لأرى اذا كان يوجد احدا. فمر من امامهم الشخص الذي كان موجودا في السيارة ولم أعرف هويته ثم رجعت لأدور حول الغرفة فوجدت درجا صعدت عليه دون أن يعرف احد فرأيت رأس شخص لم أعرفه فعدت الى حيث كان الرفقاء واخبرتهم وانتظرنا برهة بعدها مرّت عدة سيارات ومنها سيارة opel خضراء وفولسفاكن بيضاء متجهين ناحية النعص وبعد عدة دقائق من مرورها اطلقوا الرصاص علينا من الوراء بكثرة بعدها عادت ذات السيارات تمر من امامنا وبعد فترة وصل جيب الدرك بعد ان نزل الرفيق الياس خليل لاحضارهم لمدة ساعة.
فترجل رئيسهم و قال له يوسف العقل انه قد اطلق علينا الرصاص من ناحية الوراء فأجابه خليهم يقوصوا عليي منكنش احسن مني. وذهب ناحية الغرفة ثم عاد وقال لي تقدم وكلمني بصوت خافت اين كانوا فقلت له: انهم على سطح الغرفة فاجاب: لا يوجد احد قلت له "انا بطلع بجيب لك ياهم فرد: اسكت يمكن يطلقوا عليك الرصاص و شو بدو يعرفني من هم عندها طلب من توفيق جبور ان يريه مكان اصابة السيارة و قال: ما دام نورتوا شو بعد بدكم وتوجهنا نحو المغفر.
ملاحظة: ليل الحادث كانت الكهرباء في بكفيا في نطاق بيت الكتائب منطفئة.
الياس خليل:
لم اترجل من السيارة. الرفقاء الباقون انزلوا قسم من الدواليب سمعت خرطشة سلاح و3 طلقات نارية اطلقت بالهواء وبقي الرفقاء متابعين توزيع الدواليب على اماكنها وبعدها اطلقت رصاصات متقطعة حينها سمعت احد الرفقاء يقول توفيق جبور وجه الانوار ففعل حينها اطلقت عدة رصاصات باتجاه السيارة . وفي ذات اللحظة سمعت احد الرفقاء يناديني بأن اذهب وآتي بالدرك فلبيت الطلب وذهبت الى المخفر برفقة فؤاد العقل ونبيل نكد: في المخفر كنت انا و فؤاد العقل و طلبنا من الخفير بمقابلة المسؤولين فسمحوا لنا و دخلنا فقابلنا احدهم و هو بنجمة واحدة فشرحنا له الحادث و طلبنا منه ارسال قوة للحفاظ على الامن فقال لنا: عمهلكم طولوا بالكم رح نبعت قوة. فشعرنا بعد مرور فترة ساعة تقريبا بالفتور فكررنا الطلب بالالحاح ليرسلوا قوة لعدم اطلاق الرصاص. (رأينا وجود حوالي 6 او 7 دركيين)
وبعدها حضر رئيس المخفر واخبرته ايضا بما حصل والحيت عليه ان يبعث قوة من الدرك لمنع اطلاق الرصاص على رفقائنا فرد علينا: هلق نبعث قوة هلق ما في قوة. فكررت عليه لأني ما شعرت منه التجاوب وحاولنا ترك المخفر فلم يسمح لنا رئيس المخفر بذلك )بحجّة ابقائنا لضبط افادتنا( .
بعد أخذ الافادة كما روينا سابقاً للدّرك )ترديد ما قاله( افادة الياس للدّرك اطلق النّار علينا بالمنتزه النّعص. طلبوا منّي اذا كنت أعرف أحد أو أن تدّعي على أحد فقلت لهم نعم: انّي أدّعي على مجهول، بعدها ذهبوا ولم أعرف شيئاً.
منذ وصولي الى المخفر استغرق وجودي مدّة ساعة. أخذ الافادة ربع ساعة من أصلها. لم أعرف باصابة جورج عبّاس الّا بعد أن خرجت من المخفر من رفقاء ومواطنين قرب المخفر على الطّريق العام.
