في الجزء الثاني من كتابه "حوار مع الذاكرة" نشر الامين غسان عز الدين العرض التالي عن مهرجان اقامه الحزب في بلدة الباروك (الشوف) انما لم يرد في المقال، المصدر المعتمد ولا تاريخ المهرجان.
الزعيم محاطاً ببعض الرفقاء
والأمين الراحل منصور عازار الذي كنا راجعناه، يذكر موضوع المهرجان انما لم يعد يذكر تاريخه. لذا، نأمل من أي رفيق يملك ما يوضحه عن المهرجان المذكور أو يضيف الى ما سنورده عنه أن يكتب لنا او ان يكتب عن المهرجان.
*
" كان يوم الاحد، يوم سعادة في الباروك. فقد دعا القوميون الاجتماعيون من المغتربين في الشاطئ الذهبي (غانا اليوم) الزائروا الوطن، عددا من أمناء الحركة القومية الاجتماعية وعدداً كبيراً من الرفقاء والاصدقاء من سائر انحاء الجمهورية اللبنانية بينهم النائب نعيم مغبغب الى حفلة غداء على نبع الباروك .
وما كاد الطعام ينتهي حتى تحولت الموائد الى مهرجان خطابي افتتحه الأمين عبدالله قبرصي بخطاب هام استعرض فيه مراحل جهاد الحركة وحلل موقفها من العهد الجديد وموقف العهد منها.
وتلاه الرفيق منصور عازار (الامين لاحقاً) باسم قوميي الشاطئ الذهبي فألقى خطاباً مرتجلاً وقد كان هذا الخطاب دليلاً آخر على الروحية العالية التي تشمل القوميين الاجتماعيين في الشاطئ الذهبي، ومما قاله: ان لنا امنية، هي أن نعود الى هذه الأرض الحبيبة، فيمتزج دمنا بترابها دفاعاً عن حقها بالحياة والنهوض.
وجاء دور الرفيق انعام رعد (الامين، رئيس الحزب)، فأرتجل خطاباً قال فيه: " نحن لا نعارض اشخاصاً بل نعارض نظاماً عتيقاً بالياً لنقيم مكانه نظامنا الجديد. نحن نطالب بالمطلب الشعبي الكبير وهو وصل دورة الحياة الواحدة بين العراق والشام والاردن ولبنان والوحدة الاقتصادية العامة بين لبنان والشام. نحن نطالب بفصل الدين عن الدولة.
ثم قال:" ان لبنان اليوم على المفترق بين أن يصبح مرفأً حراً او"دبو Depot" للواردات الأجنبية وخزانات لتصدير الشباب الى المهجر، مصيره الافلاس والانهيار المسؤولة عنه العقلية الطائفية الانكماشية والمنافع الاقطاعية الخصوصية، وبين أن يعمل متوافقاً والواقع الطبيعي الاجتماعي، واقع الامة الواحدة في كياناتها السياسية المتعددة، لدرء الخطر الصهيوني الفاتك والنهوض بحالة الشعب كله، واننا نمثل وجه لبنان الصحيح، المتوافق وواقع الامة الطبيعي، ولكن في هذه المرحلة الخطيرة التي تمثل للبنان طريق خلاصه وانقاذه يجتمع هنا حول هذه المآدب، كما كنا نجتمع في العهد الماضي حول مآدب كهذه وفي اجتماعات أعنف من هذه شاقين صراعنا طريقنا لعملنا الحر. وفي العهد الماضي والعهد الحاضر صُرّح لنا مرة واحدة بالظهور بشكل حزبي منظم، ذلك كان في دير القمر في أعنف حشد شعبي ضد سلطات العهد البائد، يومها تحدينا طغيان العهد وكنا عمود المعارضة الفقري .
يومها صرح لنا صراعنا فقط بمثل هذا البروز العلني. فأين العهد الجديد من عهوده وهو الذي كان حاصل ثورتنا على طغيان العهد الماضي؟
ثم ألقى الرفيق أسد الأشقر (الأمين، رئيس الحزب) خطاباً ضمّنه بعض العبر التاريخية منتهياً الى القول أن سعاده العظيم جاء منقذاً لهذه الامة يوم صاح في وجه التاريخ: تحيا سورية وعمل لحياتها.
