الدعوة أعلاه وجهت الى عدد كبير من الأحباء رفقاء ومواطنين في بيروت والمناطق المجاورة، اشكر من لبى الدعوة بحيث ان مسرح المدينة ضاق بالحضور، واخص بالشكر حضرة رئيس الحزب الأمين ربيع بنات، رئيس المجلس الأعلى الأمين عامر التل، رئيس المجلس الأعلى الأمين سمير رفعت(1)، رئيس الحزب السابق الأمين يوسف الأشقر وزوجته، رئيس الحزب السابق الأمين فارس سعد، الوزير والنائب السابق الأستاذ بشارة مرهج وزوجته الدكتورة ، امين عام المجلس اللبناني السوري الأمين نصري خوري، رئيسة مؤسسة سعادة للثقافة الرفيقة الدكتورة ضياء حسان، أعضاء مجلس أعلى، عمد، منفذين عامين، الى جانب الرئيس الفخري للمجلس الوطني للجامعة اللبنانية الثقافية في العالم في جمهورية بنين الرفيق نمر ثلج، محافظ الجنوب السابق الرفيق حليم فياض، الامينة ناديا مسعد حجل، وعدد كبير لوجوه من احباء يصعب تعدادهم.
ابتدأ الحفل بالوقوف دقيقة صمت على أرواح شهداء الامة، وبكلمة موجزة من وحي المناسبة أعلنت الرفيقة ريان حسين الشيخ بدء الحفل بعرض فيلم يوثق مراحل حياة الأمين لبيب ناصيف على وقع نشيد الاشبال الذي شارك في اطلاقه عندما كان يتولى مسؤولية وكيل عميد الداخلية عام 1972،
التقدير لكل المتحدثين بدءا بالكلمة الترحيبية للامينة المميّزة نضال الأشقر، التي ابت الا ان تشارك رغم وجودها خارج الوطن وقد تلا الرفيق فادي عبد الخالق كلمتها، بحيث قدمّ المتكلمين مع الرفيقة ريان حسين الشيخ.
ختاما شكرت ابنة الأمين لبيب ايلينا الحضور ودعت الى حفل كوكتيل أعدّ لهذه المناسبة.
*
حضر الحفل رئيس الحزب الأمين ربيع بنات، وكل من رئيسي المجلس الأعلى الأمين سمير رفعت، وعامر التل الى أمناء، عمد ومسؤولين من كلا "التنظمين الحزبيين"(1) وأصدقاء واقارب.
الأمين لبيب ناصيف والى يساره زوجته الامينة اخلاص، والى يمينه حضرة رئيس الحزب الأمين ربيع بنات، والامناء: عامر التل، نصري خوري، يوسف الأشقر، الرفيقة كوكب نصري خوري، الامينة ناديا مسعد حجل، الرفيقة ضياء حسان، السيدة مي يوسف الأشقر، والأمين محمد غملوش..
اما المعذرة فموجهة الى جميع الذين لم تصلهم الدعوة لاسباب لا يمكن حصرها، ومن بينهم رفقاء اعزاء يؤسفني عدم حضورهم، واعتبر ذلك خسارة آمل ان اعوضها في أي مناسبة او لقاء مقبل، كما المعذرة عن أي خطأ قد حصل دون تنبه من لجنة الاستقبال او من اللجنة المنضمة للاحتفال ونعتبر ذلك من هفوات قد تحصل في أي مناسبة مماثلة.
*
كلمة الامينة نضال الاشقر:
"ان تكرس حياتك يا حضرة الأمين من أجل إيمانك بالقضية ليس بمهمة عابرة بل هو العبور بالحياة من ايمان وتطلع الى حياة أفضل. وان تضحي بكل وقتك لتدوين حياتنا وأن تضحي بكل ساعة لمتابعة حياة الآخرين من الذين أعطوا كل نقطة من دمائهم لهذه الأمة أمر عظيم وعظيم جداً.
فهنيئاً لنا بك يا حضرة الأمين لبيب ناصيف لقد كرست حياتك وحياة عائلتك وصحتك من أجلنا جميعاً ومن أجل هذه الشبكة الإنسانية من المحبة والمعرفة المنتشرة في العالم.
