الحديث عن منطقة القويطع (الكورة) في الحزب السوري القومي الاجتماعي منذ بدايات التأسيس، وخاصة عن دور بلدة بتعبوره في اولى سنوات الحرب العالمية الثانية، وانتقال مركز الحزب إليها، يستأهل كتابا خاصا يأخذ من مذكرات حزبية، ومما توفر من مستندات تاريخنا، وتضيء على ما قام به مسؤولون مركزيون ومحليون ورفقاء في مرحلة من ادق الظروف الامنية واخطرها.
عن تلك المرحلة تحدثنا بإجاز في العرض الذي ععمناه بتاريخ 172013 تحت عنوان " من مراحل العمل الحزبي في فترة الحرب العالمية الثانية"، واشرنا فيه الى الدور الذي قامت به السيدة ديبة شاهين في بتعبورة، عندما انتقل إليها عميدا المالية الامين جبران جريج، والدفاع الامين في حينه مأمون اياس، محوّلين بتعبورة الى مقر للعمل الحزبي المركزي، بعد ان كانت السلطات الفرنسية قد اعتقلت العديد من المسؤولين والاعضاء وراحت تلاحق آخرين منهم.
وعندما غادر العميدان جريج واياس الى بيروت فاعتقلا، توجه الى بتعبورة الامينان عبد الله قبرصي وجورج عبد المسيح والرفيق نهاد ملحم حنا(1)
في الصفحة 537 من الجزء الرابع من مجلده من الجعبة، يفيد الامين جبران جريج بما يلي:
"بعد مضي بعض الوقت على وجودنا في كفرحاتا وبعد دراسة موضوعية، قررنا أن يستقر بنا المقام في "بتعبورة". لهذه الغاية حولنا بيت "رشيد" العتيق، المنزل المغمور بين جلالي التين والزيتون في طرف الضيعة، حولناه الى مكتب لاعمالنا الحزبية المركزية، كما اتخذناه، قي الوقت نفسه، مسكنا لنا. هكذا، حلت بتعبورة الضيعة، محل بيروت المدينة، في حمل أعباء النهضة القومية ".
ثم يضيف في الصفحة 540: " وصلنا الى منطقة القويطع والجو يخيم عليه هذا التوتر النفسي والملاحقة حتى الاعدام " كأيام زمن الاتراك ". في جوّ تهلع له النفوس الجبانة وتطير شعاعاً، وصلنا الى منطقة القويطع واتخذناها مركزا للحزب. دام فيها هذا المركز أكثر من سبعة أشهر، مارس فيها الحزب حياته النظامية كأن لا حرب هناك ولا طوارئ ولا من يحزنون...
" إن فترة مركزية الحزب في "القويطع" هي فترة تاريخية مشرقة في حياته، لها مغزاها العميق: تصميم على متابعة الصراع تحت كل الظروف، ممارسة الحقوق المدنية كاملة وذلك في ممارسة حقوق العضوية الحزبية، عملية الكتمان فلا واش ولا ثرثار يفضح وجودنا المركزي أو الشخصي ونحن مطلوبان من السلطة وأية سلطة!! الاعتراف بسلطة الدولة السورية القومية الاجتماعية على رقعة، وإن صغيرة من الوطن، رمزا للاستقلال والحرية فلا وصاية ولا انتداب ولا استعمار.
الاخلاص والولاء والمحبة والطاعة والانضباط، هذه القيم المناقبية السامية التي هي من خصائص الشعوب الراقية المتمدنة المتحضرة، كلها مورست على أفضل وجه. كل هذا يعطي الدليل العملي، الواقعي، الملموس، الحسي، على جدارتنا بمواكبة ركب الحضارة والمدنيّة في القرن العشرين".
في هذا البيت نشأ الرفيقان انطون ونسيم شاهين، واستمرا على التزامهما ونضالهما الحزبيين بعد ان هاجرا الى المكسيك، وكان لهما، خاصة الرفيق انطون، حضورهما الحزبي الناشط .
