منذ نيّف وخمس سنوات رحت ابحث عن "فالس" صاحب المسرحية الشعرية "إباء" الصادرة في كتاب أول آذار1956، فالكتاب في حوزتي منذ مدة غير قصيرة، انما لا شيء فيه يشير الى مؤلفه، سوى ما ورد في ختام المشهد الخامس والأخير على ان المسرحية وضعت في بطرام في نيسان 1955 .
وتوصلت بعد جهد الى معرفة أن صاحب "إباء" هو الرفيق الشاعر نعيم خوري الذي غادر الى استراليا واقام فيها حتى وفاته.
الرفيق وهيب سالم الذي كان تولى مسؤولية تاريخ الحزب في بطرام، زوّدنا بالمعلومات التالية بتاريخ 20/12/2009:
الإسم الثلاثي نعيم الياس خوري
إسم الأم سليمه مالك
مواليد بطرام عام 1931
اقترن من السيدة فكتوريا ديب. لم يرزقا اولاداً، فتبنيا مولوداً ذكراً بتاريخ 30/3 /1973 يدعى ماثيو كريستيان.
• كان يجيد اللغتين الفرنسية والإنكليزية، انما برع في اللغة العربية أدباً وشعراً.
• مارس مهنة التدريس في مدارس خاصة كما في مدارس وزارة التربية.
• كان حضوره مميزاً ثقافياً واجتماعياً.
• انتمى الى الحزب في بطرام عام 1948 متوليا مسؤولية ناموس منفذية الكورة في الفترة 1954-1955، ومذيعا لمديرية بطرام لعدة سنوات.
صدرت له المؤلفات التالية:
1ـ أمتي (سياسة) 1950
2ـ البطولة المؤمنة 1952
3ـ الصهيونية خميرة العنصرية (سياسة) 1953
4ـ بحيرة الياسمين 1955
5ـ إباء (مسرحية غنائية) 1956
6ـ ملح في جراحي (رواية) 1960
7ـ قال صنين 1986
8ـ بحيرة الضوء (1) 1990
9ـ فكتوريا نعيم خوري 1992
10ـ صمت على شاطىء العاصفة (سياسة) 1993
11ـ سفر الوجع الحزين 1993
12ـ وكيف يزعل القمر 1995
13ـ بحيرة الضوء (2) 1995
14ـ الفكر الوطني في مواجهة المشكلة الطائفية (سياسة) 1996
15ـ صوت من الضفة الأخرى 1996
16ـ من كل أفق نجمة seeds of harvest 1997
17. ترجمة الدكتور اميل الشدياق 1997
18. شاطىء النار 1998
19ـ هناك كان وطني 1998
• فارق الحياة في سدني عام 2001 بعد عناء مع الداء العضال.
قبل ذلك كان الامين جان سالم(1) افادنا بتقرير له بتاريخ 25/03/2007 بالمعلومات التالية جواباً على رسالة منا نستفسر عن "فالس" صاحب المسرحية الشعرية "إباء": "الشاعر هو الرفيق المرحوم نعيم الياس الخوري مدير مديرية بطرام آنذاك، عضو اللجنة الثقافية في الحزب عام 1957، مندوب مركزي عام 1960 الى استراليا خلال إقامته لفترة لم تتجاوز الستة اشهر.
والرفيق نعيم كان مدرّس اللغة العربية في مدرسة بطرام الرسمية. سجن عام 1962 (بعد الثورة الانقلابية الفاشلة) وطرد من الوظيفة. هاجر الى استراليا وانا تخرجت من مدرسة بطرام عندما كان يدرّس فيها عام 1953.
والرفيق نعيم له كتاب باسم "امتي"، ومقدمة الكتاب كتبها الرفيق جورج عبد الله من بلدة فيع، الكورة، مؤسس مدرسة عابا(2) ومنفذ عام الكورة سابقاً.
بدورها تضيف الرفيقة ميرنا الخوري بتاريخ 27/10/2010 المعلومات التالية عن عم والدها الرفبق الشاعر نعيم خوري:
• والده: الكاهن الياس الخوري الحصني
• أشقاؤه: موريس، وهيب، نجيب، الفرد وجورج .
• شقيقتاه: جورجيت ولطيفة
• تلقى تعليمه الإبتدائي والثانوي في مدرسة عابا العلمانية
• مارس مهنة التعليم في الفترة 1946- 1948 في كل من بطرام، وبزبينا - عكار، ثم التحق بوزارة التربية الوطنية حتى عام 1962 فشغل عدة وظائف في التعليم والتفتيش ودائرة الإمتحانات الرسمية .
• أحيل الى المجلس التأديبي مع رفيقه ميشال علاغا(3) في العام 1958 بسبب إنتمائه الحزبي.
• كان ينشر قصائده ومقالاته في عدة صحف، كـ النهار، ولسان الحال، وصدى لبنان والجريدة في بيروت، وفي صحف النهار، والتلغراف، والبيرق، والعالم العربي وغيرها في استراليا .
