هذه المقالة كان نشرها الرفيق أنور فهد في جريدة "المستقبل" الصادرة في سدني في ايار من العام 2008.
جدير بالذكر ان الرفيق انور كان اصدر سيرته الذاتية في كتاب بعنوان "ايام في الذاكرة"(1).
ل. ن.
*
" في الرابع من آذار 1944 كان يوم انتمائي الى الحزب السوري القومي الاجتماعي اثر قناعتي بمبادئه ولم أكن على معرفة بمؤسس الحزب الزعيم انطون سعاده إلا بالاسم والصورة لدى مطالعتي لمجلة الجيل الجديد التي كان يرأس تحريرها الرفيق فريد مبارك. في أواخر شباط 1947 ايام كنت اؤدي الخدمة العسكرية اتيت الى مسقط رأسي حمص بإجازة قصيرة وقد زارني الرفقاء وعلمت منهم انهم سيتوجهون الى بيروت يوم الاول من آذار لاستقبال الزعيم العائد من مغتربه القسري في الثاني من آذار انها مفاجأة سارة وبات على تدبير امر اشتراكي من حيث حصولي على اجازة وتغطية اجور السفر رأتني والدتي بحيرة من الامر، ولما سألتني أعلمتها بما انا عليه فما كان منها الا ان سحبت من جيبها ما كانت وفرته وناولتني اياه وبقي امر تدبير الاجازة، فعرضت ذلك على كاتب قطعتنا الرفيق سامي عزيز حواط، فتدبر باعطائي اجازة 48 ساعة استناداً الى برقية ارسلها لي والدي تشعرني بمرض والدتي وانها تلح بطلب رؤيتي.
توجهت الى حمص واتصلت بالمسؤولين في المنطقة وسجلت اسمي وسددت ما يترتب علي. في تلك الايام كانت راية الحزب ايام الرئيس نعمة ثابت هي غير راية الزوبعة الحمراء بل مجرد خطان متقاطعان والرموز حرية، واجب، نظام، ثورة. لهذا وبالسرعة القصوى أُعدت رايات الزوبعة الحمراء ورُفعت على السيارات التي تنقلنا، وصلنا الى طرابلس ونحن نلوح بالاعلام وهتافاتنا تشق عنان السماء. وانضممنا الى منفذية طرابلس واتجهنا سوية الى مطار بيروت، كان الطريق مزدحماً بالسيارات التي ضاقت بالركاب من قوميين واصدقاء للحزب مما اضطر العديد للوقوف على اسطح الباصات وسلالمها هذا عدا السيارات الخاصة والدراجات النارية، وبينما الموكب بطريقه الى المطار كانت الجماهير الغفيرة تصطف على جوانب الطريق وكانت عمدة التدريب قد هيأت يافطات باسم كل منفذية ووحدة حزبية مع ارقام لكل سيارة وبناء على تعليمات اوعز بها عميد التدريب، اصطففنا صفوفاً نترقب وصول الطائرة التي تنقل الزعيم وما ان حلقت الطائرة فوق المطار حتى اشرأبت الاعناق وخفقت القلوب والكل بلهفة لرؤية الزعيم القائد الذي اطل من باب الطائرة يستقبله موظف الامن العام وما ان هبط السلم حتى احاط به المسؤولون في الحزب، نعمة ثابت، فؤاد ابي عجرم، معروف صعب، عبدالله قبرصي، الياس جرجي، مأمون اياس، عبدالله محسن، جورج عبدالمسيح وسواهم ثم صعد الى السيارة المخصصة لانتقاله فتقدمتهما الدراجات النارية وسيارات الجيب التي تقل الحرس وكانت شرفات واسطح البنايات مليئة بالمواطنين وبعضهم من تسلق الاشجار واعمدة الكهرباء والهاتف. لقد كان يوماً مشهوداً وحدثاً عظيماً في تاريخنا، فقد توافد القوميون الاجتماعيون والمواطنون الاصدقاء من الشام وفلسطين والاردن والعراق ولواء الاسكندون وانطاكية ومن كل مدينة وقرية ودسكرة في الوطن، امواج بشرية زحفت ترفع يافطات الترحيب وبوصول الموكب الى بين الامين مأمون اياس في الغبيري يطل سعاده من شرفة القصر تتعالى الهتافات بحياة سورية وحياة سعاده، حياة من وقف نفسه على خدمة وطنه وامته عاملاً لحياتها ورقيّها واميناً للمبادئ التي وضعها وتدوي عاصفة من التصفيق التي توقفت عندما رفع الزعيم يده بالتحية، ويسود الصمت بانتظار سماع الخطاب التاريخي الذي هز العروش الكرتونية والكراسي التي يتمسك بها المتسلطون على رقاب ابناء امتهم ووطنهم. ومما قاله في خطابه "ان الكيان اللبناني هو وقف على ارادة الشعب اللبناني وقد اثبت الشعب في جميع مواقفه انه يضع ارادة الشعب فوق كل اعتبار في هذا الصدد".
