مطالعو مجلة "صباح – الخير" في السبعينات توقفوا بكثير من الاعجاب امام المقالات التي كانت تنشر تحت اسم عزة، حتى اذا مرّت سنوات عرفنا ان الكاتبة عزة هي الرفيقة مي مكارم، وإذ التقينا بها احتلت لدينا الكثير من مشاعر المحبة.
عرفتها في تلك السنوات من سبعينات القرن الماضي، وعرفت جيداً زوجها الرائع، المميّز ثقافة ومناقب، والفنان القدير، القومي الاجتماعي المجسد للكثير من فضائل الالتزام القومي الاجتماعي محمد سميح حماده(1)، وتابعت اخبارها مباشرة او عبر صديقتها الفاضلة مالكة حمادة، التي احتلت لدي احتراماً ومودة، كما الأمين الراحل سعيد ورد(2).
اذكر ان آخر اتصال جرى بيني وبين الرائعة الرفيقة مي، عندما اتصلت بي للتعزية بصديقتها، زوجة اخي جورج، الدكتورة الكاتبة والمثقفة نجاة نعيمة. كان حديثها مفعماً بالكلام الحلو، بالطيبة التي تتحلى بها. حكت كثيراً عن نجاة. وحكيت، وكان للرفيقة مي، للرفيق الرائع محمد، الحصة الكبيرة.
الكلام عن الرفيقة المميّزة مي مكارم لا ينتهي. لعل ما نشره الأمين الصديق، الإعلامي والباحث أحمد اصفهاني يغطي جانباً غنياً من حياة مي مكارم في عالم الصحافة والفن والادب، ودائماً كانت مميّزة برقيها وصدقها وطيبتها واستقامتها.
برحيلها تنضم الغالية الرفيقة مي الى سلسلة الأحباء الذين خسرتهم وقد أتيت على ذكرهم تباعاً.
الحزن عليك عميق يا رفيقة عزة، ايتها الرفيقة الرائعة مي مكارم، كما هو حزني على الرفيق المميز في كثير من الفضائل محمد حماده. انتما تنضمان الى الرعيل الحلو من رفقاء ورفيقات خسرناهم وفي القلب دموع.
*
مقالة لن تقرأها "عزة"
الأمين أحمد أصفهاني
... و"عزة" هو اللقب الحركي والصحافي للرفيقة مي مكارم حماده التي غادرتنا في السادس عشر من هذا الشهر، بعد فترة مرض لم تمهلها طويلاً.
سمعتُ بها في المرحلة الأولى من الحرب الأهلية (1975 ـ 1976) يوم كان الحزب السوري القومي الاجتماعي منقسماً على ذاته. وكانت هي في الطرف الآخر: ناشطة، متحركة، متحمسة... مع قليل من الفوضى المنظمة. وما كانت من هواة التنظير والتحليل، بل مارست قناعاتها وإيمانها في الميدان الاجتماعي. جذبتها المسائل الشعبية، فشاركت الناس همومهم ونقلتها في تحقيقات صحافية تركت أصداء فاعلة في زمن سيطرت عليه غرائز التعصب.
كنا نلتقي بين الحين والآخر وبيننا جدران من الشك والحذر. كل منا في جهة تنظيمية، على رغم مسيرتنا في الاتجاه الواحد... إلى أن تحققت "وحدة" الحزب سنة 1978، فوجدنا أنفسنا رفقاء وزملاء في مكاتب مجلة "صباح الخير ـ البناء". في خضم العمل الصحافي والنشاط الحزبي ترافقنا على مدى سنتين، لنكتشف أننا "نشبه" بعضناً بعضاً، وأننا نمارس القيم ذاتها، وأن أسوار الكراهية والفرقة القائمة بين القوميين تتحمل مسؤوليتها قيادات غذّت التناقضات لمصالحها الشخصية.