توفيق جبّور:
عندما وقفت سيّارتي سمعت رشة من الرّصاص. وكنّا لا نزال على طريق المزفت العامة. لم تصب السيّارة. وعندما انزلنا الدّواليب على الأرض، ونزل الرّفقاء من السيّارة ولم تصب الجيب. فما كان من الرّفيق فؤاد العقل الا ان تسلّق عامود الكهرباء فأدرت سيّارتي لجهة اطلاق النّار، فأطلقوا عليها النّار وأصيبت. وبعد أن أصيبت السيّارة اتّجه الرّفقاء: الياس خليل وفؤاد العقل ونبيل نكد الى المخفر. وعندما رشقونا بالرّصاص للمرّة الرّابعة قلنا لهم لن نذهب من هنا قبل أن تنتهي النّيران "الدّواليب". وفي هذه الأثناء مرّت سيّارةTawins خضراء متّجهة باتّجاه النّعص، وبعد دقيقتين رمانا المسلّحون برشّة من الرّصاص حوالي 200 طلقة. وجاء الدّرك بعد نزول الياس خليل الى المخفر بعد حوالي ساعة أو أكثر. سالني رئيس المخفر قلت له: يوجدوا على السّطح، اعطنا سلاح لنكمشهم أو اكمشهم، قال: مشّو عالمخفر، فقلنا له: تايشتعلوا الدّواليب وينطفوا ...يعني انرشينا مرات.
بالمخفر: وصلنا الى المخفر فرأيت الضّابط وشرحت له ما وقع معنا، وقلت له أن الّذين قوّصوا علينا موجودين فوق، قال اجتنا قوة من الجديدة واسماء الّذين قوّصوا معنا، وقاموا بكشف على سيّارتي الجيب فوجدوا تسع رصاصات. ولم يأخذ الدّرك افادتي في تلك اللّيلة، وبقيت على الطّريق.
مع المستنطق: ردّد قول المسؤول الياس خليل فوافقت عليها.
سألني المستنطق عن هويّتي، فقلت له: توفيق جبّور من بكفيا.
سألني ملّاك فقلت نعم. فعاد وسألني لبناني قلت نعم. وهنا تدخّل أمين الجميل، قائلاً: لبناني سوري.
لم تتل افادة الياس خليل علي، بل قال لي المستنطق شفهيّاً موجزاً لافادة الياس وسألني الموافقة فقلت: نعم.
ملاحظة: ) أمين الجميل حضر افادة توفيق جبور وفؤاد العقل(
طلب مني المستنطق ابقاء سيّارتي أمام المخفر، فسلّمته مقتاح السيّارة وأعاده اليّ يوم الثّلاثاء السّاعة الرّابعة. وكان رئيس المخفر قد أبلغني أنّه سيجري السيّارة في مكان الحادث بالضّبط ولكن هذا لم يحدث.
نبيل نكد:
وصلت الى المنتزه بسيّارة الرّفيق توفيق جبّور وأنزلت الدّواليب من السيّارة ولم أرافق الرّفقاء الى مكان التّنوير وعندما وصل الرّفقاء الى المكان المعدّ للأنارة قال ) شخص كان موجود على سطح الغرفة القريبة من مكان الانارة ( يا شباب ما حد يولع) فلم نجبه، وبعد لحظة بدأ اطلاق التّار على الرّفقاء فعدت الى جانب السيّارة الثّانية الّتي كانت معنا والّتي تخصّ الرّفيق توفيق جبّور. بدأ اطلاق النّار ثانية وبعدها ركبنا سيّارة الرّفيق الياس خليل ونزلنا الى الكركون لنعطي العلم فوصلنا الى مركز الكركون وصعد الرّفيق الياس خليل والرّفيق فؤاد العقل الى الكركون وبقيت أنا على الطّريق أنتظرهما. فسمعت من بعض أشخاص كانوا يقفون جنبي وأعرفهم سابقاً وهم الانسة ماري الرّاعي وشقيقتها وسامي ناصيف وجميل جميّل يقولون لي: "من الّذي انصاب منكم".
