من العائلات في لبنان التي شهدت إنتماء العديد من أبنائها إلى الحزب، نذكر آل الأيوبي، آل نزهة، وآل عبد الخالق، بحيث كنت أعمدُ في فترة توليّ مسؤولية رئيس مكتب الإحصاء المركزي إلى إيراد إسم الام واسم الجد، للتفريق بين أسماء الرفقاء الذين يصدف أن يكون الإسم، كما إسم الأب، واحداً.
في فترة سابقة نشرنا نبذة عامة عن آل الأيوبي في الحزب السوري القومي الإجتماعي، وخصصنا نبذة عن منفذ عام بيروت الرفيق أسعد الأيوبي الذي كان أول قومي إجتماعي يخسر وظيفته بسبب العمل الحزبي، وأوردنا في عدد من النبذات عن كل من الرفقاء وجيه الأيوبي، بلقيس الأيوبي، وصلاح الدين الأيوبي الذي كان تولى مسؤولية مدير مديرية "فلنت" (ولاية ميشغان)، ولسعاده أكثر من رسالة موجهة إليه .
عرفت عدداً جيداً من "الرفقاء عبد الخالق"، بدءاً من الرفيق نعيم عبد الخالق الذي عرفته بعد انتمائي في أواخر العام 1956 فالأمين محمود الذي عرفته في بدايات ستينات القرن الماضي، ومثله شقيقته الرفيقة شمس ثم الأمين شاهين، فالرفقاء فايز (أبو رمزي) عندما كان طالباً في جامعة بيروت العربية، شوقي وجهاد قاسم عبد الخالق، الأمين محمد سلامة وشقيقيه الرفيقين: الشاعر فوزي ووديع، الرفيق شفيق صدقة عبد الخالق وإبنه الرفيق وليد، وعندما توليت مسؤولية رئيس مكتب عبر الحدود، تعرفتُ إلى الرفيق نبيل عبد الخالق الذي كان إنتقل إلى مدينة بورتو أياكوشو في فنزويلا، وتباعاً عبر مسؤولياتي في مركز الحزب على كوكبة رائعة من الأمناء والرفقاء الذين سكنوا أحلى الأمكنة في ذاكرتي ومنهم الراحلين الأمين كميل عبد الخالق والرفقاء شاهين، فريد ، غازي، خطار، فإني أعتذر عن إيراد أسماء الرفقاء الشهداء والعدد الكبير من الرفقاء والرفيقات الذين عرفتهم تباعاً وما زالوا ينبضون حياة للحزب في مجدلبعنا ويحتلون لدي مساحة شاسعة من التقدير لما أعرف عن نضالاتهم الحزبية، وما سطروه في تاريخ الحزب من تفان ووقفات عز .
وإذ أبدأ بإيراد نبذات،
.02 تقصر أو تطول، بناء لما يتجمع لدي من معلومات عن رفقاء أحباء عرفتهم شخصياً، فإني أعتذر إذا كنت عجزت عن جمع معلومات عن جميع الرفقاء المستحقين، لعلني أفعل لاحقاً، أو يفعل غيري من رفقاء مجدلبعنا أو الغرب.
*
إذا قلت "أبو رمزي" عرف الجميع أنك تقصد الرفيق فايز عبد الحالق،
فالرفيق فايز لم يحتل مساحة واسعة من إحترام الرفقاء له فقط، لأنه على مدى السنوات بعد إنتمائه بقي ملتزماً حزبياً، بانياً أسرة قومية إجتماعية، منها الرفيق البطل رمزي، ومرحباً بزواج إبنته الرفيقة ديما بالأمين بيار معلوف، متحدياً تقاليد وعادات بالية يجب أن ينتصر عليها كل من نما وعيه وإنتصرت فيه إرادة الحياة الجديدة، إنما لأنه كان صريحاً صادقاً، مواجهاً، جريئاً، تطلع الكلمات من عقله وقلبه ووجدانه، لا يهاب ولا يخشى ولا يخفي أراءه.
عرفته منذ الستينات، في تلك السنوات الصعبة التي عرفتُ فيها الأمين محمود عبد الخالق وعدداً غير قليل من رفقاء "عبد الخالق: تلك العائلة الرائعة التي قدمت للحزب شهداءً، وأبطالاً، وبقيتُ على تواصل مستمر معه، تتوج عند زواج إبنته الرفيقة ديما مع الرفيق الأخ والصديق الأمين بيار معلوف، فكنت عراباً وإشبيناً، وواحداً من أفراد العائلة.
لم أعرفه يوماً متحدثاً خارج قناعته، أو محاولاً إستجداء رضى آخرين، "فما في قلبه هو على لسانه". ودائماً قدوته سعاده، وفي قلبه تعاليم ونهج حياة جديدة.
