إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

الأمين نبيل العلم بقلم الدكتور سماح إدريس

الامين لبيب ناصيف

نسخة للطباعة 2021-12-03

إقرأ ايضاً


شكراً للرفيق المهندس وفاء جريج الذي أحال إلينا الكلمة اللافتة التي كان القاها الوطني الدكتور سماح إدريس في مناسبة تكريم الأمين البطل نبيل العلم، الذي توّج مسيرته النضالية الطويلة بتصفية بشير الجميل في عملية معقدة تمكن الرفيق البطل الأمين حبيب شرتوني من إنجازها.

ل. ن.

*

أشكرُ الأصدقاءَ والرفقاءَ من آل العلم، ومن "مبادرة وحدةِ السوريين القوميين الاجتماعيين"، لدعوتي إلى المساهمة في هذا المهرجان السياسيّ تكريمًا للقائد الراحل نبيل العلم. وإنّ هذا لمهرجانٌ سياسيّ بامتياز، لا قُدّاسٌ أربعينيّ. فنبيل العَلم ليس إنسانًا "مسيحيًّا" كي نكتفي بقُدّاسٍ وجنّازٍ لراحة نفسه. إنّه بطلٌ من أمّتنا، تخطّى زواريبَ الطائفة إلى ميادين الأمّة الواسعة، وقاد بمبادرةٍ بطوليّةٍ ـ شبهِ فرديّةٍ على الأرجح ـ مرحلةَ افتكاكِ لبنان من براثن "إسرائيل". فشكرًا لنديم الجميّل، وشكرًا للبطريرك الراعي، وشكرًا للمطران عون، الذين تواطأوا جميعُهم ـ على ما يبدو ـ في منع إقامة جنّاز جبيْل للصلاة على راحة نفس بطلنا؛ ذلك أنّ تواطُؤَهم أتاح لكم، أيّها الرفقاءُ في بيروت، تكريمَ ابنِ "القضيّة" لا ابنِ "الرعيّة"!

لكننا إذ نكرّم نبيل العلَم اليوم، وذلك أضعفُ الإيمان، ينبغي أن نتساءل: ألا يمكن أن نسموَ بذلك التكريم إلى مرحلةٍ أعلى؟ يقول الرفيق نجاح واكيم "إنّ جيلًا لا يعرف مَن هو وما هو نبيل العَلم لن يتعرّف أبداً إلى وطنه". وعليه، فقد يبدو من الضرورة بمكانٍ أن نعرِفَ نبيل العلم معرفةَ أدقَّ وأوسع، ربّما عبر تسجيل مسيرته النضاليّة الثريّة في فيلم وثائقيّ... شرطَ أن يضطلعَ بكتابة السيناريو كاتبٌ عميقُ الصلة بمراحل النضال الوطنيّ اللبنانيّ والفلسطينيّ، وأن يتعالى في الوقت نفسه عن كافّة التشظّيات التي أصابت جسمَ الحركة القوميّة الاجتماعيّة منذ عقود. إنّ توثيقًا كهذا هو ما سيخلّدُ نبيل العلم لأجيال وأجيال، فيَعْرِف أولادُنا وأحفادُنا أيَّ وقفةِ عزٍّ وقفها بعضُ الأوائل، فيقتدوا بهم في معاريج الحياة. وإذا كان لي أن أتخيّلَ محطّاتِ هذا الفيلم، فإنّني أقترح ما يأتي بعد ذِكر المعالم الأساسيّة في طفولته ومراهقته: دراستَه المحاماة؛ انتماءَه إلى الحزب السوريّ القوميّ الاجتماعيّ في نهاية الستينيّات وارتقاءَه إلى عضويّة المجلس الأعلى، فإلى منصب "عميد" في غير مرحلة، وترؤّسَه شعبةَ الأمن في الحزب المذكور؛ علاقته بالمقاومة الفلسطينيّة، شأنَ قوميين اجتماعيين آخرين (كالشهيديْن كمال خير بك ومحمد سليم)، وخصوصًا بالشهيد خليل الوزير؛ لقاءَه بالمناضل حبيب الشرتوني (في باريس على الأرجح)؛ تخطيطَه لاغتيال بشير الجميّل؛ سفرَه إلى سوريا فليبيا فبلدانٍ أخرى في أفريقيا وأوروبا الشرقيّة، قبل استقراره في البرازيل؛ إصابتَه بالسرطان؛ وأخيرًا رحيلَه عن هذه الدنيا.