وهنا وقف الامين عبدالله قبرصي وقال: " في باحة سراي بعبدا قال لي النائب نعيم مغبغب قبل المعركة الانتخابية: سأدافع عنكم في المجلس وكأني قومي اجتماعي. اني استميحه عذراً اذا أعلنت هذا الحديث. وارجو منه أن يقول لنا كلمة تعزز العهد المقطوع وتؤيده.
فوقف النائب مغبغب الذي كان حاضراً وقال: يوم كنت في المعتقلات ايام الانتداب لم أجد الى جانبي من الحزبيين الا مواطنين من حزب واحد هو الحزب القومي الاجتماعي. ويوم كنت أقوم بقسطي في معركة الاستقلال ببشامون لم أجد الى جانبي من الحزبيين الذين يحملون السلاح من اجل الاستقلال الا مواطنين من حزب واحد هو الحزب القومي الاجتماعي.
في سنة 1944 يوم أُهين علم البلاد، كان الى جانبي في معركة كرامة العلم قوميون اجتماعيون. وفي دير القمر قبيل الانقلاب كان القوميون الاجتماعيون في الطليعة. لذلك فانه يشرّفني ان يقول عني الامين قبرصي "كأنه قومي اجتماعي".
وقد أشاد بالنهضة ومبادئها ومواقفها وقطع على نفسه عهداً علنياً بان يبقى مدافعاً عن قضاياها وعاملاً على تأييد مواقفها.
وهنا كان لا بد لنائب القوميين الاجتماعيين الاستاذ غسان تويني، نائب رئيس مجلس النواب، الاّ ان يقول كلمته، فما ان وصل الى قضية الرخصة الحزبية حتى قال ما معناه: " اننا نستمد رخصتنا من الشعب وقد اعطانا الشعب الرخصة فأصبح اعطاؤنا رخصة رسمية شرفاً للحكومة التي تعطيها".
وبعد ان تكلم عن العهد وسياستنا ازاء العهد، شكر الاستاذ مغبغب على تأييده وشعوره وحضوره بيننا.
*
... وعـيــــن زحـلـتــــــا
وفي بلدة عين زحلتا، أقيم احتفال حاشد حضره زعيم الحزب
عنه تقول مجموعة "النشرة الرسمية" عن شهر شباط عام 1949:
" كانت عين زحلتا الهدف الذي صبّ عليه المتقولون جام ظنونهم وتقولاتهم أثناء الحملة التطهيرية التي قام بها حضرة الزعيم فور عودته الى الوطن(1). ولكن الروحية القومية الاجتماعية تغلبت في النهاية على كل شيء. فقوميو عين زحلتا الاجتماعيون ما انفكوا محافظين على عهد الحياة الذي اقسموا بحقيقتهم ومعتقدهم ان يعملوا من اجله لتحقيق امر قال عنه سعاده انه يساوي وجودنا جميعاً.
الامينان انعام رعد ولبيب ناصيف
" وهذه الروحية النضالية المخلصة تجلّت في قوميي عين زحلتا في 30 سبتمبر (ايلول) حيث دعا المفوض الاداري للمديرية حضرة الزعيم لزيارة عين زحلتا التي يتوق أعضاء مديريتها للتعرف الى قائد الامة الجبار. كان في لقاء الزعيم في مدخل البلدة الرفقاء اعضاء مديرية عين زحلتا وجريدة من جرائد مديرية بعقلين يتقدمها حضرة منفذ عام الشوف الامين حسن الطويل، فمدير مديرية بعقلين الرفيق توفيق ابو شقرا، والمفوض الاداري لمديرية عين زحلتا الرفيق انعام رعد، وكان علم الزوبعة الحمراء يخفق في مقدمة الصفوف. وما اقتربت الساعة من الثانية من بعد ظهر ذلك اليوم حتى وصل الزعيم يرافقه الرفيق يوسف الدبس(2) منفذ عام البقاع الاوسط فدوّت الهتافات بحياة سعاده وحياة سورية وترجل القائد يستعرض جنوده بابتسامته الرصينة ونظرته المصممة الهادئة التي تنفذ الى اعماق القلوب. ثم عاد الزعيم الى سيارته تتقدمها جريدة بعقلين وتتبعها مديرية عين زحلتا وسار الموكب مخترقا البلدة وسط الحداء والزغاريد.