*
في معركة الإستقلال كان للرفيق فايز، وهو شبل، دوره الجريء بتكليف من اللواء جميل لحود، فقد قطع المسافة بين رويسات صوفر وبشامون ركضاً ليوصل كلاماً إلى حكومة الإستقلال(1).
في أيام الصراع العقائدي، كما في وقفات التحدي والبطولة والمعارك، لم يبتعد الرفيق فايز أو يتوارى، بل كان مشاركاً، يزغرد كما رفقاؤه وفي حناياه لا يبقى سوى ذلك المارد الذي طلع من الشوير، وبسط ظلاله على كل الأمة .
خسر إبنه رمزي الشاب الذكي المقدام، ناظر التدريب في منفذية الغرب، فلا تراجع عن إندفاعه الحزبي، ولا أثر ذلك على التزام عائلته القومية الاجتماعية.
وكما أبناؤه، فقد إنتمى إلى الحزب أبناء شقيقه قاسم: سميرة(2)، شوقي وجهاد / وكانوا تربوا في كنفه منذ سنوات الطفولة، وشبوا على رفرفات الزوبعة وأناشيد الحياة .
*
من السيرة الذاتية للرفيق فايز التي كانت دونتها الرفيقة سوسن مزيد فياض، هذه المعلومات:
ولد الرفيق فايز حسين عبد الخالق في مجدلبعنا عام 1927.
إنتمى إلى الحزب في عام 1951. يقول:
" العام 1943 كنت بعمر 16 سنة وكان منزلنا يعتبر من مؤيدي الكتلة الدستورية (إميل إدة، صبري حمادة، الأمير مجيد أرسلان) عندما حضر الى بيتنا بعد منتصف الليل الملازم أول فؤاد لحود. بعد ان رحبت به، سألني عن والدي وإخوتي فأخبرته أنهم في بشامون. سألته عما يريد، قال أريد أن أرسل كتاباً (رسالة) إلى بشامون فاخبرته بعدم وجود أحد في المنزل قال: سأرسلها معك، أخبرته بعدم معرفتي ببشامون قال: نحن نعرّفك، سأرسل لك سيارة تابعة للجيش اللبناني لتوصلك إلى أول "سوق الغرب" ثم تسير نحو بشامون، لتسلّم الرسالة تسليم اليد للمير، تسلمت الرسالة وأخفيتها في جواربي وحملتُ حقيبة مدرسية، مررت بين العبيد والفرنسيين الى ان وصلتُ إلى عيتات. ومن شدّة فضولي قرأت الرسالة التي اذكر انه جاء فيها:
"لحضرة حكومة بشامون الشرعية، مقدمة من فؤاد لحود وآل لحود "أمرنا بمهاجمة بشامون نحن سنضرب العبيد من الوراء وأنتم من الأمام ودمت لآل لحود المخلصين". قمت بتسليم الرسالة للمير مجيد الذي إنبسطت أساريره وفي ذلك النهار إستشهد الرفيق سعيد فخر الدين.
حينما كنت بعمر 17 سنة بدأت معرفتي بالحزب بمناسبة إستقبال الزعيم في المطار.
أنشأتُ مكتب نقليات مع البلاد العربية واشتغلت بشاحنات التقل وتأثرت بحادثة إعدام الزعيم ومعارضة كمال جنبلاط لهذا الأمر ومحاسبته لمجلس النواب حينما قال: "أطالب بدم معلم خلق أكبر مدرسة فكرية في الشرق".
عام 1949 جاء جميل الجميل الى مكتب النقليات الذي كنت اسسته في شارع الصيفي الأرز وكان المكتب مليئاً بالناس وقال: "أعدموا الخائن" سألت من؟، قال: "أنطون سعاده". فشعرت بقرارة نفسي أن هذا الإعدام يعد ظلماً إذ كيف يُعدم بعد محاكمة سريعة، وفي اليوم التالي اعتقلت بتهمة أني قومي رغم أنني لم أكن منتمياً بعد وحينما بدأ التحقيق معي أخبرتهم أنني لست قومياً وأخبرتهم بما دار من حديث مع جميل الجميل. تمت مراجعة لائحة الأسماء وتبين أن هناك تشابه بالأسماء فايز عبد الخالق من شانيه(3) ومكثت في السجن لمدة 39 يوماً .
سجنت في نفس الغرفة مع الأمينين منير الشعار وإنعام رعد والرفيقين إميل رعد من الشبانية وشامل نوفل من حاصبيا، تحدثنا طويلاً ومراراً بعد سؤالي لهم عن سبب الإعتقال وعن الحزب إقتنعت وجدانياً بالحزب، وأنا ممتن للسجن الذي جمعني بهؤلاء الرفقاء الذين بفضلهم آمنت أن الحزب هو الطريق الأوحد لخلاص شعب مستعمر مظلوم واشتد شعور البطولة في نفسي .
