إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

من مؤسسي العمل الحزبي في بيروت ، وضهور الشوير الشرطي الرفيق نجيب يوسف حلاوي

الامين لبيب ناصيف

نسخة للطباعة 2021-08-27

إقرأ ايضاً


من الرفقاء الذين ساهموا في بناء الحزب في ضهور الشوير، بعد ما كان انتمى وساهم في نموه في بيروت ، نذكر الرفيق الشرطي نجيب حلاوي الذي برز اسمه جيداً في مرحلة الثلاثينات .

في رسالة سعاده إلى الرفيق رفيق الحلبي(1) بتاريخ 10 آب 1934 يتضح أن الرفيق شفيق شرتوني(2) الذي كان انتمى بواسطته، باح للسيدين نجيب حلاوي ومحمد الباشا(3) عن وجود الحزب السري آنذاك، وقادهما إلى سعاده، مما جعل زعيم الحزب يسجل مآخذه على هذا التصرف في الرسالة المشار إليها أعلاه .

في الجزء الأول من كتابه "من الجعبة" يفيد الأمين جبران جريج: "أما الطالب نجيب حلاوي من الباروك فقد جرت عملية تكريسه في الكوخ.. " (أي في المنزل الذي كان يقيم فيه سعاده في رأس بيروت واصطلح الرفقاء على تسميته بالكوخ) ويضيف أن سعاده انتقل للإقامة في بيت جديد استأجره، فأصبح له مكانان للعمل: الأول في بيت جرجس الحداد (صاحب المطعم الذي كان سعاده استأجر في وقت سابق غرفة في منزله في شارع جان دارك) والثاني في بيته المستقل وقد أطلق على هذا البيت صفة "الكوخ" لصغره بالنسبة الى البنايات المحيطة به.

بدوره يوضح الرفيق نجيب حلاوي في رسالة له بتاريخ 12/1/1971 بقوله "أطلعت محمد الباشا على السر العظيم الذي كنت مؤتمناً عليه وأوصلته بشفيق شرتوني، فجرت بينهما أحاديث كثيرة لم تقنعه، فاقترح عليه أن يوصله بدوره "بالأستاذ"(4) وهناك تغيّر الجو وحدث الانقلاب الكبير في تفكير محمد الباشا وبدأت تتوضح له الرؤيا الجديدة للأمور" .

وهذا أيضاً ما يوضحه محمد الباشا إذ يقول في رسالة كان وجهها إلى الأمين جبران جريج: "عرفني نجيب حلاوي وشفيق شرتوني على الأستاذ أنطون سعاده وعرفاه بي: الأستاذ محمد الباشا. أي أستاذ مقابل أستاذ. بدأ البحث من ند إلى ند، أستمع إليه وأنا أقيس حجمه الصغير ولكن سرعان ما تبدلت الصورة إذ ما كان ينبري لمعالجة الموضوع حتى انتقلت إلى جو فسيح الأرجاء يخوض فيه مرتاحاً ولكن بوضوح وصراحة، مفصلاً مرامي هذه الحركة السرية البعيدة الآفاق شارحاً تنظيمها السهل البسيط، فصار يكبر في عيني حتى احتل مركزه السامي في نفسي وأنا لا أقول أني صرت أصغر ولكن لم أعد نداً بل صرت له تلميذاً صاغراً، طائعاً، فاقتنعت بالرسالة وآمنت بقائدها العظيم وقررت التطوع جندياً مصارعاً في الحال" . لاحقاً انتمى الرفيق محمد الباشا بوجود الرفقاء فكتور أسعد، شفيق شرتوني ونجيب حلاوي .

في هذه الأثناء كان الرفيق نجيب حلاوي يتولى مسؤولية مدير "المديرية العامة" التي كانت تضم رأس بيروت وساقية الجنزير في الفترة 1934-1935 وكان الرفيق شارل سعد يقوم بمهام مسؤولية منفذ عام بيروت (صاحب المدارس المعروفة باسمه في الشويفات وخارجها) .

بفضل نشاط الرفيق محمد الباشا، وبواسطته، انتمى إلى الحزب رفقاء عديدون، بحيث عهدت إليه إدارة المديرية العامة بعد أن انتقل الرفيق نجيب حلاوي إلى ضهور الشوير بحكم عمله كشرطي، فراح ينشط في بلدة سعاده بالتعاون مع الرفيق وديع الياس (الأمين لاحقاً، ابن عمة الزعيم) إلى أن تأسست وحدة حزبية كان من أعضائها الرفيق جورج أبو ناضر، صاحب ملاعب التنس التي كان يتردد إليها سعاده، والرفيق شفيق جرداق الذي كان من أصدقاء سعاده وأحد مرافقيه الدائمين في الرحلات إلى قمم صنين وتولى بعد انتمائه مسؤوليات حزبية عديدة .

