إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

الرفيق منير جبر اسم يجب ان يبقى حاضراً في تاريخنا بقلم الرفيق الباحث والاديب جان دايه

الامين لبيب ناصيف

نسخة للطباعة 2021-12-15

إقرأ ايضاً


عرفت مرحلة الستينات في القرن الماضي، حضوراً لافتاً لرفيق كان تأثر سابقاً بالفكر الماركسي، وإذ تعرف الى قوميين اجتماعيين، والى فكر سعادة، وانتمى، انطلق بحيوية وذكاء محققاً الكثير من المواقف في المجال العمالي النقابي، في اوتيل ديو وفي غيره، وكان لافتاً بالخدمات الكثيرة التي قدمها،

من اكثر الذين عرفوه، عميد العمل في تلك المرحلة، الأمين نصري خوري، ورفقاء عديدون نشطوا في "المتن الشمالي" وفي الحقل الطبي. عرفته بدوري وما زلت اذكر كيف التقيت به في مطار سان باولو فيما كنت عائداً الى الوطن(1) وكان بدوره قد أنهي زيارة له الى البرازيل.

الرفيق منير جبر اسم يجب ان يبقى في تاريخ العمل الحزبي النقابي، وإذ اكرر دعوتي الى ابنه المهندس الرفيق سرجون، أورد ادناه ما جاء في الصفحات 32-33-34-35، من الجزء الأول من كتاب "حياتي الحزبية" للرفيق الاديب والكاتب والمؤرخ جان دايه.

ل. ن.

*

عند ذكر مديرية انطلياس، لا بد من التوقف عند الرفيق منير جبر. فقد كان هذا الرفيق عضواً ومسؤولاً في الحزب الشيوعي. وفي أواسط الستينات، ابتعد عن حزب ماركس، واصبح على قاب قوسين او ادنى من الحزب القومي. ويعود الفضل في اقترابه من عقيدة سعادة وحزبه الى الرفيق س. ض.(2) غي الدرجة الأولى.

كان الرفيق منير موظفاً في قسم الطوارئ في مستشفى اوتيل ديو. لم تكن وظيفته عالية. ولكن نفوذه كان كبيراً، نظراً لقوة شخصيته وعلاقاته الشخصية الممتازة باطباء المستشفى وموظفيها.ومن الأمثلة على شخصيته القوية، الواقعة التالية: جيء مرة بجريح من قرية الشبانية، المتن الأعلى الى قسم الطوارئ. ادخل فوراً غرفة العمليات. ما هي الا دقائق، حتى وصلت عدة بوسطات وسيارات من القرية وهي تقل اقرباءه واصدقاءه. كالعادة، اصرّ هؤلاءعلى دخول الغرفة حيث يوجد الجريح. عندها، خرج الطبيب غاضباً وخيّر منيراً بين ان يخرج الجمهور من الغرفة او ان يخرج هو. نهض منير بقامته الصغيرة، وصاح بأقرباء الجريح وأصدقائه: برا! خرج الجميع باستثناء رجل واحد. عندئذ نظر اليه منير وقال بحدة: شو بدك كرت عزيمة حتى تطلع؟ خرج الرجل فوراً دون ان يجيب بكلمة واحدة. عاد الطبيب الى الغرفة ليكمل تقطيب جراح الرجل المسكين. بعد دقائق وصل ضابط برتبة لواء وادى التحية للرجل الذي خرج من الغرفة بلا كرت عزيمة. ذهل منير من المشهد، ونادى احد ركاب بوسطات الشبانية وسأله عن اسم الرجل الذي يقف الضابط الكبير امامه بحالة تأهب. فقال له انه الياس سركيس. لم يعتذر منير منه. ولكنه رابط في مكتبه حتى اطمأن الى ان الضابط قد عاد الى وزارة الدفاع، وصاحبه قد اصبح على بعد عدة كيلومترات من المستشفى.

الخدمات التي ادها منير الى القوميين – والمواطنين ايضاً – على الصعيد الصحي لا يستوعبها احدث كمبيوتر. وهو ايضاً أدى خدمات نقابية من موقع مسؤوليته في هيئة نقابة المستشفى. عشرات المرضى القوميين ادخلهم المستشفى مجاناً. مسؤول كبير في الحزب كان مسجوناً واحتاج الى عملية جراحية. كنت ضابط الاتصال بين اهله وإدارة المستشفى. لا مال لديه. وليس مناسباً ان يتخذ سريراً في قاعة كبيرة تضم عدة مرضى. عرضت الامر على الرفيق منير، فامهلني يومين، ثم ابلغني ان الحل جاهز. تجري العملية بلا مقابل. ويقيم في غرفة مستقلة. وهكذا كان.