بعد خروجي من السجن أصبحت أبحث عن القوميين، أقسمت اليمين عام 1951 في منزلي في مجدلبعنا بحضور الرفيق وليم صعب(4).
في أوائل الخمسينات كنت مكلفاً بنقل البريد الحزبي بين بيروت ودمشق، نظراً لوجود سيارة لدي. في أحد المرات وعند عودتي من الشام وجدت طريق ضهر البيدر مقطوعة بسبب الثلوج فلجأت الى طريق مرجعيون وحينما وصلتُ لمفرق راشيا لم أستطع إكمال طريقي لارتفاع الثلوج، فتركت السيارة بجانب الطريق وسرت على قدميّ إلى راشيا الوادي، الى ان وصلت لمنزل الرفيق منصور اللحام(5)، فلم أجده انما قامت زوجته بواجب الضيافة. توجهت عن طريق مرجعيون وفي اليوم التالي وصلت الى جديدة مرجعيون وكان على من يريد المرور أن يحصل مسبقاً على تصريح عسكري، وحينما سئلت عن التصريح من قبل حاجز الجيش اللبناني اجبتُ: أنا أقصد بيروت وقد سلكت طريق مرجعيون بسبب الثلوج وإنقطاع طريق ضهر البيدر فأجاب العسكري لا استطيع أن أخالف القانون والأوامر، فسألتُ عن المسؤول، قال لي انه النقيب شوقي خيرالله. طلبت التحدث إليه وعرّفت عن نفسي لمعرفتي السابقة بالنقيب خيرالله فمنحني التصريح شرط المرور على ثكنة مرجعيون وتناول الغداء برفقته. ثم تابعت طريقي لبيروت وقصدت مركز الحزب في شارع المعرض. سئلت كيف وصلت إلى بيروت والطريق مقطوعة فأخبرتهم بما حدث معي. كنت طوال تلك الفترة متفرغاً كلياً للحزب وكلفت أيضاً بمهمات أخرى منها تسليم وتسلم رسالة لرجل لا أعرف إلا أوصاف ما يرتديه ويحمل صحيفة، في مقهى البسط في صور فقمت بتنفيذ المهمة.
إستمريت بالحزب سرياً حتى مقتل رياض الصلح وكان مركز الحزب في الشام، ورئيسه جورج عبد المسيح وكان الأمين حسن الطويل مفوضاً في لبنان.
إلتقيت في منتصف شباط من ذلك العام بالأمين حسن الطويل وسألته عن تحضيرات إحتفال أول آذار فقال الأمين حسن سنعقد إجتماعاً بهذا الشأن في منزلي، وحين سألت عن تفاصيل أكثر قال اعتبر نفسك ناظر تدريب وهذا تكليف شفهي بذلك وطلب مني استدعاء رفقاء من منطقة عاليه والمتن الأعلى، فنفذت الأمر واستدعيت عدة رفقاء، منهم الرفيق محمود العنداري.
أثناء الإحتفال طُوقنا من قبل حوالي 50 عنصراً من الدرك بقيادة رئيس مخفر بعقلين إبراهيم سلمان (والد الصحفي طلال سلمان)، وكنت مكلفاً بالمراقبة خارجاً كوني ناظر تدريب. سألني عن الشيخ حسن، فأجبت: "لا يوجد عندنا مشايخ". فسألني عن الأمين حسن الطويل فإستدعيته وتقابلا بالعناق، وقال رئيس المخفر: "يا شيخ حسن ممنوع الإجتماعات".
فرد الأمين حسن: "تستطيع منع ما يخل بالأمن ونحن لم نمس الأمن" .
قال: "تعرف يا شيخ حسن أنني أحبك ولكن لا يوجد رخصة للحزب". فقال: "حضرتك مسلم يا رقيب". قال: "الحمد لله ". قال: "معك رخصة بالإسلام؟". قال الرقيب: "اجتمعوا غداً". فكان الجواب: "اليوم يهل الهلال وليس غداً". وكان هناك رئيس الكتيبة يستمع الى ما يدور من حديث قال: "بخاطركم الله يوفقكم"، وأمر الدرك بالإنسحاب وأكملنا الإحتفال وإستمريت بالمراقبة وقمنا بالتنوير على قسم من جبال الشوف وبعقلين.