ليس لي العلم أن أحد قد انصاب فقالوا بلا يوجد الان في المستشفى وبينما نحن في الكلام مرّت سيّارة الرّفيق بطرس صوايا صفّرت له فتوقّف واتيت وأبلغته ونزلنا معاً واستفسرنا من الدّكتور الّذي كان في المستشفى ما هو اسم الّذي أصيب فقال جورج عبّاس وبعدها عدنا وبقيت جنب الكركون وقتاً ليس بطويل.
أ-6- المكان السّادس: ضهر عين الغارة متفرّع طريق ضهور الشّوير القديمة
ب- 6- المشاهدات... الّذين هوجموا هناك هم
جورج يوسف عبّاس (الجريح)، أخوه ايلي (أربعة عشر عاماً) وابن خالته مشهور العقل (اثنا عشر عاماً).
جورج عبّاس:
مرّت سياّرات كانت للدّرك ولأفراد ميليشيا الكتائب.
عندما أشعلت النّار وصلت سيّارة بيجو زرقاء خاصّة ادوار بشير ومعروفة منّي شخصيّاً وهي للكتائب . توقّفت وترجّل منها مسلّحون رأيت أربعة وعرفت منهم ايلي ادوار بشير وجان سبع ساسين. وكان ايلي بشير يتراّس الفرقة لأنّه باشر ياعطاء الأوامر.
وصل اليّ وقال: "مش عارفين انّو هالأشياء ممنوعة" (أي التّنوير)
أجبته: " نحن معنا ترخيص من من وزارة الدّاخليّة"
ايلي:" وينو هالتّرخيص؟"
أجبت: " مش كل مين بدّو يشعل دولاب بدّو ترخيص من الوزارة. وهذا الأمر من اختصاص الدّرك."
أمرني بالرّكوع ورفع يديّ.
أجبت:" لا تتأمّل بهكذا شغلة. أنا لست من الّذين يركعون.
فابتعد عنّي خطوة وأمر زميله المرافق له باطلاق النّار عليّ (قوّصو) فأطلق النّار فأصبت وارتميت أرضاً.
فعاد اليّ وبدأ يرفسني على معدتي وصدري... وطلب من أخي أيلي أن يسحب الدّولاب المشتعل ويرميه عليّ.
قال له ايلي لا أفعل هذا أخي فضربه أو رفسه (فتأوّه من الم الضّربة). وكان لا يزال يرفسني حين وصلت سيّارة الدّرك. عندها صعد الكتائب الى سيّارتهم. وسمعت أحد الدّركيّين يقول سجّلوا رقمها وسمعته يردّد الرّقم.
طلب الدّرك من أخي وابن خالتي أن يحملاني الى السيّارة، فما تمكّنا، فحملني الدّرك ورموني في الجيب. ولم يحملوا أخي وابن خالتي معهم.
في الطّريق الى المخفر سمعتهم يتحدّثون. واحدهم يقول بانفعال كيف لم يجرّبوا أن يعتقلوا الفاعلين أجابوه (كانوا رشّونا بالنّار).
أمام المخفر سمعت الدّرك يقولون أنّهم سيطلبون الضّابط. وبعدها نقلوني الى المستشفى (مستشفى سيدة النجاة بكفيا). وفي المستشفى بدأ الدّرك معاملتي بالحسنى ((بعد بعض الاهمال القاسي في الجيب وأمام المخفر)).
جاء رئيس المخفر وطلب من الطّبيب اذن بأن يكلّمني. استجوبني وقلت له ما حدث بالضّبط.
غادر رئيس المخفر المكان وعاد من جديد وسألني عن نوع الأسلحة المستعملة معهم وكنت بحالة وهن نتيجة النزف. قلت أن الّذي اطلق النّار عليّ كان معه رشّاش. والاخرون معهم اسلحة لم أتمكّن من معرفتها.
افادة جورج أمام المحقّق: كرّر ما حدث معه بالضّبط وقال أنّ السّلاح كان رشّاشات. وعن مطلق النّار قلت قد يكون عبدالله سالم. والاخر الّذي جاء من الوراء كان بشير الجميّل. وهنا حاول المحقّق احراجي بشأن بشير الجميّل فقلت له انا قلت لك أنّه خمس وتسعين بالمية بشير الجميّل.