ولنتوقف عند مثل آخر هو الرفيق قاسم طقطق والد الرفيق عصام(2). كان يشكو من ألم في القلب. ادخله منير المستشفى . أجريت له فحوصات دقيقة، كما جرى تصويره على الاشعة. بقي في المستشفى حوالي الشهر. ثم تقرر نقله الى المنزل. ليس لأنه شفي، بل لأن وضعه ميئوس منه. فقد انتحى بي الطبيب المختص جانباً وقال: نصف قلبه مهترئ ! لذلك رأينا إعادته الى المنزل. قلت له: وكم بقي له من العمر ؟ قال: ليس اكثر من شهرين! كان الرفيق قاسم منتهى الطيبة والهضمنة. لذلك بكت الممرضات حين ودعهم. اخبرت عصام بما قاله لي الطبيب، ورجوته ان لا يخبر والده بالامر. بعد شهرين، كنت بمعية الرفيق منير في المستشفى، حين لمحني الطبيب. صافحني وسألني اذا رحل مريضه. ضحكت وأجبته: بل انه عاد لمزاولة مهنته في تنجيد كراسي القش. صاح: ماذا ؟ اضفت: وهو يحمل بضعة كراسي من منزله الى منزل أصحابها على بعد كيلومترين. عندئذ نظر الطبيب الى السماء وقال: انها حالة غريبة مستعصية على الطب، وهي بمثابة اعجوبة. وعاش الرفيق قاسم خمس سنوات بعد خروجه من المستشفى. ولم يرحل الا بعد ان اهترأ النصف الباقي من قلبه.

رفيق ثالث اسمه نايف عواد. ادخله منير المستشفى نتيجة توهمه انه مصاب بالسرطان. أجريت له كافة الفحوصات. وبالطبع جرى تصوير جسمه على الاشعة. كانت النتيجة انه غير مصاب بالسرطان ولا بالنزلة الصدرية. ابلغه الطبيب ذلك. لم يصدق. اجتمعت مع الرفيق منير والطبيب في اليوم التالي من اجل معرفة الحقيقة بالضبط. كرر عليّ الطبيب، نتيجة الفحص والتصوير وتحليل الدم، هي ان الرفيق نايف مثل الحصان العربي. زرت المريض بالوهم ورويت له ما قاله لي الطبيب، ولم انسَ ان اقسم له على كتاب سعادة ان ما قاله له هو الحقيقة ولا شيء غير الحقيقة. لكنه ظل متوهماً باصابته بذلك المرض الخبيث. كان في الثلاثينات من العمر. ونتيجة انقطاعه عن الاكل وبقائه في سريره مكتئباً، رحل خلال اشهر قليلة.

فيا لها من مفارقة ! قاسم ظقظق في السبعين من عمره يعيش خمس سنوات بنصف قلب. ونايف عواد بقلب كامل وصحة جيدة يعيش بضعة اشهر، وكأنه بطل مسرحية موليير "Le Malade Immaginaire".

وعلى موازاة الخدمات الصحية، كان منير جبر ناشطاً نقابياً.

تولى اصدار نشرة النقابة. فتعاونت معه على تحريرها واخراجها وطبعها ايضاً. قبيل الأول من أيار، سألني عن إمكانية إقامة مهرجان حاشد يكون مرخصاً له باسم النقابة، وتشترك فيه نقابات أخرى، على ان يكون الحزب منظماً له بدءاً باليافطات وانتهاء بتقديم الخطباء. طرحت المشروع على منفذية المتن الشمالي، وعلى هيئة مديرية انطلياس. كانت الموافقة مرفقة بالحماس. كيف لا والحزب ممنوع من الصرف في ظل حكم المكتب الثاني، وهو يحتاج لأية تغطية قانونيةاو سياسية حتى يتابع نشاطه ؟ استأجرنا قاعة سينما اوسكار في جل الديب. وملأنا حيز السينما باليافطات الحزبية المناسبة لعيد العمل، وقد كتبنا على البعض منها عبارات تؤكد ان عيد العمل ليس محصوراً بالعمال فقط حسب آيديولوجية الشيوعيين، بل هو يشمل كل المنتجين فكراً وصناعة وغلالا على حد تعبير سعادة. نجح المهرجان على الصعيد الإعلامي والخطابي. جرت تغطيته من قبل الصحافة وأجهزة الاعلام والإذاعة والتلفزيون. ولكن نجاحه على صعيد الجمهور كان متواضعاً. اذ بقي نصف القاعة فارغاً. استغربنا، منير وانا، ذلك، لتوقعنا بان القوميين وحدهم سوف يملأون القاعة والساحة الامامية. وعلمنا بعد أيام ان احد القوميين، الذي كان يتولى مسؤولية بالمنفذية، اتصل بكل الوحدات الحزبية في المتن الشمالي ليبلغها بأن المهرجان قد ألغي. ومن المرجح فعل ذلك بايعاز من مؤسسة أمنية رسمية كانت الظنون حائمة حول علاقته بها.

هوامش:

(1) كنت في زيارتي الثانية الى البرازيل. دخلت قاعة الانتظار دامعاً وقد ودعت الرفيقة اليسار نواف حردان، ففوجئت بالرفيق منير جالساً ينتظر. كان لقاء لافتاً بعد سنوات لم أتمكن التقيت فيها الرفيق منير.

(2) ارجح انه الرفيق سمير ضومط (مراجعة ما نشرت عنه على موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية www.ssnp.info).

(3) عصام طقطق: عرفته في ستينات القرن الماضي ناشطاً حزبياً طيلة السنوات الصعبة. يهمني ان اكتب عنه.



 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024