بتاريخ 582013 نشر منفذ عام الارجنتين الامين انطون كسبو الكلمة التالية بعد زيارة قام بها الى المكسيك مع عقيلته الرفيقة ليليانا، ننقلها مع التنويه بمضمونها:
" كنت في زيارة نقاهة الى منتجع كانكون مع زوجتي الرفيقة ليليانا وهذا المنتجع يقع في طرف المكسيك، وقد اتفقت مع حضرة مدير المكسيك الامين الياس بشعلاني انه، في العودة من كانكون الى العاصمة مكسيكو، سامكث عدة ايام لاتعرف على الرفقاء ولنتبادل الاراء والافكار حول ما نستطيع ان نعطيه اكثر لحركتنا، وهكذا كان.
خلال العودة الى العاصمة مكسيكو شرح لي حضرة الامين بشعلاني وضع الرفقاء ومنهم الرفيق انطون شاهين، واعلمني انه يمرّ في حالة صحية متدهورة، فكل يومين يأخذونه الى المستشفى وقد بات في سن متقدم، طريح الفراش، تقريباً، عديم الحركة. طلب حضرة الامين بشعلاني من العائلة موعدا للقاء فاعتذروا بسبب وضع الرفيق انطون المتدهور. وعندما ابلغني حضرة الامين باعتذار العائلة، اصريت على اللقاء، وطلبت من حضرة الامين بشعلاني ان يحاول اقناع زوجة الرفيق انطون بذلك وبالفعل تم ذلك، وبالتالي، تحديد الموعد. وصلنا الى دار الرفيق انطون وكان بانتظارنا خارج البيت، الرفيق سليم عاقلة(2). دخلنا البيت لاشاهد الرفيق انطون شاهين جالسا وفي حالة تدل على الجهد الكبير الذي بذله ليلبي طلب اللقاء.
"حييته بتحيتنا الرسمية وبالكاد استطاع ان يرفع يمينه للرد على التحية، بل تمتم بفمه: تحيا سوريا. وجلسنا نتطارح شؤون الحزب في الوطن وفي المكسيك وفي الارجنتين وهو يستمع بانتباه ويهز برأسه. خلال الحديث بدأ الرفيق انطون يعطي رأيه بصوت خافت، وكلما تقدمنا في الحديث واشتد الحوار كان صوته يعلو اكثر فاكثر حتى انه بدأ يعبر عن آرائه بتحريك يديه وبصوت مرتفع وجهوري. لاحظت ان زوجة الرفيق انطون التي قدمت الضيافة بالسخاء القومي الاجتماعي، كانت كلما تأتي بضيافة تقف، الى جانب زوجها، وتحدق به لحظة وتتابع سيرها الى المطبخ.
"وفي احدى المرات، وقفت وهي حاملة صينية الضيافة لتقاطعنا وتتوجه الينا بصوت عال ومرتجف: الله، من وين بعتك لعنا امين انطون. دخيلك ضلّ عنا، خليك عايش عنا. صار لنا سنة وهو ما بيحكي ولا بيتحرك، والله عجيبة يا جماعة والله عجيبة، عم يحكي وبصوت عال ويعطي رأيه. وتابعت كلامها وهي تجهش بالبكاء. للأسف اولادنا غير موجودين ليشاهدوا والدهم في هذا الوضع، وادمعت اعيننا مشاركة لهذه الزوجة المخلصة والرفيقة المجاهدة. الا ان دهشتنا كبرت عندما حان وقت الذهاب، فقد اصرت زوجة الرفيق انطون ان نظل على الغداء. تمنينا ذلك الا اننا كنا كلنا على موعد مع حضرة المطران انطون شدراوي وبعض افراد الجالية، فوقف الرفيق انطون بمفرده وقال: طيب، ناطرينكم على العشاء، فاعتذرت لان موعد اقلاع الطائرة مساء، فحيانا بتحيتنا القومية واخذنا الصور التذكارية لتظل للذكرى والعز والافتخار.
كلما تذكرت وزوجتي هذه الحادثة، تكبر في نفسي القضية التي انتمينا اليها وباتت تساوي وجودنا، بل ويخطئ من يفهمنا على طريقته السلبية فيعتقد اننا مجموعة تجمعنا افكار قد مضى عليها الزمن.
