كنا بتاريخ سابق عممنا عن رفيقات تميّزن كل في مجالها.
نعيد تعميم النبذات عنهن.
*
المميّزة اعلامياً وثقافياً وأكاديمياً
الرفيقة حياة حويك(1)
عرفتها في أوائل سبعينات القرن الماضي طالبة في كلية الحقوق والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية في فترة شهدت الكلية حضوراً لافتاً من الرفقاء سبق ان تحدثت عنها كما تحدث الرفيق الشاعر والباحث يوسف المسمار.
كانت ناشطة جداً في التنظيم الحزبي الذي عرف تنظيم حورج عبد المسيح، ومثلها كان نشط الرفيق بديع عطية(2).
انقطعت عنهما الى ان عاد الرفيق بديع الى الانتظام الحزبي، متولياً مسؤوليات وناشطاً في المجال الإذاعي فيما بقيت الرفيقة حياة في الأردن، اسمع عن نشاطها الحزبي والكثير عن حضورها الإعلامي اللافت.
عندما توجهت الى باريس لحضور المؤتمر الأول لفروع الحزب في أوروبا(3) فالتقيت الرفيق الرائع ربيع الحايك (الأمين لاحقاً) عرفت منه عن علاقته الجيدة بالرفيقة حياة، فالتقينا. ثم التقيت بها في بيروت عندما كانت ذات يوم في زيارة لها.
كانت الرفيقة حياة لافتة جداً في المجال الإعلامي وكانت تدهش عارفيها بهذا الكم الغزير من الحضور الإعلامي في صحف كثيرة في عديد من بلدان العالم العربي، الى حضور ثقافي لامع.
رغم اصابتها بداء السرطان، الذي واجهته بعناد وعزيمة، استمرت الرفيقة حياة تنبض نشاطاً مذهل، احتلّ الكثير من محطات الإذاعة والتلفزة كما في صحف على امتداد العالم العربي.
*
كتب الكثيرون عند رحيل الرفيقة حياة حويك، اخترت من تلك الكلمات ما نشره الأمين ربيع الحايك على صفحته الفايسبوك، وهو كان على تواصل مستمر بها، وأعرف كم كانت تكنّ له من احترام ومودة ومشاعر الصداقة.
كان الرفيق بديع عطية قد غاب عن دنيانا قبل رحيل الرفيقة حياة. إليهما، والى الأمين المميّز بوعيه القومي الاجتماعي وبالتزامه، ربيع الحايك، ارفع التحية ، هاتفاً لسورية ومردداً الشعار القومي الاجتماعي، البقاء للامة .
كلمة الأمين ربيع حايك
" من يومين تفاجأت بهذا الزلزال العميق الذي أدى إلى خراب الثقافة والسياسة القومية الاجتماعية وايقظ كل من كان غائب عن معنى الحياة بوجود الحبيبة حياة بيننا.
الرفيقة حياة، رفيقتي وصديقتي، عملنا سويا عندما أتت الى باريس وكنت وقتها مديرا للمديرية وأقمنا مؤتمرات مهمة وخصوصا ترجمنا كتاب المحاضرات الى الفرنسية وكنت دائما جنبها وقت محنتها السرطانية، وبعد تقديم دكتوراة الإعلام في السوربون التي قال لها استاذها "انت أستاذتنا يا حياة" ، تركت آلامنا وعادت إلى حيث وعدَت زعيمنا، إلى الوطن المسرح الحقيقي للصراع والتثقيف.
وبعدها، أصابني نفس المرض، فكنا نتهاتف للاطمئنان والنقاش بما كتبت، او قدمت على الميادين.
لا أجد كلمات رثاء لأن العلم والثقافة والمعرفة التي اعطتها للأمة ولأمم اخرى تبقى حية في الوجدان وعلى مدى دهور،
حياة... انت منارتنا للذين عرفوك، ونار يحرق من تركك ليعود اليوم بمظهر الثعلب امام ضريحك. نامي مطمئنة، فقد ربيت اجيالاً تخلدك.
لتحي سورية "
هوامش:
(1) عرف الحزب الرفيق النحات المعروف يوسف الحويك وكان تحدّث عنه الأمين المحامي عبد الله قبرصي ونشرت نبذة عنه. مراجعة موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية www.ssnp.info
(2) بديع عطية: كان متفوقاً في المجالين الثقافي والاذاعي. نشط بشكل لافت في تنظيم عبد المسيح حتى اذا عاد الى الانتظام الحزبي، متنقلاَ في عديد من المناطق مغطياً الحلقات الاذاعية. شقيقه الرفيق المربي امين عطية كان أسس مع الرفيق فرحات معلوف مدرسة المواكب في منطقة الحازمية ، وتميّزت بحضورها التربوي الجيد. وكان تولى في تنظيم عبد المسيح مسؤوليات متقدمة في الحقل الثقافي.
