الشاعر ابراهيم داغر وان لم ينتم الى الحزب، انما هو من اصدقائه، تعرّف الى الامين نواف حردان طالباً، ثم، وبعد سنوات طويلة، واذ عاد الامين نواف الى الوطن وسأل عنه، تلاقيا مجدداً كأحلى ما يكون الاصدقاء الاوفياء.
لذا عندما وافت الامين نواف حردان المنية في اول حزيران 2000، رثاه صديقه الشاعر بقصيدة فيها الكثير من الصدق والوفاء لصداقة عمرها تزيد على الخمسين عاماً.
تلك القصيدة وعشرات غيرها، ضمّها الديوان الذي اصدره مؤخراً الشاعر ابراهيم داغر بعنوان " النفحات الداغرية ".
يقول الشاعر داغر في مقدمة الديوان:
هذا ما تبقى مما نظمت، بعدما أتلفت ما أتلفت، ولم يكن النظم عندي باباً للرزق، كما هو عند البعض، وقلّما كنت أنشر في الصحف والمجلات، لإكتساب الجاه والشهرة، بل كان ذلك مني لقاء لا شيء. إنما كنت أكتب عند مشاهداتي أعمالاً يقرِّح مرآها الجفون، أو استماعي إلى أحداث تشمئزّ منها الضمائر، وكنت أكتب أغلب الاحيان، لأفرج عن نفسي بعض الاحزان، مما علق بها إثر المشاهدات بالعين المجردة، او الاستماع الى وقائع حقيقية، او حقائق واقعية، وما كان يمضي على ما كتبت بعض الوقت، إلا واطرحه في سلة المهملات، غير آبه به، مكتفياً، بما لدي من صمود وانفة ساخراً بما يدور في مجتمع أعايشه، من مكر وخداع، ورئاءٍ وحقد، ونفاقٍ وبغض، وتلهٍ عن الواجبات...... وظللت على هذا المنوال، إلى أن اطلع على ما أكتب أحد المقربين إليّ، فنصحني أن أحتفظ به إلى أن يحين أوان جمعه، ثم طبعه.
ومنذ ذلك الوقت. عملت بنصيحة هذا القريب، وأخذت أدوّن كتاباتي وأجمعها، محتفظاً بها، إلى أن يسمح الوقت لي بإظهارها إلى حيّز الوجود.
الصفحة الاولى من الديوان رسم للشاعر داغر وأبيات هي التالية:
شِعـْري ورَسْمـي كِلا الإثنَـين إنْسانـي فالشِّـعرُ روحـي ورسـمي هيكـلي الثَّانـي
لا الـمَوتُ يقـوى عـلى رُوحـي يُبَدِّدُها كـلاّ ولا الـرَّســمُ مَـرهـونٌ بـأزمـانِ
فـالخُـلدُ عُنـوان إنـسانـي يُـلازمُـه رُغـمَ العَوَادي وَرُغـمَ الحـاسِـدِ الفَـانـي
الديوان بتجليد فاخر، ومن 220 صفحة.
*
الـقلـب الـدامـي (*)
يا شـاطـئَ البحـر خبّر قـمة الـجـبل ما حـلَّ فـي "لُبَدٍ" قـد حـلَّ في زُحَـلِ
بالأمـسِ لـم تـكن الأفـلاكُ خاضـعةً لشـوكـة الـمـوت والاجـرامُ لـم تُنَلِ
فـهل تبدّلـتِ الأحـكـامُ فـانـقلـب العصـيّ سـهلاً بـلا جـهدٍ ولا جـدل؟
أم هـل عـلا جَيشُهُ متـنَ السمـا فأتـى يزهـو فخـوراً بـمخـتارٍ عـلى عـجل؟
قـد اصـطفاكَ لِتُهـدى للـخـلودِ فـيا للخـلدِ فـي خـالدٍ مـن دائـمِ الـجزلِ
ويا لـمن شـهدَ الإشعـاع يسطعُ بـشراً من كئـيبٍ حـزينٍ حـالـكِ الـحلـلِ
لفـقدِ من كـان رشـداً واستنار برشـدِه الـغَـبِـيُّ فـأمســى آمـن الـزّلـلِ
أسـمي وأكبرُ قـدراً كنـتُ مـن زحـل نـوراً يـشعُّ فيـنفي ظـلـمةَ الـجـهلِ
قلـبا تـدفَـقَ إحـسانـاً ومـكـرُمـةً وقــوّة قـوتَ مـن أمسـى بـلا أمـلِ
حَييـتَ للغـيرِ مـعـوانـا بـلا مـلـلٍ تسعـى إلـى الـخـيرِ سبّـاقاً بـلا كللِ
لـولا الـحياةُ لـما كـان الـمماتُ ولولا الـبـدءُ ما كـان للإنسـانِ مـن أجـلِ
بلغـتَ شـأوكَ فأسـرح فـي فضاً رحبٍ فـالأرضُ لـيست لـذي حـولٍ وذي طَوَلِ
خـرجـتَ بالـموت من دنيا المظالمِ والاذى ومــن عـالـمٍ بالـشـرِ مـنـجـبـلِ
إلى مـقام ِ الـهدى والطـهـرِ والـشرفِ الاسـمى ومـجـتـمعِ الابرارِ والـرّسـُلِ
لئـنْ رحـلتَ وغـابَ الـجسمُ عن نـظرٍ يبـقى بَـديلٌ لـه من صـالـح الـعـملِ
سـفـرٌ يظـلُّ بـه التـاريخُ مفـتـخـراً آيــاتُـه بـهـجـةُ الآذانِ والـمـقـلِ
إنّ السّـماء مـقرُّ الرُّوحِ مـذ وجــدت والارضُ للجـسدِ الفـانـي مــدى الازلِ
(*): نظمها بمناسبة مرور أربعين يوماً على وفاة الامين نواف حردان.
