عن صفحة الرفيق فادي بشناتي(1) هذه المقتطفات ننشرها لفائدة الاطلاع آملين من رفقاء لديهم ما يضيفونه ان يساهموا بالكتابة، مع الشكر.
ل. ن.
*
عندما نتحدث عن الاشبال اتذكر وصية الرفيق محمد صادق(2)، انتبه لاشبالك رفيقي، اشبال الحزب الذي كلنا منه وله، من منا يمكنه ان ينسى كل من ساهم ببناء مؤسسات الاشبال ومفوضية الاشبال ومخيمات الاشبال، احصاء صغير بعد سنوات طويلة تبيّن لي عدديا ان الارقام مضاعفة، وان النبت الصالح ينمو بالعناية، من كان في مفوضية الاشبال اصبحوا اليوم لديهم اطفال او شباب ومنهم من اصبح ابناءهم بعمر التخرج او الزواج، اجيال تتوالى في الحزب، واشبالي يكبرون معي ويهرمون، نحن معا في وحدة الحياة. هم ابناء الحياة، ابناء الامة، ابناء رفقاء لنا، نعتز بهم، هم منا من دمنا ولحمنا معهم تنشقنا هواء الحرية، وصمدنا تحت الة الحرب الدموية. معهم تشربنا مفاهيم نهضتنا الابية، فتشاركنا الرحلات والندوات، والحلقات والاحتفالات، وهنا يحضر في ذهني احدى مناسباتنا في مديرية المصيطبة وكان مديرها الامين لبيب، نشعر ان المناسبة في اجواءها كيوم عيد، وهي تعج بالحضور والضيافة والمشاركة، وتوافد الرفقاء المركزيين ومسؤولي قيادة الحزب والمجلس الاعلى والامناء. هؤلاء الذين باركوا النشاطات، والكثير منهم رحلوا عنا، وبقوا في الذاكرة حضوراً، اشعلوا امسياتنا بنور النهضة وندواتها، هم الادباء والمحامين والشعراء والباحثين، والمحبين واصحاب اللون والشعر والموسيقى، الامين لبيب بنشاطه وتفانيه تمكن من جمع عدد غفير من محيطه في نشاط المديرية، وثمة الكثيرين من ابناء المصيطبة يذكرونه باحترام من رفع شان الحزب بنشاطاته المتنوعة في ترسيخ جذوره، وتفعيل دوره.
ويحضرني هنا استدعاؤه لي لتشريفي في التعرف على الامين الراحل جبران جريج والامين عبد الله قبرصي، والامين الياس جرجي في اول لقاءاتنا في مكتب مديرية المصيطبة. فلم ينكفيء في نشاط منذ ان تعرفنا اليه مثال ابناء النهضة الخلاق والمبدع في نشاطات ومسؤوليات تفان فيها على مدى تاريخه الحزبي المعطاء.
ان تتحدث عن الحزب المؤسسات والرفقاء والقياديين، تتحدث عن جزء لا يتجزأ منك. من اقرب الناس الى روحك وعاطفتك ووجدانك وذاتك.
ادامكم الله ذخرا للامة في اصعب الايام واشدها محناً، عسى ان يمد الله بعمركم ليوم النصر القريب.
لتحي سورية
*
لقد سجلت يوما على شريط تسجيل (كاسيت) حديث مع الرفيق الراحل عبد الرسول ابو خليل (أبو وليد)(3) في دارته في رأس بيروت وهو الذي سجن وعذّب وفقد نظره تحت الظلم والغبن الذي طاله من سجانيه اثر الانقلاب الفاشل، في سهرة مع رفقاء من الطلبة غمزني أحدهم طالبا البدء بالتسجيل وكانت البداية قصيدة كتبها لرفيقته مريانا الذي أصبحت زوجته فيما بعد، والتي كنا ندعوها "ام وليد" نسبة لولدها الشهيد، ام وليد كانت تلازم عمدة العمل حين كان الامين نصري خوري في مسؤولية عميد لسنوات، وكانت تساعد جرحى الحزب وتحضر لهم الطعام، كانت أم لكل شهيد أو جريح، في عنايتها واهتمامها وطبخها وقهوتها نشعر بالراحة والأمان، تضج بالحياة والحماس والراحة والاهتمام، تفرح لفرح القوميين وتحزن لإحزانهم تسبقنا إلى حرم الجامعة في تشييع الشهداء، والى المدافن في وداعهم، عند الضربات وسقوط الجرحى كانت الأولى في مدخل الطوارئ، وفي زيارة الجرحى.