• كتابه الأول "أمتي" نشره وهو لم يزل على مقاعد الدراسة في مدرسة عابا. ولأن الحزب كان محظوراً في تلك الفترة سحبت النسخ من المكتبات.
*
في ديوانه سفر الوجع الحزين نشر الرفيق الشاعر نعيم خوري كلمة لكل من سفير لبنان في كانبيرا- استراليا الدكتور لطيف ابو الحسن، واخرى للدكتور اسكندر لوقا، نقلاً عن عدد جريدة "تشرين" الدمشقية الصادر
تاريخ 7/8/ 1988 .
من كلمة سفير لبنان في كانبيرا الدكتور لطيف أبو الحسن
غربته لم تطفىء فيه جذوة الحنين والأمل بالعودة، ففي كل صباح اتخيّله يرنو بنظره نحو الشرق يفتش عن بشارة انحسار المحنة ليعود في المساء يراقب مغيب الشمس ويناجيها قائلا:
وقلت للشمس: غيبي في خواطرنا
فعتمة القلب لا يحلو لها السمر
قد اغرقت في ظلام القهر طلتنا
واغرورق الحلم والتاريخ والقدر
اسطورة فاوست، عذاب دائم وامل دائم، ونوازع تحلق به عبر مضارب اليأس لتشحن نفسه بامل وعنفوان قل نظيره. فتراه في تطوافه يعترف:
لـو مـلكـونـي نعيما دائما ابــدا
في غير لبنان لم يروق لي الامل
شعر نعيم خوري مزيج من ثورة على اللامعقول وما يرافقها من رفض لكل ما يتنافى مع جمهوريته الفاضلة ومن شفافية ولطافة تنساب بعفوية تخيل اليك بانه في نهجه هذا يحاول ان يهرب من نفسه الى نفسه ليستكين في أحضان الغربة لكنه لا يسمح بانهيار الاماني وذبول المحبة والتعلق بالوطن. فهو وان رحل الى البعيد يحتضن في داخله طهارة وطنه وجنانه وجذوة العواطف المضناة:
هذي بلادي منـارات مشعشعة
لا تسألوها فإني فيهـا أشتعل.
نعيم خوري شـاعر من بلادي هـاجر الى واحـات الحلم الأخضر ولا يـزال يحتضن في حنـايـاه صورة، ولا أجـمل، للوطـن الخالـد.
كلمــة الدكتـور اسكنــدر لـوقــا
عدد غير ضئيل من الذين يختارون الاغتراب محطة لهم في الحياة، مؤقتة ام دائمة، تتمحور الشهرة حول أسمائهم. ولعلنا لا نقفز فوق هذه الحقيقة اذا نحن ابتعدنا، ولو قليلا والى فترة قصيرة، عن الأسماء التي صارت كأحجار الزاوية في البناء الذي يشاد ليحيا كل الأزمنة، سواء في ذاكرة ابناء هذا الجيل والأجيال الآتية، او في افئدتهم.
وعندئذ، لا نحـسن صنعا اذا نحن توقفنا عند بعض الأسماء التي شـقت وتشق لنفسها الدرب لتعـلن عن حضورها في دنـيا الاغـتراب، على المستويـات المختلفة، وتحديدا، عـلى المستوى الفـكري والثقافي؟" .
في تقديرنا ان عملا كهذا، من شأنه ان يسهم في اقامة الجسر بين جيل كان من قبل، وجيل قائم حاليا. ربما بين ذلك الجيل وجيل آخر، سوف تفرزه السنوات القادمة، انطلاقا من ان الاغتراب جزء لا يتجزأ من حياة البشرية عبر كل العصور والازمنة.
فمع من تكون وقفتنا اليوم اكثر حرارة من وقفتنا مع القائل عن نفسه " انا من الأرض المشرورة على فوهة بركان؟ "
ان قائل هذه العبارة هو الشاعر المغترب نعيم خوري، الشاعر الذي يوصف بانـه الواقف بين المنفى والارض الصلبة، أو بين بلد الإغتراب والوطن الأم .
هو من لبنان، وحضوره الحالي في استراليا، وبين المنفى والأرض المصلوبة، او الصلبة كما توصف.
يكتب نعيـم خوري الشعر.
فمـن خلال الشعـر، يقول الشاعـر، يطل على الكـون، والشعر، كما نعـلم، نافـذة الكلمة على المرئيات جميعا، وفي ثنـايـاه يكون التدفـق كتدفـق مياه النبـع الذي يتفجـر حتـى مـن قلـب الصخر.
مؤخـرا تشكلت في استراليا "رابطة إحيـاء التراث العـربي"، وهي من أكثر الروابـط الثقافيـة حضورا في السـاحة العربيـة الفكريـة في تلـك القـارة النـائية، وتشكـل احـدى القنوات الرئيسيـة بين أدب المهجرين في القـارة الاسترالية، وأدبـاء اوطانهم الأم .