" وفي المساء أقامت المديرية، احتفالاً بزيارة حضرة الزعيم لها، اجتماعاً اذاعياً دعت اليه نخبة من وجوه عين زحلتا، والجدير بالذكر ان بعض الوجوه ممن وقفوا في الماضي موقفاً سلبياً من فرع الحزب هناك لم يُدعوا الى ذلك ولكنهم اتوا تدفعهم رغبة التشرف بالاستماع الى كلمة الزعيم، فكان الاجتماع موفقاً تمام التوفيق وافتتحه الرفيق انعام رعد بكلمة بيّن فيها ان الحزب القومي الاجتماعي ليس حزباً بالمعنى الذي نفهم فيه الاحزاب والتشكيلات الموجودة في الوطن السوري، لان الحزب القومي الاجتماعي لا يحصر عقيدته في جدار من القوميين الاجتماعيين بل ينطلق الى كل فرد، زوبعة من نار ونور".
" ثم تلاه الرفيق سليمان ابو صعب(3) فرحب بحضرة الزعيم باسم مديرية عين زحلتا بكلمة مليئة بالاخلاص والايمان، هاتين الميزتين اللتين اشتهر بهما الرفيق ابو صعب في مختلف ادوار الجهاد الحزبي، وعقبه الرفيق سليم حامد بأبيات من الزجل كل ما فيها ينبض بالعقيدة القومية الاجتماعية منها ما يلي :
ومهما علينا تزيد صدمات الخطر
منضل في مبدا سعاده مجاهدين
لا تصوروا بالفكر صدمات القدر
وسيروا وضلوا للمعالي طالبين
وصيحوا عالليل تا يوعا السحر
بلكي بهالظلمه بيفيقوا النايمين
واُختتم الاجتماع بكلمة من كلمات الزعيم فنّد فيها قضية الحزب القومي الاجتماعي تفنيداً جعل الحضور ومعظمهم من الجيل القديم، يصفقون كالشباب الزاخر بالعزم .
*
في مذكراته "الكلمات الاخيرة" يتحدث الامين انعام رعد عن الاحتفال الذي أقيم في عين زحلتا، فيروي في الصفحة 35:
" اعود الى مرحلة الـ1948-1949 لأذكر هنا الاحتفال الذي أقمناه في عين زحلتا، ودعونا إليه الزعيم وكان مسروراً جداً من دعوتنا، لان "عين زحلتا" كان يمكن ان تكون قبل سنة رمزاً لاعتكاف بعض الاعضاء، وها هي الآن تستقبل الزعيم وهي متعافية حزبياً.
الامين يوسف الدبس
" اقمنا الاحتفال في باحة الكنيسة المارونية، وجاء المواطنون من كل الفئات يستقبلون الزعيم. والقى خطابه المدون في مجموعة "الانعزالية أفلست" تحت عنوان "خطاب عين زحلتا". وهذا الخطاب هو من أهم الخطب في شرح موضوع الانعزال، وفي شرح القضية السورية القومية ازاء الافكار والاتجاهات الاخرى.
بعدها زارنا الزعيم في البيت وتعرّف الى أبي وهنأه على جمال موقع بيتنا، وكانت سهرة عائلية مريحة بعد ان اجتمع بالمديرية والرفقاء، وكان قد حضر منفذ عام الشوف حسن الطويل مع رفقاء بعقلين، وعقد الزعيم اجتماعاً للرفقاء وقال لهم: "بهذه المجموعات الصغيرة سنحقق جيش الامة الذي يحقق النصر".
في المساء، وقد كنا حجزنا للزعيم جناحاً في فندق "فكتوريا"(4) جرت مضايقات من قبل جماعة السلطان سليم، تصدى لها الحرس القومي، وأحطنا الزعيم بحراسة مشددة بحيث لم يشعر بأي ازعاج او انزعاج. وقد حاول احد صاحبي الفندق ان يسحب الحجز فتم احتجازه من قبلنا حتى الصباح، وبمعرفة شقيقه الاكبر الذي كان رجلاً عاقلاً ومتفهماً، ومرت الامور على خير.
في اليوم التالي، جال الزعيم في البلدة ثم غادرنا، وكان يصحبه الرفيق يوسف الدبس الذي تعرفت إليه آنذاك، وكان يتولى مسؤولية منفذ عام البقاع الاوسط" .
