دائماً كان عقله يسبق لسانه، فاذا تدحرجت الكلمات، عميقة، مدركة، ببطء أحياناً وبسرعة مراراً صعب عليك الغوص معه في أعماق فكره، الا اذا احسنت كثيراً التنبه والاستماع، فتجد كم هو عميقاً واستراتيجياً في فكره وطروحاته.
عرف الحزب ثقافة وإذاعة، كما عرفه نضالاً وقتالاً ومواجهة. لم يتراجع يوماً ولم يكن دائما الا قومياً اجتماعياً.
التقيت به كثيراً عندما تولى مسؤولية منفذ عام الغرب 1969 - 1970 وكثيراَ مع الصديق المشترك الرفيق نبيل سليم زيدان(1) الذي كان يتولى مسؤولية ناظر الإذاعة في منفذية الغرب.
وفاته
خسرته النهضة باكراً بداء القلب بعد ان كانت خسرت شقيقه الرفيق الشاعر فوزي، وشيّع الى مثواه الأخير في مجدلبعنا يوم الاثنين 8 أيار2000 ، ونعاه حزبه اميناً ملتزماً مناضلاً .
*
بعض من سيرته
• ولد الأمين محمد عبد الخالق في "مجدلبعنا" عام 1935 .
• الوالدة: نجيبة عبد الخالق.
• انتمى الى الحزب في اذار 1955 وتولى مسؤوليات محلية ومركزية، أوردها كما وردت في "إضبارة أمين" في شهر اب 1997.
• تولى مسؤوليات حزبية عديدة:
- رئيس زمرة أولى (مدير مديرية) تموز1955،
- ناموس مديرية صوفر - مجدلبعنا 1957ـ
- شارك في معارك شملان عام 1958.
• غادر الى الولايات المتحدة (شباط 1959 حتى تشرين ثاني 1967) حيث انهى تخصصه الجامعي وفيها عقد قرانه على سيدة أميركية وانجب منها أولاده الثلاثة: هادي، ليلى وكريم .
• بعد عودته من المهجر:
- مدير مديرية مجدلبعنا 1968،
- ناظر تدريب منفذية الغرب لمدة شهرين ثم منفذ عام الغرب لسنة 1969،
- عضو مجلس قومي 1971،
- وكيل عميد الثقافة 1972 – 1973 حيث أطلقت عملية جمع تراث الزعيم حتى سنة 1943(حسب موجودات ذلك الحين)،
- عميد دفاع 1975،
- مدير مديرية مجدلبعنا 1981 – 1982،
- ناموس منفذية الغرب 1986 حتى شباط 1987.
• عاد نهائيا عام1979 كان عضوا فعالاَ في الغرب، وشارك في جميع المواجهات التي خاضها الحزب ضد المشروع الصهيوني _ الأميركي، وكان من مخططي العمليات التي توجه ضد الاحتلال الإسرائيلي في الفترة 1982-1983.
• يوم منحه رتبة الأمانة عام 1996، لم يقبل بإقامة احتفال في المناسبة، فهذه الرتبة كما قال: "مسؤولية تلقى على عاتق حاملها وليست مناسبة للاحتفال او للتباهي" .
*
كان الأمين محمد سلامة عبد الخالق يتمتع بثقافة عامة، وحزبية جيدة. له دراسات ومقالات عديدة في صحافة الحزب، وفي جريدة "الديار" التي كانت تنشر له في صفحة "آراء حرة" منها دراسته عن مصدر السلطات في الحزب السوري القومي الاجتماعي التي نشرتها "الديار" في 26/2/1999.
" القصة الطويلة التي تحتوي على تعداد تعثرات الحزب السوري القومي بعد أنطون سعادة، والتي تأسست بعض جذورها ومنهجياتها في فترة غياب سعاده عن ارض الوطن بين 1938 و1947؛ هذه القصة تشبه قصة محاكمة الضابط عن فشله في التصدي، حسب الأوامر، للعدو، وبالتالي فشله في منع العدو من اجتياز جسر استراتيجي.
قال الضابط: هناك أربعة او خمسة أسباب:
أولاً: أولا لم يكن لدينا ذخيرة.
ثانياً: ... وهنا قاطعه رئيس المحكمة قائلاً له: السبب الأول يكفي ولا لزوم للاستمرار في التعداد.
في حياة الحزب، السبب الأول والأخير، للتقصير عن بلوغ الأهداف الممكنة منذ 1949، وللانقسامات والتشرذم والقعود في كثير من فترات تاريخ الحزب، هذا السبب هو رأس الحزب السوري القومي الاجتماعي، أي النخبة القيادية، أي مصدر السلطات في هذا الحزب أي "نبع الينابيع" للانتصار والفشل. للتقدم والتأخر، للوحدة المركزة الفعّالة، وللانقسامات والتشرذم.