غادر المستنطق المستشفى قبل الظّهر وعاد بعد الظّهر، برفقة عبدالله سالم والدّرك وسأل هذا هوالّذي أطلق عليك النّار؟ فقلت له أظنّ به " وأنّه هو".
قال المحقّق انت يا جورج ذكرت أمام الدّرك أنّك عرفت اثنين والان ذكرت اسمين فكان جوابي للمحقّق كنت عندما حقّق معي الدّرك موهن القوى وبحالة غير طبيعيّة.
ايلي يوسف عبّاس: (أربعة عشر عاماً)
شاهدت سيّارة بينما كنّا نبحث عن أوراق أو غيرها لاشعال الدّواليب. وقد شاهدت سيارتين تمرّان ذهابا وايابا وخلفهما بفترة قصيرة دقيقة، درك، وقد مرّت السيّارات أكثر من مرّة " مرّتين أو ثلاثة".
بعد أن أشعلنا أول وثاني دولاب وباشرنا باشعال الثاّلث وصلت سيارة زرقاء وأعرفها أنّها سيارة آل بشير. ووقفت السيارة على الكوع وترجّل منها عدد من الأشخاص أربعة اقتربوا منّا وبقي آخرون بالقرب من السيّارة. والأربعة مسلّحون بسلاح ظاهر. وقد عرفت منهم ايلي ادوار بشير. واقترب أحد المسلّحين منّي واخر من مشهور توفيق العقل ووقفا من ورائنا. واقترب ايلي بشير وآخر لا اعرفه من جورج عبّاس وقال ايلي بشير مخاطبا جورج: (الرّشاشات في ظهرنا) ممنوع التّنوير هون، معكم رخصة؟ فأجابه جورج بأنّ معنا رخصة من الحكومة. فطلب ايلي بشير من جورج أن يبرزها فقال له جورج موجودة في المركز تحت فتفضّل لأريك ايّاها.
فقال له ايلي بشير: "ارفع يديك بدّي نبشّك"
فقال له جورج: "شلّلي ايدي ونبّشني"
فقال لنا ايلي بشير:" اركعوا"
ركعت أنا ومشهور وفتّشونا ورفض جورج الرّكوع. واقترب ايلي بشير من جورج وسمعته يقول قوّص، فقوّص، ارتمى جورج أرضا فوقفنا أنا ومشهور، وأقبل ايلي بشير يرفسه باتّجاه الشوار واقترب منّي قائلا ضع الدّولاب على رفيقكن فقلت له نعم ماذا تقول، فلبطني وأطلق المسلّح الاخر رصاصتين واقبل احد الّذين كانوا قرب السيّارة وقال لأيلي ومن معه "خبّوا سلاحكم اجوا الدّرك".
الّذين كانوا بقرب السيّارة وضعوا أسلحتهم بداخلها بينما أيلي بشير ومن معه بقوا حاملين سلاحهم، وصلت سيّارة الدّرك ووقفت بمحاذاة سيّارتهم وترجّل منها الدّرك. وفي هذا الأثناء كان ايلي بشير يرفسه محاولا رميه من فوق. مع العلم أنّ سلاحهم بقي في ايديهم وموضوعا في ظهرنا. وعندما شاهد ايلي بشير ومن معه الدّرك صعدوا الى السيارة وذهبوا دون أن يكلّمهم الدّرك ولا كلمة. اقترب أحد الدّركيّين منّا وبقرب جورج وسألني: "من قوّص؟" قال له جورج: "هنّي" قال لي ولمشهور الدّركي أن نعاونه في حمل جورج، فقلت له: نحن ما فينا نحمله، فنادى بعض الدّركيّين وحملوا جورج الى حافّة السيّارة وقالوا له شدّ حالك وفوت للدّاخل وأخذه الدّرك وذهبوا. قال لنا جورج أن نبقى مكاننا. وذهبنا بسبب أنّ سيّارة أخرى كانت لا تزال واقفة على مسافة 50 متراً. وذهبنا بطريق "قادومية" الى بيت الياس خليل دون أن نشاهد أحداً في الطّريق.