لن انسى كلمة الاستاذ الشيخ عبد اللطيف اليونس الذي توفي منذ فترة قصيرة (رحمه الله) وذلك في عشاء عندي في الدار وكان حاضرا الامناء خليل الشيخ وتوفيق اللي ورشيد سابا واسماعيل مرعي وعيسى سلامة(3) وبعض الرفقاء، وفي نهاية العشاء قال الاستاذ عبد اللطيف:
نحن في حزب البعث، قد نكون استطعنا ان نربح عليكم انتم القوميين بامور عديدة، الا في امر واحد لم نستطع مساواتكم فيه، وهو ارتباطكم ولحمتكم وتعاضدكم والدفاع عن بعضكم وعلاقاتكم العائلية، وان كان الفرد منكم لم يتعرف على الاخر.
سيرة ذاتية
- الاسم الكامل: انطون حنا شاهين
- مواليد 371931
- اقترن من الرفيقة ايرما جليل رحباني ورزق منها: ساندرا، ايرما، انطون ومونيكا.
- تولى المسؤوليات الحزبية التالية:
• مدير مديرية الاشبال في بتعبورة عام 1947
• مدير مديرية المكسيك في الفترة 1961-1967
• محصل في مديرية المكسيك سنوات عديدة
• قام بمسؤولية حراسة حضرة الزعيم عندما زار طرابلس عام 1948
• غادر الى المكسيك عام 1949
• منح وسام الواجب في 23102009
وفاته
بتاريخ 15 اذار 2010 اوردنا ضمن نشرة عمدة عبر الحدود وتحت عنوان "البقاء للأمة" الخبر التالي:
"كنا بتاريخ سابق نعينا الرفيق انطون شاهبن، أحد الرفقاء المناضلين الذين ساهموا في تعزيز حضور الحزب فيها. وحامل وسام الواجب.
وردنا من مدير مديرية المكسيك الأمين الياس بشعلاني أن القوميين الاجتماعيين، مع عائلة الرفيق الراحل والجالية، أقاموا الصلاة عن روح الرفيق شاهين في كنيسة مار جاورجيوس في العاصمة مكسيكو. بعد الصلاة القى سيادة المطران شدراوي كلمة مؤثرة عدد فيها مأثر الرفيق الراحل،"الذي كان مثالا للوطنية، وعضوا ناشطا في الحزب السوري القومي الاجتماعي، فلم يتوقف عن قيمة الصراع عاملا لرفعة حزبه وامته والجالية.
حُمل الرفيق انطون شاهين على أكف رفقائه، وقبل ان يوارى الثرى أدوا التحية السورية القومية الاجتماعية مستذكرين ما كان عليه طوال حياته الحزبية من تجسيد راق لمعاني القسم"
*
احتفال في بتعبورة، احتفاءً باستقبال الرفيقين جليل رحباني و انطون شاهين
نشرت جريدة البناء في عددها رقم 30 تاريخ 1481971 تقريرا عن الاحتفال الذي اقيم في بتعبورة، ننقل ابرز ما جاء فيه:
"اقيم في بتعبورة-الكورة احتفال لاستقبال الرفيقين المغتربين جليل رحباني وانطون شاهين وقرينتيهما، وكان الرفيقان قد حضرا الى لبنان للاشتراك في مؤتمر جامعة اللبنانين في العالم. حضر الحفلة عميد الاذاعة والرفقاء(4) قبرصي وسعادة وجريج وعدد كبير من الرفقاء والمواطنين كما كان بين المدعوين رئيس فرع جامعة اللبنانيين في المكسيك السيد ميشال خوري.
افتتح الحفلة الرفيق جبران جريج بكلمة قال فيها:
اسمح لنفسي بمخاطبتكم يهذه الصفة وانا واحد منكم وخصوصا في هذا المكان الذي ابدأ قي الكلام في هذه المأدبة العامرة دون استئذان وحولي ثلاث من كبارنا، عميد الاذاعة انعام رعد، الرئيس السابق الدكتور عبد الله سعادة ورئيس المجلس الاعلى المحامي عبد الله قبرصي.