انه الرأس بالفعل، أي العنصر البشري الذي تصطفيه قيادات الحزب، على انه راعي المسيرة المستمرة: المحلل، المشخّص، المخطط، القائد، المصوّب، القدوة، اي الأمين، في الجسم القيادي لهذا الحزب. المكرّ المفرّ المقبل المدبر معا...
ولكن ليس "كجلمود صخر حطّه السيل من عل" ولكن كل كرّ وفرّ واقبال وادبار، وراءه عقل رصين هاد حكيم، همه صيانة معاني النهضة ومبرر وجودها، أي رعاية المسيرة المظفرة صوب أهدافها وغايتها ومقاصدها العليا.
ولذلك كان المرسوم السابع من دستور الحزب، الذي يحدد في نصوصه الواضحة، معايير انتقاء هؤلاء القادة الحكماء الشجعان، ذوي الادراك العالي، والتفوق والحنكة والنزاهة وتاريخ النضال الذي يضع المعارف المكتسبة على محك تجارب الصراع.
لذلك، فعلة العلل، بالمعنى السلبي والايجابي أيضاً، كانت ولا تزال، الأمناء، في الحزب السوري القومي، الذين منهم تنبع القرارات الأساسية في غياب زعيم الحزب، كجسم هو مصدر انبثاق السلطات ومنه تأتي قيادات الحزب، فهو المراقب الأساسي، المتفرغ لمهمة التصويب والتصحيح، بعد انتقاء القيادات العليا. كونه مسؤولاَ عن صحة ونتائج اختياره للقيادات الحزبية العليا، التي ينبثق عنها اختيار المعاونين الاكفاء.
المرسوم الدستوري السابع، واضح في شروط منح رتبة الأمانة، بما يكفل (وبدون كثير عناء) انتقاء قادة متفوقين ذوي ادراك عال، وشجعان نزيهين، وقدوة معرفية ونضالية، نحو صنع جسم نخبوي بالفعل، ينتج اصوب القرارات الممكنة، والمواقف الممكنة، والافعال البناءة الممكنة، في جميع الظروف السهلة والصعبة.
ان هذا العنصر البشري الرائد القائد، بالمعرفة والفعل، هو ما اسمّيه نبع الينابيع (بعد سعاده الفكر وسعاده المنهج القيادي) لانجازات الحزب وانتصاراته، في حال كنا بالفعل، امينين على شروط منح رتبة الأمانة، وشروط الاحتفاظ بها.... فهل كنا كذلك؟
ان ابرز أسباب الدعوة، الى توسيع قاعدة انبثاق السلطات في الحزب، من قبل البعض، داخل الحزب وخارجه هو فشل كثير من الأمناء في ان يكونوا على مستوى شروط رتبة الأمانة او شروط الاحتفاظ بها او الاثنين معاَ.
ولو كانوا كذلك، لما حدث للحزب ما حدث من نكسات داخلية. وتقصير في مجال البناء الداخلي والانجاز الخارجي، ومن نزاعات داخلية وانقسامات وتشرذم و"تأخير في سير الجهاد" وهذا هو بالذات ما يجعل البعض الآن يخطئون في تشخيص العلة كما ذكرنا، ويعودون الى ما يشبه قصة ديك المعري، الى انتقاد النصوص. وفي طيات هذا الانتقاد، انتقاد لواضع النصوص، وعلى الأخص نصوص الشروط لمنح رتبة الأمانة. مع ان اللوم يقع على من لم يناسبه، على ما يبدو، الالتزام بها لانتاج جسم من الأمناء يحسنون قيادة الحزب وتحقيق نهضته بالفعل.
ان ما يدعو اليه البعض، من مثل اقتراح توسيع قاعدة انبثاق السلطة، الى خارج جسم الأمناء، هو على الأقل عملية استرضاء عاطفي للقاعدة الحزبية، وهي حتما لا تخدم حسن اختيار القيادات لحزب كالحزب السوري القومي الاجتماعي. في ما هو ليس حزباً سياسياً عادياً، ذا طبيعة وأهداف صيانية، او تطويرية بطيئة للمجتمع، بل يتنكب مهمات قومية واجتماعية نهضوية شاملة، دونها عوائق تاريخية وراهنة لم يسبق ان تراكم مثل صعوباتها في وجه اية امة او حركة. ولذلك كان لها نظام وضع خصيصاً لطبيعتها وأهدافها.