صباح اليوم التالي صدرت الصحف وفي صفحاتها الاولى خبر عودة الزعيم ونص خطابه التاريخي المهم الذي وجدت فيه السلطات اللبنانية المتحكمة احراجاً لها فأوعزت الى المراجع القضائية بإصدار مذكرة توقيف بحق سعاده مقابل ذلك ارادت محاسبة القوميين وانتقل الزعيم الى مناطق الجبل يحيط به جبابرة من اعضاء الحزب.
وكان سعاده يقوم بنوبة الحراسة كغيره من القوميين تجاه الامر الواقع وصمود القوميين الاجتماعيين بوجه الطغيان وخنق الحريات، اضطرت تلك السلطات الى سحب مذكرة التوقيف. وكانت بعض الصحف قد اوفدت محرريها للاتصال بالزعيم والحصول منه على تصريحات ومقابلات تتعلق بمواقفه من تلك التعديات التي عمدت إليها السلطات.
في معسكرات قطعنا وصلتني مجلة الحزب وعلى صفحتها الاولى العنوان البارز "وصول سعاده الى دمشق وحلوله في بيت الرفيق رياض سكر" . وبما انني لم ار الزعيم إلا في تلك الوقائع يوم عودته الى الوطن منذ كنت تواقاً للاجتماع به الاستماع الى حديثه، سارعت الى مغادرة المعسكر متجهاً الى دمشق حيث ذهبت الى محل الرفقاء يوسف يازجي وجورج بلدي، وحصلت على عنوان بيت الرفيق سكر ولدى وصولي على العنوان صعدت الى حافلة الترام تغمرني السعادة.
وصلت الى هناك فوجدت الرفيق مظهر شوقي يقوم بمهمة الحراسة قدمت له التحية فسألني عما اريد اجبته لقد اتيت لرؤية الزعيم قال لي ان الزعيم مشغول مع وفد من اهالي اليوان جاؤوا للتعرف عليه والترحيب به وقد يستغرق ذلك اكثر من ساعة، قلت له سأنتظر ولو كان ذلك دهراً بكامله فتناول ورقة وكتب اسمي وسلمها لأحد الرفقاء الذي قام بتسليمها الى الزعيم. بعد نصف ساعة خرج الوفد يرافقهم الزعيم مودعاً ومن ثم اتجه نحوي وخفق قلبي غبطة وسروراً متهيباً ذلك الموقف متسائلاً هل انني في حلم ام يقظة وبينما كنت بهذه الحالة وصل الزعيم تعلو ثغره الابتسامة فانتصبت واقفاً بوضعية الاستقامة مؤدياً التحية وسألني الزعيم: "نعم رفيق فهد"، أجبت: "حضرة الزعيم لقد حضرت من اجل رؤيتكم"، نظر اليّ مقطباً حاجبيه متسائلاً: "كيف تترك واجبك العسكري وتأتي لرؤية شخص انطون سعاده، اين انت من النظام ومن معرفة الواجب، هل نسيت ذلك؟"
اصابتني الدهشة لا بل الانزعاج اذ كيف احضر لرؤيته ويقابلني بمثل تلك المقابلة وما ان لاحظ ما عليّ حتى امتدت يده ورفع القبعة العسكرية عن رأسي واضعاً اياها على رأسه قائلاً لي: رفيق فهد هل يليق الزي العسكري بالزعيم انطون سعاده، ابتسمت لهذه اللفتة التي اراد بها ارضائي واجبت: نعم، رائع جداً حضرة الزعيم. رفع يده وربت على كتفي وهو يقول لي: تعود تواً الى المعسكر لتقوم بواجباتك وان الواجب حيث هو احد رموز حركتنا السورية القومية الاجتماعية.
عدت الى المعسكر وبكل فخر واعتزاز لما سمعته من حضرة الزعيم ورويت ذلك للرفقاء الذين كانوا بانتظار عودتي وسماعهم ما جرى معي وابلغتهم تحيات الزعيم.
هوامش:
(1) للاطلاع على النبذة المعممة عنه الدخول الى موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية www.ssnp.info
|