اعود بالذاكرة وانا في هذا المكان بالذات، الى واحد وثلاثين عاما مضت يوم كانت الحرب القائمة في العالم وكانت هنا قائمة بين الحركة القومية الاجتماعية والسلطة المنتدبة الفرنسية فقررنا ان يكون هذا البيت في هذه القرية مركزاً للحزب.
ولا يمكنني الا ان اذكر بالاحترام والتقدير السيدة الكريمة، ربة هذا البيت، ديبة رشيد شاهين، التي ما رحبت بنا وحسب بل كانت لنا مثال الاخت العطوف او الام الرؤوم فارجو ان نشرب نخبها.
هي والدة رفيقنا المغترب انطون شاهين الذي نرحب به هذا المساء مع رفيقنا الاخر جليل رحباني وعقيلتيهما. هي والدة جنيفاف التي تقوم الان على خدمتنا في هذه الامسية اللطيفة هي واولادها القوميين الاجنماعيين.
اننا هنا في ضيافة عائلات قومية اجتماعية تفرعت من تلك الام الصادقة الايمان فاصبحت تحن للوطن الام فلا تحس بانها في ديار الغربة لوثوق علاقتها القومية بالثرى الحبيب.
الاهم من كل هذا، ان اختيارنا لهذا المكان مركزا للحزب السوري القومي جاء في محله اذ ان اهالي هذه القرية، بتعبورة، كلهم، برمتهم، عرفوا بوجودنا وكلهم من كبيرهم الى صغبرهم يكتم الخبر فنتصرف كأننا في حرية تامة، فلاحرب هناك ولا ملاحقة ولا عيون ولا ارصاد.
كنا نرسل المندوبين الى الفروع الحزبية في الوطن كله ويأتينا منها المندوبين. نزورها وتزورنا ونحن في عاصمتنا خذه، بتعبورة، امنون مطمئنون.
هذا عدا عن حياتنا المشتركة مع كل بيت من هذه البيوت دون استثناء، ان قومية اجتماعية او غير قومية اجتماعية. ثم تمتد علاقتنا مع باقي الفرى فيصبح القويطع كله تقريبا شريكا في "الجريمة"، جريمة التستير على مركز النهضة السورية القومية الاجتماعية.
ستة اشهر بقينا على هذه الحال وعند الرحيل زرعنا عند الشباك شجرتيّ غار لم تعيشا لسوء الحظ وحفرنا في الشباك تاريخ ورودنا وتاريخ انصرافنا.
ثم بعد ذلك القى الرفيق انطون شاهين كلمة اعلن فيها ايمان المغتربين القوميين الاجتماعيين بالنهضة وحيا صراع رجالها في الوطن.
ثم القى الرفيق عبد الله قبرصي كلمة قومية جامعة عن نضال المغترب القومي الاجتماعي في المهجر ودعا الى مضمون المذكرة التي قدمها الحزب الى مؤتمر جامعة اللبنانيين باعتماد اللغة العربية في تعليم ابناء المغتربين وشدهم الى الوطن. ثم القى السيد خوري كلمة حيا فيها نضال الحزب السوري القومي الاجتماعي.
والقى عميد الاذاعة الرفيق انعام رعد كلمة، اما كلمة الختام فكانت للرفيق الدكتور عبد الله سعادة.
هوامش:
(1) من ابطال الحزب ومن الذين انتموا في أوائل ثلاثينات القرن الماضي. من كفر حزير وسكان جل الديب. والده ملحم كان محاميا.
عممت عنه نبذة تضيء على حياته الشخصية والحزبية. لمن يرغب الاطلاع، الدخول الى الموقع التالي:
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية www.ssnp.info
(2) من كفر حبو. اقترن من ابنة الرفيق الراحل جليل رحباني.
(3) رحلوا جميعهم، وكان لكل منهم نضاله ومسؤولياته الحزبية.
(4) كانت رتبة الامانة قد الغيت في تلك الفترة، وبالتالي سقطت عن جميع حامليها.
|