الدّرك لم يأخذ من أيلي افادة فورية.
وفي السّاعة السّادسة والنّصف من صباح الاثنين حضر رئيس المخفر وبعض الدّرك واصطحبوني الى مكان الحادث لأعيّن لهم المكان الّذي جرى به الحادث بالضّبط وأعادوني الى المنزل. بعد الظّهر جئت برفقة مشهور العقل من المدرسة الى المخفر وأخذ المستنطق افادتي. قال لي المستنطق: "انت داخل بالحزب"
فأجبته: "لا"
قال لي: "وظيفتك في الحزب"
قلت له: "أنا شبل"
"متى تنتمي الى الحزب؟"
قلت له: "بعد أن أتفهّم العقيدة وأدخل سن ّالبلوغ أنتمي الى الحزب"، ومن ثم سألني: "هل جورج قال لك أن تطلع معه أو انت قلت له؟"
أجبته: "أنا قلت له بدّي اطلع معك"
فسألني عن وظيفة الياس خليل في الحزب. فقلت له: "والله ما بعرفش ما بتعاطى كتير، مش من شغلي. وطلب منّي أن أقصّ عليه كيف حصل الحادث.
فرويت له الحادثة. "فكررت له ما قلته هنا".
فسألني المستنطق: اذا كان الدّرك قد عرفوا الأشخاص الّذين اطلقوا النّار. فأجبته: "بالطّبع لازم يعرفوا لأنّو عند وصول الدّرك كان السّلاح في أيديهم وأيلي بشير يرفس جورج عبّاس".
سألني المستنطق: اذا كنت قد عرفت غير أيلي بشير، فقلت له: أنا قلت لك أنّي لم أشاهد غير أيلي بشير والّذي قوّص. واذا شاهدت الّذي قوّص فانّي لم أتمكّن من معرفته.
توفيق مشهور العقل: (اثنا عشر عاماً)
بينما كنّا في طريقنا الى المكان المحدّد لنا شاهدت سيارة لونها أبيض وسيارة أخرى لونها أزرق.
وصلنا وأشعلنا بعض الدّواليب. بعد حين وصلت سيّارتان (لا يوجد جزم بأنّهما نفس السياّرتين الّلتين رأيتهما في الأوّل) توقّفنا على الكوع على بعد ثلاثة أو أربعة أمتار. اتّجه صوب جورج ثلاثة أشخاص وعدد آخر بقي بالقرب من السيّارتين. جميعهم يحملون سلاحاً ظاهراً. اثنان منهما وقفا ورائي ووراء "أيلي" والاخر ذهب باتّجاه جورج وقال له: "مش عارف ممنوع التّنوير". أجابه جورج: "معنا رخصة روح شوفها بالمركز" وطلب المتكلّم من الشّخصين الموجودين وراءنا أن يقوما بتفتيشنا ففعلا.
الّذي كان يتكلّم مع جورج طلب من جورج ان يركع ويرفع يداه. رفض جورج فأعلن المتكلّم أمر باطلاق النّار. أطلق أحدهم النّار. ولا أعرف من أطلق التّار من هؤلاء المسلّحين. وارتمى جورج على الأرض بعد أن أصيب. ونفس الّذي أطلق النّار طلب من أيلي أن يرمي الدّولاب المشتعل على أخيه فرفض أيلي. وبعد أن رفض رفسه، رفس المسلّحون جورج ومزّقوا سترته بعد أن أطلقوا عليه النّار. أحد المسلّحين وقامته قصيرة ويرخي لحية وشعره طويل رفسه ونبّشه فلم يلاقوا معه شيء. في هذه الأثناء، وصلت سيارة الدّرك عندئذ، طلب منّا المسلّحون أن نختبىء فامتثلنا ونخّينا. وصل الدّرك. وسمعت صوت يقول: "ضبّوا السّلاح وصل الدّرك" أمّا الّذي أطلق النّار بقي سلاحه معه وشاهده الدّرك فلم يقولوا له شيء. والّذي أطلق النّار تكلّم مع الدّرك فلم أفهم ما قاله ثمّ ركب المسلّحون سيّارتهم وانصرفوا. أتى الدّرك نحونا وسألونا " مين قوّصو؟". قلنا: "يلّلي عم تحكو معه".
