إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

الشوف: بدايات واجتماع مغارة بزوز

الامين لبيب ناصيف

نسخة للطباعة 2022-01-07

إقرأ ايضاً


من اوائل رفقائنا في بعقلين والشوف، كما يورد الامين جبران جريج في الجزء الاول من "من الجعبة" (صفحة 234) فؤاد عجرم، رفيق ابو كامل، عزت وهاب، توفيق ابو شقرا، سليم محمد ضاهر، وكرت السبحة فانتمى في اليوم الذي بعده شقيق الرفيق رفيق، كامل ابو كامل الذي كان عضواً في الجمعية السرية التي اسسها الفتى سعاده في البرازيل، اثناء اغترابه. كما انه تمّ في الجلسة نفسها ادخال طالب الطب في الجامعة السورية في دمشق رياض حمادة الذي كانت تربطه بفؤاد ابي عجرم رابطة صداقة حميمة ومعهما او بعدهما خلال يومين او ثلاثة جرت عمليات الانتساب لاعضاء آخرين، يورد الامين جبران اسماءهم على الوجه التالي:

خليل ابو حرفوش، طبيب الاسنان داوود القعسماني، نصوح حماده، سليم ابي عجرم، خليل شاهين سلوم، سعيد مجيد الغصيني، علي قيسيه، محمود سليمان حماده، هاني خضر ورشيد خضر، رشيد حميدان، هزاع القعسماني، وكامل القعسماني، شاهيم وفهمي الحلبي، نهاد الغصيني واسعد حسن الغصيني، توفيق بدور، نجيب حسين سليمان، خليل بدور، رشيد شاهين سلوم، سعيد حسين سليمان، محمد فندي حماده، ونجم فندي حماده، سليم سليمان حمده، امين سعيد ابو كامل، امين ابو برجاس، كامل علم الدين، يوسف ابو برجاس، امين سليم ابو عجرم، داوود محمد ابو عجرم، محمد قبلان راجح، داوود عبد الله راجح، سعيد الحداد، سليمان جمول، علي سعيد عامر وفارس عامر، اسعد القعسماني، سعيد ابو حرفوش، حسن الطويل، سعيد ورد، يوسف القعسماني، يوسف بدور، عادل حسن حماده، وديع ولي الدين، ذوقان شمس، حسن بشير ابو شقرا، جميل قاسم ابو حاطوم، سليمان ابراهيم، سليمان ابو حسن الغصيني وكامل سليم الغصيني وذوقان سليم الغصيني وسامي سليم الغصيني وجميل الحلبي".

ويضيف الامين جريج في الصفحة 236: أما النشاط خارج بعقلين فقد امتد الى دير القمر، عترين – عينبال، نيحا المختارة. عين وزين والجديدة.

في دير القمر: طبيب الاسنان الفريد حداري، ميشال عيسى واحدهم من عائلة البستاني.

في عترين – عينبال: فريد قاسم حسن(1) وخليل رشيد حسن.

في المختارة: عادل حصن الدين، توفيق سليم قانصو ويوسف شربل.

في عين وزين: حافظ الحسنيه.

في الجديدة: علي نصر الله.

*

الاجتماع الاول:

يوضح الامين جبران ان حضرة الزعيم عقد في شهر حزيران اجتماعاً لهؤلاء الاعضاء الجدد في منزل المسؤول الرفيق رفيق ابو كامل، وذلك لموقعه الجغرافي والاستراتيجي في آن واحد. رافق الزعيم الى هذا الاجتماع عميد الداخلية

في الشـــوف

ننتقل الى الشوف لنتابع المسيرة الحزبية كما وصفها كامل ابو كامل في مذكراته المخطوطة:

" اخبار ترد من المركز في بيروت تشير الى رغبة المسؤولين في زيارة مديرية بعقلين فيهتم المفوض ان يرتب هذه الزيارة دون ان تثير الشبهات، وبعد الدرس تقرر الموافقة عليها على ان تحصل في يوم عطلة، كما تقرر ان يكون الاجتماع في بيتنا. وقد تم الاختيار على بيتنا للاسباب التالية:

اولاً: مركز البيت الواقع في حارة الفوقاء وهو محاط بسور على دائر الجنينة.