*

جدير بالذكر أن تدبيراً خاصاً كان اتخذ بالنسبة لرفقاء ضهور الشوير، وهو أن يبقى اسم الزعيم مكتوماً على المنتمين إلى أن يتقرر موعد إعلانه. وقد تمّ ذلك لاحقاً. هذا ما يوضحه الأمين عبدالله قبرصي في الجزء الأول من كتابه "عبدالله قبرصي يتذكر" فيقول أن سعاده دعاه ظهر السادس عشر من أيلول عام 1935 وعرّفه على ابن عمته وديع الياس ثم قال له أن عدداً من الرفقاء انتمى إلى الحزب في بلدته ضهور الشوير، وأنهم حتى الآن لا يعرفون من هو الزعيم، وكلفه أن يذهب مع الرفيق وديع ويقوم بهذه المهمة.

ويضيف الأمين قبرصي أن سعاده لم يزد حرفاً واحداً، "حزمت أمري وبحثت عن سائق كان لا يفارقني في رحلاتي الطويلة هو الرفيق سليم سعد الله يمين من انطلياس، ما أن وجدته حتى عرجت على مكتب الشركة السورية التجارية (الشركة – التغطية لمركز الحزب السري) واصطحبت الرفيق وديع الياس وانطلقنا إلى ضهور الشوير التي كنت أزورها للمرة الاولى .

" بعد منتصف أيلول لم تكن ضهور الشوير في عزها، البرد والضباب يركضان في شوارعها وحول بيوتها القرميدية الساحرة، مررنا في الشارع الرئيسي وبلغنا الساحة، إلى أن وصلنا إلى دارة قرميدية، مقابل ملعب التنس، دارة جورج أبو ناضر .

" لنتصور كيف أن الحركة القومية الاجتماعية نشأت في هذه البلدة الساحرة التاريخية وعلى يد أحد أبنائها، وأن 27 مواطناً انخرطوا فيها وأقسموا يمين الولاء لها ولزعيمها ومؤسسها ومؤسساتها الدستورية دون أن يعرفوا من هو المؤسس أو من هو الزعيم .

" قدمني الرفيق وديع، وبعد حديث قصير، أخذت الكرسي التي كنت أجلس عليها وبدأت هكذا:

" يحج المسيحيون إلى القدس، والمحمديون إلى مكة، أما السوريون القوميون فإلى.. ضهور الشوير يحجون.

" بدأت الأنظار تحدق بي أكثر، والآذان أوقفت كل قدرتها لتصغي، الأنفاس تعلقت بصوتي، وأكملت :

" هنا ولد بطل/ هنا ولد معلم/ هنا ولد رسول/ هنا ولد الزعيم

هنا ولد أنطون سعاده

" تلفظت بهذه الكلمات وكأني أمسك بكل رفيق وأهزه ليفيق من رقاد طويل، ولكن ما إن لفظت اسم أنطون سعاده حتى دوى التصفيق، ونفرت دموع الفرح من عيون كثيرة، وساد الصمت والخشوع .

" توقفت برهة ليلتقط الرفقاء أنفاسهم بعد المفاجأة، فالرجل الذي كانوا يرونه كل يوم، تارة ملتحياً وطوراً بلا لحية، يتأبط الكتاب ويتوغل بين الصنوبر، أو ينحدر إلى العرزال، الرجل العائد حديثاً من المغترب، الرجل المتواضع والقوي، هو إذن مؤسس الحزب السوري القومي وزعيمه، لا الأسماء الطنانة التي كانت تسكن القصور وتملأ شهرتها أعمدة الصحف .

" لقد عرف السوريون القوميون في الشوير من هو الزعيم، كانوا مواطنيه فصاروا تلاميذه وجنوده " .

***

حادثة طريفة تروى عن الرفيق نجيب حلاوي وهي أن القيادة الحزبية في فترة بداية الحرب العالمية الثانية، فيما السلطات الفرنسية تلاحق المسؤولين والرفقاء وتزجّ بهم في السجون والمعتقلات، أُستأجرت شقة للعمل الحزبي المركزي في بناية في منطقة الكومودور حالياً (الحمراء – رأس بيروت). عنها يقول الأمين كامل أبو كامل(5) "كان الوصول إلى البناية صعباً جداً، فهذه المنطقة كانت في ذلك الوقت ملجأً للفارين من وجه الملاحقات الحكومية، وللوصول إلى هذا البيت كان يتطلب المرور بزواريب تتفرع من شارع الحمراء حالياً".

في مقابل الشقة المستأجرة مركزاً سرياً للحزب، كان يوجد شقة أخرى مستأجرة حديثاً. صدف أن شاهد الأمين فارس معلولي(6) شرطياً في الشقة المقابلة. نزل الخبر على الرفقاء في المركز كالصاعقة، كما يروي الأمين جبران جريج، ويضيف " وقف العميد مأمون أياس وراء الباب ينظر عبر ثقب المفتاح وإلى جانبه الباقون. استمرت المراقبة طويلاً إلى أن فتح الباب أخيراً وأطلت امرأة شابة يتبعها شرطي لم يكد العميد مأمون أياس يتبيّن ملامح وجهه جيداً حتى رأيناه وسط دهشتنا يفتح الباب ويتجه نحو الشرطي فيعانقه ويأخذ في تقبيله. لم يكن ذلك الشرطي سوى الرفيق نجيب حلاوي الذي استأجر الشقة بعد زواجه ".