ان الافشال والنكسات السابقة، والتي يمكن ان تتجدد في حال اسانا تشخيص مكامن الداء واسانا بالتالي وصف الدواء، ان هذه الافشال والنكسات في المستقبل لن يعفينا من تبعاتها كون القاعدة الحزبية تصبح متحملة اوزارها مع النخبة القيادية في الحزب، وذلك لسبب بسيط وهو ان القيادات ذاتها، التي تحمل وزر افشال ونكسات الماضي، هي هي التي تكون قد أخطأت مجدداً، في تهجين النظام الأساسي في الحزب، وتغريبه عن موجبات العقيدة وأهدافها، عندما تضع مهمة ومسؤولية انبثاق السلطات كلياً او جزئياً، على عاتق القاعدة الحزبية... الا اذا كنا بصدد تحويل الحزب الى حزب سياسي عادي، متواضع الأهداف.
وعلى كل حال فإن هذا التعامل المتساهل مع القاعدة الحزبية، بهدف اسكاتها عن محاسبة القيادات، والامناء بشكل عام، هذا الاسترضاء ليس من اخلاق حزبنا ونهضتنا في الأساس، ويطعن هذا الحزب في صميم وجوب وجوده.
ولكن من هذه الاقتراحات نحو توسيع قاعدة انبثاق السلطة في الحزب، ما يرقى الى شيء من المحافظة على التعبيرية العالية نسبياً، وهو اشتراك جسم من أصحاب الكفاءات المعرفية الأخلاقية والنضالية مع جسم الأمناء في انتقاء القيادات العليا من الأمناء.
ان هذا الاقتراح الذي يهدف الى الحفاظ على الاهلية التعبيرية كشرط للاشتراك مع الأمناء في عملية انبثاق السلطة، لا يعدو كونه ترجمة عملية تفصيلية، لشروط منح رتبة الأمانة، وهو – هذا الاقتراح - في حال تطبيق معاييره المعرفية والأخلاقية والنضالية، يمكن ان يشكل تدرجاً متصاعداً، صوب أهلية الحصول على رتبة الأمانة.
ولكن الحالات القومية والاجتماعية، التي تدعو الى انتشال ثوري نهضوي، للأمة، من وحول التاريخ، المتراكمة، ومن مؤامرات وغزوات الماضي المدمرة؛ وفي وجه الموانع الهائلة المتراكمة، المتراكمة طبيعياً بحكم تصاعد تعقيدات الحياة وتحدياتها، والمتراكمة افتعالياً من قبل الاخصام والاعداء.
نقول، لكن هذه الحالات الماثلة، ووجوب انتشال الامة منها والسير نحو الرقي والانتصار، كلها تستوجب دقة في اختيار القادة لكل المراحل، وبالتالي، فهذا الاختيار يجب ان يكون من قبل عارفين متمكنين خبيرين مناضلين، بل حكماء متفوقين ذوي ادراك عال، تماما كما هي شروط رتبة الأمانة في الحزب.
فإذا زعم البعض ان هذا لا يكفي، فهل يصبح كافياً اشراك من هم اقل أهلية من هؤلاء، في عملية اختيار القادة المؤهلين لهذه المهمات الجسام؟
ام هل يريدنا البعض ان نستسلم لمفاعيل أخطاء الماضي ونضيف الى هذه الأخطاء، خطاً جديداً، هو اشراك القاعدة الحزبية في التغطية على مفاعيل هذه الأخطاء، مع الجسم الذي ينتقي السلطات العليا بدل العمل على تقوية هذا الجسم الناخب، كي تصبح مؤهلات أعضائه مطابقة لما هو مطلوب منهم ولهم في شروط منح رتبة الأمانة، وبالتالي منح هذه الرتبة بأمانة، والاحتفاظ بها فقط، ضمن الشروط إياها.
في حياة زعيم الحزب كان الزعيم مصدر السلطات، والمطلوب من الجسم الذي ينوب عن زعيم الحزب كمصدر للسلطات، ان يكون مجتمعاً وبدون ثغرات ضعيفة فيه اهلاً للنيابة عن زعيم الحزب في مهمة انبثاق السلطات، بمعيار المعرفة والتفوق والادراك العالي والنضال والنزاهة.
أي الأمناء والامناء تحديدا وحصرا.
هوامش:
(1) نبيل زيدان: والده الرفيق سليم، احد أوائل رفقائنا في عيناب. عرفته عندما كان موظفاً في بنك Eastern Bank. تولى مسؤولية ناظر إذاعة في منفذية الغرب. كان عقائدياً، ومذيعاً ناجحاً. غادر لظروف عائلية اطلعت عليها في حينه، الى الولايات المتحدة ومازال مقيما فيها.
(2) جاء في النعي: الذي نشرته الصحف بتاريخ 8 ايار2000 ان الأمين محمد سلامة عبدالخالق توفي يوم الجمعة 5 أيار، احتفل بالصلاة على راحة نفسه يوم الاثنين8 أيار، وتقبلت المنفذية وعائلته التعازي يومي الثلاثاء والأربعاء 9 و10 أيار .
|