نظم الأمين الشاعر عجاج المهاتر قصيدته هذه في "زندان" سجن الرمل، حيث قضى اثنتين وخمسين ساعة مُكبلًا بالحديد ومضرباً عن الطعام، وكان ذلك في 25 آب 1936، وللأمين المهتار قصيدة مماثلة بعنوان "النظارة"(1)
كنت كتبت عن كل من الأمين عجاج المهتار وعن عقيلته الرفيقة المميزة المناضلة سورية كرم المهتار.
عنهما يكتب اكثر وانتظر ان يزودني الرفيق العزيز أسامة ما يغني النبذة عن كل من المميزين الأمين عجاج والرفيقة سوريا.
ل. ن.
*
شو همنِّي، الزندان، وقيود السجون
وظلم، وظلام، وعربده، ورهبه وسكون
عمحبّتك، يا سورية، حالف يمين
ما بحنثو، لو شربت كاسات المنون
عمحبّـتك، يا سورية، حالف يمين
وشاهد، ضميري، قبل كل العالمين
مهما يشدّوا الضغط عالمبدا امين
بفدي حياتي، وزهر عمري، وما بخون
بفدي لعينـــــك، نــــــور عيني والضـــيا
وما بخون عهد محبتك، يا سورية
ولّي بيرضى الحب: تجديف وريا
في مذهبي ستين عمرو لا يكون
في مذهبي ستين عمرو لا يعود
الّي بيحنث باليمين وبالعهود
*
لما بنور الحق، وجداني اشتعل
خلقه، جديده، خلقت. واعي عالوجود
طابت جروحي وصحّ جسمي من العلل
روحي شِفت من كل ادران الجحود
عهد الكسل ولّى، وخلق روح العمل
عن جو عمري تكشّحوا غيوم الجمود
وراح- الهوى- والقول، وليالي الغزل
والمرمغه عنهود، سلمى، وعالخدود...
يا سجن، فيك العمر، بالفخر اكتمل
اهلا بجندك، والسلاسل، والقيود...
يا محجّ الظلم، تظليمك بطل
تيصير- عتمك – نور- جينالك وفود
جينا تانحمل مثلما- الفادي – حمل،
اصفاد، تكبس بالملازم عالزنود
بالضغط، اهلا ومرحبا، ومهما حصل،
-شي منتظر- للّي عن بلادو يذود
بس العقيده الصادقه، ما بتنفصل،
-عن معتنقها - بحبس وتزوزق وعود
والقيد، والزندان، أركان الدِول
والسجن سلُّم للمفاخر والخلود...
شلحنا - بوادي الموت - سكرات الكّسلْ،
رحنا، بموكب حيّ عالقمّه نرود
ان ما انفصل عن روحنا روح الحمل،
منظلّ "علكة ذلّ" عنياب الأسود
ان ما ضحكنا للشقا ضحكة جذل،
عاذروة الأحرار ما إلنا صعود
ان ما عقصنا النحل، ما منجني عسل،
ان ما خمشنا الشوك، ما منقطف ورد،
ان ما زرعنا بذار، ما منحصد سَبَلْ،
وان ما قلمنا العود، ما بيخضّر عود...
حلّنا نظبط مقاييس العمل
ببلادنا، وعنفوسنا واجب نسود
وقلوبنا، خفقاتها، تصبّ "الكلل"
ورواحنا، تشق الفضا بروق ورعود
ونعود – كتله – والمقطّع ينوصل
وتعود إلنا ارضنا – بهاك الحدود –
حاجي علينا يزحفو، جيوش وكتل
يوم برص، ويوم بيض، ويوم سود
مشينا: من "الوادي" الغميقه... والجبل،
عنّا بعيد، والدرب وعره بالجرود:
وادي، مريضَه، غايصه بوحل "الجدَل"
خيّم عليها النوم بكفان اللحود
بسكانها، ما بتنحصى جيوش "الملل"
والطوايف، سابقه بلاد "الهنود" !!