لقد عملت في الظل ما يتبجح به غيرك في العلن ومضيت قدماً من أجل ما هو حق وخير وجمال.
وفقك الله دائماً وتحيا سورية ويحيا سعادة".
*
كلمة الأمين يوسف الأشقر
"أريد ان أؤكد، من جديد، على المبدأ الأساس الذي قامت عليه قوميتنا الاجتماعية، وهو قدسية المجتمع والأنسان، الذي استمدّته نهضتنا من تاريخ أمتنا وتراثها.
كان ذلك خلافاً لما قامت عليه القوميات الغربية وبعدها مجمل القوميات في العالم، وهو مبدأ قدسية السلطة، الذي استمدته تلك القوميات من التراث الاسبارطي – الافلاطوني، أساس الكلاسيكية الثلاثية: اليهودية – اليونانية – الرومانية.
وأريد، هنا، ان أضيف ما هو الأهم في وقتنا الحاضر، وهو أن مبدأ قدسية المجتمع والانسان، في الصعيد القومي وفي الصعيد الإنساني العام، هو الوحيد الذي يمكنه ان ينقذ الإنسانية، الآن، من جنون قدسية السلطة التي باتت تهدّد مصير الإنسانية في القرن الحادي والعشرين.
كيف تتجسّد قدسية المجتمع والانسان. تتجسّد اولاً وأخيراً في العلاقات، وتحديداً في العلاقات التي تعتبر "الآخر شريكاً. والشركة (الشراكة بالعامية) تقوم على التكامل لا على الكمال الفردي ونزعته الفردية المريضة.
وهذا يوصلنا الى مفهوم الانسان – المجتمع.
واذا كانت قدسية المجتمع والانسان تتجسّد اولاً وأخيراً في هذه العلاقات، فحياة الأمين لبيب ناصيف، من أوّلها حتى الساعة، ومن دون انقطاع ليوم واحد، وهبها كلّياً لهذه العلاقات بالذات: العلاقات الحزبية والإدارية، والعلاقات الإنسانية.
رافق سيرة الرفقاء والأصدقاء واحداً واحداً، وتابع سيرة نضالهم "خطوة خطوة"، ليس فقط من الناحية الإدارية والعملية، بل من الناحية الإنسانية. كان شريكاً لهم في آمالهم واحلامهم وتضحياتهم الإنسانية الكبيرة، وشريكاً في الامهم وصبرهم العظيم على الصعاب والمِحَن والتجارب المريرة.
ومع الرفقاء والأصدقاء عبر الحدود، كان الأمين لبيب رفيق حياتهم والاقرب إليهم في غربتهم، فكأنه مقيم معهم في كل بيت.
كان حلقة الوصل بينهم وبين الحزب والوطن، كما كان حلقة الوصل في ما بينهم وهم في مغتربات متباعدة.
يبقى ان نعرف ما هي الروحية او الخُلُقية التي حكمت علاقاته.
بكلام بسيط، رأى الأمين لبيب، دائماً، في كل رفيق او صديق خير ما فيه، واستدعى منه خير ما فيه.
تركيز رؤيته على الفضائل والقدرات وتركيزه على استدعاء الفضائل والقدرات كان السبيل الى تعزيز هذه الفضائل والقدرات وتفعيلها، وتغليبها على كل ما هو سواها.
وأنا اشهد، من خلال تحمّلي مسؤوليات حزبية على امتداد عدّة عقود، جنباً الى جنب مع الأمين لبيب في مركز الحزب، لا اذكر انني وقعت في تقاريره وأحاديثه على ذكر سلبية واحدة بحق أي رفيق.
كان يتكلم احياناً عن بعض الأخطاء في العمل لا في العاملين، وهي أخطاء كان يسارع الى معالجتها ويدعو الى تفاديها.
وكشاهد آخر على هذا الشأن النبيل في شخص الأمين لبيب، يمكنكم ان تقرأوا الكتابين اللذين نحن في صددهما في هذا اللقاء،
كتاب مذكّراته وكتاب تاريخ الحزب في بيروت.