*
خطاب زعيم الحزب
ايها الرفقاء السوريون القوميون الاجتماعيون،
بفضل جهادكم وبفضل ايمانكم المتين وبفضل صبركم على الشدائد وصبركم على الأذية، تتلقونها من إخوان لكم من ابناء شعبكم ووطنكم الذين، - لأنكم تحاولون إنقاذهم من عادات وأمراض تملكت بهم، - اصبحوا يلطمونكم. لأن العادة فيهم اصبحت اقوى من حب الشفاء.
بفضل هذا الصبر وهذا الجهاد الذين تألم كثيرون منكم فيه وفقد كثير منكم من شؤونه ومصالحه شيئاً كثيراً، من وسائل حياته المادية، بفضل هذا الجهاد نقف اليوم تحت سماء الوطن احراراً نتكلم بحريّة مخاطبين ابناء قومنا الذين لطمونا والذين لم يلطمونا لنصارحهم بما يؤول لخيرهم وعلائهم ومجد أمتهم.
ايها الاصدقاء المجتمعون،
سمعت من بعض الرفقاء شيئاً يتناول نواحي اساسية من التفكير الإنشائي في هذه الحركة السورية القومية الاجتماعية وإنني أثبت ما قاله الرفقاء لأنه يعبّر تعبيراً صادقاً عن هذه النهضة واهدافها الصريحة.
نحن حزب أسيء فهمنا في الماضي، وما يزال يساء فهمنا اليوم لأن أفكارنا وأعمالنا تُقلب الى الناس مشوهة. ولم يُقبل الناس على دراسة حقيقة قضيتنا التي نعمل لها. وبالنظر لهذا النقص في الدرس، ستظل حقيقة قضيتنا ملتبسة حتى على الذين يعنيهم الامر.
نسمع من بعض الجهات بعض اقتراحات منها: " لماذا لم تسمّوا الحزب السوري القومي الاجتماعي، الحزب اللبناني القومي الاجتماعي". ونسمع من جهة اخرى عبارة استفهامية: "لماذا لم تسمّوا الحزب، الحزب العربي القومي الاجتماعي؟ ". الأولون يقولون: " لو انكم سميتم الحزب، الحزب اللبناني القومي الاجتماعي، لرأيتم اللبنانيين بأجمعهم يسيرون في هذا الحزب" ومثل هذا القول يقول الذين يطلبون تسمية حزبنا بالحزب العربي قائلين: " لو فعلتم هكذا لانضم إليكم العرب في كل العالم العربي".
مع هذا اذا نظرنا وتأملنا الاحوال في هذا الوطن وجدنا انه توجد احزاب تقول إنها لبنانية وإصلاحية، وقد اقتبست مبادئها عنا. ومع ذلك لا نرى اللبنانيين بأجمعهم منضمين الى هذه الأحزاب. كذلك توجد احزاب تقول انها عربية، ولم ينضم إليها ابناء العالم العربي كله. فما هو السر؟ هل السر في سواد "عيون" الزعيم؟
نحن نعتقد ان السر ليس في هذا، بل إن المسألة أعمق من ذلك بكثير. نرى الاحزاب التي تقول بلبنانيتها لا تتجاوز "العناصر المسيحية". والتي تقول بالعروبة لا تتجاوز "العناصر" المحمدية. فالتياران اللبناني والعربي لا يمثلان سوى فكرة تجسيد الحزبيات الدينية. فالعامل في الاساس هو عامل ديني محض.
لم يوجد في التاريخ شيء اسمه الأمة اللبنانية او الدولة اللبنانية، ان هذا شيء مستحدث بعد حرب 1918. وهذا الاستحداث له اسبابه التي عمل لها الاجنبي ليبقي البلاد ممزقة مجزأة على نفسها. ذلك يرجع الى الشعور الديني حين كانت الدولة دينية.
إذا اندفعنا في هذين التيارين واستمررنا في اندفاعنا خارج الحزب السوري القومي الاجتماعي فما هي النتيجة الحاصلة؟ النتيجة تكون استمرار انقسامنا كأمة، واستمرار عداوتنا بعضنا للبعض الآخر ضمن حدود بلادنا وخارجها.
نحن نقول بمبدأ جوهري، مبدأ الصراحة ومعالجة المرض في أساسه. نحن لا نظن ان طلاء القصدير بالفضة والنحاس بالذهب يعطينا فضة او ذهباً، بل سيبقى القصدير قصديراً والفضة فضة.