ثانياً: لا يوجد حوله بيوت قريبة سوى بيت واحد لرفيق في الحزب اسمه علي قيسية وبيت ثانٍ هو بيت عمي ويفصله عن بيتنا طريق عام.

وثالثاً والاهم من كل هذا فهذا البيت قلما يخلو من الزائرين لا ليلاً ولا نهاراً وفي السهرات العادية لا يقل عدد الحاضرين فيه عن العشرة اشخاص. وتعين الموعد – كما يقول عجاج المهتار في 5 حزيران 1935، اما ترتيب اللقاء فكان كما يلي:

فرض علي ان ابقى في البيت لاستقبال الذين سيأتون من خارج البلاد.

اما المركزيون الذين سيأتون من بيروت. فيستقبلهم المفوض والمدير ويذهبون سوية مع رفقاء آخرين الى عين حزّور مكان منتزه يقصده شباب البلدة احياناً لقضاء نهارهم فيه حيث يشوون اللحم ويشربون العرق. مياه العين شحيحة لكنها مشهورة بطيبها ونقاوتها وهي بعيدة عن البلدة، تقع بين بعقلين وعينبال. وتقع في فسحة يحيطها شجر الزيتون من جوانبها الثلاث اما الجانب الرابع فكان مخصصاً لزراعة الخضرة الصيفية التي كانت تسقى من المياه الفائضة التي تتجمع في البركة.

وعد الغروب بدأ الرفقاء يصلون البيت وكان اول القادمين الرفقاء: رضا رعد وأمين شكور من عين زحلتا وبعده جاء من كل من ألفرد حداري وميشال عيسى من دير القمر وكنت لا اعرف احداً منهم قبل هذا التاريخ. بعدها وصل الرفقاء حمد صعب تلاه مسعود عبد الصمد من عماطور. فعرفت الرفقاء على بعضهم والفرح يعمنا جميعاً. وبينما نحن نتجاذب اطراف الحديث إلا والشباب قادمون وكان اول الداخلين الى الصالون حيث نحن موجودون مأمون إياس وقبل ان نهم بمصافحته والتعرف عليه انتصب، صرخ: حضرة الزعيم! فوقفنا واخذنا التحية فيدخل الزعيم ومن ورائه نعمة تابت وزكي النقاش وفؤاد مفرج وعبد الله قبرصي وتسمرت مكاني حينما وقعت عيني عليه اذ عرفت فيه انطون سعاده. وذهبت بأفكاري الى البرازيل.

انطون سعاده الذي ما احببته يوماً، ايام كنا في البرازيل. هو اليوم زعيمي وعليّ ان احترمه واحبه؟ والزعيم الذي عرفني بدوره صافحني على الطريقة البرازيلية وشعرت بأنه فرح بهذا اللقاء – وجلست بجانبه نتجاذب بالبرازيلي أطراف الحديث عن سان باولو وحياتها الى ان سألته عن والده قال: ابي قد مات، لقد خسرناه.

واطرقنا قليلاً الى ان قلت رحمه الله انها لخسارة فادحة، كان كبيراً وعظيماً

قال: لقد مات وهو يقوم بتجارب صحية واخبرني قضية صيامه الاربعون يوماً.

بعدها انتقلنا الى الصالون الآخر حيث كان الاعضاء المدعوون قد وصلوا جميعاً ودخلوا الى الصالون مركز الاجتماع وكانت افكاري تدور حول الزعيم الذي عرفته في البرازيل منزوياً عن المجتمع، منطوياً على نفسه لا يتحلى بحرارة الشباب وزهو الفتوة والان هو زعيم لأعظم حزب في عالمنا العربي وقائد لنا. فقلت بيني وبين نفسي دعنا نجرب، الاشخاص يذهبون اما المبادئ فباقية.