بقينا نعمل سرياً، نجتمع في الأحراش والبرية لمدة أربع سنوات. وكنت على اتصال دائم بالرفقاء جوزف رزق الله، الأمين كامل بو كامل منفذ عام الغرب، وليم صعب، حليم فياض(6)، كانت الاجتماعات تعقد ليلاً وإستمرينا على هذا المنوال حتى عام 1956 .
عام 1956 أثرت بي حادثة النقيب فؤاد عوض، حينما رفض مبلغاً من المال بعد مرافقة الملك سعود الذي جاء لبنان زائراً وحينما حاول الأمير منح النقيب عوض مبلغاً من المال رفض النقيب ذلك قائلاً: ما هذا؟ بخشيش! شو أنا غرسون؟ لا أقبل هذا الشيء، وردت هذه الحادثة بالصحف وحينما سألتُ عنه سرياً عرفت أنه سوري قومي إجتماعي مما زاد إيماني بالعقيدة وإعجابي بالحزب.
بعد مقتل العقيد عدنان المالكي في الشام وحركة الشام كان في ذلك الحين الأمين عبدالله قبرصي عميداً للداخلية والأمين كامل حسان وكيلاً لعميد الداخلية. تساءلنا بالتسلسل من المسؤول عن مقتل المالكي فكان جواب عميد الداخلية سيصلكم كتيب يشرح ذلك، وإستلمنا الكتيب الذي يفيد بأن الحزب بريء من مقتل المالكي أفراداً وجماعات. بعدها إنتقل مركز الحزب لبيروت لأن الحزب في الشام أصبح مغضوباً عليه وحصلت إعتقالات لعدد من الرفقاء والمسؤولين في الشام، ومنهم الأمينة الأولى والأمين عصام المحايري .
بعد فترة من الزمن صدرت صحف ومجلات تفيد بطرد جورج عبد المسيح وإسكندر شاوي عن جسم الحزب، وأثار ذلك ردة فعل عنيفة وبلبلة عارمة وكنت مع الإنتفاضة (مع جورج عبد المسيح) ومعي عدة رفقاء منهم يوسف أبي جمعة وجوزف رزق الله كلفنا بإعتقال الأمين عيسى سلامة(7).
إستمريت بالحزب، وفي عام 1958 كنا ذات يوم في بيت مري عند الرفيق جورج عبد المسيح وبحضور الرفقاء فؤاد خوري، إسكندر وفؤاد شاوي، وصل ضابط من الجيش اللبناني وقال: تريدون الإشتراك بحرب 1958 ؟ رفضنا قائلين لا إننا لا نريد أن نقاتل بعضنا، وغادرت.
وصلت إلى الهلاليه (محطة روضة) مركز الحزب حينذاك شاهدت تجمهراً لمجموعة من الرفقاء وسألت عن سببب ذلك فكان الرد، الأمين كامل يوزع سلاح على شباب الحزب فأخذت قطعة سلاح روسي لأتفحصها ورغم تدريبي السابق على السلاح على يد الرفيقين خضر حموي(8)، وعبدالله جبيلي(9)، أطلقت الرصاص بالخطأ وأصيب الرفيق بديع عبد الخالق في قدمه وسارعت بنقله إلى مستشفى سان تريز د. بيار دكاش(10) وشعرت بالذنب حيال ذلك الأمر وأصبحت يومياً أزور الرفيق بديع في المستشفى ولم أعد الى مجدلبعنا إلا بعد أن تماثل الرفيق بديع للشفاء.
1958 كلفت بنقل السلاح من ديك المحدي إلى شملان وكان برفقتي سيارتين تقومان بنفس المهمة ولم تصل إلى شملان إلا سيارتي فقط .
ذهب المير مجيد مع جماعة للتحصن في مجدلبعنا وكان القوميون لجانب المير طلب مني مختار مجدلبعنا فارس شاهين عبد الخالق نقل المقاتلين إلى الباروك فقلت لهم أن طلعة الباروك مش لازم نطلعها خاصة أننا قوميين ورفضت إعطائهم الشاحنة وحدثت معركة الباروك وأصيب فيها الأمين كميل عبد الخالق وقتل من جماعة المير نجم الأحمدية وأحمد ملاعب.
تابعت إتصالاتي بـ شملان طيلة 1958 كصليب أحمر حتى أصيب عدد من الرفقاء بكمين على طريق الشام جسر بعلشمية سهلاية أبو دخان وكان الرفقاء الأربعة في السيارة فايز أبو المنى، مزيد فياض، فؤاد نصر، وعادل فارس عبد الخالق حيث أصيب الرفيق عادل برصاصات عدة .
كنا نجلب سلاح من مستودعات الجيش اللبناني في الفياضية وكان يتم توزيع السلاح، لنا ولحزب الكتائب ولجماعة المقاومة الشعبية (كمال جنبلاط)، حينذاك أدركت حجم المأساة والمؤامرة لماذا نقتل بعضنا البعض؟.