*
ولأن الشاعر ابراهيم داغر من قرية "مجدلونا" في اقليم الخروب وهي قرية الامينة ليلى داغر عقيلة الأمين إنعام رعد، فقد نظم الشاعر ابراهيم داغر قصيدة "صفقي زوبعة الحزب حزناً" عند رحيل الأمين إنعام رعد في 08/03/1998.
قـفْ نـحيّـيْ فالـمـحالُ الـبقاءُ راحـــلاً أودتْ بـــه الأرزاءُ
لا تَـلُـمْه إن رأيــتَ جـمـوداً فالمـحيّـا قـد عـلاه الـفـنـاءُ
أو لـمستَ الصـمّت منـه عميـقاً أخْـرسـتْه النّـكـبةُ النـكـبـاءُ
كُل حــيٍّ يسـتـحـيلُ فـنـاءً تـتـلـظـى دونَـه الاحـشـاءُ
لـم أكــن أدري بـأنّ الـرّزايـا تقحُـم النّـجـمَ فيـخبو السـّناءُ
أو قـبـيـلَ الـدّفـن أنّ الـثـريّا كـوكـبٌ مـدفـنُـهُ الـغـبراءُ
لـم يضـاه فعْـلَـهُ الـخيرَ بـدرٌ لا ولا ما ضـمّــت الـجـوزاءُ
وهـي الايامُ مـا فتـئـت تـغـزو الوفـاءَ قـلَّ فـيـهـا الـوفـاءُ
عندهـا المصـلِحُ والمفْسـِدُ الوغـدُ كــتـبـرٍ وتــرابٍ ســواءُ
ولـقد كـان صـبـوحَ المـحـيّا تـأخـذُ الانـوار مـنـه ذكـاءُ
لَسـناً يُـذري النـصـائـح حـتى قـيـل فيـه: هكـذا الحـكـماءُ
لم يـفته الشـّرعُ بل قـام يـجثـو طـالباً مـنه الـمزيـدَ القـضـاءُ
وسـياسـيَّـاً ســوى أنـه لـم يعــترِ الاقـوالَ مـنـه الـتـواءُ
عـاشَ للغـيرِ يـجـودُ بــذاتٍ ولـعـمـري هـو ذاكَ السّـخـاءُ
مَن يعـشق يـلقَ مصـيرَهُ حتـمـا سـنّـةُ البـدءِ هـي الانـتـهـاءُ
قد فَقَـدنا رجـلَ البـرِّ والاحسـَانَ والــخـيـرِ فـهُـدَّ الاخــاءُ
قد فَقَـدنا الحـزمَ والعـزمَ والعـطفَ وأجــدى مـن عـلـتهُ السّـماءُ
قـد فَقَـدنا صـارمـاً فـلَّ أعـداء الـتآخـي فـانـثـنى الاعــداءُ
وثـوى فـي القبـرِ مـن ضـاقـتِ الانـحاءُ عــن رحـبِهِ والارجـاءُ
وغـدا القـبرُ وقـد كـانَ قـفـراً آهـلاً تـرتــادُه الاقــربــاءُ
أنـسـباءٌ قـدمـوا مـن بعـيـدٍ هـالـهم إذ حـلّ فـيـه الـبـلاءُ
صفـقي زوبـعةَ الـحزبِ حـزناً ليـسَ مـن بـعد الـوداعِ لـقاءُ
لـكِ فـي الاقلـيمِ منّـا وفـاءٌ ولنــا فـيـك مـنـى وعـزاءُ
و "لرعـدٍ" من الـهي اصـطـبارٌ دونَـه العـيـش أسـىً وشـقـاءُ
|