وبدأ الاجتماع بكلمة زكي النقاش. وتكلم عبد الله قبرصي وأبدع. وتلاه فؤاد مفرج بقصيدة ألهبت حماس الموجودين ولم تزل في اذني حتى اليوم. واعجبني مقطع منها اذ يقول:

"انا نسوق الى ميدان جبهتنا شيخاً يصلي وقسيساً ومطرانا"

وفي الاخير نهض الزعيم وبدأ كلمته برصانته المعهودة ففند المبادئ الاصلاحية واهمية تطبيقها تطبيقاً دقيقاً وانهى كلامه بالحديث عن انسان النهضة.

فقلت له وكنا نتناول بعض الفواكه لو كنت عرفت من هو زعيم الحزب الذي انتميت اليه قبل ان اسمعك تتكلم لكنت ترددت في الدخول اما بعد ان سمعت الزعيم يلقي كلمته فأشعر بالسعادة تغمرني من رأسي حتى أخمص قدمي فضحك وقال: "بداية خير".

انقضت السهرة على احسن ما يرام اذ رسخت ايمان الذين انتسبوا اليها بقادتهم فضلاّ عن ايمانهم بالعقيدة التي اقسموا عليها ووجدوا بحركتهم الجدية التامة وهذا ما كانوا يتوقون اليه.

انصرف المدعوون الى بيوتهم وعاد الزعيم وصحبه الى بيروت آمنين دون ان يثير هذا الاجتماع اية شبهة للاحتياطات الدقيقة التي أخذت، ان من جهة الوصول الى البيت او من حيث طريقة الانصراف.

في الصباح الباكر جاءني توفيق ابو شقرا حاملاً معه (قصبة – سوداء) وناداني بصوت مرتفع قم يا كامل حضّر الترويقة، وتوفيق هذا من اكثر الاصدقاء تعلقاً بي واقربهم الى قلبي فهو فضلاً عن كونه صديقاً وفياً بصداقته فهو ظريف المعشر سريع النكتة، كريم الاخلاق، واسع الصدر، فقلما يمر يوم لا نتقابل فيه، وفي هذا الصباح قصدني باكراً لأنه امضى ليله مدهوشاً قلقاً لما سمع وشاهد في السهرة.

ان الزعيم هذا ليس انساناً عبقرياً فحسب بل انه منقذ هبط على هذا العالم المتألم المسحوق من السماء: ايمانه، تصميمه، رصانته، كلامه الذي يبعث الامل في القلوب. وعاتبني لانني كنت اقول بأني لا أعرف من هو زعيم الحزب. قلت صدقني باني كنت اجهل حتى اسم الزعيم. وهذه هي المرة الاولى التي ألتقيه. واشكر الله بانني لم أسأل عن اسمه قبل ان التقيه واسمعه يتكلم. وقصصت عليه الصورة التي كنت احملها في رأسي عن انطون سعاده ابن لأحسن رجل عرفته في حياتي وهو الدكتور خليل سعاده الذي كنت عضواً تابعاً له في حزب الحركة الوطنية السورية الذي اسسه في البرازيل اثناء قيام الثورة السورية ضد الانتداب الفرنسي عام 1925.