وفيها "الافاعي" مغلغله بين الحلل
و "الضواري" الجايعه، ملوا الصرود
و "الثعالب"، ناصبه شراك الخيلْ
تصلي على الغزلان، وفروخ الفهود
و "الضفادع" جيشها التمّ وحمل
تا يصِدّ عصفات "الزوابع" بالسدود
طلعنا وسحقنا الكلّ، ماعرفنا الوجل،
والقفل، ماشي، لا جدال، ولا ردود
وصرنا ندلّي حبال، حتى المارحل،
معنا نشيلو من البلايا والركود
ونعالج الممروض، ونشلّ الشَلَلْ،
ونقيم حسن يصدّ _ تيار، اليهود -
صاررا يقصُّوا حبالنا، ولّي اتصل
فينا، يشدد فيه ويصيحوا: رقود
وعدنا ندلّي حبالنا، من غير ملّلْ،
ويقصقصوها، ويشخروا "ببنج" – العهود –
ويراشقونا بالحجار، و"بالكلل"
ويحاربونا- بالوشايه – والصدود
ويعركجونا ويتهمونا: بالفشل
ويقدَّسوا "الأصنام"، بركوع وسجود
مشينا، ودم قلبونا بحزم انجبل
وثبة اسود منظّمة بموكب جنود
بفيّة، زوابع حمر، بقيادة بطلْ
فيَّق ضمير المجد، ورواح الجدود...
من قلب عتم الدهر بالنور انرسل،
مصلح، وهادي، وعبقري، بيعرف يقود
بالتضحيّة، والصبر، علَّمنا مثل
والسجن، والزندان، والمنفى... شهود
ولو الدرب طالت، عالجبل بدنا نصل،
ونشكَّ عالقمه "الزوابع" بالبنود
حتى، السعادة، تسود، ويصحّ الأمل،
والحق يفقر "حصرمه" بعين الحسود
حب الأمانه، فخر اثمار الجهود،
وفعل الخيانة، مثل زهر "الزيزفون"
فعل الخيانة عار، والفخر الثبات،
عالصدق، وعهود الكرامة، للمات
يا سوريه، حقِّك مقدَّس بالحياة
وتبقي بيدّ الأجنبي، عار، وجنون
ونبقيّ ولادك نايمه، ذلّ وخنوع
ميّت، مكفن، بالدموع وبالشموع
أهون عليّي موت- بالزندان- جوع
ولا يموت حقي الحيّ والعدل المصون
ولا يموت حسّي والعداله، وصير عيّ
ولي صوت صارخ، بالوعي، عا كلّ حيّ
وان تخّ عظمي وذاب، روحي بصوت حيّ
يفجّ اركان المعاقر والحصون....،
النظارة
كنا في سجن الرمل، وعددنا يربو على المئة، وقد وضع كل منا في غرفة، منفردا عن رفقائه- لسلامة التحقيق- وبعد توقيف طويل، واحتجاجات صارخة، واضراب عن الطعام، استمر بعنف واجماع، خمسة أيام بلياليها، وقد اهتزَّت لهُ دوائر المستعمرين واذنابهم آنذاك، دعينا للاستجواب، قافلة واحدة، بشدّ أيدينا "الكلبجات" وتربط بعضنا ببعض جنازير حديدية طويلة، اثنين، اثنين، فوضعنا في "كميون" السجن معاً ووضعنا في "النظارة" معاً وقبل الاستجوابّ!!!
... وتكررت عملية استحضارنا إلى العدلية على الطريقة المذكورة خمسة أيام، قبل الظهر وبعده وارجاعنا للسجن، وبدون استجواب!!!
ولما عيل صبرنا على تلك الشواذات، نظمتُ هذه الزجلية "النظارة" وارسلتها لحضرة المحقق فكانت بمثابة "رقوة" شافيه، وفي اليوم التالي دعينا للاستجواب واخلى سبيل القسم الكبير منا ولكن- بتحفظ.... – وكان ذلك في أواخر اغسطس 1936.
هوامش:
(1) مراجعة القصيدة في "الجزء الثاني" من مجلد "من الجعبة" للأمين جبران جريج الصفحات 332-334.
|