إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

يـــــــــوم عـمـاطــــــور(*) بقلم الرفيق وجدي عبد الصمد

الامين لبيب ناصيف

نسخة للطباعة 2023-03-02

إقرأ ايضاً



أعلم أن "يوم عماطور" حدث في أواخر كانون الثاني ولكن هذه الصورة - التي تُظهر بعذران والمطار ومنحدر من الأشجار تحتضن "عماطور" - حفزتني لإعادة نشر هذا المقال وخاصة أننا على أبواب الأول من آذار:

(القصة عن يوم عماطور) كتبتها في 19-6-1987.

"حوار في ساحة الضيعة"

- هل تعرف الحزب القومي ؟

• طبعاً وكيف لا...لقد أصبح مثل الدلعونا تراثاً للبلاد

- حسناً...ما رأيك به.... وماذا تعرف عنه؟

• في الحقيقة يا صاحبي سأخبرك ما يقوله لنا الوالد عن أيام زعيم هذا الحزب.. فوالدي كان من الحزبيين

المتحمسين.

- هل حقاً ما تقول؟

• صدقاً...لقد كان في أغلب السهرات التي تجمعنا به يجلس ويحدثنا عن هذا الحزب وزعيمه، اليك هذه القصة

مثلاً، كان يرددها على مسمعنا دائماً ولهذا فقد حفظتها وبالتفاصيل

- لقد أثرت فضولي.. أخبرني اياها... وبالتفاصيل

• يبدأها والدي بالقول: "كان يوماً ماطراً من أيام كانون الثاني سنة 37 وكنت يومها صغيراً بعمر هذا الصبي (ويدل على أحدنا، من لم يتجاوز الثالثة عشر من العمر) عندما سمعت أبي ومن معه في غرفة الجلوس يقولون أن الزعيم سيأتي غداً الى الضيعة ليخطب بأهلها في وسط الساحة. في تلك الليلة كان وجه والدي مكفهراً شاحباً وأرعبني منظره وهو يروح ويجيء بين الحاضرين في تلبّك وانفعال، وكنت أسمع بعض الكلمات التي أخافتني كالفرنسيين ورجال الدولة ومجابهة وأسلحة ستوزّع وانتشار على الأسطح، ولكني وقتها لم أفهم الكثير وأنهيت حدود اكتراثي هنا وعدت الى سريري ونمت. صحوت باكراً على صوت أبي يناديني، نهضت خائفاً ومؤكداً أن الحرب قد وقعت واتجهت الى الرواق حيث رأيت والدي يحمل سلاحاً ومعه بعض شبان الضيعة المسلحين أيضاً، فقال لي: "هيا...آن لك أن تستلم بعض المسؤوليات، أريد منك أن تذهب الى الرفيق مسعود.. هل عرفته؟ - "الذي بيته في أول الضيعة؟" قلت له – فأجابني: "نعم..نعم..إذهب وقل له أن الشباب قد انتشروا على جميع الأسطح المطلة على الساحة وينتظرون إشارة منك. وصلت إليه ورأيت عنده أيضاً من الضيعة شباباً مسلحين عرفتهم جميعاً والغريب أنهم كانوا من العائلتين وجميعهم مستعد للقتال، أبلغته الرسالة. خرجت وأنا في حيرة من أمري ولا أعلم ماذا يحصل بالضبط... هل هي الحرب عادت من جديد..؟