في ثنايا معظم هذه المحطّات، ينبغي إجراءُ بحثٍ استقصائيّ جدّيّ في دقّةِ ما يُتداول من أمورٍ اكتنفتْ مسيرةَ العلم بسبب سريّة أفعاله: من قبيل مشاركته، كما قيل، في تصفية عملاء للموساد الإسرائيليّ في السبعينيّات في بيروت، وفي تسميم جنودٍ صهاينةٍ في القدس أو تل أبيب، وفي اغتيال ضابطٍ إسرائيليٍّ في جونيه قبيْل اجتماعه ببشير نهايةَ السبعينيّات، وفي التخطيط لقتل شارون وضبّاطٍ إسرائيليين في فندق ألكسندر في الأشرفيّة بعيْد مقتل بشير. كما ينبغي التيقّن من صحّة أنباءٍ تفيد بأنّه قدّم إلى رئيس الحزب آنذاك، الراحل إنعام رعد، مشروعًا بتفجير مجلس النوّاب اللبنانيّ أثناء جلسة انتخاب بشير رئيسًا للجمهوريّة، وأنّ رعدًا أخطرَ المجلسَ الأعلى في الحزب، فقرّر العَلم التخطيطَ لاغتيال بشير وحده من دون إعلام قيادة الحزب هذه المرّة. على أنّ تداخُلَ الحقيقة بما يمكن أن يكون خيالًا وأسطورةً نُسجا من حول العَلم يغري المرءَ بعملٍ من نوع آخر، لعلّه أن يكون روايةً فنيّةً أو فيلمًا دراميًّا. وفي كلّ الأحوال فإنّ الدربَ الصاخبَ ينبغي ألّا يُطوى مع الرحيل الصامت، إنْ كان لهذه الأمّة أن تستفيدَ من تجاربها لتحقيق بعضٍ من أهدافها الكثيرة.

أيّها الحفل الكريم،

تتكاثر ظواهر التطبيع مع الكيان الصهيونيّ في لبنان. بعضُ هذه الظوهر يرتدي لَبوسًا دينيًّا مزيّفًا، عنوانُه "خدمةُ الرعيّة" في فلسطين القابعة تحت الاحتلال؛ وبعضُ الظواهر الأخرى يرتدي لَبوسًا ثقافيًّا مهلهَلًا، عنوانُه "اختراقُ الوعي الإسرائيليّ" عبر المشاركة في ندوات مع إسرائيليين أو إجراء مقابلات مع دوريّات إسرائيليّة أو تصويرِ أفلامٍ في فلسطين المحتلّة يشارك فيها إسرائيليون. وضِمن مظاهر التطبيع يندرج التساهلُ اللبنانيُّ المتزايد، كي لا أقول الميوعة اللبنانيّة المفرِطة، في التعامل مع عملاء الاحتلال؛ وكأنّ صهاينةَ الداخل أقلُّ خطرًا على الأمّة من صهاينة الخارج! لقد بدأ الأمرُ بمحاكماتٍ هزيلةٍ لبعض عملاء "إسرائيل" عقب تحرير الجنوب في أيّار 2000. ثم تفاقم شيئًا فشيئًا إلى حدِّ أنْ باركهم، مؤخّرًا، رأسُ الكنيسة المارونيّة في قلب فلسطين المحتلّة، بل وصفهم بأنّهم "لبنان الحقيقيّ"، وكأنّ المقاومين الشرفاء هم لبنانُ المزيّفُ أو المزوّر. والأسوأ أن يتراخى بعضُنا في التصدّي للتطبيع مع العدوّ وعملائه بذريعة "عدم استفزاز الطائفة" التي ينتمي إليها هذا المطبِّعُ أو ذاك، وهذا العميلُ أو ذاك، أو بهدف "مسايرةِ الحلفاء" حرصًا على فوزهم في معاركهم الرئاسيّة أو الانتخابيّة العتيدة.