كانت هناك نقاط خلاف عدة مع الرفيقة "عزة"، نناقشها معاً بحماس وحدّة في أحيان كثيرة. والغريب أننا كنا، بعد كل "مباراة حوارية"، نشعر باقترابنا أكثر فأكثر إلى وحدة الرؤية والاتجاه. انقطع هذا الحوار في 5 تشرين الثاني سنة 1980 بعد جريمة قتل بشير عبيد وكمال خيربك وناهية بجاني... فقد غادرتُ بيروت إلى لندن بعد ثلاثة أيام فقط قرفاً من الظروف التي رافقت تلك الجريمة.
في أواخر سنة 1982 وصلت الرفيقة "عزة" إلى لندن في زيارة إلى زوجتي التي كانت قد شاركت معها في نشاطات اجتماعية قبل مغادرتنا الوطن. لم تكن تداعيات الغزو الصهيوني للبنان قد هدأت بعد. وفي جلسة عائلية حميمة راجعنا سوياً بعض معاناتها خلال الغزو. قالت لنا في ذلك المساء بما يُشبه الاعتراف: "في إحدى ليالي القصف الصهيوني العنيف على بيروت، كنا في ملجأ مع بعض الرفقاء والرفيقات من بينهم الرفيق حبيب كيروز... إن القدوة التي مثلها الرفيق حبيب ساعدتني في إعادة تصويب رؤيتي لما يجري"!
لاحقاً انتقلت الرفيقة "عزة" مع زوجها الفنان والشاعر الرفيق محمد حماده للإقامة في لندن. الزمالة المهنية والعلاقة الحزبية توجتهما وشائج عائلية خصوصاً مع ولادة كرمة حمادة وربى أصفهاني بفارق شهر واحد بينهما. وعلى أهمية هذه الروابط الخاصة التي استمرت حتى بعد عودة عائلة حمادة إلى الوطن، فقد حرصتُ دائماً على أن أستمع إلى رأي "عزة" بما أكتب. صريحة في تقييمها، دقيقة في نظرتها، ومدركة لنبض الناس في حياتهم العامة.
شكل رحيل الرفيق محمد جرحاً لم يندمل في قلب الرفيقة مي. هجرتْ الكتابة، لكنها لم تتخلَ عن هاجسها الدائم بالعمل الاجتماعي في الأوساط الشعبية المسحوقة، وفي مخيمات "اللاجئين" على وجه التحديد. هناك كانت تجد نفسها، وتعبّر عن إيمانها، وتمارس عقيدتها.
أنهكها التعب خلال السنتين الماضيتين، وأضاف وباء الكورونا ثقلاً ضاغطاً عليها لأنه منعها من الاختلاط بالناس. لا شك في أنها خبأت في أعماقها حزناً وجودياً وهي تتابع قرار ابنتها وحفيديها الانتقال إلى قبرص للعمل بسبب تردي الأوضاع في لبنان.
أغمضت "مي - عزة" عينيها للمرة الأخيرة على رؤى راسخة في الوجدان.
وهكذا يرحل أحباؤنا إلى الراحة الأبدية... ويتركون لنا غصة الذكرى وأوجاع الفراق!
**
الشاعر، الفنان المبدع، المسؤول الحزبي الناجح
في الجامعة الأميركية وفي عمدة الإذاعة
الرفيق محمد سميح حمادة
الأمين لبيب ناصيف
الرفيق محمد يلقي قصيدة بمناسبة الثامن من تموز 1978
*
النبذة كانت عممت سابقا
رغم مضيّ ما يقارب الـ 13 سنة على غيابه، فهو ما زال حيّاً في ذاكرتي وفي أعماقي، كما هو لدى الكثيرين ممّن عرفوه في الجامعة الأميركية، طالباً مميّزاً، في الشوف، رفيقاً يضجّ حيويّة ويدفق مروءة وتعاطياً قيادياً، وفي مجالات المهنة والفنون والرسم والشعر فناناً مبدعاً. ترك بصماته الفنيّة في كثير من الكتب والبطاقات.