1960 رأيت سيارة بيجو غريبة تقف في طريق بين مجدلبعنا والرويسات بطريقة مشبوهة وهي تشبه سيارتي فقمت بتسجيل رقم السيارة المؤلف من أربع أرقام. في اليوم الثاني كنت في بيروت وذهبت لزيارة الرفيق سامي الأعور في قبيع الذي اطلعني على خبر مقتل راهب من عشقوت على جسر في مجدلبعنا. وصلت مجدلبعنا مستوضحاً عن الحادثة، من المختار ابن خالي فارس عبد الخالق، وأخبرته عن السيارة الغريبة ورقمها وذهبت برفقته لمخفر صوفر للإدلاء بشهادتي وذهبت إلى عاليه برفقة رئيس مخفر عاليه جورج بو متري عند آمر الفصيل، النقيب قريطم. فلم نجده. ذهبنا لبعبدا لقائد المنطقة عبد المجيد الزين، فكان الجواب أنهم في مستشفى الكرنتينا يقومون بتشريح جثة القتيل (المدعي العام ميشال طعمه، مستنطق جبل لبنان ريمون بريدي، وطبيب القضاء الدكتور توفيق الأعور).
سألت عن المدعي العام وطلبت منه أخذ إفادتي (فايز عبد الخالق مواليد 1927 مقيم في صوفر رأيت سيارة غريبة في المنطقة التي ظهر فيها القتيل وهذا رقم هاتفي بحال الحاجة إلي) .
إبتدأت التحقيقات وتبين أن مالك السيارة سيدة من آل الجزار أفادت أن السيارة كانت بحوزة زوجها جورج غصن وهو مسافر لمصر قام الأنتربول بجلبه من مصر، وتبين من التحقيقات أن أشقاء السيدة من حزب الكتائب، منهم أنطوان الجزار. وبعد تبين حقيقة الجريمة حاول المحامي بهيج تقي الدين أن يكون وسيطاً لأكتم المعلومات، فرفضت هذا الأمر، وطُلبت عدة مرات لأخذ إفادتي لمستنطق جبل لبنان، وحين سئلت عن السبب الذي جعلني أقوم بأخذ رقم السيارة، أجبت: أنني أتابع برنامج كل مواطن خفير لسعيد تقي الدين وبشارة دهان، ونظراً لوضع جريمة سابقة في نفس المنطقة (قتيل مقطوع الرأس في بير ناصر)، قمت بتسجيل رقم السيارة. سألني المستنطق حينها: "اللوحة الخلفية مربعة أو مستطيلة"، أجبت: "مربعة". سألني: "الرقم الأعلى عربي أو افرنجي". فأجبت: "الرقم العربي في الأسفل والهندي في الأعلى". فسألني: "هل أنت قومي؟. فقلت: "لو أنني لست قومياً لما تذكرت ان كل مواطن خفير". سألني عمن كان برفقتي في ذلك الوقت. أجبت: "إبنتي وشقيقتي". قال: "يجب أخذ إفادتهما"، قلت: "لا نساء لدينا يدخلن المخافر تؤخذ إفادتهما في المنزل". واستدعيت عدة مرات للإفادة دون مقابل وكان في ذلك الوقت إجراء يقضي بدفع مبلغاً من المال لمن يدلي بإفادة تساعد العدالة.
1975 شعرت بالإستياء حين مررت في منطقة الكحالة وحينما حاول أحد عناصر الكتائب إجباري على أخذ جريدة العمل الكتائبية وإجباري على قراءتها ورفضت ذلك بشدة وتشاجرت معهم ولم تتطور الأمور لحسن الحظ ولم تصل للعنف لذلك غادرت لبنان وإشتريت شاحنات وإنتقلت بعدها إلى الخليج (الإمارات) وحين تمّ قصف عاليه قمت بإحضار عائلتي للإمارات وسجلّت أولادي بمدرسة المروج اللبنانية لصاحبها نبوخذ نصر، وتنقلت بين الإمارات والسعودية وأعدت عائلتي إلى لبنان وبقيت متنقلاً بين السعودية والإمارات لحين خطف إبني رمزي، تركت كل شيء وقفلت عائداً إلى لبنان، وآمنت أني أحارب بني إسرائيل ولا أحارب شعبي وكنا نحارب العملاء أكثر من العدو الصهيوني".