أيّها الرفاق والرفقاء،

إنّ مقاومةَ العدوّ وعملائه، ومقاومةَ التطبيع مع العدوّ وعملائه، لهي أسمى من أن تَخضعَ لمعاييرِ (أو للامعاييرِ) السياساتِ الطوائفيّةِ الانتهازيّة، ولتقلّباتِ السياسيين الفهلويين ومصالحِهم الانتخابيّة. العدوُّ عدوّ، تجبُ مقاومتُه بالسلاح وبشتّى أشكال المقاطعة الاقتصاديّة والثقافيّة والأكاديميّة والفنيّة والدينيّة والرياضيّة. كما تجب ملاحقةُ مصالحِه وأزلامِه وداعميه في كلّ شبرٍ من أمّتنا، على ما آمن بذلك عظيمٌ آخرُ، هو الكاتبُ الفذّ سعيد تقيّ الدين، الذي أسّسَ مع ثُلّةٍ من رفاقه في العام 1954 لجنةً أسموْها "كلُّ مواطنٍ خفيرٌ"، هدفُها مكافحةُ النشاط الصهيونيّ في لبنان والبلادِ العربيّة (بالمناسبة، هذه اللجنة هي التي قدّمتْ مشروعَ "قانون مقاطعة إسرائيل" الذي وضعه إدمون ربّاط وأقرّه مجلسُ النوّاب في العام 1955).

ومثلما أنّ العدوَّ عدوّ، فإنّ العميلَ عميل، ولا صفةَ له إلّا الخيانة، وينبغي التصدّي له بقوّة السلاح، أو بالمحاكمة العادلة، لا الصُّوَريّةِ الفاسدة، كي يكون عبرةً لغيره من العملاء المحتملين... شرطَ أن يُستثنى من العقاب أطفالُه وأولادُه غيرُ البالغين الذين لا يمتلكون قدرةَ التمييز واتخاذِ القرارات المصيريّة. وبالمثل، فإنّ المطبّعَ مطبّع، ولن يَنجمَ عن "حواره" مع العدوّ ـ ولو مع "ليبراليّيه" و"يساريّيه" المزعومين ـ إلّا تشريعُ الاحتلال على أرض فلسطين. ويجب، من ثمّ، أن نواجهَه أولًا بالحوار وتقديم المعلومات. فإذا أخفقنا في ثنيه عن التطبيع، فلا مفرّ من أن نمارس عليه ـ في غياب قانونٍ متطوّرٍ للمقاطعة في لبنان، سياسةَ العزل، لا سياسةَ "التسامح الديمقراطيّ" أو "التطنيش" بذريعة "الحرص على الوحدة الوطنيّة وصيغة العيش المشترك".

أيّها الأصدقاء،

نبيل العلم لم يخطّطْ فقط للقضاء على "رئيسٍ" تعاملَ في القرن الماضي مع العدوّ الإسرائيليّ، شأن العملاء سعد حدّاد وعقل هاشم وأنطوان لحد.

نبيل العلم، باستهدافه رئيسًا للجمهوريّة "انتخبتْه" الدبّاباتُ الإسرائيليّة، إنّما كان يستهدف القضاءَ على نهجٍ كاملٍ ومتكاملٍ من العمالة والخيانة والتطبيع والاستسلام لعدوّنا الوطنيّ والقوميّ. ولذلك فإنّ الوفاء لهذا القائد الاستثنائيّ، وللبطل الهُمام حبيب الشرتوني، لن يتمّ في حفلٍ واحدٍ أو عشرين، بل من خلال تكريس نهجِهما المقاوم، وتعميمِ ثقافة المقاطعة فالدوالسلام.




 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024