(3) المؤتمر الأول لفروع الحزب في أوروبا: للاطلاع مراجعة الموقع المذكور آنفاً.
*
الرفيقة المناضلة ماري رفقة
ورد في عدد شباط 1949 من مجموعة النشرة الرسمية هذا الخبر بعنوان "نشاط آخر للسيدات":
" وبالإضافة إلى هذا النشاط الفعال، فمنفذية السيدات العامة تقوم بنشاط على جبهات أخرى من خطوط الحرب المعلنة من قِبل الحركة على كل ميوعة وفساد وتفكك وتخاذل. ففي المنفذية الآن فرقة للإسعاف الأولي تشرف على تدريب أفرادها الرفيقة النشيطة ماري رفقة. وكذلك توجد نواة مصنع قومي اجتماعي للأشغال اليدوية. إنّ الإدارة الحزبية التي تهنّئ المنفذية الناشئة بمجهودها تؤمن باستمرار هذا النشاط ودوامه.
إنّ المرأة القومية الاجتماعية قد بدأت بوضع دعائم المجتمع الجديد، فإلى الأمام!".
عرفت الرفيقة ماري، كما زوجها الصيدلي الرفيق ميشال رفقة. ومثلي عرفتهما منفذية بيروت بنشاطهما، وحضورهما الجيد. وإني شخصياً لا يمكنني أن أنسى عندما أذن لي الرفيق ميشال أن أقطن منزله في منطقة الحمراء، عندما اضطررت لمغادرة منزلي في المصيطبة لأسباب أمنية.
من عرف، مثلي، الرفيق ميشال رفقة(1) لا بدّ أن يقف بإجلال أمام مسيرته القومية الاجتماعية، ومثله عقيلته الرفيقة ماري التي كانت مجليّة بنشاطها في حقل الخدمات الطبية في تلك الظروف الصعبة التي واجهتها بيروت.
نحن ندعو الرفيق الدكتور صفا رفقة(2) والرفيقة غادة رفقة فغالي، إلى أن يزودانا ما يفيد سيرة كل من الرفيق المميز ميشال رفقة، وعقيلته الرفيقة المتفانية ماري رفقة(3).
إنه بعض من واجب تجاه من يتفانى في سبيل حزبه وأمته.
هوامش:
(1) ميشال رفقة: مراجعة الكلمة التي كنت نشرتها عنه على موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية www.ssnp.info.
(2) الرفيق د. صفا رفقة: عرفته في مرحلة توليّ مسؤولية عميد عبر الحدود، وكان الرفيق د. صفا يتولى مسؤولية منفذ عام الشرق الأميركي، وكنت شاهداً على تميزه، كما ناموس المنفذية الرفيق نقولا حلاق. برع الرفيق د. صفا بحضوره في واشنطن، وخاصة على صعيد منظمة مناهضة التمييز العنصري ADC، وقد كان من الناشطين الأساسيين فيها، إلى كونه طبيباً نسائياً معروفاً ووجهاً اغترابياً.
لا يمكنني أن أذكر الرفيقة ماري إلا وأذكر الرفيقة "أم وليد" التي عرفتها عمدة العمل ومستوصف الحزب في رأس بيروت بتفانيها اللافت. سبق أن كتبت عنها، يمكن مراجعة الموقع المذكور آنفاً للإطلاع على النبذة المعممة. وكتب الرفيق الباحث جان داية عنها وعن زوجها الرفيق المناضل عبد الرسول أبو خليل. عنهما يصحّ أن يُكتب
*
الرفيقة المتميّزة حضوراً وتفانياً
أمل الأشقر الهبر
في أوائل ستينات القرن الماضي، التقيت بها كثيراً، كما مع المتميزات: الرفيقة العملاقة رؤوفة الأشقر، والرفيقة ميشلين الأشقر، ينشطن مع الرفيقات ماري بربر جريج، عفيفة عبيد، ليلى أبو عبيد وغيرهن إلى جانب الأمناء غسان الأشقر، غسان عز الدين، هنري حاماتي ، والرفقاء جوزف رزق الله، أسعد عبيد، تيودور رعد والمواطن إلياس الهبر، يتابعون شؤون الرفقاء الأسرى والاتصالات السياسية، وقد أتيت على ذلك في سيرتي ومسيرتي وفي كثير من النبذات.
