من المجلات الصادرة في اواخر ستينات – اوائل سبعينات القرن الماضي، وكان لها حضورها الجيد، ينتظرها القراء بلهفة وشوق، اذ كانت غير المجلات الاخرى السياسية او الادبية او الفنية، ومشابهة لمجلة "الدبور" الفكاهية المعروفة اعني بها مجلة "الساخر"، لمديرها المسؤول الاديب والمؤرخ والمربي الرفيق جورج مصروعة ورئيس تحريرها الباحث والاديب الرفيق جان الداية.
في حوزتي العدد الثامن – اب 1970. وقد كتب فيه:
الرفيق جان داية: عن نسيب وهيبة الخازن.
الرفيق جورج مصروعة، باسم ابو زيكار: جحى .
الرفيق رشيد جريج: "اعدام "كينغ".
الاديب هنري زغيب: مسرح.
الرفيق الياس طنوس (الامين حالياً): طلابيات.
عملاق الادب الرفيق سعيد تقي الدين: عن الداهشية وغازي براكس(1) واخرون.
العدد غني بالمقالات والتعليقات الساخرة، برسوم الكاريكاتور، وبالاخبار اللاذعة.
شكلت "الساخر" واحة من الاسترخاء في محيط من الصحف والمجلات الجدية سياسة، او فكراً او ادباً.
ليتها لم تتوقف. وليت الرفيق جان داية يكتب تاريخها، كي تستمر في ذاكرة من كان يتمتع بقراءتها في تلك الحقبة من القرن الماضي.
*
من العدد المذكور اخترنا ما كتبه الرفيق جان داية، بتوقيع جيم. دال بعنوان:
الشيخ نسيب وهيبة الخازن في البوسطة:
لو شئت ان اختصر الشيخ نسيب وهيبة الخازن بكلمة واحدة، لما وجدت انسب من كلمة "ظريف". فاذا كانت الظرافة في الشام صفة يطلقها الشوام الظرفاء على صوت فيروز والشاي المائل الى الاسوداد وبوظة بكداش و"السفيحة" الدمشقية التي تقف امامها زميلتها البعلبكية بفخر. فهل نسيء الى مؤرخ اوغاريت اذا نحن ساويناه بفيروز والشاي والبوظة والسفيحة من جهة الظرافة؟
في الصيف يطلع الى عشقوت في كسروان. أي انه يمارس في صيفيته مشيخته وظرافته... وهما لا تنفصلان. فاذا لم يكن كل ظريف شيخ – أي حائز على لقب المشيخة من الباب العالي – حسب المعادلة الارسطوية، فان كل شيخ ظريف. طبعاً مع بعض الاستثناءات.
يتكلم بدون تمشيخ. لهجته مزيج من الكسروانية والمصرية حيث تتداخل "الويش" بـ "الكده" بدون تكلف. خزان من الطرائف والاحداث. لذلك تراه يضع معظم معلوماته النظرية على الرف حين يدور حوار حول موضوع ما، ويحاور بالشواهد الممتدة من الاسكندرية، حيث كان يشغل وظيفة مرموقة، الى أعالي عشقوت مسقط رأسه، والمتراكمة عبر نصف قرن من الزمن.
*
صباح الجمعة في 31 تموز الماضي، أقف على رصيف أوتوستراد جونيه – بيروت انتظر سيارة. طال الانتظار. مرت بوسطة. اوقفتها. جلست على المقعد في الصفوف الخلفية. وانا أهم بقراءة الجريدة سمعت نحنحة أعقبتها كركرة غير كلاسيكية. ههه.. الشيخ نسيب في البوسطة!.
على كل لن يكون الشيخ الوحيد الذي يركب البوسطات والاوتوبيسات.
• المشايخ تركب "البواسط"!
- نزلت لجونيه مع خيي. وقفت حد العماره اللي من يبنيها خيي. طلّت البوسطه. بيني وبينك بالصيف ركبة البوسطة فرجه، بتبورد وبتريّح. وينك؟ أنا مش مستعجل. انا مش لازم استعجل بهالعمر.
• ما عدنا شفناك؟
- زاروب المجلة مغم يا شيخ. في الصيف مستحيل اقدر ازمط لعندكم. شوب وتوابيت وعجقة سيارات وقلعاط. عمبشتري "الساخر" من فرن الشباك. دخلك؟ انت رحت سألت عني عند الدكنجي براس النبع؟
• لأ... ليش؟
- الدكنجي لقشلي كم كلمة عن اثنين واحد ناصح والتاني ضعيف. قلت بفكري بدكن تكونوا انت وابراهيم. بعدان افتكرت انك انت بتعرف اني بعشقوت بالصيف وإلك بالعاده تطلع لعندي.
• شفت "صدى الارز"؟
- العدد الجديد؟ ليش طلع؟.
• وفيه رسالة من أنيس فاخوري، والله ماشي منيح المجلة!
- ليش أبتمشش. شوف أنيس بيتميز عنا كلنا انه بيدحض مزاعم اليهود الموجودة بالتوراة نفسها.
والله من اتناقش مع شهود يهوه بهالصيفية. من يقولوا مش عارف ايه انو يهوه والله شي واحد. دول بيعرفو كل كلمة بالتوراة وين موجوده. هنّي ومن يشارعوني كده قلتلهم: انبشوا التـثـنـية المش عارف ايه بالاصحاح المش عارف ايه بتشوفو كيف يهوه رب يعقوب واليهود، مش رب الناس كلها متل ما هو إيل. فلفشوا شويه وغيروا الموضوع. اي... أشفي شي جديد؟
• حاكم راس الشادر سامع فيه؟
- إي.. إي.. الغاتو
• قال: الاماركان مجانين شلون يسترجون يطلعون عسطح القمر ويتمشون. ما يخشون ينخسف من تحت أرجلهم ويتدحرجون عالارض ويموتون.
- إيه، إيه، إيه، إيه، إيه.
• لمن أخدوه عسبق الخيل، سألهم: ليش يركضون الخيل؟ أجابوه: حتى يربح الاول الجائزة ويتقاسمها المراهنون. وسألهم بتعجب: الاول فهمنا يركض ليربح الجائزة. الثاني وللي بعده ليش يركضون ما دام ما يربحون؟
- ايه، ايه، ايه، ايه، ايه.
*
كان يؤكد لي من وقت لاخر انه لن يدخل في جمعية "شبان الرحمة" حتى يصير اسمها: " جمعية رجال الرحمة". ومع ذلك ارتضى ان "يشكل" صورته يوم كان ما يزال شاباً في "ابرته". اذن مشكلة نشر صورته بالطربوش والسيكارة والتجاعيد في الوجه الاسمر يمكن اعتبارها منحلة. تبقى المشكلة الاخرى: نشر هذا الحوار من غير علمه. فهل يكون نشري لحوار مماثل معه في جريدة "الزمان" ايام زمان، حلاً آخر؟
|