على امتداد ستماية صفحة في هذين الكتابين، حيث السيرة الشخصية لحوالي مئة رفيق، وحيث الاخبار عن مئات الرفقاء الآخرين، لن تقعوا على ذكر سلبية واحدة بحق أي شخص. ستجدون ذكراً لبعض الأخطاء في العمل لا في العاملين، كما قلنا سابقاً.
استكمالاً لهذه النقطة بالذات، اريد ان اختم كلمتي بأمنية اتوجّه بها الى الحضور الكريم، وهي ان نشترك جميعاً بما يمكن اعتباره مكافأة العمر للأمين لبيب ولعائلته الكريمة التي كانت له خير رفيق وشريك في حياته وأعماله وتضحياته، وفي صبره الطويل والنبيل.
المكافأة هي التالية:
اذا كان الأمين لبيب قدوةً من حيث نظرته الى "الآخر" وتعامله معه، سواء كان هذا الآخر رفيقاً او صديقاً، فلننتقل من مجرّد اعتباره قدوةً في هذا الموضوع الى الاقتداء به بالفعل، بدءاً من هذا الاجتماع، ونحن هنا بالمئات، وامتداداً الى الأيام والاسابيع المقبلة مع الآلاف من رفقائنا وأصدقائنا.
بهذا تكون مكافأة العمر للأمين لبيب وعائلته الكريمة،
وبهذا يكون احياء لآمالنا بقضيتنا
*
كلمة الوزير والنائب الأستاذ بشارة مرهج
"بينما كان في السوق يطلب ورقاً وخبزاً لمح الجاحظ جارية جميلة ضالعة في الشعر والموسيقى فأنجذب إليها. وكان الجاحظ قصير القامة فقال لها انزلي كي تعرفي عجائب الدنيا. قالت والابتسامة تعلو ثغرها الحالم أطلع انت لترى الدنيا وجمالها.
الطلوع مع الصديق العزيز لبيب ناصيف صعب، والنزول أصعب، والمتاح هو الاقتراب والاتحاد معه. فهو لا يعرف الطلوع والنزول، وانما يعرف طريقاً مستقيماً وحيداً يسير عليه دون أن يلتفت يمنة أو يسرة: انه الطريق الذي شقه منذ قرن أنطون سعادة زعيم الحزب السوري القومي الاجتماعي ومؤسسه ورائد نهضته.
لبيب لا يريد سواه لأنه مقتنع به بكل جوارحه وملتزم عنيد بتعاليمه وفلسفته التي تأبى التحجر او الجمود. مسيرته مجموعة خيارات وخطى وكلها تحديات واجهها بروية وعقل واتزان، لكن اذا اشتد الخطب تحول الى صخرة متماسكة متحركة عصية على صنوف الدهر ومكائده. على انه في ثباته وجوره على نفسه. ليس من الثائرين على هواه، انما يعرف في الملمات كيف تكون المناورة والاستفادة من مخزون علاقاته الحزبية والعائلية والمهنية والسياسية لتجاوز مرحلة سادها استبداد او تنفيذ مهمة للحزب زرع فيه كنوزه واودع في آماله.
هو دائما يتطلع الى المستقبل مدركا ان الماضي استقر في ذاكرة الزمن ولا يمكن تغييره، ولكن يمكن ويجب الاستفادة من دروسه وعبره وسجلاته لتطوير الأوضاع المستقبلية والتي ينبغي ان ترتبط بالماضي دون ان تغرق فيه او تتجمد عنده. ولأنه يهتم بمستقبل الحزب والمجتمع فلا مندوحة من تدوين وتوثيق ودراسة هذا الماضي لاكتشاف مواطن الخلل فيه لتجنبها، كما مواطن القوة للبناء عليها. وتلك لعمري مهمة شاقة تستلزم الدقة والمهارة والمثابرة كما تستلزم الأمانة والانحياز الى الحقيقة والشعور العميق بالمسؤولية والعناية بالتفاصيل التي لا تختلف في تعرجاتها عن انفاق غزة.