*

يروي ابن اخيه الرفيق عادل حلاوي أن عمه الرفيق نجيب دخل سلك الأمن العام باكراً وحمل الرقم 14، وتولى لفترة مراقبة التهريب في مرفأ بيروت .

ويقول : روى لي شخصياً حادثة مع أحد المهربين العاملين في مرفأ بيروت. اثناء توليه مراقبة التهريب في المرفأ، وصلته انباء ان المهرب كان يقوم بأعماله عندما يكون الرفيق نجيب غائباً عن المرفأ. في أحد الأيام، وكان الرفيق نجيب في إجازة، تقصّد أن ينزل إلى المرفأ ففاجأ المهرب وهو ينقل بضاعة مهربة في قارب صغير، فرمى هذا نفسه في الماء محاولاً الهرب، إلا أن الرفيق نجيب سبح حوالي عشر دقائق إلى أن تمكن منه، فوضع في يديه الأصفاد وهو في الماء، وسحبه إلى الشاطئ .

تقديراً ، نال الرفيق نجيب وساماً وتنويهاً .

***

غادر الرفيق نجيب حلاوي الوطن بعد استشهاد سعاده واستقرّ في ولاية كونكتيكت Connecticut كون زوجته تحمل الجنسية الأميركية .

كان منزله في الولايات المتحدة مفتوحاً للمواطنين والرفقاء يساعدهم لإيجاد عمل مناسب ، وكان أحياناً كثيرة يبقي البعض منهم للإقامة المؤقتة في بيته .

عام 1980 قام الرفيق حلاوي بزيارة إلى الوطن متفقداً أهله ورفقاءه وأصدقاءه وقد حرص أولاً على زيارة رفيقه شفيق الشرتوني في بلدته شرتون حيث جلسا ساعات طويلة يتذكران فيها الماضي ، وسنوات النضال القومي الاجتماعي ، زار أيضاً ضهور الشوير ، وعند عرزال سعاده جلس قرابة ساعة يستعيد تلك السنوات التي أمضاها في بلدة سعاده ، ورفقاءه الأوائل فيها الذين كان له الفضل الكبير في انتمائهم إلى الحزب . هذا ما يرويه لنا قريبه الرفيق عادل حلاوي مضيفاً أن الرفيق نجيب عندما زار بلدته الباروك لقي من أبنائها استقبال الأبطال لما كان تركه في نفوسهم من مآثر وذكريات لا تنسى . كأن الرفيق نجيب رغب من زيارته إلى لبنان توديع محبيه إذ لم تمض فترة على عودته إلى الولايات المتحدة حتى وافته المنية .

بطاقة هوية

ــــــ

- نجيب يوسف حلاوي

- مواليد عاليه عام 1915

- اسم الأم : سلمى سليت

- اقترن من السيدة دوروثي باز، من بلدة بعدران، ورزق منها:

- سامية : زوجة محمد فياض. (شقيق محافظ الجنوب السابق الرفيق حليم فياض) .

- سامي : مهندس في شركة طيران .

- مي : زوجة الدكتور نديم قاسم (وهو شقيق الشاعر المعروف سميح القاسم ، من سورية الجنوبية)

- غسان : قتل في حرب الفيتنام وكان قائد طائرة حربية في الجيش الأميركي .

هوامش

ـــــ

(2) من بشامون ، وهو أول مدير لمديرية الطلبة التي تشكلت في أوائل الثلاثينات ، وأول رفيق يغادر إلى غانا ، ليؤسس لاحقاً فرعاً للحزب فيها .

(3) من بلدة شرتون ، وكان موظفاً في العدلية ، وهو الرفيق الثاني (بعد مفوض الشرطة الرفيق أسعد الأيوبي) الذي يخسر وظيفته بسبب انتمائه الحزبي .

(4) تولى مديرية اليانصيب الوطني ، له مؤلفات عديدة ، طرد من الحزب في أواخر الثلاثينات .

(5) كان الرفقاء في بدايات سنوات التأسيس ، وقبل وضع الدستور ، يتوجهون إلى سعاده بـ " الأستاذ " كونه كان يدرّس اللغة الألمانية للطلبة الراغبين في الجامعة الأميركية .

(6) من مناضلي الحزب ، منح رتبة الأمانة ، تولى في الحزب مسؤوليات محلية ومركزية عديدة . انتخب لعضوية المجلس الأعلى . من بعقلين .

(7) منح رتبة الأمانة وتولى مسؤوليات حزبية قبل مغادرته الوطن إلى غانا حيث أسس فيها أعمالاً ناجحة . من راشيا الوادي .

(8) مخرج تلفزيوني معروف




 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024