في مذكراته الصادرة تحت عنوان "لم ابدل... ولن" مجموعة غنية من سيرة نضالية لافتة ومن مرويات ومعلومات جديرة بأن تقرأ وان تُـعرف.
شكراً للامين القدوة مسعد حجل على الكثير مما قدمه لحزبه، ومنها مذكراته الغنية بالمعلومات والوثائق، والذي كنا في وقت سابق نشرنا أجزاء مفيدة منه. هنا ما كان أورده حضرة الأمين تحت عنوان "موريس الجميل يفي دينه للحزب"
ل. ن.
*
كان رفيقنا نديم الخوري(1) يعمل في مهنة رش المبيدات لامراض تصيب الأشجار المثمرة، لا سيما الحوامض منها، واستدعاه الراهب رئيس دير مار روكز في محلة الدكوانة لهذا الغرض.
وفي سياق عمله دعاه الراهب الرئيس الى احتساء القهوة معه، ثم سأله ان كان يعرف الأستاذ مسعد حجل من جل الديب، فكان الجواب نعم. قال: بلغ الأستاذ حجل رغبتي بلقائه والتعرّف عليه
في الموعد المحدد زرت دير مار روكز للمرّة الأولى في حياتي، وتعرّفت على الاب الرئيس. خلال الحديث اعلمني عن مهمّة كلفه بها الشيخ موريس الجميل وهي تدبير موعد للقاء مشترك في الدير، وهو يتمنى عدم الرفض لأسباب هامة.
وافقت على الفكرة واصطحبت معي الرفيق سيمون طعمة(2) للإجتماع بالسيد موريس الجميل.
لم اجتمع بالاستاذ من قبل، لكنه بادرني بأن عليه ديناً للزعيم ويود تسديده لحزبه.
تعجبت للأمر وسألت: ما هو هذا الدين الذي تتحدث عنه ؟
قال: انتميت الى الحزب السوري القومي الاجتماعي خلال سنواته السرية الأولى على يد الزعيم، ومارست حقوقي العضوية وكنت ناشطاً في الجامعة مع عديدين من الرفقاء.
ولما انكشف امر الحزب سنة 1935 كما هو معروف، وعندما تسارعت المفوضية السامية الفرنسية الى تأليف الأحزاب، كيفما اتفق، لمنع الشباب من الانخراط في صفوف الحزب القومي الذي ارعبها ما لمسته خلال المحاكمات العلنية في المحكمة المختلطة مما سجّل قفزة نوعية ممتازة للحركة القومية التي استقطبت العديد العديد من المثقفين والادباء والوطنيين متخطية حدود الطوائف والمذاهب والأديان وكل المعوقات، وهذا ما اقلق السلطات الفرنسية فأوعزت الى جماعاتها لتأليف أحزاب طائفية، فكان حزب الكتائب للموارنة برئاسة الشيخ بيار الجميل، وحزب النجادة للطائفة السنية برئاسة عدنان الحكيم، وحزب الشيعة برئاسة احمد الاسعد وحزب الغساسنة للروم...
اصطدمت مع ابن عمي الشيخ بيار ووصل الخبر الى مقام الزعيم فاستدعاني وصارحني له لا يقبلل بإيجاد خلاف في العائلة وهو يقدّر الظروف الصعبة التي أمر بها واعاني منها، ولهذا السبب فهو يحلّني من قسمي حفاظاً على وحدة العائلة.
استهجنت ما سمعت وقلت: حضرة الزعيم انا قومي اجتماعي وانتميت طوعاً بكامل وعيي وايماني بصحة العقيدة والمبادئ ولست مستعداً للتنازل عن ولائي القومي مهما كانت الضغوط ومهما عظمت المخاطر فإنها لا تزيح بي عن الطريق الذي ارتضيته لنفسي بكل حرية وعزيمة صادقة وإرادة قوية.
ابتسم الزعيم ابتسامته الساحرة وشكرني على حماسي وولائي، ثم قال: بالرغم مما جاء، يا رفيقي، فإني احترم موقفك إلا انني أرى الا تتعرض لمشاكل عائلية انت ونحن بغنى عنها، فلتبقَ قومياً اجتماعياً، بالفكر والايمان والقناعة، دون التزام بالتنظيم والنظام الحزبيين.
ومضت الأيام، اكمل الشيخ، واستشهد الزعيم، وبقي ثمة دين عليّ تجاهه، وقد علمت انك تترأس لجنة مركزية لادارة المعركة الانتخابية، كما اني علمتُ عن التواقيع التي جمعتوها من قبل مرشحين غير حزبيين، وعرفت الغاية من نشاطاتكم المتعلقة بهذا الغرض، واجتماعي اليوم معكم هو لابلاغكم انني، في حال فزت في المقعد النيابي، سأطلب العفو عن القوميين المحكومين، لا بل عن المحاولة الانقلابية برمتها، وانا اعلم انكم لن تؤيدوني، لظروف موضعية معروفة، لكنني اعدكم بالمساعدة لنجاح مهمتكم، وأكون بذلك ارحت ضميري ووجداني وسددت ديوني للزعيم بخدمة حزبه.
اثناء الحديث، مررنا سريعاً على توقه واجتهاده لتأسيس "بنك للعلوم" يجمع كافة الإمكانيات الفكرية والعلمية، للخروج بدراسات موضوعية يستفيد منها لبنان وعالمه العربي.
شكرنا الشيخ موريس على موقفه الشريف وغادرنا الدير بقلوب مفعمة بالامل وقناعة مبرمة بنجاح خطتنا.
هوامش:
(1) نديم خوري: رفيق مناضل. تولى مسؤوليات محلية عديدة في المتن الشمالي. يصح ان يُكتب عنه.
(2) سيمون طعمة: كما آنفاً.
|