وكما وقع لبيب على هذا المهمة وقعت عليه، وكأنها تلمست فيه ما يعرفه القوم عنه من ذكاء وإخلاص لحزبه العلماني والنضال على طريقه بالقول والفكر والعمل.
وفي تركيزه على هذه المهمة ارتقى لبيب درجات على طريق البناء والتنظيم ليس لانه اكتشف أهمية التدوين والتوثيق والارشفة فحسب، بل لانه أيضا مارس فضيلة العمل في هذا الحقل بإندفاع وحماس مستنيراً بمن سبقه، مؤكداً ان الحياة السياسية والحزبية ترتقي بدورها كلما إنبنت على الحقائق والوثائق، وكلما اعتمدت المراجعة الموضوعية التي تنبع من الضمير وتستهدف قبل الرد والافحام الإضاءة على الثغرات والاخطاء بغرض التنوير والتطوير مما يوفر للقيادة الفرصة الأفضل للتجديد ومقاومة الاجترار وما يستتبعه من فساد او غلو قلما يسلم منهما حزب.
من على شرفة منزلي في المصيطبة، قبل ان تخسر تلك المحلة الجميلة بعض ألقها والوانها، ما كنت اراه الا سائراً في الشارع متأبطاً كتباً ونشرات وملفات، فأسأل نفسي الى اين يذهب هذا الرجل كل يوم؟ الى سوق الوراقين ليزيد أوراقه اوراقاً، ام الى سوق عكاظ ليدلي بدلوه مناقشاً محاججاً بالكلمة او بسواها ان استدعي الامر. بعدما تعارفنا، وكان اخوه جورج الكاتب اللامع من أصدقائي، أيقنت اني أمام رجل ذكي متمرس يحترم الحياة، له هدف صعب المنال يسعى اليه واثقاً مبتهجاً وكأنه يؤدي رسالة ملكت منه العقل والقلب. من البديهي ان يكون هدفه حزبه سلامةً ونجاحاً، ولذلك قال لبيب ناصيف لنفسه ولرفاقه: ان تحقيق الهدف لا يكون الا بالنضال الجاد واحترام النظام والتزود بثقافة الحزب وتحويله الى مؤسسة عصرية تواكب التطورات وتفقه المتغيرات وتتبنى التقنيات لتكون بمستوى التحديات، خاصة تلك التي تمثلها المنظومة الصهيونية الاستعمارية التي تحتل فلسطين وتهيمن الى درجة كبيرة على الاقتصاد والسياسة والتعليم في منطقتنا، هيمنتها على بعض الأنظمة والمؤسسات والجمعيات.
فالرجل الذي تسلّم مختلف المسؤوليات في الحزب في الداخل وعبر الحدود وكان موضع ثقة قياداته ومناضليه، وتصدى برباطة جأش لمختلف المشاكل التي واجهته بما فيها التنكيل والحصار والاعتقال. لم يفقد البوصلة التي كانت تدله دائما على طريق الصمود والكفاح والبناء، لذلك كان ينشط ويتواصل وينظم ويقود وسط الانواء والعواصف التي تتالت على المؤسسة يوما بعد يوم.
وبحرص شديد وعمل دؤوب، كان ولا يزال، يحفظ ذكريات ونضالات حزبه ويعتبرها مهمة نضالية وادبية واخلاقية لأنها تملأ فراغاً كبيراً وتمنح الحزب وسائل عمل مجديه وافاق عمل جديدة.
ويكفي لبيب ناصيف انه أضاف وكان ولا يزال من خير العاملين في ساحات النضال يداوي الجراح وجرحه يسيل ويرأب الصدع بيديه العاريتين ويكتب بيراع انهكه التعب ووجهه وضاح وثغره باسم وكأنه سيزيف يدحرج صخرته ولا يتوقف.
لكل ذلك يستحق لبيب ناصيف التكريم.
وننوه هنا بمساندة رفاقه له في انجاز اعماله المميّزة.