*

كيف تمّ التوسع في الشوف

الاشخاص الذين تمّ ادخالهم من اهالي الشوف الاعلى شكّلوا النواة الصالحة لنشر المبادئ التي كانوا يتشوّقون لمثلها الشوفيون فتجمّع في مديرية بعقلين ما يزيد على الثمانين طلباً للانتساب جميعها من الشوف الأعلى، اي من القرى الاتية: عماطور، عين قني، بعذران، المختارة، حارة جندل، باتر، نيحا، الجديدة، المزرعة، الكحلونية، الخريبة. احيلت على المفوض الذي استدعى بدوره كلاً من مسعود عبد الصمد (عماطور). فريد عبد الصمد (عين قني). حسين باز (بعدران). حمد صعب (الكحلونية). امين سليم يوسف (المختارة) بالاضافة الى هيئة مديرية بعقلين للاستنارة برأيهم في درس موقّعي الطلبات فتبين من نتيجة الدرس بأنهم جميعاً يملكون الصفات التي تؤهلهم للدخول في الحزب وكان قد تجمّع في صندوق المديرية ما يقارب الثلاثين ليرة من اموال محلية اتخذ قرار بان تصرف على التنقلات التي يحتاجها المفوض كي ينتقل الى قرى الشوف مع من يقترحه ان يكون برفقته لادخال اصحاب الطلبات رسمياً في الحزب وانشاء مفوضيات او مديريات حسب ما يفرضه الدستور. وبالفعل لقد تمّ انتقال المفوض الى هذه القرى وعاد متمماً واجباته على اكمل وجه وبدخول هؤلاء الاعضاء وانشاء بعض المديريات والمفوضيات انتقلت بعقلين من دور المديرية المستقلة الى دور مركز هيئة المنفذية، فتشكلت اول هيئة منفذية على الشكل الاتي: رفيق ابو كامل منفذاً عاماً. نصوح حمادة ناموساً، توفيق ابو شقرا ناظراً للاذاعة.

وبدأ الحزب ينمو ويتمدد في المنطقة حتى شمل القرى الشوفية جميعها بما فيها منطقة المناصف والعرقوب والجدير بالذكر ان جميع الاعضاء بكامل عددهم حافظوا على السرية التامة فلم يذكر عن احد منهم بأنه نطق عن قصد او سهو بكلمة واحدة تشير الى وجود هذا الحزب الذي اصبح يشكل قوة عددية ومعنوية هائلة في المنطقة.

ايام كانت اجتماعاتنا تعقد في البرية ونختار الامكنة النائية فيها حيث الصوت لا يشكل دليلاً على وجودنا. وعندما يكون هنالك تعاميم مكتوبة فكان المسؤول يقرأها على ضوء الشمعة بعد ان يغطي نفسه بعباءة لاخفاء نور الشمعة.

وفي اعمال التدريب وحتى نبعد الشبهة عن لقاءاتنا الدائمة استأجرنا ارضاً كبيرة بأربع ليرات سنوياً وعملنا جميعاً على تمهيدها ونقل التراب من مكان الى مكان ورّك الارض بالمدحلة حتى اصبحت ملعباً كبيراً للفتبول والباسكتبول.

والارض بعيدة عن اعين الرقباء فهي تقع في مكان يدعى الخلوة ولا يراها الا من يقصدها فهناك كنا نلتقي وفيها كنا نقوم ببعض التدريبات كلما سنحت الفرصة ونلعب الفوتبول والباسكتبول.

*

ويصدف في هذا الوقت الذي كنا نمارس فيه التمارين ولعب الفوتبول ان يكون فؤاد علامة الشقي الذي اشتهر بعدم تعرضه للنساء في سطواته واخذه المال من الميسورين وتوزيعه على الفقراء ان يكون مختبئاً في احد البيوت القريبة من الملعب.

ولولا تهور احد افراد عصابته واطلاقه النار على احدهم وقتله عندما كانت العصابة تقطع طريق وادي الزينة، طريق الدامور – صيدا. لما كان حصل هذا التشديد الكبير على اعتقاله واعتقال عصابته. فؤاد علامه شاب شوفي، اشترك في معارك جبل الدروز بعد فراره من لبنان لملاحقة الدولة المنتدبة له.

ولما انتهت الثورة عاد الى لبنان ليمارس قطع الطرقات ويحرتق على الانتداب وفي جميع اعمال السطو التي قام بها لم يقتل احداً ولم يمس سيدة بسوء ولا اخذ حلى سيدة ما. لذلك كانت السيدات تحبه وتدعو له بالسلامة وكان الرجال يخافونه لكنهم لا يكرهونه. كانت الجرائد تتسابق لنشر اخباره ففؤاد علامة مورد ربح لها.