وطلب الدّرك منّا أن نحمل جورج فقلنا أنّنا لا نقدر على حمله. عندها طلب أحد الدّركيّين من الاخرين أن يأتوا ويحملوا جورج. أجاب الاخرون: "يلّي قوّص يجي يحمل". وبعدها أتى الدّرك وحملوا جورج الى سيّارتهم الجيب ونحن عدنا ركضاً الى منزل الياس خليل فلم نجده في البيت. عدنا عن طريق ثانية ومررنا ببيت منى عفيش وسألناها أن تدلّنا على الطّريق. فالتقينا بابن جيرانها لا نعرفه. جورج عبّاس معه رقم أحد السياّرتين (البيضاء). اذا رأيت الولد أعرفه. أيلي عبّاس يعرف ابن جيران منى يمكن اسمه موريس.
(التاونس) شوهدت أيضاً في النّعص. وأخبرنا أهل البيت حين نزلنا أنّ جورج تقوّص، وأخبرنا نضال العقل. حين اخذ الدّرك جورج حاولنا ان نقترب من سيارة الجيب فنهرنا الدّرك بالأبتعاد "روحو من هون".
حادث المستشفى:
أول آذار 1971
حقّق الدّرك بهذا الحادث بعد ظهر اليوم التاّلي.
حصل مساء الأثنين الأول من آذار.
أبرق الوالد الى رئيس الوزارة والى فخامة رئيس الجمهورية بهذا الصّدد.
وصل خبره الى محافظ جبل لبنان والى العميد قائد الدّرك.
المشاهدات:
كان الوقت بعد وقت الزّيارات بحوالي ساعة. ليلاً:
هاتف من "سنترال" المستشفى الى أم جورج عبّاس.
أخبرتها الرّاهبة بوجود اشخاص يريدون مقابلة جورج، وبأنّ الرّاهبة رفضت لأن أوامر الطّبيب تمنع المقابلة. ولأنّ وقت الزّيارات انتهى.
وقالت الرّاهبة أنهم بمعية "الشّيخ" أمين الجميّل. وأنّهم يكتفون برؤية أم جورج كان جواب ام جورج رفض مقابلة أحد. وانّه بامكان المذكور أن يقابل شقيقتها "منتهى" الموجودة في الصّالون. تقول "منتهى" (خالة جورج عبّاس):
وصل الى الصّالون في الطّابق الثّاني شخصان امين الجميّل وتوفيق داغر. "جئنا نشوف لماذا تشمتون بنا أو تشتمونا".
منتهى: "نفعل ذلك لما فعلتم بابننا. ولو! قوّصتوه وبتأمروا برمي الأطارات المولّعة؟ وتنتظروا منّا أن نسكت. ولا نشمت بمثل هكذا أفعال؟".
توفيق داغر: "هيدي شغلة ولاد"
منتهى: " هيدي شغلة الكبار الّذين حمّلوهم السّلاح ليقوموا بهكذا عمل"
امين: "بانفعال مين قال لهم أن ينوّروا. ما معهم حقّ ينوّروا"
منتهى: "يوجد حكومة بتربّيهم اذا كان لا يحقّ لهم التّنوير وليس أنتم"
أمين: "على كل حال ما عاد يوجد أحد في المخفر اطلعناهم كلهم"
منتهى: "كتّر خيركم. الّله يكثّر من أمثالك!"
وتقول منتهى: بعد قليل رأيت اختي مصفرّة ترتجف ورأيت شخصاً طويلاً اسمر الّلون (أسمراني) نازل عن الدّرج ويهوّل بيديه...