الرفيقة ام وليد حين طلبت الشريط بعد رحيل رفيق عمرها أوصلته دون استنساخ، ولا تردد لأني أعرف مقدار الحب الذي جمع روحيهما، من وراء قضبان السجن. هي قصة حب كبيرة مثلها مثل الكثير في تاريخ حزبنا، لم تقوى عليه عوامل الضغط والتهديد والتشويه، بعد عملي في شركة جدع، كان رفيقي جورج بطل في مناسبات ودون مناسبات يحضر علبة كبيرة من المواد الغذائية، ويوصيني إيصالها إلى الرفيقة ام وليد. ومثلها إلى بيوت الشهداء أو الجرحى. كان ابنهما هشام المندفع بالفطرة وابنتها امال تساعد في المستوصف على صغر سنها وتعاون والدتها في تحضير ما تيسر من مواد للمطبخ وتلازمها حين تنشغل عن الطبخ أو أعمال خفيفة. كما كانت هي وهشام في عداد الاشبال حضوراً والتزاماً، في جميع نشاطات الحزب من معارض ومسارح ومخيمات. ام وليد هي وجه الحزب والخير والالتزام في رأس بيروت التي عرفتها قمة في الإيمان العميق والتفاني، رغم الصعوبات التي واجهت الحزب في مراحل صعبة، الا أنها لم تمانع من العمل رغم عن كل ما حصل حتى الرمق الاخير. وهي كانت وستبقى في ذاكرة الرفقاء الذين عرفوها هي وشريك حياتها مثالا في التضحية والإخلاص.
بأمثالهم ننهض لتحي سورية.
*
حين الاجتياح لم ننكسر، ولم ننهزم، كنا في كل لحظة نتنشق فيها انفاس الحرية والكرامة، في العمل المقاوم، في الاحياء القديمة، والبيوت الصديقة، في اماكن التراث، ومقالع النهضة الاولى، كانت استراحة النفوس التواقة للحرية تشدها متطلبات الحياة الحقة، وتشد من ازرها تعاليم واضحة، هي الامر وهي القرار، في فردان اخبرني الاشبال، اسرارهم عن كيفية انقاذ المستندات والصور، في المجلة، لسنا بوضع افضل. وحمل ملفات الصباح، وتنكب المسؤوليات، في الصبح من نهار الاحد، ان تعمل تحت جنح الظلام، وتحت الاشجار في بؤرة، نتلف فيها بعض اوراقنا، وفي المكان عينه نستلم عدة الصيد الثمين، ننقلها من سيارة لاخرى، على مقربة من اكبر ثكنات بيروت. ايام اجتياح بيروت، لم تكن ايام مريرة فقط، بل كانت اول ايام عملنا في تنشق زمن الحرية في العمل المقاوم، يوم لم يكن لطغاة الطوائف دور غير النفخ في ابواق دور العبادة، والخطب الطنانة، كان جيل مقاوم يشق طريقه للنصر والاخطار، ويجازف بالروح ويدخل المعتقلات والسجون، وفي المقابل نواب متعاملين وعسكر يطوق بالحديد والنار والاعتقال والخطف احياؤنا وابوابنا وغرف نومنا. جواسيس وعملاء زرعوا الاماكن والمطاعم وفنادق السياحية، وصالات السينما، والمدارس. يفتشون عن اسمائنا بين السطور.
في الاجتياح، عدد المخطوفين واخبارهم تتصدر الجرائد وليس من يكتب، عميد للحزب مخطوف، ورفيق مفقود، ومنفذ عام للطلبة الجامعيين معتقل تحت التعذيب، ليس من يكتب في الجريدة سوى القيادة العليا، لا قرارات ولا تعيبنات ولا اوامر او مهام. لا توجيهات، قرار فردي بعد محادثة، الامين الياس جرجي طاب ذكراه، قال لنا شهدنا الحرب العالمية وعملنا رغم كل المعوقات لم تكن اقل تكلفة مما نمر به اليوم، كان الدرس الاول، كنا نتناقش بصوت عال، حملنا زوادة المعرفة سلاح فعال في مواجهة تلك الايام، لم تكن تلك الخرضوات وحدها مصدر قوتنا وفعلها، ففي جنوب محتل وعلى شواطئ الذكريات، كانت قواتنا تجوب البحر، وتستنبط اساليب جديدة، لتحول المعرفة وقوت اليوم الى وسيلة للاستمرار والفعل، فالصيد قد يأتي بالرزق الوفير ليوم او يومين. لكن الكرامة والحرية اثمن فهي لجيل او اجيال. والذين قطعوا النهر حفاة، او اطفال رضع، دخلوا تاريخ الحرية، بعد تلك العقود، ان نكتب عن بعض عقود من زمن كان لنا، وكنا اسياده لا عبيده، ان ذلك يشرفنا ويشرف اجيال النصر التي تعهدناها برسالة الهداية والفداء، ان الكتابة عن ذلك الزمن هو بعهدة اشخاص ورفقاء يحملون بين ضلوعهم ذكريات تلك الايام وحنين الشوق لمسؤوليات الصبر العظيم.
كنت والأمين بيار معلوف في تلك الأيام نقوم بما يتطلبه الواجب، رفيق الحاج وبطرس سعادة.
هوامش:
(1) فادي بشناتي: والده الرفيق المناضل عبد الرحمن بشناتي الذي كنت نشرت عنه في مرحلة سابقة. للإطلاع على النبذة الدخول الى موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية ssnp.info
(2) محمد صادق: محمد صادق خير الدين. كان وكيل عميد التربية ومسؤول عن الاشبال لفترة طويلة. للاطلاع الدخول الى الموقع المذكور آنفاً.
(3) عبد الرسول أبو خليل: شارك في الثورة الانقلابية. فقد بصره اثناء التعذيب. اقترن من الرفيقة مريانا، عرفت باسم "ام وليد"، وكانت ناشطة في عمدة العمل. كنت كتبت عنها وكتب الرفيق جان داية.
|