تمكّنتُ أن أزور الرفيقة أمل في المنزل الذي كان أقام فيه الأمين أسد الأشقر في منطقة رأس بيروت، ورغبت أن أزورها مرة ثانية، أو أن يقوم ، غيري بذلك، إنما لم أتمكّن وقد أتيت على ذكر أوجاعي مراراً وتكراراً.
هذه النبذة عن الرفيقة أمل، تلقي ضوءاً من كثير، فهي كانت مميّزة وعنها تحلو الكتابة، وإذا كنت أكتفي بهذا القدر، أدعو من عرفها إلى أن يغني النبذة بكتابات تستحقها.
*
عند رحيل الرفيقة أمل عمّمت في باب "البقاء للأمة" الكلمة التالية:
" نحن الذين عرفنا الرفيقة أمل جيداً بعد المحاولة الانقلابية، وترافقنا في سنوات التحدي، وتعرّفنا على نشاطها وجرأتها وحيويتها وشخصيتها، فاحتلّت الكثير من مساحات المحبة والاحترام والتقدير، نشعر أكثر من غيرنا بفداحة خسارتها، وبلوعة عميقة هيهات أن تزول بسرعة.
في تلك السنوات، عندما كان رفقاؤنا الذين شاركوا في الثورة الانقلابية، يتعرّضون لصنوف التعذيب والقهر، يُساقون إلى قصر الأونسكو الذي تحوّل إلى محكمة عسكرية تُصدر بحقّهم الأحكام، فينقل البعض منهم إلى الزنزانات – القبور في سجن الرمل، والآخرون إلى سجن القبة في طرابلس، في تلك السنوات كانت الرفيقة أمل الأشقر لولباً من حركة لا تهدأ، إلى جانب رفيقات، أمهات وزوجات لرفقاء، ننحني أمام ذكراهنّ، ولهنّ نطلق هتاف الحياة.
ونحن إذ نعتذر عن ذكر الأسماء، كي لا نقع في السهو أو الخطأ، إنّما نكتفي بذكر السيدة، الرفيقة، الأم والزوجة، رؤوفة الأشقر التي لا ننسى حضورها الفذّ، ولا وقفاتها الرائعة، ولا مشاركتها في الاعتصامات وكلّ الأنشطة التي كانت تحصل.
تلك مرحلة يجب أن تؤرّخ فتبقى للأجيال، وفيها الكثير من الوفاء للرفقاء الذين شاركوا في الثورة الانقلابية، وللرفقاء الذين تولّوا المسؤوليات خارج السجن فعرّضوا أنفسهم كل يوم للاعتقال، وما يرافقه عادة من همجية اعتاد عليها أفراد المكتب الثاني، وللرفيقات، وأمهات وزوجات الرفقاء الأسرى اللواتي تحدّين بجرأة، وكانت أصواتهنّ تصل إلى سياسيين ورجال دين وإعلام، وإلى كلّ وجدان.
الرفيقة أمل الأشقر كانت، على مدى كل تلك السنوات، حالة مضيئة من الحضور والجرأة والصوت العالي.
وفاءً لها، ولكلّ من ناضل في تلك الحقبة السوداء، ندعو كلّ رفيق ورفيقة عرفوا وتعرّفوا وعايشوا، إلى أن يكتبوا.
بدورنا سنهتم، فتدوين المعلومات المفيدة لتاريخ الحزب واجب على كلّ رفيق.
إليك يا رفيقة أمل، وقد زرتك مراراً وكنت أرغب لو تمكنت من القعود إليك، مرات ومرات، أرفع اليمنى بتحية الحياة، شاهداً كم كنتِ مميزة في سنوات القهر، وكم كنت منتمية لنهضة الامة، بوجدانك وأحاسيسك وكلّ نبضة لديك، قلباً وعقلاً ووجداناً.
كنت "التوأم" في النضال والمواقف الصلبة، للرفيقة الرائعة رؤوفة الأشقر (أم غسان).
لكما تليق الزغردات وترتفع الرياحين، وتنزل الدمعات... ولا ننسى. البقاء للأمة.
*
من الرفيق رجا الهبر هذه الكلمة عن الرفيقة امل، مع كل حبنا وتقديرنا:
" ولدت في الحقبة السوداء، حين كان الحزب مطارداً، قياداته والرفقاء في السجن.
تبدأ ذكرياتي عن الرفيقة أمل حين كنت أرافقها لزيارة جدي الأمين أسد في سجن / مستشفى الكرنتينا.
