منذ ما يزيد على عشر سنوات، نشرت نبذة تضيئ على سيرة الرفيق جورج بشور الذي، من مسؤولياته، ان اختاره سعادة ناموسا في مكتبه، بعد عودته من مغتربه في اذار1947.
في تلك النبذة تحدثت ايضا عن شقيقه الرفيق فيكتور بشور الذي، كما الرفيق جورج، تولى مسؤولية مدير مديرية في الاشرفية، وعن ابن شقيقته الامين الياس بشعلاني، واوردت معلومات كانت وردتني من شقيقه المواطن بدرو، المقيم في المكسيك، وكان صديقا وفيا للحزب.
المواطن بدرو الذي كان وافاه الاجل في شهر كانون اول 2012، اوصى بنقل رفاته الى الوطن فيوارى الثرى الى جانب والديه ومن سبقه من افراد عائلته.
مؤخرا حضر الامين الياس وشقيقه المواطن ادمون بشعلاني لتحقيق رغبة خالهما بدرو.
بدورها قررت عائلة الرفيق الراحل جورج بشور ان تنقل رفاته من مدافن مارمتر، حيث كانت الحرب اللبنانية قد حالت دون وصول المشيّعين الى صليما فدفنه في مدافن العائلة فيها.
فتقرر ان يتم ذلك يوم السبت 7 ايلول في صليما، بحضور عائلي وصديق .
وللمناسبة اعيد تعميم النبذة التي كنت أعددتها عن الرفيق جورج بشور.
*
جورج بشور، ناموس سعادة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
تعتبر صليما من البلدات في المتن الأعلى التي رافقت نشوء الحزب مع بدء سنوات التأسيس الأولى إلى جانب "بزبدين" التي كانت من معاقل الحزب، وبرز فيها رفقاء مناضلون أمثال أمين سري الدين، المحامي أديب معضاد، كميل خوري وجميل معضاد.
أحد رموز الحزب في صليما الرفيق جورج بشور الذي عرفته منفذية بيروت مديراً، ناظراً للإذاعة، وناموساً لسعادة بعد أن كان عاد من المغترب، في آذار عام 1947. كما عرفته صليما مواطناً مشعاً بالأخلاق، وما زالت حتى تاريخه تذكره بكثير من التقدير .
عرفت الرفيق جورج بشور جيداً منذ أواخر الخمسينات، وبقيت ألتقيه إلى أن اندلعت الحرب المجنونة، فافترقنا بالجسد إنما استمر الاتصال، أطمئن عنه ويطمئن عني إلى أن وافته المنية عام 1991 .
الذين عرفوه، يدركون معي كم كان رصيناً، هادئاً، مؤمناً، عميقاً في معرفته بالعقيدة، مترفعاً عن كل هوى، صادقاً مع نفسه ومع الآخرين، وملتزماً بالقضية بوعي وبعمق .
كنا نلتقي كثيراً على صعيد العمل النقابي، فقد كان موظفاً كبيراً في بنك مصر – لبنان، وكنت قي الستينات في مصرف " بنكو دي روما " وكنا نلتقي أيضاً لدى صديقه ورفيقه، الذي هو صهري الرفيق ميشال صباغة، فتزداد المودة رسوخاً ومعها تقدير واحترام وحب كبير.
شقيقه الأكبر الرفيق فيكتور كان من الرفقاء الناشطين في الأشرفية، ومثل الرفيق جورج، تولى مسؤولية مدير مديرية الإقدام التي من أعضائها الرفقاء إدمون حايك، ولسن مجدلاني، جورج حايك، جميل صوايا، مارون حنينة، جورج عقل، نقولا قباني، ميشال صباغة، ديب صوفان وغيرهم (1) .
انتمى الرفيق جورج في أوائل الأربعينات في الجامعة الأميركية حيث كان طالب فلسفة. بعد عودته في آذار 1947 وانتهاء مذكرة التوقيف بحقه، راح سعادة يقرّب إليه عدداً من الرفقاء الطلبة الذين وجد فيهم كفاءة ووعياً، ويعهد إليهم مسؤوليات حزبية من أجل خلق قيادات جديدة، منهم على سبيل المثال جورج عطية، هشام شرابي، لبيب زويا، جورج صفير، فؤاد نجار، فوزي معلوف ومصطفى سليمان النبالي .