ولا ننسى دور عائلته الكريمة اخلاص وايلينا وسمر في مساندته ودعم مسيرته على طول الخط. ختاماً قرأت كتابيك بشغف وازددت علماً. عليك بالمزيد فلا بديل عن الكلمة ولا سيما عندما تكون في موقعها ولها الأثر والفعل.
فتحية من القلب للرفيق الامين لبيب ناصيف وحزبه المناضل.
والسلام لكم جميعاً .
*
كلمة الرفيقة الدكتورة ضياء حسان
حضرة المسؤولين المحترمين رفقائي الأعزاء،
حين طُلبَ مني أن أقولَ كلمةً في تكريمِ الأمين لبيب ناصيف تلبكتُ... تلبكتُ لأني لم أعمل معه. ولا بد أن غيري مما عمِلَ معه أن يَفيهِ حقَه ويتحدثَ عن سماتهِ بطريقةٍ أفضلَ مني. فقد عَرفتُ الأمين لبيب وأنا صغيرةٌ بعد خروجِ والدي من السجن. كان يترددُ مع غيرهِ من الرفقاءِ على بيتِنا للإجتماعاتِ التي يتشاركُ فيها المسؤولونَ الحزبيون، ومن خلالِ زياراتي الى المركز فيما بعد. بعدها سافرتُ مدةً طويلةً خارجَ الوطنِ كنتُ في معظمِها منقطعةً عن العملِ الحزبي لرفضي النهجَ الذي كان يسودُ المؤسسةَ الحزبيةَ في ذلك الوقت، ولكني بعدَ عودتي الى الوطنِ تعرفتُ عليه أكثر.
فما عرفتُهُ وما سمِعتهُ عن صفاتِ الأمين لبيب، هو ما يُجمعُ عليهِ كلُ من عرَفَهُ ومن عمِلَ معهُ. فهو الأمينُ الأمين... على هذه النهضةِ، وهو مناضلٌ دائمُ الحركةِ، متواضعٌ كالسنبلةِ الزاخرةِ بالقمح... معروفٌ بمناقبيتهِ وأخلاقهِ العالية، بالمثابرةِ والتصميمِ والعملِ الجاد والالتزامِ المناقبي الثابتِ الاستثنائي، حتى أصبحَ نموذجًا للتفاني والعملِ الجادِ الدؤوب. هو الذي سكبَ قلبَهُ وروحَهُ في كلِ مهمةٍ وكلِ مسؤوليةٍ أنيطت به.
تاريخُهُ... يشهَدُ له بتقديمِ مصلحةِ الحزبِ على مصلحتهِ الشخصيةِ وذلك عندما اعطاهُ بنك دي روما فرصةً ذهبية ًفي ليبيا، رفضها للإمتثالِ بقرارِ رئيس الحزب لتحملِ مسؤوليةٍ فيه.
شخصيتُهُ... تحتلُ مَساحةً كبيرةً في قلوبِ جميعِ القوميينَ لتميُزِها بروحٍ إنسانيةٍ ولطفٍ وصفاءٍ وابتسامةٍ نابعةٍ من القلبِ الابيضِ والبالِ الطويل، والصدرِ الواسعِ الرحب، فهو لا ينتظرُنا لنطمئنَ عليهِ بل يبادرُ بشكلٍ دائمٍ للسؤالِ عن رفقائِهِ إن كان في الوطنِ أو عبرَ الحدود. وأهمُ ما يميزُهُ في هذه الظروفِ الصعبةِ التي يمرُ بها حِزبُنا أنهُ لا ينقِلُ الا الخبرَ الذي يرفعُ من معنوياتِ رفقائهِ ويحرضُهم على العملِ، ويرفضُ نقلَ الخبرِ السيء الذي مع الأسف يجتهدُ بعض القوميينَ في نشرهِ على صفحاتِ التواصلِ الاجتماعي.
