في تاريخ الحزب، المكتوب منه او الذي ما زال في ذاكرة الرفقاء مرويات رائعة لنضال قد مارسه الرفقاء على مدى سنوات الصراع المريرة سجونا وملاحقات وتشرد واعتقالات.
المجلدات لا تفي حق الرفقاء نضالهم الرائع منذ التأسيس مروراً بكل المعارك التي خاضها الحزب، وفيها قدم آلاف الشهداء، ومثلهم آلاف المناضلين الذين سطروا ملاحم رائعة في الاقدام والتضحية والبطولة، فما من سجن الا عرفهم، وما من بلدة او دسكرة الا شهدت وقفات العز، وما من منطقة في وطننا الا وكان رفقاؤنا فيها يرفعون الراية وهتافهم يدوي بالحياة.
لهم جميعهم نقف بإجلال وفخر واعتزاز، وإذ نروي تباعاً ما يمكن ان يضيء على تلك الوقفات، وعلى آلام النضال الطويل الشاق، وعلى التضحيات الجسام التي قدمها رفقاؤنا ورفيقاتنا، نعلم ان تلك المرويات ستشكل جزءاً يسيراً من ملحمة طويلة هيهات أن يستطيع احد ان يدونها كلها.
لرفقائنا ورفيقاتنا الذين عايشوا الاحداث وتعرفوا على وقفات العز وعرفوا آلام وفرح النضال أن يكتبوا وأن يدونوا وأن يحفظوا لأجيالنا تلك الصفحات المضيئة فتبقى نبراساً ومشعلاً وزوادة لصراع سيبقى مجلجلاً ما دام قسم من ارضنا قيد الاحتلال، وما دامت الزوبعة لم ترتفع ولم تخفق حيث كل القمم.
ندعو الرفقاء الذين لديهم ما يضيفونه ان يكتبوا الى لجنة تاريخ الحزب.
*
زيارة سعادة الى مدينة جونية
في العام 1937 وبعد خروج سعادة من الاعتقال الثالث الذي تم بعد حادثة بكفيا، دعا مدير مديرية جونية المستقلة الرفيق جورج شقير(1)، سعاده لزيارة المدينة.
إلا ان العناصر المناوئة ما ان عرفت بالخبر حتى راحت تتحرك، اذ لا يجوز برأيها ان يزور زعيم الحزب السوري القومي الاجتماعي معقلاً يجب ان يبقى حكراً للفكر الانعزالي. فتنادت وتدارست الموقف وقررت الوقوف بوجه هذه الزيارة وراحت توجه الإنذار تلو الإنذار مهددة بالويل والثبور وعظائم الأمور أن تجرأ الحزب على القيام بما عزم عليه.
أثار هذا الموقف موقفا مضاداً من جانب القوميين الاجتماعيين في جونية. وأصدقائهم على رأسهم والد المدير. وهو ضابط متقاعد، فتمت الدعوة الى الاجتماع في مكان لم يعرف من الفريق الآخر.
انعقد الاجتماع في منزل على الشاطئ وبعد الانتهاء منه تجول سعادة في جونية وهو يجتاز شوارعها في طريقه الى منزل الرفيق شقير. مربهم، بوسطهم فأعجب بعضهم به والبعض الآخر بجرأته والبعض منهم تبعه الى المنزل المقصود.
كان ذلك اليوم من الايام المشهودة في جونية وكان تجمهر الناس لمشاهدة سعادة يجتاز شوارع المدينة أكبر دعاية له وللحزب الذي يقود.
كانت المديرية المستقلة تعد ما لا يقل عن الأربعين عضواً، من جونية نفسها ومن صربا وحارة صخر وغوسطا.
(1) الرفيق جورج شقير: مناضل من الشويفات وسكان جونية كان له دور مميز اثناء مشاركة الحزب في مأتم
الصحافي ميشال ذكور وسنأتي على ذكره في مناسبة مقبلة.
*
رفيقة مكلفة من مركز الحزب أنقذتنا
من المرويات العديدة التي يزخر بها كتاب الرفيق أنور فهد "أيام في الذاكرة" تلك التي يتحدث فيها عن اعمال الرفقاء والرفيقات في فترة الانتداب الفرنسي التي تميزت في معظمها بالملاحقات والاعتقالات وصدور الأحكام بالسجن كما ببطولة الرفقاء وتصديهم دون وجل او خوف. ومن هذه المرويات نقتطف المقطع التالي:
"بعد حوالي شهرين صرفت من وظيفتي في قلم محكمة صلح حمص، وفي هذه الاثناء وردت الى المنفذية كمية من النشرات الحزبية لتوزيعها وعهد الى منفذية حمص بإيصال الكمية المخصصة لمنفذية حلب. فاختارني المنفذ العام للمهمة على ان اختار من يرافقني من الرفقاء. وكان صديقي إبراهيم عبد المولى قد انتمى الى الحزب بعدما تقدمت له بطلب الانتماء وطلب ثان للصديق حكمت ترجمان.