يبقى السجن محفوراً في ذاكرتي: باب حديدي فيه طاقة صغيرة، ثمّ درج شديد الانحدار، فبهو السجن، على يساره غرفة العسكر، وعلى يمينه زنزانة جدي، في بداية ممر طويل ومظلم.
بعد الإفراج عن الأمين أسد، وكنت في الثامنة أو التاسعة، عادت حياتنا إلى طبيعتها، نسبياً.
ما أدهشني حينها هو تدفق الناس الذين زاروا منزل أبو غسان وأم غسان، في ديك المحدي، في الأيام والأسابيع والسنوات اللاحقة.
كان أجمل ما في ديك المحدي في هذا الزمن، عدد الرفقاء، من مناطق مختلفة، منها الشام، بعلبك، الهرمل، الكورة وعكار، الذين عاشوا فيها وفي القرى المجاورة لها، وطبعوها بصفات الشهامة والاستقامة واالبساطة، لعل ابرزهم الامين المميّز ببطولاته ووقفاته ديب كردية.
كنا جميعاً عائلة واحدة، ألهمنا قائد من أفضل من جسّد القيم القومية الاجتماعية وتعاليم سعاده(1).
وفي هذا الإطار، أتذكر حملة الأمين أسد خلال الانتخابات النيابية عام 1972، والموكب المهيب الذي رافقه من ديك المحدي إلى ضهور الشوير، وكنت معه في السيارة، حيث ألقى خطابه الانتخابي في قاعة سينما في وسط بلدة الزعيم. وعلى الرغم من الخسارة، دُهشت لاحقاً من قدرة الأمين أسد على الحصول على 16000 صوتاً ونيّف، بعد 9 سنوات في السجن، وبعد سنتين فقط من خروجه منه.
وهذا ما يعيدني إلى الرفيقة أمل، ذهلت خلال نشأتي بتنوّع معارفها وصداقاتها، وخلفياتهم ومهنهم، عسكريين كانوا أو سياسيين ورجال أعمال، إضافة إلى علاقاتها المتينة بالرفقاء وعائلاتهم.
شعرت بأنها تعرف الجميع. واكتشفت لاحقاً أنها فعلاً تعرف الجميع، كانوا أصدقاء أوفياء، يتمتعون بصداقتها وحضورها وذكائها الحاد وكرمها وشهامتها وصدقها وحس الفكاهة لديها.
كانت معجماً من المعلومات حول العائلات، أصولها وفصولها، ومن أيّ قرى أو بلدات أو مدن تتحدّر. تعرف مين ابن / ابنة مين، وتسلسل العائلة.
أول الدروس التي تعلّمناها منها، شقيقتي ريم وأنا، هو الإصغاء وعدم إقحام نفسنا في أحاديث الكبار، فاكتفينا بمراقبة ما يدور من حولنا. حكمة مفيدة لنا: "أذنان وفم واحد، يعني الإصغاء مرتين أكثر من الكلام".
أمّا في ما يتعلق بالعقيدة والسياسة، كانت صلابتها دون منازع، وبرأيي لم تشط ولم تهادن ولم تخطئ في موقف عقائدي أو سياسي بدفاعها عن العقيدة والمواقف السياسية الصحيحة، كانت الرفيقة أمل بمثابة كتيبة عسكرية، تشنّ هجوماً مضاداً صاعقاً، لا يرحم المرتكب.
كان معدنها فولاذياً، لم تستسغ النفاق والكذب والهبوط الأخلاقي. وبعد استقرارها في لبنان نهائياً عام 2001، شاءت الظروف أن تضطر إلى مشاهدة حفلات الجنون والعمالة، وأن تتعرض، بشكل يومي، لكميات من النفاق والكذب والهبوط الأخلاقي، صادرة عن سياسيين وكتاب وصحافيين من أسوأ الأصناف.
كانت الرفيقة أمل امرأة مميزة وجبلاً لا تهزه ريح ومدرسة للقيم. وفي سنواتها الأخيرة، مع تمكّن المرض من جسدها، بقي عقلها يلمع كحدّ السيف.
هوامش:
(1) لعل افضل من يكتب عن تلك المرحلة المربي الرفيق منير تبشراني(2) الذي نوجه له تحية الحياة.
(2) منير تبشراني: من "قوسايا"، شقيق الرفيق الشهيد فايز مدير "ثانوية فينيقيا"، للاطلاع على النبذة المعممة عن "ثانوية فينيقيا" ودورها التربوي والحزبي في ستينات وسبعينات القرن الماضي، مراجعة شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية www.ssnp.info
|