وصلت الساحة فإذا بها تموج بالناس. بقيت وبعض الفتيان ننتظر ونترقب ماذا سيحدث.. مضى أكثر من ساعتين على هذه الحال ثم سمعت أصوات شاحنات وعربات... إنهم فرق من الفرنسيين والدرك اللبناني، وصلوا وانتشروا حول الساحة وأمام الأزقة، وبعدها بقليل وصل موكب آخر وبشكل آخر لم يكن هناك أصوات شاحنات بل أصوات رجال يتقدمهم شخص، أدركنا جميعاً أنه الزعيم ويتصاعد من ورائه أهازيج الحدا وأغاني الثورة، يومها كانت الساحة ولأول مرة تشهد ازدحاماً كثيفاً من الناس حتى تظن أنها تغلي فتفور بناسها على الشرفات والشبابيك والأسطح. وما لفت نظري، رجل اتى مع الزعيم راح يتكلم مع عسكري يبدو عليه الأهمية ورأيت الأخير - وقد بدا عليه الغضب - يصيح بالمتكلم عندها ساد الصمت والتفت الجميع اليهما، فأشار المتكلم - وبوقفة الفاتح المنتصر – الى الأسطح، نظرت والناس حيث أشار فرأينا رجالاً متمنطقين بمناطق سوداء على لباس رصاصي، يخفون وجوههم بكوفية مرقطة، يصوبون بنادقهم الى العسكر.

عندها إقترب شيخ العقل الشيخ محمد عبد الصمد ومما قاله للزعيم :"إن الحزب لو لم يعمل شيئاً إلا الذي عمله في عماطور لكفى، فقبل وجود الحزب كانت عماطور في قتال مستمر بين عبد الصمد وأبو شقرا وكانت الجرة على العين إذا انكسرت تسيل الدماء بين الطرفين، أما اليوم فهم كتلة واحدة وأخوة في القومية والمبادئ" ثم تقدم نقيب متقاعد من آل أبو شقرا وكان تقاعده قسراً مع صغر سنه بسبب إنتمائه الى الحزب القومي وقال: "لقد حضرت معارك ومواجهات منذ زمن الأتراك ولكني لم أر أقوى من معنويات هذا الجيش غير المدرب، المتطوع، ولا غرو فالمبادئ تصنع الرجال".

بعدها صعد الزعيم الى المنبر وبدأ يخطب. أقول لكم الحق يا أولادي إنني ومع صغر سني لم أحرك ساكناً ولم أتلفظ بكلمة حتى أنهى الخطاب. لن تصدقوا ما سأقول، لقد كان يتكلم بفمه وعينيه... بيديه وجسده، كان يخطب فترى البيوت العتيقة تتراقص فرحاً والسنديانة تغني طرباً وكأنه خاطب شيئاً قديماً دفيناً في داخلهم فكيف بالناس، كنت تراهم وبعد كل جملة يهتفون بحياته وحياة الأمة، حتى رجال الدرك اللبناني رأيتهم بأم عيني يصفقون ويهتفون. لقد دبّت في الجميع حياة جديدة وجرت فيهم دماء جديدة، كان يسكب العقيدة عليهم سكباً فيكبرون ويتعملقون أما الفرنسيون فكانوا يصغرون ويتقزمون حتى أمرهم قائدهم بالإنسحاب، فانسحبوا... وصدقوني إذ أقول لكم إنها المرة الأولى ومنذ مئات السنين يحمل أهل الضيعة السلاح وبكل عائلاتهم وطوائفهم بوجه الأجنبي، فكانت وقفة عز حقيقية..." ودائماً كان ينهي حديثه بهذه الجملة، وكنا مثلك الآن نصغي اليه بجميع حواسنا.

- لا أعرف يا صاحبي! عندما كنت تروي القصة كان شيئاً في أعماق ذاتي يرتجف ويهزني بقوة وكأنني كنت معهم

وأعاني مثلهم.

• هه....! كنا نقول له نفس الكلام فيجيب بأنها الوحدة الروحية التي تجمع هذا الشعب فتوحده وتجعله إنساناً واحداً.

- في الحقيقة إني أرى هذا الحزب رسالة أكثر منه حزباً، فهو غير الأحزاب الأخرى.

• لاشك، فأعضاؤه معرفون بنظاميتهم ومناقبيتهم وشدة إيمانهم بعقيدتهم.

لقد سمعت أنهم يقيمون ندوة ثقافية يستطيع المرء حضورها، ما رأيك لو نتابعها باستمرار ؟

- موافق..!!

(*) للاطلاع على ما كنا عممناه عن يوم عماطور الدخول الى موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعيةssnp.info .




 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024