منذ أن عرفته طالباً في الجامعة الأميركية، وحتى رحيله الباكر، كان الرفيق محمد سميح حمادة يحتل لديّ حضوراً خاصاً من محبة وتقدير وإعجاب. لذلك، فإنّ خسارته كانت بالنسبة إليّ وإلى جميع من عرفه وواكبه وتعاطى معه، موجعة جداً.
هذه الكلمة لا تغطّي كلّ الرفيق المميز محمد سميح حمادة، انما أكتفي بما في حوزتي، داعياً من عرفه جيداً، عقيلته الإعلامية المميزة الرفيقة مي مكارم حمادة (التي عُرفت باسم عزة)، والإعلامي المميّز أيضاً الرفيق الدكتور حسن حمادة، وحضرة منفذ عام الشوف الأمين الصديق غازي أبو كامل، إلى أن يغنوا بكتاباتهم النبذة عن الرفيق الشاعر، والفنان والقومي الاجتماعي النابض بمناقب الحزب محمد سميح حمادة.
*
سيرة ذاتية(*)
- مواليد 1950، خبير في فنون وتقنيات الدعاية والتسويق وخدمات النشر والتطوير الإعلامي.
- 1972 بكالوريوس في الأدب الإنكليزي والأدب المقارن ودبلوم في التعليم – الجامعة الأميركية
- 1973 إصدار كتاب شعر "نواقيس الفجر الآخر" عن دار الريحاني للنشر.
- 1975 عودة إلى الجامعة الأميركية لدراسة التصميم الإعلاني والإخراج الفني ضمن برنامج جديد أطلقته الجامعة (Associate of Arts Extension Program) لمدة سنتين.
- 1977 إنشاء مؤسسة متخصصة في الكلمة والصورة باللغتين العربية والإنكليزية "تريديغراف للترجمة والتحرير والفنون الإعلامية".
- 1981 شارك في تأسيس "شركة موشن للدعاية والتسويق".
- 1982 إطلاق برنامج الفنون الإبداعية Program for Creative Arts and Graphics.
- ومن أبرز إنتاجاته "جبران خليل جبران"، "مجموعة التنوير": لوحات من الآيات القرآنية والأدعية تمّ رسمها يدوياً ثم طباعتها طباعة عالية الجودة على كرتون مخصّص للرسم المائي، وروزنامة وبطاقات "لبنان الأغنية".
- 1988 إدخال الكومبيوتر الخاص بالإخراج والتصميم الصحفي والإعلاني بالعربية.
- 1995 مستشار لوزير الإعلام اللبناني.
- منذ 1997 محاضر زائر في كليات الفنون الإعلانية والغرافيك في جامعتَي LAU & NDU.
- 1999 عضو لجنة التحكيم لجائزة Print Award التي تنظمها مجلة Arab Ad.
(*) نشرت في عدد جريدة "السفير" تاريخ 31 تموز 2007
*
النعي كما ورد في الصحف الصادرة في 31 تموز 2007
محمد سميح حمادة
زوجته: مي فايز مكارم
ابنته كرمة
شقيقاه: شوقي زوجته هويدا قيس وعائلته
سعاده زوجته ندى حلاق وعائلته
شقيقته: ألماس زوجة باسل بيوض وعائلتها
أبناء عمه: غسان زوجته ليلى الذهني وعائلته
نديم زوجته نائلة خضر وعائلته
ليلى زوجة زهير صعب وعائلتها
تقبل التعازي اليوم الثلاثاء 31 تموز في دار الطائفة الدرزية في بيروت ابتداءً من الساعة العاشرة صباحاً لغاية الخامسة بعد الظهر، وطوال أيام الأسبوع في منزله في بعقلين.