*
لاحقاً رفع الرفيق فايز ملحقاً لسيرته ، إخترنا منه التالي:
" في 1/1/1961 تزوجت من آنسة من عائلة تلحوق من بلدة عيتات، وفي 9/2/1962 عند محاولة الإنقلاب رزقت بصبي أسميته رمزي، بعد ذلك التقيت بنقيب بالشرطة سألني وقال لي ان اسمك على الحواجز مطلوب من حادثة إنقلاب القوميين، فاختفيت فترة من الزمن ما يقارب الأسبوعين، ثم قصدت النقيب فواز قيس، رئيس لجنة غربلة الموقوفين في الفياضية، في منزله على طريق صيدا القديمة. فوجدت عنده عدة أشخاص من الجبل، مبعوثين من المير مجيد أرسلان للتوسط للرفقاء القوميين سمعت حديثهم وقلت لهم: أنا أصغر منكم سناً هل تسمحوا لي بالحديث؟ فردوا بالإيجاب. سألت النقيب عن عدد المعتقلين القوميين فأجاب حوالي 50 ألف فقلت له: هل جميعهم قوميون؟. فقال: نحن نغربلهم لمعرفة ذلك. فقلت له: انهم سيخرجون من السجن وجميعهم قوميين. فأعجب بهذا الحديث، فأستطردت وقلت أنني من عام 1949 دخلت السجن مواطن عادي وخرجت منه سوري قومي إجتماعي. فقال أنت قومي؟ فرديت، وماذا أفعل هنا إذا لم أكن قومياً؟ فطلب مني الحضور اليوم التالي لإعطائي تصريح، ذهبت إلى الفياضية اليوم التالي وحضر النقيب وكان هناك مساعده (الكاتب) نسيب زهر الدين (عين زحلتا) – وهو صديق للقوميين – وأخذت التصريح، وقال النقيب: أن العقيد أنيس أبو زكي يريد رؤيتك، فقصدنا غرفته بوجود عسكري وسلمت عليه وقلت له: لماذا لم تعتقل أخاك الرفيق حسيب أبو زكي، وأبناؤه الخمسة قوميين، فضحك وقال: إقرأ هذه الشكاوى فوجدت شكاوى على نساء ورجال لا ينتمون إلى الحزب القومي ووجدت أسماء أشخاص معتقلين وهم من الحزب الإشتراكي فسألته: لماذا هؤلاء معتقلين وهم من الحزب الإشتراكي وليس القومي؟ فأخلى سبيلهم (4 منهم بشهادتي تلك).
" ذكريات الحرب بعد رجوعي عام 1983 عندما إختطف ولدي رمزي:
بدأت في العمل الحزبي بين بيروت، الجبل، ضهور الشوير، وكانت الأسئلة المعهوده على الحواجز (الجيش الشامي) إلى أين؟ ومن أين؟
من عام 1986 : كنت راجعاً من بيروت الساعة 12 ليلاً على طريق الكرامة ووصلت حاجز الغابون فألقيت السلام ولم ألق جواب غير، شو مش خايف بالليل وحدك؟ فقلت إذا نحن نخاف، كيف عرفت هذه الطريق؟ وبعد اخذ ورد معه، سمع حديثنا الضابط رئيس الموقع (أجهل رتبته)، وقال: مساء الخير يا عم، فأجبته مساء النور. قال: تفضل حتى نتعرف على بعض وعرفني عن نفسه وقال أنا الملازم الياس الياس فقلت له طبعاً من مارماريتا وسألته عن رفقائنا في مارماريتا فأجاب لقد عرفت أنك قومي من حديثك مع الحاجز، ثم علمت أنه إبن الرفيق أبو الياس الياس من طرابلس.
في عام 1990 أثناء الحرب كنت في شانيه قابلني على الطريق مقدم من الجيش الشامي في سيارته وسألني عن بيت رفقاء لنا فقلت له لن أدلك عليهم، أنا من عمر والدك ولم تلق السلام قبل السؤال، فنزل من السيارة واعتذر فسألته أنت من أين؟ قال من جبله فرديت وقلت من أجل فاضل كنج سأدلك وأرجع معك فقال تحيا سوريا، خالي يكون فاضل كنج، فقلت له أين تخدم؟ قال في الودايا (وادي شحرور) فطلبت منه أن يذهب إلى الرفيق يوسف المعلم(11) في بليبل ويطلب منه ما يريد .
*
وفاتـه
وافت المنية الرفيق فايز عبد الخالق (أبو رمزي) وقد نعاه حزبه، وعائلته، وقد شيع إلى مثواه الأخير يوم الجمعة 25 تموز 2008 وسط حشد من رفقائه في منفذيات الغرب والمتن الأعلى والشوف وأهالي مجدلبعنا والقرى المجاورة .
في مأتم الرفيق فايز عبد الخالق
ما أصعب الكلمات تعتصر عاطفةً، حين نقولها في الكبار فكراً عندما يرحلون.