من هؤلاء أيضاً، الرفيق جورج بشور الذي عيّنه ناموساً له. حول ذلك يقول الأمين جبران جريج في مذكراته: " كان الرفيق جورج بشور يقدم للزعيم البريد الحزبي اليومي، قدم له مع الأوراق غلافاً مختوماً مما أثار استغراب سعادة. سأله الزعيم لماذا لم تفض هذا الغلاف ؟ فأجابه لأنه مكتوب عليه " سري " فرد عليه: " إن الناموس مؤتمن على الأسرار وفي النهاية ستطلع على مضمون الرسالة، لذلك عليك أن تمارس واجباتك فتطلع وتعطيني الخلاصة. هذا عمل الناموس. لأني إن اطلعت أولاً ثم حولت الرسالة إليك أكون أنا الناموس لا أنت ".
ويضيف الأمين جبران: " كانت المعلومات السرية التي تضمنتها الرسالة، تتكلم عن سعي قائد الجيش الأمير فؤاد شهاب لإنشاء أو لتجديد الإمارة الشهابية في لبنان ".
شقيق الرفيق جورج، المواطن بيدرو المقيم في المكسيك، أكد في رسالة شخصية أرسلها لي، على الواقعة التي تحدّث عنها الأمين جريج، مضيفاً أنه، (بيدرو) بعد كل محاضرة من محاضرات الزعيم (المحاضرات العشر التي ألقاها سعاده في منزل الرفيق خالد تلحوق تجاه الجامعة الأميركية) كان يرافق أخاه جورج إلى عمله في بيت الزعيم الذي كان بالقرب من الجامعة .
ويوضح المواطن بيدرو في مكان آخر أن الرفيق جورج " كان في جدل مع صديقه الصحافي جبران حايك الذي كان يتردد في الانتماء لاعتقاده بأن العقيدة القومية تتعارض مع إيمانه الديني، رغم تأكيد جورج عكس ذلك. فالدين هو علاقة الفرد بالخالق، والحزب يسعى فقط لخير ورفاهية الإنسان – المجتمع على الأرض، ولا يبحث في ما وراء الطبيعة. إلا أن جبران أصرّ على مقابلة الزعيم ليقتنع منه مباشرة. فأعد له الناموس مقابلة، أو أكثر، وبعد ذلك أقسم اليمين الحزبية أمام الزعيم وبحضور ناموسه " .
ويضيف: خلال شهر حزيران من العام 1949 كنت مع الناموس وبعض القوميين، كالعادة، على شرفة منزل الزعيم، فجاء خبر حادث المطبعة في الجميزة، وبعد حوالي الساعة حضر الزعيم. نحن لم نره، بل دعا الناموس حيث اجتمع به بضعة دقائق. بعدها خرج الناموس ليطلب إلينا مغادرة المنزل لأن حضرة الزعيم أشار إلى أن السلطات عازمة على ملاحقة الحزب.
خرجت أنا وأخي وبعض الحاضرين وبقي البعض الآخر. وما إن وصلنا قرب مدخل الجامعة حتى رأينا سيارات الأمن تدخل الشارع المؤدي إلى منزل الزعيم الذي كان غادره قبل دقائق، فتمّ اعتقال من بقي في المنزل كما علمنا فيما بعد .
وعن شقيقه الرفيق جورج، يقول المواطن بيدرو بشور:
" أعود إلى جورج بشور، الذي بدأ حياته الحزبية في أوائل الأربعينات، حتى وفاته في 4 أيار 1991، فهو بالرغم أنه لم يكن راضياً في بعض الأحيان عن سياسة الحزب بعد إعدام الزعيم، إلا أنه كان يدافع عن العقيدة والمناقب الحزبية في كل اجتماعاته في الحزب، وخارجـه، حيث كان القوميون في الأشرفية يدعون أصدقاءهم إلى اجتماعات تعقد، كل مرة، في بيت أحدهم. وفي أكثر الأحيان يدعون جورج ليحاضر أو ليشرح المبادئ، لأنه كان متعمقاً في فهم العقيدة ".