الآسفون آل حمادة ومكارم وبيوض وخضر وقيس وحلاق والذهبي وصعب وعموم أهالي بعقلين.
ونعاه كلّ من إدارة وموظّفي شركتَي موشن للدعاية والتسويق، وشركة بويكر لخدمات الصحة العامة.
*
شموع لرحيل محمد حمادة
كتب الإعلامي صفوان حيدر هذه الكلمة الوجدانية في عدد جريدة "السفير" تاريخ 31 تموز 2007:
" من أين أبدأ بالكلام راثياً فارس اللغة وصقرها ورسّامها وشاعرها؟ كنّا خمسة فجعتنا هزيمة الخامس من حزيران عام 1967: محمد حمادة، غسان أبو حمد، جهاد الزين، محمد العبدالله وكاتب هذه السطور. أمس، ووري في الثرى أجملنا وأكثرنا نبلاً، وبراءة، وطهارة، والتماعاً وشفافية وصدقاً، هو العزيز الشاعر والرسام محمد حمادة. أتذكّر يا محمد كيف تدهورت سيارتك بنا على طريق حلب ونحن ننتشي بسماع أغنية أم كلثوم "أصبح عندي الآن بندقية"... أتذكر يا حبيب كيف رحتم تصفّقون لخطابي على صخرة ترشيش منادياً "أبناء طيبا" - وأنتيغون عشيّة حربنا اللبنانية عام 1975؟
أتذكر يا صديقي غرفتك المتواضعة قرب الجامعة الأميركية التي كنّا نتوافد إليها حاملين هموم الشعر والثقافة وشجونها، من باحات الجامعة اللبنانية إلى باحات الجامعة الأميركية في بيروت؟ وهل ستلتقي في عليائك بصديقنا ظافر الخطيب وتهديه سلامنا؟ وهل ستلتقي بقوافل المناضلين والشهداء الذين أهديتهم أشعارك المنشورة؟ وغير المنشورة؟ وماذا ستخبرهم عن أحوالنا اليوم؟ وبأيّ لغة ضاحكة أم باكية ستخاطبهم؟
فجعتني يا صديقي المترع بالرقّة والدقّة والتعالي والعفو عند المقدرة... فجعتني يا صديقي الشهم الجليل، الوقور الحسّاس، النبيل المتسامح المعطاء الأليف الودود الكريم الغفور دائماً وأبدا... نحن رفاق دروبك في الفن والشعر والتصوير وتصاميمك لأغلفة كتبنا، لن ننسى ابتساماتك التي تؤلم ذنوبنا، وتضمّد ندمنا وتوبتنا، لن ننسى أحلامك الكبيرة والمضيئة التي صنعتها لنا بتعب يديك، وبنور عينيك، وبعرق جبهتك البشوشة، وبدخان سيجارتك التي كنت توزّعها على كلّ محزون ومهموم...
هل سنلتقي في كوكب نورانيا، مجرة أندروميدا التي كثيراً ما حدّثتك عنها؟ حتماً سنلتقي في مكان آخر يجمعنا، إمّا فوق هذا الكوكب أو فوق كوكب آخر. لن أقول لك وداعاً، بل أقولها لك وبالفم الملآن: استرح الآن في بعقلين استراحة مؤقتة، وكن مستعداً للجلوس من جديد، إلى طاولات قصائدنا وترجماتنا وكتاباتنا، لأنّ محمد حمادة جدير بأن يبقى حياً، ليس فقط في قلوبنا وعقولنا وضمائرنا، بل هو جدير بأن يرافق المسافرين بعيداً عن لبنان الحبيب، ليقنعهم بالعودة إليه من جديد.
لن نقيم لك التماثيل، بل سنشعل الشموع قرب كلّ كتاب أو ديوان شعر ساهمت بإخراجه من الظلام إلى النور".
هوامش:
(1) سعيد ورد: للاطلاع على النبذة المعممة عنه الدخول الى موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية ssnp.info
|