نقول بالقنوات، لان مسألة الانفصال بين هـذا الادب وذاك، او بين هؤلاء الأدبـاء وأولئك، تطـرح بين الحين والآخر، من منطلق القناعة بأن البعيد عن العين بعيد عن القلب. ونقول بهـذه المسألـة لانه في تقدير البعـض، ان ادب المهجر ينفصل تلقائيا، عن الادب المقيم ان صـح التعبيـر، بينما المعـادلة الادق ان يقـال ان الاغتراب عـن الارض لا يعني بالضرورة، الاغتراب عـن الضمير والوجـدان القـومي والشرف الـوطني، وهذا ما قـاله صراحة الشاعر نعيـم خوري، للمحرر فـي أسبوعية "النهار الاسترالي" الصادرة في سدني.
الشاعـر نعيـم خوري، إبن بلدة بطـرام، في الكورة بشمال لبنـان، هو أحد المثـقـفين والشعراء الذين ينتمـون الـى جيـل الاغتراب الحديث في القـارة الاستراليـة .
هؤلاء هـم القنـاديـل، وهـم الموانئ البعيـدة القريبـة، الـذين يحملون في صدورهـم همـوم الوطـن وآلامه، وفي افئدتهـم يكمـن الحنين، ولا يكمـن سوى الحنين والشوق الى الارض والى الاهـل، ونبض الانتمـاء الى الجذور والتاريـخ .
وعلى هـذا النحـو، تغـدو المعاناة من بعـد المسافـات في المرتبـة الاولى، وخصوصـا فـي زمـن القـدرة على اختصار المسافات بوسائل الانتقال المتقدمة، وفي مواجهة ذلك تنمو المعاناة الاخرى، وهي المعـانـاة الحقيقية، حـين يكـون الوطن نفسه على فوهة بركان، كما ذكر الشاعر في ثنايا حواره، او على مشارف كارثة وطـنية، او في حـالة الاقتراب من ازمة ما تهـدد مصير ومستقبـل الارض او الانسان.
هـذه المعـانـاة التي ولـدت صروحـا فكريـة كبرى في اوائـل هـذا القـرن، بـوجه خـاص، في المغتـربـات الاميركية، لها دويـها في الذاكـرة الادبيـة للامـة العـربية تحديدا، وفي الـذاكرة الادبيـة الدوليـة عمومـا، ومثل هـذا الامـر ليس امراً خارج القاعـدة المـألوفة، لان من طبيعـة النفس البشريـة ان تنشد راحتهـا الابديـة فوق الارض التي شهـدت ولادتـها.
وأي نفس تفـوق نفس الشاعـر والفنـان والكاتـب رهـافـة في عصور التاريـخ؟ انهـا النفس التـي تبقـى تحتضـن الوطـن، لانهـا الـوطن نفسـه، مهمـا ابتعـدت، ومهمـا طـالت معها ازمنة الابتعــاد.
*
من قصائده: نشيد الإباء
يا أناشيد الحراب حرري هذي الروابي
كلما يعلـو صدانا
في أغاني كبريانا
صحنا تحيا سوريانا
نحن في التاريخ دنيا من مصابيح المعالي
نزرع الآفاق نوراً ساحقاً عتــم الليالي
مجدنـا حـق أبـي وانتصارات غوالي
ولنا الخيـر انطلاق في براعيـم الجمال
***
وإذا قلنا نظام هتف الجيش الهمام
كلمـا تاهـت رؤانا
وثبـت منـا قـوانا
نحن نحيي سـوريانا
واجب الابطال فينا علّم العزّ الجبانا
قد نشـأنا جبهة ذللت موج عـدانا
كلنا نبني لنحيـا، ولتحيا سـوريانا
وتراث العزّ في الدنيا بقايا من دمانا
***
وإذا ازددنا جهاداً زادت الدنيا عنادا
زوبع الكبر رجانا
فاندفعنا نتفانـى
ونحيي سوريانا
لا نخاف السجن او نخشى المنايا
كلما نلنا جراحاً قلنا يا طيب الرزايا
نحن للخلق، للإبداع، للثأر عطايا
يفخر المجد إذا ما كنا للمجد ضحايا
***
نحن اعصار الجهاد وزغاريد المبادي
في مناحات عدانا
رسم الثأر خطانا
وافتدينا سوريانا...
هوامش
(1) جان سالم: تولى مسؤولية منفذ عام ملبورن، الى مسؤوليات اخرى في معتمدية استراليا وفي منفذية ملبورن. عرف بثباته على ايمانه القومي الاجتماعي وصدقه وتفانيه.
(2) مدرسة عابا: صاحبهـا الرفيق جورج عبدالله، من فيع. وكان تولى مسؤولية منفذ عام الكورة. بعد وفاته، وتكريماً له أقيم تمثال وسط ساحة قريته فيع.
(3) ميشال علاغا: معروف ايضا باسم ميشال جبـرا. كان مدرسا، وتولى مسؤوليـات حزبية محلية.
|