وما أسهلها تعدد مكارمهم، حين يصبحون ذكرى، إنما ذكرى لا تموت ..
لكنك أيها الرفيق المناضل، لست كمن طوت عمرهم لحظة الردى وخبأت سيرتهم في الظل .
فأنت أيها المناضل، لك في سيرة كل نضال ومقاومة، صفحات مضيئة، لا تمحوها غبار الإستزلام والمصالح والأنانية.
أنت أيها المناضل من الذين أشرفت في فكرهم باكورة الحزب السوري القومي الإجتماعي وعظمة مؤسسه الزعيم أنطون سعادة.
آنذاك عام 1949 أقسمت على دمك وعملك في سبيل نهضة الأمة، فكانت سنوات نضالك السبع والخمسين حياة في حياة بكل ما فيها من عطاءات وتضحيات يوم كان للعطاء والتضحية معنى.. في أحلك أوقات التنكيل بالرفقاء والمناضلين بعد إغتيال الزعيم.. ولم تزل مناضلاً حتى آخر لحظة في حياتك...
ترحل اليوم "يا أبا رمزي" بعد ألمٍ وأسى كبيرين، لم يحدَّا من عزيمتك رغم مصابك الكبير.
ترحلُ والكيان اللبناني في فرح إستقبال أسراه العائدين ورفات الشهداء من معتقلات اليهود في الكيان الفلسطيني المحتل... ترحل حيث عادت رفات عروس الشهادة "سناء محيدل " .
ترحل في زمن الحديث عن المفقودين من دون خبر أو بارقة عن نجلك الشهيد الحي الرفيق "رمزي" الذي طاله غدر اليهود داخل الكيان اللبناني، يوم كان في وقفة عز وليس ذل.
وها هم أبناؤك على العقيدة، نشأتهم وبها يعملون ...
وهل أنبل وأعظم مما قدمت يا رفيقنا ؟
تبكيك القلوب، وتفخر بك العقول، وتتعلم من جودك النفوس.. ويقتدي بنهجك كل من عرفك...
نودعك ولكنك معنا باقٍ .
ونفتقدك... فمثالك قليل..
قليل من يفعل ما يقول، ويعطي في زمن الأخذ...
*
في ذكرى الأربعين لرحيل الرفيق فايز عبد الخالق (أبو رمزي) كتب الأمين شوقي خيرالله الكلمة التالية:
" إستعادت الأمة والوطن والأرض أحد بنيها الأبرار، الرفيق فايز عبد الخالق، وقد كان استعاد هويته الأصلية بفضل النهضة القومية الإجتماعية، التي وضحت له مقومات وجوده الموؤدة والمفتقدة .
الرفيق فايز، وكأنما هما كلمة واحدة لا تنفصل ولا تنفصم، هو أحد مؤسسي مديريته أيام رفاقتنا الأولى، وهو من أوائل الدعاة والمذيعين في منفذية الغرب منذ أوائل الأربعينات المنصرمة. قومية من سنديان ومن أرز صامدة مقاومة مكافحة في مختلف المجالات. فأياً كانت المهمة، نقل سلاح إستقلالي أم حزبي، أم رسائل تستوجب الأمانة واليقظة والفطنة والكفاح، فهو لها وبخاصة في معركة الإستقلال وهو يافع نشيط ولا يكل. فهو المرسال ما بين جميل لحود، العقيد الإستقلالي الأول، والمير مجيد وحكومة بشامون، ووالده الشيخ حسين الجليل، والمنفذية التي تتحمل ثقل العمليات مع أديب البعيني وسعيد فخر الدين (شهيدنا في معركة الإستقلال).
منذ مطلع الفتوة استمع فايز ووعى وفكر وقدر، وانتسب وبشّر، وأسس، وما حصلت عملية جهادية إلا كان الفتى الشجاع فيها مناضلاً صديقاً، واعياً، مسؤولاً حاسماً ومترفقاً وغيوراً.
ما عرفته مديريته ولا قريته إلا منضبطاً بالحق، وغاضباً ومتوقداً لما قد يضر أو يسيء .
كنا آنذاك في تدبير إداري إستثنائي، لجنة من المنفذية أنا منها، مكلفين بنصف المنفذية من بحمدون حتى شارون، والجيرة، فكان التعاون من أثمر المراحل، وكان التأسيس والتركين في ورشة نموذجية .
أبو رمزي كان رفيقاً لكل رفيق، وصديقاً ومضيافاً وصاحباً وحمال أتعاب وذا نخوة، ومواطن خفير، وما تكاسل عن إستنفار وما أسرف في إنتظار. ولا ولج في مفسدة. إهتمامه العنيد هو مناقب النهضة، وعليها نشأ العيلة والأقارب، ومن حضر.