الأمة والدولة لا تعرفان في الدولة إلا اعضاء متساوين في الحقوق والواجبات. فإذا كان الشرع دينياً يصبح لكل جماعة دينية شرعها.
أثناء مناقشة مع اثنين ارادا ان ينضما الى الحزب السوري القومي الاجتماعي، قلت، بعد ان سألاني: " هل سيكون الشرع في الدولة السورية القومية الاجتماعية مدنياً " قلت: القرآن الكريم يقول ان السارق تقطع يده فهل يجري العالم المحمدي على هذه القاعدة اليوم؟ أجابا "لا". قلت: القرآن ينهي عن شرب الخمرة، فكم هو عدد المحمديين الذين امتنعوا عن ذلك؟ فإذا كان يجوز لكما ان تكسرا الشرع في هذه النواحي الا تتساهلون في نواح يعطي التساهل فيها خيراً لأمة بأسرها؟ بل لماذا نرى التعصب ضد الذين يقولون بدولة منفصلة عن الوحدة ما دام اساس الأمرين دينياً؟
أما حزبنا فقوة آخذة بجمع السوري كله على اساس جغرافي وشعبي. فهو يمثل مجموع الشعب، بصرف النظر عن الاعتبارات الدينية. ولو بني على غير اساس القومية السورية لمثّل المبدأ الذي تقول به كل من الجماعتين الدينيتين .
هل ينتج من ذلك ان نقبل ما يقوله بعض اصحاب الغايات السياسية والمنافع الإقتصادية ان الحزب السوري القومي الاجتماعي عدو لبنان وعدو اللبنانيين؟! إن هذا الحزب، وأعضاءه في لبنان لا يمكن ان يوجد بين اللبنانيين من هو اخلص منه ومن رجاله، في العمل لخير لبنان وخير الأمة السورية كلها.
ليس في القول بالحزب السوري القومي الاجتماعي عداوة للبنان وللبنانيين، بل ذلك تفريق بين المسألة السياسية وبين القضية القومية الاجتماعية.
الكيان اللبناني كيان اقتضته ضرورة قيام الدولة على اساس الدين. إنه حل سياسي لمشكلة اجتماعية. لكنه حل لا يخلق جنساً جديداً. فمار مارون نفسه كان من الداخل، ولغة الموارنة في لبنان هي اللغة السريانية، لغة السوريين قبل الفتح العربي.
والموارنة في لبنان هم آراميون. فاللسان السرياني هو نفسه اللسان الآرامي ولم يكونوا شعباً خاصاً بلبنان بل انتشروا في مجمل البلاد السورية. وبعض هؤلاء صاروا محمديين وخالفوا إخوتهم في الدين. فمن الوجهة الجنسية لا يمكننا ان نخلق شيئاً اسمه الأمة اللبنانية كحل نهائي لهذه المشكلة السياسية.
لماذا لم تنجح الاحزاب التي تنادي "بالقومية اللبنانية" في ضم كل اللبنانيين اذا كانت الفكرة اللبنانية فكرة قومية لا طائفية. لماذا لم تنجح الكتائب والغساسنة او الطلائع او النجادة مثلاً في ان تزيد عن الطائفة التي هي لها؟
لماذا ؟ لانها كلها تقوم على مبدأ حزبية دينية مموه من الخارج بطلاء الوطنية، ولا تخدع هذه الا نفسها.
أن الحزب السوري القومي الاجتماعي هو الحزب الاوحد الذي أعطى أحسن النتائج في قيادة اللبنانيين الى الوحدة القومية. هو الحزب الذي لا يوجد حزب قدر ان يفعل ما فعل لتوحيد اللبنانيين من جميع الملل والنحل.
إنّ اختلاف الآراء حول المصلحة الاخيرة والخير العام لا يمكن ان يسمى من قبل جهلة اعداء للبلاد يكونون هم انفسهم أعظم الخونة لها ولهذا الشأن.
ماذا نقصد من الاسماء؟ الاسماء بذاتها ليست خيراً، بل الخير الذي نقصد هو في ما تعني الاسماء. نحن لا نقصد الخير لمجرّد الخير ولا نرى الخير في إسم سورية مجرّداً . اننا لا نطلب الله لمجرّد اسم الله بل لأنه رمز للخير. وحين يبطل ان يكون كذلك تبطل محبته من قلوب الناس.