الأمين لبيب... هو ذاكرةُ الحزبِ، هكذا يلقبونَهُ. اهتمَ بالذاكرةِ الحزبيةِ لتبقى للأجيالِ التي لم تولد بعد. تزورُهُ في بيتهِ فتراهُ غارقاً بين أوراقِهِ وأرشيفِهِ المتناثرِ في كلِ غرفةٍ وزاويةٍ من منزلِهِ وفوقَ السريرِ وتحتَهُ حتى يكادُ يتلحفُ به. أرشفةُ تاريخِ القوميينَ ونضالاتُهم يأخذُ كلَ وقتِه، فتراهُ يعملُ وكأنَهُ يسابقُ الزمنَ ناذراً نفسَهُ لهذا العملِ. فهذه المروياتُ التي يوثِقُها تضيءُ على تاريخِ عطاءاتِ رجالاتِ نهضتِنا ونسائها ونضالاتِهم وآلامِهم وما تعرضوا لهُ سجناً ومُلاحقةً وتشرداً واعتقالاً، فيشكلوا زوادةً للأجيالِ القادمةِ يتغذونَ منها فتعطيهُم زخماً للنضالِ الذي تميزُهُ المناقبُ والأخلاق.
يصفونَ الأمين لبيب بصفاتٍ جميلةٍ وعديدةٍ ولكني أودُ أن أضيفَ عليها صِفةً خاصةً تؤثرُ فيَّ شخصياً وهي العنادُ على الإستمرارِ في العملِ رغمَ الإحباطاتِ العديدةِ. أراهُ يعمَلُ في ظروفٍ صعبةٍ وحيداً رغمَ شِحِ الإمكانياتِ المتوفرة لهُ وتقدمِهِ في السنِ وتعرضُهِ بشكلٍ دائمٍ لعوائقَ كثيرةٍ ُتصعِبُ عليهِ العملَ وتُراكِمُ الإحباطاتَ التي تحيطُ به من كلِ جانبٍ. إحباطاتٌ تتكفلُ بأن يستسلمَ لها المؤمنُ الصلبُ، ولكنهُ يديرُ لها ظهرَهُ ويبقى قابضاً على جمرِ المبادىءِ يعمَلُ ولا يبالي إذا احترقت يداهُ فهو كالفارسِ الذي يُرهِقُ حصانَهُ حتى الموت. حين أكونُ أعملُ على برنامجٍ بجهدٍ وتُصيبُني الإحباطاتُ وما أكثَرها أتذكرُ الأمين لبيب فأخجلُ من نفسي.
شكراً لكَ أمين لبيب فصورتُكَ أصبحت من ضمنِ الصورِ التي أعلِقُها على جدارِ قلبي كتعويذةٍ لطردِ الاحباطِ.
*
كلمة الأمين نصري خوري
حضرة الأمين المحتفى به
أيها الحفل الكريم،
آن الأوان لأن يكرّم المنتج فكراً ونضالا والمترهبِّن في صومعة العقيدة القومية الاجتماعية قبل الرحيل، وما لقاؤنا اليوم للإحتفاء بصمود سنديانة شامخة عتيقة وعريقة في ساح الكفاح الا مجرد عربون وفاء وتقدير لمسيرة طويلة كانت دائماً وأبدا مليئة بالأشواك والجراح النازفة من أجل نهوض هذه الأمة واحتلالها المكانة التي تليق بتاريخها وحضارتها.
فمن من عتاق الرفقاء والامناء الذين كانوا الى جانب الأمين لبيب في مسيرة النضال لا يتذكر في فترة العمل السري في أواسط الستينيات الرفيق لبيب ناصيف العامل في أكثر من ميدان والمتحمل لأكثر من مسؤولية فمن مثلا من مناضلي تلك الأيام الصعبة لا يمر في خاطره، وفي لحظة صفاء قومي، ذلك المسؤول الذي اسمه لبيب ناصيف الذي كان يسابق الرفقاء في طريقهم الى السجن. ومن منا لا يتذكر عميد عبر الحدود المسكون بهاجس ربط الرفقاء في دنيا الاغتراب بوطنهم عبر توثيق علاقتهم بحزبهم ومؤسساتهم والذي اسمه أيضا لبيب ناصيف.