وكان الجنرال الياس المدور رئيس الدرك ماسونياً وعندما ضاقت به الحيلة لالقاء القبض على فؤاد علامة سخر المحافل الماسونية في الشوف ليكونوا عيوناً له على تحركات فؤاد علامة حتى حصروا تنقلاته في بلدة عين قني حيث اقرباء امه فكان ان اشتروا ضمير احدهم بفعل الاخوة الماسونية فدس له السم في الطعام وسلمه الى السلطة جثة بلا روح. وبذلك انتهت اسطورة فؤاد علامة الذي شغل السلطات المنتبة سنة كاملة وكانت اعماله موضوع تسلية للشعب اللبناني كله.

وبانتهاء فؤاد علامة الاسطورة تمّ جلاء قوات الدرك التي احتلت بعقلين وبعض القرى الشوفية مدة شهر كامل فارضة تموينها على الاهلين – تنفس القوميون الصعداء لان وجود قوات الدرك بهذه الشراسة وبهذه الكثرة في المنطقة جعلهم يكتمون انفاسهم ويخففون اتصالاتهم بعضهم ببعض خشية افتضاح امر قضيتهم التاريخية.

*

اجتماع مغارة البزوز

وبعد انسحاب هذه القوات بوقت قليل حصل اجتماع مغارة البزوز الواقعة في كعب الوادي ما بين المختارة والجديدة. وذلك بناء لطلب عدد من القوميين بقصد التعرف على الزعيم.

وتمّ اللقاء اذ تكرّفَت الرفقاء من القرى الشوفية كل بطريقته كما وصل الاخرون من جهة بعقلين بطرقهم الخاصة فالبعض كصيادين وآخرون كتلاميذ يقصدون النهر للسباحة. والزعيم كان احد الصيادين المرافقين للناطور حسن سلمان بريش فقد حمل الزعيم عصا الناطور ورافقه الناطور يحمل بندقية صيد متنقلين بين الصخور والبلان حتى وصلوا المغارة حيث كان قد سبقهم اليها عدد يزيد على الاربعين رفيقاً.

المغارة كبيرة تستوعب ما بين الخمسماية والستماية شخص امامها باحة كبيرة مغطاة بفيء شجر الصفصاف والحور، يمر بجانبها نهر الجديدة المتفرع من نهر الباروك. وهي لا ترى من المختارة ويحجبها عن الجديدة نواتيء صخرية كبيرة واشجار كثيفة فكان المجتمعون ينعمون بحرية الغناء باصواتهم القوية ويختلط الصوت بخرير مياه النهر ويحجبه عن الانطلاق بعيداً وضع المغارة وعمقها الاستراتيجي وقد حمل الرفقاء معهم اللحم واللبنة الجبلية الممتازة وبعضهم جلب العسل الصافي والخضر، بندورة، خيار، اما الفواكه فمن البساتين القريبة التي يملكها قوميون.

وكانت فرحة الرفاق كبيرة بتعارفهم على زعيم الحركة سيما وانه شاب وسيم الطلعة دمث الاخلاق، متواضع.

وبعد استراحة لم تدم اكثر من ربع ساعة انتصب الزعيم والقى كلمة بيّن فيها عن سروره بوجوده مع رفاق يمثلون طليعة النفير في هذا المجتمع الذي فتك فيه مرض التشرذم اذ ارغمه الحكم الجاهل بوسائله الاستعمارية ان يصبح مريضاً. ولكن هذه الامة العظيمة التي سجلت في حقبات تاريخية كثيرة بأنها راس العالم المتمدن. لم تخسر اصالتها طالما انتم عقدتم الخناصر لاعادة مجدها وعزها. لان في هذه الامة كل خير وكل حق وكل جمال. بهذا المعنى كانت كلمة الزعيم.