الاسماء في ذاتها ليست ما نطلب، بل نطلب الخير الذي يكون من ورائها. فالذين يقولون باسم لبنان يريدون ان يثبتوا الحاضر على ما كان الماضي القريب ولا يحدثون شيئاً جديداً ولو اقتبسوا عنا مبادىء جديدة.
ان الذي يدخل حزباً لبنانياً ينتقل من طائفة الى جو طائفي مماثل. وهو مثل الذي ابتدأ من نقطة وعاد إليها. كل حزب يتأسس ضمن مصلحة فئة معيّنة من الناس لا يمكن ان يخرج عن تلك الفئة. إن المصلحة في الوطن هي للعموم وكل قضية صحيحة يجب ان تكون للوطن بأجمعه وللأمة كلها.
إن المبدأ الأساسي الذي هو أن الأمة السورية مجتمع واحد والمبدأ الإصلاحي القائل بفصل الدين عن الدولة يربطان الفرد بمجتمعه وشرائعه ومصيره. بفصل الدين عن الدولة نجد القاعدة التي تجعل الانسان حراً في معتقده الديني لكنه يخضع للشرائع التي انتجتها عقول انسانية، وهبها الله لا ليعطلها بل لتخدم المجتمع الانساني.
الحزب السوري القومي الاجتماعي لا يقول بقاعدة الدولة الدينية بل يأخذ المسطح الجغرافي وحقيقة التركيب الدموي والنفسي، بصرف النظر عن المذهب والأديان فيوفق بذلك بين قوله بقومية سورية، بأمة سورية وبين قوله بوجود بعض الأسباب التي اوجدت الكيان اللبناني المنعزل. والحزب يعمل على إزالة هذه الاسباب .
إن حقيقة الأمم ليست رغائب عند بعض الناس بل هي قواعد صحيحة عليهم ان يكشفوها.
إن بعض المتهوسين الخياليين يقولون عند حدوث المشاكل الاقتصادية بين لبنان والشام: "سوف نطحن صخور لبنان ونستغني عن الداخل". هذا الكلام يسمى "فشة خلق" لأنه يصعب ان نرى صخور لبنان الجميلة تتحول الى طحين فذلك يتطلب تحويل معدنا الى باطون مسلح تهضم تلك الصخور.
نحن إذن قد أعلنا للخائفين اننا جاهرنا باحترام الكيان اللبناني لأنه كيان سياسي مقبول للأسباب الموجبة. فالكيان اللبناني هو حصن يساعدنا على تطوير الأفكار نحو اتجاه الحياة الجديدة، لا سجن للبنانيين ينزوون فيه. يجب ان يكون نقطة انطلاق لهذه النهضة لا مقبرة للبنانيين. هذه هي الحلول الصحيحة التي يقدمها الحزب السوري القومي الاجتماعي للبنانيين ولجميع السوريين في سورية الطبيعية كلها.
إنكم تسمعون اخبار التسلح من جهة الكتائب والنجادة للدفاع عن طوائفهم. ولدينا تقارير عن هذه الاعمال التي تجعل ابناء لبنان واقفين ليثب كل فريق منهم على على الآخر. في الحزب السوري القومي الاجتماعي فقط نجد وحدة الشعب ولا يمكن ان ينشأ فيه مشكلة من هذا النوع، من اجل مركز في السماء، لم ينتدب الله احداً على الارض ليقوم بالحشر والحساب نيابة عنه. في الحزب السوري القومي الاجتماعي فقط يدخل اي مواطن من أية طائفة كانت، الى قومية جامعة فلا يبقى فيه الماروني مارونياً ولا السني سنياً بل يجد كل نفسه للأمة. هذا شيء لم يستطع حزب آخر ان يقوم به. هذه هي حلولنا.
ونحن لا نقدر ان نساير الذين يطلبون منا أن نجابه المشاكل بالطرق المعوجة التي يفكرون بها.
نحن نقول لهم اننا نصرّ على اعوجاج تفكيركم ونناقشكم ونحترم رأيكم ونريد ان نريكم هذه الطريق الجديدة. ونعترف بعجزنا عن تسوية حال الوطن بالطرق المعوجة التي يريدوننا ان نسير عليها.