كنت على علم بأن زوج عمة الرفيق إبراهيم يملك فندقا في ساحة "باب الفرج" في حلب. أبلغت المنفذ العام رغبتي بأن يرافقني الرفيق إبراهيم، وفي اليوم التالي استلمنا تذاكر السفر بواسطة "الأوتومتريس" الآتي من بيروت متجها الى حلب، صعدنا اليه ودخلنا الى ركن كانت تجلس فيه احدى الفتيات. وعند وصولنا الى "محطة حماه" صعد أحد رجال الدرك الفرنسيين المكلف بالتفتيش وبلمحة البصر طلبت منا الفتاة تسليمها ما كان لدينا. ولم يكن من مجال للتفكير، اعطيناها ما لدينا فوضعتهم امامها. ورمت على ركبتيها "حرام صوف" وتناولت من حقيبتها الصغيرة "سنانير" الحياكة وكوكب صوف قاصدة ايهام المفتش انشغالها بالحياكة. ولدى وصوله الينا قام بالتفتيش من دون التعرض للفتاة. وعند وصولنا الى "محطة حلب" أعادت الينا الفتاة الرزم، تعلو شفتيها الابتسامة متوجهة الينا بالتحية وابلغتنا بأنها ستبقى في المحطة لتستقل القطار العائد الى بيروت. وقد بقينا معها الى أن حان موعد تحرك قطار "الأوتومتريس" .
توجهنا الى الفندق وتعرفت على زوج عمة الرفيق إبراهيم عبد المولى وأبناء عمته شكري ورمزي المدني اللذين اصبحا فيما بعد من السوريين القوميين الاجتماعيين، وبعد فترة استراحة قصيرة، اتصلت هاتفيا بناظر إذاعة منفذية حلب الرفيق عمر أبو زلام، الذي حضر على الفور واصطحبنا الى بيت المنفذ الغام الرفيق فؤاد جلبي الذي رحب بقدومنا وتهنئتنا بسلامة الوصول وبنجاح مهمتنا، وكان قد اعد لنا طعام العشاء، بعد ذلك جلس خلف آلة "البيانو" ليعزف لنا النشيد الحزبي "سورية لك السلام..." حيث استمرت سهرتنا الى ما بعد منتصف الليل. وقد طلب منا المبيت عنده إلا اننا اعتذرنا منه اذ من الأفضل لنا النوم في الفندق لأننا نرغب بالعودة بواسطة "الباص" وان الكاراج قريب من الفندق. ثم ودعنا ورافقنا ناظر الإذاعة الى الفندق.
في صباح اليوم التالي توجهنا الى حمص، وفور وصولنا ذهبنا الى بيت المنفذ العام، قدمنا له تقريراً بما قمنا به، وعلمنا منه بأن الفتاة التي ساعدتنا كانت رفيقة لنا ومكلفة بالمهمة من مركز الحزب في بيروت.
ملاحظة: جدير بالذكر أن كتاب "أيام في الذاكرة" سيرة ذاتية للرفيق أنور فهد، صدر عن شركة "ايبلا" في المملكة المتحدة لصاحبها الأمين غسان زكريا، والكتاب 130 صفحة من الحجم الصغير".
*
الرفيق نهاد ملحم حنا(*)
"في 18 كانون الأول 1935 وفي اثناء سوق الرفقاء الموقوفين الى دائرة الاستنطاق (بعد الاعتقالات التي تمت اثر انكشاف أمر الحزب) وقف الرفيق نهاد ملحم حنا نجل المحامي الأستاذ ملحم حنا مع عدد من الرفقاء في رواق "قصر العدل". وما كاد يمر من امامهم الموقوفون حتى حياهم بتحية الحزب الرسمية. أمر بتوقيف الرفيق نهاد حنا وبوشر استجوابه فورا فأفاد انه ينتمي الى الحزب السوري القومي الاجتماعي. أرسل بعدها الى التوقيف ثم أخلي سبيله بكفالة والده.
مرة أخرى في الرابع من كانون الثاني 1936 وبعد أن أنهى المستنطق الفرنسي "تمبال" تحقيقاته، دعا المحقق الزعيم ومعاونيه الاثنين اللذين بقيا موقوفين معه وهما نعمة ثابت وزكي النقاش لإبلاغهم قرار الاتهام "فتجمع عدد غفير من أعضاء الحزب في ساحة دار القضاء وعند خروج الزعيم من غرفة المستنطق هتفوا له وحيوه التحية الحزبية مما تسبب في توقيفهم عدة ساعات ثم اخلي سبيلهم" ..
وفي 7 كانون الثاني كان المستنطق الفرنسي قد دعا اليه الزعيم لأخذ افادته في بعض المسائل. وفيما كان رجال الدرك يهبطون به سلم "قصر العدل" لإقتياده الى السجن. اصطف امامه في الرواق نحو عشرين رفيقاً وهتفوا له بصوت واحد هتافاً عالياً فليحي الزعيم. وكان في ايدي اثنين منهم آلتا تصوير اخذا بها رسمه. وقد حصلت إزاء ذلك ضجة كبيرة في القصر وتراكض الناس على أصوات الهتاف، ومثلهم شرذمة من رجال الدرك فاعتقلوا بعض الشبان لا سيما اللذين كانا يحملان آلتي التصوير. أما الذين تركوا منهم فقد أبوا الا الالتحاق بالجند الى المخفر وطلبوا اليهم ان يوقفوا مع رفقائهم، مقرين بأنهم هم ايضاً قد اشتركوا بالهتاف لزعيمهم فأوقفهم الجند واستجوبوهم، لكن المدعي العام المركزي الأستاذ وجيه الخوري لم ير في عملهم ما يدعو الى الاخلال بالأمن، فأخلى سبيلهم لقاء سند إقامة.
(*) الرفيق نهاد ملحم حنا من المناضلين السوريين القوميين الاجتماعيين وكان له نشاطه المميز في منطقة ساحل المتن الشمالي حيث كان يقطن. تولى مسؤوليات حزبية عديدة وسجن مراراً . توفي ودفن في "سن الفبل" وفي عام 1956 نقل رفاته الى بلدته كفرحزير (الكورة).
|