وبعد ان مرّ بكلمته على نظام الحزب وشدد على المبادئ الاصلاحية شرح اهمية مغارة البزوز التاريخية. حيث استعملها فخر الدين المعني في حروبه، انصرف الجميع الى تحضير الاكل حيث سمح بتناول العرق. وبدأ البعض باشعال نيران لشوي اللحم ومد سماط طويل على الارض اجتمع حوله الرفقاء والزعيم بينهم يأكلون ويشربون وينشدون القصائد الحماسية واحياناً يقصون قصص العصابات التي كان الزعيم يحب سماعها خصوصاً منها العصابات التي كانت تعمل بدوافع وطنية والتي كانت هاربة من ظلم الانتداب واعوانه. وقد رافق الزعيم في هذه الرحلة كل من: مأمون اياس والشيخ جميل العازار وكان الذين يتسلمون مسؤوليا مدير او مفوض يسألون الزعيم عن كيفية ادارة مسؤولياتهم وهو يجيبهم بالتفصيل حتى بدا وكأنه معلم مدرسة يعلم القراءة. كان نهار من ايام العمر".

*

ويقول الامين عجاج المهتار عن اجتماع "مغارة البزوز" ما يلي:

"في اوائل اكتوبر 1935 في "مغارة البزوز" الواقعة في الوادي بين جديدة الشوف والمختارة، وقد ضمّ حوالي 50 من نخبة الرفقاء من معظم قرى الشوف والمناصف، وكان اشبه باجتماع مسؤولين بجهاز الادارة الحزبية لان الحزب انتشر في الشوف بسرعة صاروخية خلال انطلاقته الاولى.

وكان بين الرفقاء عدد وفير من ابناء دير القمر وجوارها...

في المغارة كان حديث الزعيم اكثره عن فواجع عاهات الطائفية والحروب الاهلية وخاصة في القرن الماضي مجازر سنة الـــ 45 و46.

وختم كلامه البليغ بالقول: وهنا في هذا المكان السحيق دفنت والى الابد ذكريات سنة الستين".

*

ولا بد في ختام الكلام عن اجتماع "مغارة البزوز" ان نعرف عن المغارة فقد اشتهرت في زمن الامير فخر الدين المعني فقد كانت ملاذاً له في الملمات كما صارت فيما بعد ملجأ للثائرين على الطغيان العثماني واليوم يعقد الحزب السوري القومي الاجتماعي اول اجتماع سري له فيها منطلقاً في بدء مسيرته في ترسيخ قواعد الحياة الجديدة للانسان الجديد.

*

ويقول خليل ابو عجرم بهذا الصدد: " كنت حدثاً عندما زار شقيقي فؤاد في بعقلين ذلك "الاستاذ الاسمر اللون، الحاد العينين، المبتسم الدائم، الجذاب. كنت في قاعة الاستقبال اسمع وأعي، اروح واجيء وفضول الصغار يدفعني الى البقاء والاصغاء والمشاركة ما امكن في ذلك سبيلاً: فكنت الاقي من ذلك "الاستاذ" قبولاً وسماحاً.

دار الكثير من الاحاديث وتطرق "الاستاذ" الى الكثير من المواضيع التي كانت تهمني فتعلقت به ورحت ألازمه ولكن.... حان وقت الفراق فقد نهض "الاستاذ" ومن كان قد حضر الى البيت من الشباب وغادروه فبقيت وحيداً. لم تطل وحدتي فقد صممت ان الحق "بالاستاذ" وصحبه، لقد سمعتهم يقولون انهم ذاهبون الى مغارة "البزوز" فلماذا لا اذهب انا ايضاً الى "البزوز" واتعرف عليها وعلى اثارها وعلى كل ما يروى عنها؟

ما ابطأت ودون ان اترك اي خبر ورائي، اسرعت الخطى ولحقت بهم على بعد مرمى النظر وبقيت هكذا حالي الى ان وجدت ان الطبيعة تعرقل امنيتي فخشيت من الضياع او العثار فعدت الى البيت حزيناً، كئيباً. وزاد حزني عندما رجع شقيقي فؤاد الى البيت وحده ولم يكن برفقته "الاستاذ، حبيب الاحداث" الذي اصبحت تربطني به عاطفة خفية لا تفسير لها لدي".

هوامش:

(1) فريد قاسم حسن: للاطلاع على النبذة عنه الدخول الى موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية www.ssnp.info




 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024