ويضيف: كان جورج لطيف المعشر، ظريف الكلام، ما عرفه شخص إلا صادقه، وبقي يزوره أو يتصل به. في أغلب اجتماعاته كان يرافقه ابن شقيقتنا الياس بشعلاني (2) الذي كان قد تأثر بالجو المنزلي، وبما كان يسمعه من خاليه الرفيقين فكتور وجورج، فانتسب إلى الحزب وحمل السلاح عام 1958 وبعد ذلك غادر إلى المكسيك وما زال ".
ويورد المواطن بيدرو حادثة جرت مع شقيقه الرفيق جورج توضح كيفية تعاطيه مع الآخرين، فيقول: " توجهت ذات يوم مع جورج لتفقد مزروعات لنا في أرض خارج صليما (بلدتهما) كنا قد رغبنا إلى أحد المزارعين الاهتمام بها. قبل وصولنا، وقد صدف أن المزارع كان غائباً في ذلك اليوم " شاهدنا من مسافة غير بعيدة أحد أهالي الجوار يقطف من البندورة المزروعة في أرضنا. قلت له ما العمل ؟ أجابني: هذا فلان، من الضيعة... لماذا نزرع العداوة برأس البندورة ؟ خرجنا عن الطريق العام واختبأنا وراء صخرة كي لا يرى المزارع أننا شاهدناه... وبالفعل مرّ فلان بعد نصف ساعة وقد وضع على دابته صحارتين من البندورة. في المنزل، سألت الوالدة لماذا لم نأت لها بالبندورة، فسارع جورج للإجابة: بعدهم خضر. احتفظنا بالسر ولم نكشف لأحد بما شاهدناه كي لا نسيء إلى سمعة فلان ولا نسبب له أي حرج ". حتى اليوم، يضيف بيدرو، لا أحد في البلدة يعرف بما حصل .
الأمين مصطفى عز الدين الذي عرف الرفيق جورج بشور جيداً أبدى للرفيق مارون حنينة إذ سأله عنه التالي: "أتذكر فيه هدوءه المميز ونظراته البريئة، عميق في فهم العقيدة، يشرحها ببساطة وعمق، مثقف، وخطيب " .
الرفيق مارون حنينة، بدوره، يقول عن الرفيق بشور: " كان ناظراً للإذاعة في منفذية بيروت في الخمسينات يوم كان الأمين جبران جريج منفذاً عاماً لها " .
" كان هادئاً، رصيناً، دائم الابتسامة، عميق في شرح العقيدة، إن في الجلسات الحزبية للمسؤولين في المنفذية، أو في السهرات الإذاعية وهو يحاضر فيها، أو في المناسبات الحزبية العامة، بليغ في اللغة والكتابة والخطابة " .
بهذا الترفع، بالهدوء المؤمن، بالرصانة المشعة بالمحبة والوفاء والإيمان العميق بالحزب، عاش الرفيق جورج بشور نضاله الحزبي، عضواً، مديراً، ناظراً للإذاعة، ناموساً لسعادة، ومنارة في كل محيطه تحكي عن الحزب – النهضة وتبشر بتعاليمه.
من عرفوه، أحبوه واحترموه واستمروا يذكرونه، وأنا واحد منهم.
هوامش
ـــــــ
(1) من بين هؤلاء الرفقاء من تولى مسؤوليات حزبية عديدة ونشط حزبياً. نذكر على سبيل المثال الأمين ولسن مجدلاني والرفقاء ادمون حايك، مارون حنينة، ونقولا قباني.
(2) هو الأمين الياس بشعلاني، مدير مديرية المكسيك المستقلة حالياً.
بطاقة هوية
ـــــــــــ
- جورج طانيوس بشور .
- ولد في صليما (المتن الأعلى) في 1/4/1926 .
- تزوج من السيدة تريز جورج خوري ورزق منها ابناً: زياد، وابنتين: ليا ولارا.
- حائز على شهادة إجازة في الحقوق من جامعة القديس يوسف في بيروت، وتابع فيها الدراسات المصرفية.
- كان من مدراء مصرف " بنك مصر ولبنان " .
- غادر منزله والأشرفية بعد الثورة الانقلابية، إلا أنه اضطر للعودة إليها مع شقيقه الرفيق فكتور، لحضور مأتم شقيقهما الأكبر توفيق في 23 كانون الثاني 1962، فتّم اعتقالهما بعد أيام واقتيدا إلى ثكنة الأمير بشير.
|