نكبته الفتنة السوداء بحشاشة الفؤاد وبهمجية بني الرده الصهيونية فما خطف هو ولا مارس سيئات الجاهلية، بل صمد للويل والثكل وكأن الشر كان مكتوباً في صفحات القدر. فصبر وما كفر. ولم يستجره الشر إلى شر وجهالات تمجّها النهضة ومناقب ثقافتنا وسر خلودها وحكمة القدر المكنون في نفسيتنا.
بغياب الرفيق أبي رمزي فايز حسين عبد الخالق، نفتقد نحن رفقاء السبعين عاماً متواصلات، نفتقد صداقة عمر، ومداميك أخوة في المنطقة لا يهزها ويل ولا جهالات. بل يقينا من الشطط اسرار ثقافة بثها الزعيم فينا من حشاشة الفؤاد، وجعل مناقبنا منارة للصابرين لأن العقيدة نبراس، ولأن ميثاقنا متراس، ولأن قدوة الفداء هي صراطنا إلى الخلود.
الخلود للأمة وللنهضة، ولأمثال هذه النوعية من الرفقاء الذين هم جوهرة العمر ودليل وشاهد على أن النهضة هي صراط الخلود وهي ضمانة الحقيقة، وزينة الحياة.
والبقاء للأمة يا أبا رمزي "
*
وعن عقيلته الفاضلة
عنهما عرفت عن رفقاء وأصدقاء فأنت تعرفهم أكثر عندما يرحلون، عندما تسمع المقربين منهم، أو تقرأ عنهم، أو تستمع إلى كلمات في مناسبات التكريم.
هكذا بالنسبة للفاضلة أم رمزي فقد عرفتها جيداً بعد قران إبنتها الرفيقة ديما بالأمين بيار معلوف، لفتني حديثها الحلو، بشاشتها عند إستقبال الضيوف، تقدم وعيها كانت "ست" بلغة أهل الريف، إليها تأنس، تحترم، تجل .
في مأتمها في مجدلبعنا ثم في يوم التعازي الطويل في دار الطائفة الدرزية في بيروت، إستمعت إلى كثيرين، رجالاً ونساءً يتحدثون عنها، يروون الحكايات يعددون مآثرها ويلهجون بما كانت عليه من كرم وتفان نحو الأخرين من لسان دافئ لم يعرف إلا الكلام الجميل ومع أنها لم تنتم، إنما "إنتمت" بوجدانها وبوقفاتها الشجاعة طيلة فترة تولي إبنها الرفيق البطل رمزي لمسؤوليات ذات طابع عسكري، منها نظارة تدريب منفذية الغرب، ثم إثر تعرضه لعملية اختطاف، لم تكن تقبل بأن يعتبر شهيداً فهو غائب إلى أن يعود. لروحها نثني، وبأمثالها يحقق الحزب عافيته النفسية وينهض بمسؤوليته القومية وتسير قوافل شهداءه وأبطاله صعوداً نحو المجد.
هوامش:
(1) حكومة الاستقلال: للاطلاع على دور القوميين، الدخول الى موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية ssnp.info
(2) سميرة عبد الخالق: الرفيقة المميّزة زوجة الأمين عادل شجاع انظر النبذة وما عممنا عنه على الموقع المذكور آنفاً.
(3) فايز عبد الخالق: من أوائل رفقائنا في منطقة الغرب، وهو غير الرفيق فايز قاسم عبد الخالق.
(4) وليم صعب: للاطلاع على النبذة المعممة عنه الدخول الى الموقع المذكور آنفاً.
(5) منصور اللحام: كما آنفاً.
(6) حليم فياض: محافظ سابق في لبنان الجنوبي، وكان له الحضور اللافت في كل من الجنوب ومنطقة الغرب وفي امكنة كثيرة أخرى.
(7) عيسى سلامة: للاطلاع على ما عممنا عنه الدخول الى الموقع المذكور آنفاً.
(8) خضر حموي: عرف أيضا بخضر عابد. للاطلاع كما آنفاً.
(9) عبدالله جبيلي: اشرنا اليه في اكثر من مكان. الرفيق البطل الذي شارك في الثورة الانقلابية، ثم غادر الى فنزويلا حيث وافته المنية. (هو غير الرفيق عبدالله جبيلي في منطقة الاشرفية)، من المستحسن ان نكتب عنه وسنفعل.
(10) بيار دكاش: من حارة حريك. النائب في المجلس النيابي، شقيقه الصيدلي أنطوان دكاش الذي كان يملك صيدلية معروفة باسمه في اول "الحدث".
|