أجني (أم جورج):
كنت واقفة في الممرّ (الممشى) أمام غرفة جورج، رأيت شخصاً مهتاجاً يصرخ (يعيّط) "وينو جورج عبّاس" فقلت له: " ماذا تريد منه؟ أنا أمّه تفضّل"
قال: "ابنك هالمنافق واضع اسمي في شهادته"
قلت: "شهادة شو؟"
قال: "شهادة بالمخفر: أنا بشير الجميّل بيحط اسمي بالشهادة؟ أنا ما كنت موجود معهم"
قلت، وقد عرفت أنّه بشير الجميّل: "انت رأيت اسمك؟"
قال: "أنا شفت اسمي. كنت بالمخفر وشفت اسمي"
قلت: "اذا كان جورج وضع اسمك فيعني أنّه قال الصّحيح. ابني لا يكذب. ابني مش منافق! اذا كان قال اسمك فهذا يعني أنّه رآك"
حصل هذا بسرعة وبصوت مرتفع. وكان معه شخص ﺁخر "جسّيم طويل القامة اسمر اصلع-مكرّش قليلاً- "وهذا الشّخص شتم أكثر من بشير لجورج وللحزب وقال: "انّه الّذي يريد أن ينوّر بدنا نكسر له رأسه!"
أجبته: "ذهب لينوّر وقوّصتوه وفتّشتوه وحاولتو قتلو نهائيّاً. وما كان معو شيء."
خلال الحديث كان بشير يحاول الهجوم على الغرفة وكنت أمنعه (التّدفيش). قلت له أنّ ابني تحت الخطر. الحكيم مانع أحد يحدّثه أو يراه وأنت تريد الدّخول عليه بهذه الحالة."تريد أن تخلّص عليه؟"
حاول مرّات الدّخول نحو الغرفة مستخدماً القوّة. وكانت الممرّضة ﺁتية لأخذ حرارة جورج وعندما سمعت الصّوت وعرفت أنّه قاصد جورج ساعدتني على منعهما من الدّخول. ولولا وجودنا لدخل الغرفة. والّله أعلم ماذا كان حصل. دفشناهما من باب الغرفة حتّى الدّرج أنا والممرّضة وكان بشير يقول: "الأيّام بيننا وقدّامنا وبفرجيكم".
أمّا الشّخص الّذي كان مع بشير (وأستطيع معرفته اذا رايته) وكان واقفاً في الممشى تابع بانفعال: "وأكبر واحد بدنا ندعسلو رقبتو شدّوا اذا فيكم تشدّو، وهالمستشفى بدنا نلغمها ونطيّرها".
نزل بشير والشّخص الّذي كان معه بينما كان أمين الجميّل وتوفيق داغر في الصّالون. دخلت الصّالون، ووجّهت كلامي الى امين الجميّل: "لماذا عملتم هكذا؟ هاجمتو عالتّنوير وهاجمين على المستشفى(كمان) أيضا."
كنت في حالة عصبيّة بسبب ما حدث ولا أتذكّر ما دار من حديث بالضّبط. قلت له يحقّ لنا أن نشمت فيكم. بتمترسوا وبتقوّصوا عليهم وبتحاولوا حرق ابني وبعد كلّ هذا بتهاجمونا بها الّليل على المستشفى. من زمان نحنا ننوّر بكفيا وفي غيرها... وشو عدا ما بدا ونحن معنا رخصة هالسّنة؟
كان في المستشفى: الممرّضة، عايده شبل داغر (من المروج)... وابراهيم المعلوف (عامل في المستشفى) والرّاهبة.
ملاحظات:
يبدو بوضوح أنّ الأمر كان مبيتا وأنّ العمليّة مقرّرة من الكتائب قياديّاً وليس محليّاً فقط :
أ- سيّارتان تتجوّلان في أماكن التّنوير المتقاربة. والّتي كانوا قد عرفوا بأنّها تنار سنويّاً لأعطاء الأوامر للمتربّصين، بشير الجميّل وأيلي بشير.
ب- دوريّات الدّرك لم تتمكّن من تغطية عمليّة الأعتداء لتوقيفها. وقد استعمل الدّركيّون "حكمة عدم الأنخراط في المسألة" فتحاشوا أيّة عمليّة أو أمر يؤدّي الى اصطدام مع مسلّحي الكتائب.