منذ عرفته تعرفت الى رفيق مسكون بهاجس النهضة وبهاجس النضال اليومي من اجل ان يكون ذلك القومي الاجتماعي الذي أراد سعاده ان يشار إليه إن سار على الطريق بأنه قومي اجتماعي. ولطالما كانت قناعته الراسخة بأن ليس كل من يقول انا سوري قومي اجتماعي ويستشهد بأقوال سعاده يدخل تلقائياً ملكوت النهضة القومية الاجتماعية بل عليه ليستحق هذا الشرف ان يمارس عضويته بروح رسولية وان يؤمن فعلا لا قولا بان كل ما فينا هو من الامة وللأمة.
والأمين لبيب الذي آمن وجسد عبر مسيرته الطويلة بأن النهضة كانت وستبقى منارة تنير طريق شعبنا والسبيل الوحيد للخروج من الظلمة الى النور، ادرك ايضاً بأنه ومنذ تاريخ تأسيس هذا الحزب بأن اعداد الذين حملوا المشعل هم كثر وان من حق الأجيال الجديدة ان تتعرف على سيرتهم ومسيرتهم لذلك حمل على اكتافه أعباء الكتابة عنهم وتحمل مسؤولية عجزنا جميعا عن تحملها أعضاء ومؤسسات. ولولا هذا الجهد الذي يبذله هذا الأمين المؤتمن لضاع الكثير من عبق تلك المراحل النضالية الحافلة بالعطاء والإنتصارات والإنكسارات. ولولاه لما تمّ تسليط الضوء على الكثير من الجوانب الإيجابية في مسيرة نهضتنا في زمن يتفنن العديد منا في التركيز على الأخطاء والعثرات لا على البطولات والتضحيات.
ان إصرار الأمين لبيب على متابعة هذه المهمة وعلى تدوين هذا الجزء المضيء من تاريخ نهضتنا لخير دليل على ان للنهضة مجرى سيستمر في الحفر في تاريخ هذه الامة وبأن الأجيال التي ناداها سعاده ولم تولد بعد ستتمكن في يوم من الأيام من تحقيق ذلك النصر الموعود، وما البطولات التي يسجلها أبناء غزة وشعبنا في الجنوب السوري وفي كل بقعة من بقاع هذه الامة سوى محطة من محطات هذا الصراع الوجودي الذي استشعره سعاده ودعانا الى مواجهته عبر بناء المجتمع الجديد والإنسان الجديد وهي مهمة شاقة وصعبة ولكنها ليست بالمستحيلة وها هي وقفات العز في فلسطين ولبنان ودمشق وبغداد تؤكد بأن الفجر الجديد آت لا محال وبأن الدماء التي روت وتروي تراب هذه الأرض ستزهر يوما مهما طال الانتظار.
*
العهد الذي قطعناه يا رفيقي يوم أقسمنا اليمين والتزمنا به وحاولنا ان نرتقي الى مستواه سنحاول ان نبقى أوفياء له علنا نتمكن من اضاءة ولو شمعة صغيرة في عتمة هذا الليل الطويل. وهذا ما آمنت به انت وجسدته وما زلت في كل مراحل حياتك وتوجته بهذه الكلمات التي جمع بعضها اليوم في كتابين والتي نأمل ان نشهد في الأيام المقبلة إصدارات أخرى بكل ما دونته وما زلت تدونه حول نضال الكثير من الرفقاء الذين غابت أسماؤهم عن ذاكرتنا وذاكرة الأجيال التي تعاقبت على تحمل مسؤوليات في مؤسساتنا المتعددة.
فمبروك لك الإنتاج الغزير وانت تستحق كل تكريم لانك من أبناء الحياة الذين اقسموا وكانوا وما زالوا أوفياء لقسمهم. وعلى أمل اللقاء في محطات أخرى.
اشكركم جميعاً لأنكم اتحتم لي الفرصة للعودة الى لحظة صفاء ولو بعد طول غياب.
*
هوامش:
(1) يؤلمني ان اظطر الى ذكر الحالة الانشقاقية في الحزب وادعو جميع القوميين الاجتماعيين في الوطن والمهجر الى العمل الصادق والحثيث لعودة الحزب الى وحدته فيقوم بدوره النهضوي المطلوب في القسم.
|