إن كان هناك من هم اكثر مقدرة لتحقيق الأمر فنحن لا نعترضهم. إن تاريخ الحزب السوري القومي الاجتماعي يدل على اننا لم نعترض حزباً آخر رأى ان يحقق خيراً او يجمع شملاً للأمة. فقد ناصرنا حتى الذين حاربونا في جميع المواقف التي اقتضتها المصلحة القومية. ولكننا لم نجد احداً من الذين ادعوا انهم على حق، واتهمونا اننا على ضلال، يحقق عشر معشار ما حققنا، لا الذين في الحكم ولا الذين في المعارضة.
هذه هي حقيقة الحزب السوري القومي الاجتماعي. حزب يحترم مخاوف الناس ويحترم مطامحهم وابعادها، ولكنه لا يترك الناس في خوفهم وفي مطامحهم المتهورة. بل يمسك المتطوحين والخائفين ويجمعهم في حقيقة أمة يجب ان تكون قوية وعظيمة، أمة خرجت من سجن المخاوف الى الحقيقة غير متهورة وغير متطوحة.
إنني اكرر ما قلته: لا يخشينّ أحد من اللبنانيين قولنا تحيا سورية في لبنان. لأننا نشعر انّ لبنان هو في ذرى سورية، وفيه انبثق مبدأ الحياة للبنانيين ولجميع السوريين. ليحي لبنان الذي قال فيه الريحاني، واذكر ما قلنا في اجتماع كفرعقاب حين تذكرنا زيارة قمنا بها لأمين الريحاني قبيل موته فقال: "ثلاثة لا تزول في لبنان: عذوبة مناظره، عبقرية أبنائه والحزب السوري القومي في لبنان". اقول إن اللبنانيين كثيراً ما نسوا ما علّمهم لبنانيون خلصاء مثل امين الريحاني وانتبهوا الى ما علّمهم إياه الفرنسيون.
هوامش
(1) طرد نعمة ثابت وآخرين. المعروف ان نعمة ثابت من ابناء بلدة عين زحلتا.
(2) الامين لاحقاً. مؤسس العمل الحزبي في البقاع الاوسط. من المفيد الاطلاع على مذكراته تحت عنوان "في مواكب النهضة" وعلى ما نشرناه عن "بدايات العمل الحزبي في البقاع الاوسط" ودور الامين يوسف الدبس في هذا الصدد. للاطلاع الدخول الى موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية www.ssnp.info
(3) نشكر الرفيق حليم ابو صعب (عين زحلتا) الذي زوّدنا بالمعلومات التالية عن الرفيقين سليمان ابو صعب وسليم حامد.
أ. سليمان ابو صعب: انتمى الى الحزب مطلع الاربعينات من القرن الماضي. عرف بحماسه الزائد ونشاطه المكثف واسهم في اقناع عدد من المواطنين بعقيدة الحزب منهم الرفيق الراحل امين داوود الحداد. ساهم بإحباط محاولة نعمة ثابت تحريض القوميين الاجتماعيين على حضرة الزعيم وافساد افكارهم عبر ابلاغه الامين انعام رعد بخطورة الامر، والذي بدوره ابلغ حضرة الزعيم .
كان له دور فعال في تنظيم العمل الاداري، كما في تحضير وتنظيم وانجاح حضور حضرة الزعيم الى عين زحلتا والقائه خطابه الشهيد. انقطع عن الممارسة النظامية بعد المحاولة الانقلابية عام 1962. توفي عام 2010.
ب. سليم حامد: انتمى الى الحزب اواخر الثلاثينات. كان على سوية عالية من المناقب، والاخلاق الطيبة. شاعر ملهم، عميق الايمان، خفيف الظل، شيّق التعبير، مالىء المنابر، قلّما حصلت مناسبة حزبية او اجتماعية، فرح او وفاة، مهرجان او احتفال الاّ وتقدّم الجموع بشعره الحماسي المتألق والراقي. هو شاعر نهضوي بامتياز. سجن اثر المحاولة الانقلابية وعلى اثر خروجه من الحبس انشد ما يلي:
ما راح ننسى كَيْلتنا وراحة الحلقوم
والكعكة عالترويقة بتطلع بلكوم
(4) كان في سنوات الحرب اللبنانية تحت تصرف الحزب، للعمل العسكري ولمخيمات الاشبال. يصح ان يكتب عنه.
|