ج- أوّل من أشعل النّار كان جورج عبّاس ويبدو أنّ اصابته لم تمنع الباقين من الأستمرار في اطلاق العيارات النّاريّة. لكن دربة مشعلي النّار منعت الأصابة.
د- اوامر الكتائبيّين كانت مشدّدة ربّما لحدّ القتل. ولهذا أطلقوا رشقاً على سيّارة لم يكونوا متأكّدين من عدد الّذين فيها أو حولها وهي واقفة.
ه- محاولة تغطية العمليّة: بما حصل في المستشفى وبكلّ التّهويل الّذي عمّمه بيار الجميّل بشأن التّرخيص للأحزاب الّتي لا تروق للكتائب.
و- محاولة الجميّل الضّغط على الحكومة بأصوات الكتائبيّين في مجلس النّوّاب.
ز- كتابة جريدة "العمل" بأنّ الجريح سقط برصاص الحرّاس القوميّين الأجتماعيّين لتحويل التّحقيق ضدّ الحزب السّوري القومي الأجتماعي.
ح- بتر التّحقيق وتاخيره وحضور امين الجميّل مع المحقّق لسماع المعتدى عليهم من جماعة امين الجميّل بالذّات.
نسخ هذا التّقرير في 8 آذار – واحد وسبعون
لم يرهب "حادث أول اذار 1971" القوميين الاجتماعيين، الذين استمروا يحتفلون كلّ عام بذكرى ميلاد سعاده، إلا أنّ ذلك، طبعا لم يدفع بحزب الكتائب الى التراجع عن قراره الفاشل، فازداد ضغطه على قوميي بكفيا لمنعهم من الاحتفال بهذه المناسبة، عاما بعد آخر، عن طريق حشد "قواهم المسلحة"، واستنفار واسع لقوى الأمن، منذ صباح اليوم الاخير من شهر شباط، حتى فجر الأول من اذار... كانوا "يحتفلون"، بهذه المناسبة، على طريقتهم "الارهابية"... وكنا نحن نحتفل بها على طريقتنا الحضارية؟! وصوت سعاده يضجّ في عقولنا ونفوسنا :
"أيها القوميون الإجتماعيون ما أعظم رضاي عنكم، وما أشدّ إعتزازي بكم، وما أروع الإنتصار، الذي أسير بكم اليه... إن نفسي تبارككم.. أنا معكم ووسطكم بروحي لنتابع إنشاء تاريخنا، وتغيير وجه هذه الأمة، ووجه العالم العربي".
*
ملاحظة : وأنا أدوّن هذه المذكرات تلقيت يوم الإثنين الواقع فيه 7 كانون الأول 2020 خبر وفاة الرفيق خضر الحموي. فكتبت الرفيق خضر حموي من بين أبرز المحامين الذين تولوا الإدعاء على عناصر الكتائب ومن بينهم الشقيقين أمين وبشير على أثر الإعتداء الإرهابي على القوميين في بكفيا ليل الأول من آذار 1971 في محاولة لقتلهم وسقوط الرفيق جورج عباس جريحا بحالة الخطر الشديد.
الهوامش
1) جهاد العقل: بكفيا الكبرى ونحن، مديرية بكفيا، ص 243 .
2) جهاد العقل: المرجع نفسه ، يوم بكفيا التاريخي ، ص 265
3) سعاده: الأعمال الكاملة، ج3، ص 197-199 .
4) سعاده: ن. م. والصفحة .
5) جهاد العقل: بكفيا الكبرى ونحن ، ص 265 و301 .
6) جهاد العقل: ن. م . ص 267 .
7) جهاد العقل: ن.م.
8) جهاد العقل: ن. م. ص 277 .
9) هيئة المديرية: تشكّلت من : الياس خليل، جهاد العقل ، صلاح سكاف، بشارة حداد...
10) جهاد العقل: بكفيا الكبرى ونحن، المقالة الخامسة .
11) مراجع لأحداث 1975 :
جهاد العقل : بكفيا الكبرى ونحن، توفيق جبور، ص315 .
جهاد العقل : المرجع نفسه ، تشييع الرفيق الياس العقل،ص635
12) جهاد العقل : م. ن. ص643-644 .
|